ما يدور في جنوب لبنان، منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هو شكل من أشكال الحروب، أو هو حرب محدودة، وهو نمط عملياتي يتجاوز حالة العمليات المتفرقة وأدنى من الحرب الشاملة، وذلك بالنظر لطبيعة استهدافات الطرفين وحدودها ومقدار النيران المستخدمة فيها.
ثمّة إرادة سياسية من الطرفين تتحكم بشكل الصراع ونمطه، إذ ما زالت المستويات السياسية هي التي تدير الصراع، وأدوار المستويات الأمنية تقتصر على التنفيذ وتقييم الموقف، لذا يسود الحذر بدرجة كبيرة بين الطرفين من الانزلاق إلى حرب بمستوى نيران أعلى واستهدافات أكثر عمقا وأكبر تأثيرا.
وقد كشفت تطورات الصراع على جبهة جنوب لبنان، منذ أربع شهور، أن هذا الصراع لا تؤطره استراتيجية واضحة، وأن أحداثه تدور بدرجة كبيرة وفق مبدأ الفعل ورد الفعل ضمن مساحات محددة وفي إطار قواعد اشتباك متفق عليها ضمنا، ليس بين إسرائيل وحزب الله فقط، ولكنها مرعية إلى حد كبير من قبل أطراف إقليمية ودولية، بحيث لا تخترق المعادلات القائمة، والتي يجري التفاوض حولها ضمن العواصم الإقليمية والدولية، في القاهرة وباريس تحديدا.
كشفت تطورات الصراع على جبهة جنوب لبنان، منذ أربع شهور، أن هذا الصراع لا تؤطره استراتيجية واضحة، وأن أحداثه تدور بدرجة كبيرة وفق مبدأ الفعل ورد الفعل ضمن مساحات محددة وفي إطار قواعد اشتباك متفق عليها ضمنا، ليس بين إسرائيل وحزب الله فقط، ولكنها مرعية إلى حد كبير من قبل أطراف إقليمية ودولية
إذا هو صراع يهدف التأثير في مسارات تشكّل مرحلة ما بعد الحرب في غزة، وليس التأثير على الحرب الجارية في غزة، فقد أثبتت الأحداث أن جميع الجبهات المفتوحة، والمحسوبة كردائف للمقاومة في غزة، لم تؤثر بأدنى درجة على تطورات الحرب وحسابات إسرائيل وأمريكا، ولا الوضع العملياتي وخطط إسرائيل في غزة التي بقيت معزولة عن التطورات خارجها، والتي لم تصل مستويات تأثيرها إلى حد الانشغال عن استكمال المخطط الإسرائيلي الذي ظل يشتغل وفق حسابات داخلية صرفة.
بالطبع، ليس المطلوب من حزب الله خوض حرب قد تكون تداعياتها أكبر من قدرته على الاحتمال، في ظل ظروف متغيرة، لكن واضح جدا أن الحرب وحدها هي التي ستجبر إسرائيل على التراجع عن خططها في غزة وتخفيف حدة قتالها، وستضطرها حتما إلى وقف آلتها العسكرية على جبهة غزة، إذا تم بالفعل تطبيق نظرية وحدة الساحات، بغير ذلك فإن إسرائيل قادرة على التكيف مع الحرب المحدودة الجارية على جبهة جنوب لبنان دون أدنى تأثير على الحرب في غزة. وما يعزز هذا الاستنتاج حقيقة أن قدرات إسرائيل العسكرية واللوجستية وتجهيزاتها الميدانية؛ يمكنها التعامل مع المخاطر التي يفرضها إيقاع الحرب المحدودة على جبهة جنوب لبنان.
في هذا السياق، يبدو من التسرع القفز إلى تقديرات غير واقعية، من نوع أن الحرب قد تشتعل على الجبهة اللبنانية، انطلاقا من استهداف أكثر عمقا بقليل من نطاق الضربات الجارية بين الطرفين والتي لا تتعدى كيلومترات محدودة، والتي لم تعد تحتوي على بنك أهداف، جراء التحوطات التي أجراها الطرفان في أغلفتهما، بدءا من ترحيل كتل سكانية كبيرة إلى الداخل، في جنوب لبنان وشمال إسرائيل، وكذلك تعمد إخفاء وتمويه تحركات العسكريين، حتى أن الضربات من قبل الطرفين يمكن وصفها بضربات في المناطق الفارغة غالبا.
الملفت في الحرب الدائرة في جنوب لبنان، أن طرفاها مطمئنان، وبدرجة كبيرة، إلى أن هذه الحرب لن تتدحرج إلى حرب شاملة، قد يكون سبب هذا الاطمئنان معرفتهما بقدرات بعضهما، والمؤكد قراءتهما العميقة للمزاج الدولي والبيئة الاستراتيجية الراهنة، والأهم من ذلك، أن قرار هذه الحرب بيد فاعلين خارجيين يتفاوضون في هذه اللحظة على إجراء هندسة إقليمية لمرحلة ما بعد الحرب
الحرب في جنوب لبنان هي حرب سياسية، وإن كانت الحروب عامة هي امتداد للسياسة كما وصفها الاستراتيجي الألماني كلاوزفيتر، إلا أنها في لبنان تسير على وقع السياسة بدرجة كبيرة، بمعنى أنها تعاين ما يحصل في المفاوضات السياسية الجارية وتضبط إيقاعها عليها هبوطا ونزولا، سواء بدرجة كثافة النيران أو اختيار الأهداف. وربما كانت زيادة درجة العمق الأخيرة، وصولا إلى قاعدة عسكرية في صفد، والتي تلت خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، محاولة لدفع المفاوضات السياسية إلى الأخذ بالاعتبار التوازنات الميدانية والتغيرات التي يستطيع الحزب فرضها، كما أن الرد الإسرائيلي يأتي ضمن هذا الإطار والتصور.
الملفت في الحرب الدائرة في جنوب لبنان، أن طرفاها مطمئنان، وبدرجة كبيرة، إلى أن هذه الحرب لن تتدحرج إلى حرب شاملة، قد يكون سبب هذا الاطمئنان معرفتهما بقدرات بعضهما، والمؤكد قراءتهما العميقة للمزاج الدولي والبيئة الاستراتيجية الراهنة، والأهم من ذلك، أن قرار هذه الحرب بيد فاعلين خارجيين يتفاوضون في هذه اللحظة على إجراء هندسة إقليمية لمرحلة ما بعد الحرب، حيث تسعى إيران للحصول على دور أكثر تأثيرا وتلافي الخسائر في ظل محاولة فاعلين آخرين (من الإقليم وخارجه) تحصيل لأدوار ترى إيران إنها ستكون على حساب حصتها في الإقليم.
هي حرب معادلات وتوازنات، على الأرجح ستبقى منضبطة ضمن هذا السياق، وارتفاع مستوى شراستها أو انخفاضه سيبقى محكوما بدرجة كبيرة بالتفاعلات السياسية الجارية وليس بوقائع الميدان في غزة.
twitter.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان إسرائيل غزة حزب الله لبنان إسرائيل غزة حزب الله مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على جبهة جنوب لبنان فی جنوب لبنان بدرجة کبیرة هذه الحرب الحرب فی فی غزة
إقرأ أيضاً:
الصين تتأهب.. هل تندلع حرب تجارية عالمية بعودة ترامب إلى البيت الأبيض؟ (فيديو)
وسط القلق المتزايد بشأن اندلاع حرب تجارية عالمية جديدة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تستعد الشركات الصينية لمواجهة التأثير الاقتصادي المحتمل لرئاسة ترامب من جديد للولايات المتحدة الأمريكية.
وعرضت قناة «إكسترا نيوز» تقريرًا بعنوان «قلق متزايد بشأن اندلاع حرب تجارية عالمية جديدة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض»، يوضح أنه كان من المتوقع من ترامب فرض رسوم جمركية على الواردات من الصين، إلى جانب أن المصدرين يستعدون في ثاني أكبر اقتصاد في العالم لأي اضطرابات تجارية.
فرض رسوم جمركية على جميع الواردات إلى أمريكاوقال التقرير، إنه كان من المتوقع بُناءًا على وعود حملة ترامب الانتخابية، أن تشهد فرض رسوم جمركية على جميع الواردات تقريبًا إلى بلاده، مع التركيز الخاص على الواردات الآتية من الصين.
وفي المقابل، أعلنت وزارة التجارة الصينية سلسلة تدابير لتعزيز التجارة الخارجية، وتعهدت بزيادة الدعم المالي للشركات، وتوسيع صادرات المنتجات الزراعية، وقالت الوزارة إن الصين ستشجع المؤسسات المالية على تقديم خيارات أكثر لإدارة مخاطر العملة، وتعزيز تنسيق السياسات الكلية لإبقاء اليوان الصيني مستقرًا.
بكين تتوسع في صادرات منتجاتها الزراعيةوأشار التقرير إلى أن بكين ستوسع من صادراتها من المنتجات الزراعية، فضلا عن دعم واردات المعدات الأساسية، ومنتجات الطاقة، ويستعد المصدرون في ثاني أكبر اقتصاد في العالم لأي اضطرابات تجارية، في ظل تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية تتجاوز الـ60% على جميع السلع الصينية، مما تسبب في اضطراب داخل الشركات الصناعية الصينية.