حوار مع رينيه ديكارت عن الشكّ واليقين
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
تخيلت هذا الحوار بيني وبين الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (ت. 1650 م). رحّبت به في شقتي في الاسكندرية. ودار بيننا حوار عن الشكّ واليقين والسلام الداخلي.
الدكتور كمال (DK): Bienvenue dans notre maison, monseigneur. بعد عقود من الدرس والتحصيل والتدريس، قد نجد أنفسنا، نحن أبناء القرن الواحد والعشرين معرضين لفيروسات الشكّ والاضطراب.
رينيه ديكارت (RD): يومك سعيد، مسيو مالك . يسعدني التحاور معك عن كيفية الوصول فقط إلى اليقين- فالمعرفة اليقينية لا يصاحبها بالضرورة ما تصبو إليه من طمأنينة.
DK: وضعت حكمتك الشهيرة، "Cogito ergo sum" ، (أنا أفكر، إذاً أنا موجود) أساساً لإرشاد طالب المعرفة إل السبيل لتحصيل اليقين. كيف يمكن للشخص أن يخلِّص نفسه من شبكة الشكّ ويجد الراحة في يقين الوجود؟
RD : آها، الكوغيتو – هذا هو حجر الزاوية في فلسفتي. للهروب من متاهة الشكّ، يجب أن يتخلص المرء من جميع المعتقدات التي ليست قطعيّة اليقين. ابدأ بالشكّ، استفسر عن كل شيء، حتى تصل إلى أساس لا يمكن إنكاره. فعل التفكير ووعي المرء بنفسه وتعاطي الشكّ الفلسفي هي علامات في الطريق الى اليقين.
DK: وجهة نظر مثيرة للاهتمام. لكن، في عالم حديث ومعقّد كعالمنا، الشكوك تملأ النفس وتسيّطر على الخاطر. كيف يمكن للشخص تحقيق اليقين في وجه هذه الشكوك وتقلّبات الحياة؟
RD: اليقين، مسيو مالك، لا ينبع فقط من الكوغيتو بل من الفحص الدقيق للمعتقدات من خلال العقل. قم ببناء هيكل منهجي للمعرفة، حيث يتم استنتاج كل إقتراح بوضوح ويقين. هذه الهندسة الفكرية توفر لك ملجأً عندما تعصف بك عاصفة الشكّ.
DK: العقل كنجم في السماء - مبدأ توجيهي أؤمن به منذ فترة طويلة. ومع ذلك، وكما ترى فقد تطوّر العالم منذ زمنك. نحن نتصارع مع شكوك جديدة، وتقنيات تكنولوجية تبعدنا عن الآخرين، وأحوال تتغيّر وتتبدّل. في مواجهة مثل هذه الاضطرابات، كيف يمكن للفرد منّا أن يجد اليقين؟
RD: في مواجهة الشكوك الجديدة، طبّق الشكّ المنهجي الذي دعوت إليه. إستفسر عن الافتراضات، وافصل بين المعتقدات وما تسمّونه مسلمات، وإنتهج العقل لاستنتاج حقائق هذا الواقع. نعم، العالم يتغيّر ويتشكّل أمّا مبادئ التفكير العقلاني فستظل هي السبيل إلى المعرفة اليقينية.
DK: كلامك في محله، مسيو ديكارت. ومع ذلك، العواطف غالبًا ما تعترض حكمنا العقلاني. كيف يمكن للفرد منّا الحفاظ على عقل هادئ عندما تثير العواطف لُجَج الشكّ؟
RD: العواطف، رغم قوتها، هي مؤقتة كالعاصفة. العقل المنضبط يمكنه التحكّم في سفينة الاضطراب العاطفي. ثبّتْ أركان التمييز بين العقل والعاطفة، افصل بينهما فبهذا الانفصال تستطيع أن تشقّ عباب الحيْرة وتجد ضالتك في مرفأ العقل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: کیف یمکن
إقرأ أيضاً:
أزمة الإيجار القديم.. حوار مجتمعى وتعديل تشريعى متوازن
فتح الحكم الصادر مؤخراً من المحكمة الدستورية العليا باب الأمل لدى مئات الآلاف من المواطنين فى حل أزمة الإيجار القديم فى مصر، والتى تمتد منذ سنوات طويلة من المنازعات بين المالك والمستأجر، فهذا الملف الشائك يعد واحداً من أعقد الملفات والقضايا التى خشيت حكومات متعاقبة من اقتحامه أو الاقتراب منه؛ ومن وقت إلى آخر كنا نسمع عن مبادرات لحل هذه الأزمة وتقريب وجهات النظر بين الطرفين المتنازعين فى هذه القضية المتشعبة لكن دون جدوى على أرض الواقع.
تحدثنا كثيراً عن أن حل أى مشكلة يبدأ من الحوار الحقيقى والتفاوض بين طرفى النزاع، فكان من الضرورى أن يكون هناك حوار مجتمعى موسع حول أزمة قانون الإيجار القديم وآليات الحل والتوافق على رؤية وحلول ترضى جميع الأطراف دون تحيز أو ظلم لطرف ضد الآخر؛ تكون مقرونة ببرنامج زمنى تدريجى للوصول إلى الهدف المنشود وهو تحقيق التوازن بين حقوق المالكين والمستأجرين وأن تكون العلاقة الإيجارية مبنية على حلول منطقية عادلة.
الآن الفرصة سانحة ومهيئة أكثر من أى وقت مضى لاقتحام هذا الملف بكل تفاصيله ومراجعته ودراسة جوانبه كافة؛ وذلك بعد صدور حكم الدستورية العليا منذ أيام قليلة، والذى قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1) و(2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
هذا الحكم واجب النفاذ يفك جزءاً من التشابك بين طرفى العلاقة الإيجارية وهو جزء مهم جداً يتعلق بحق المالك فى الحصول على القيمة الإيجارية العادلة، وبالتالى وجب إجراء تعديل تشريعى بقانون الإيجار القديم لتنفيذ حكم «الدستورية»، علماً أن المحكمة الدستورية العليا حددت فى حكمها اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى الحالى لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر هذا الحكم، أى أن مجلس النواب ملزم قبل انتهاء دور الانعقاد الخامس الحالى بإقرار تعديل تشريع لتنفيذ الحكم بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية فى نظام الإيجار القديم، ليتم وضع آليات تنفيذ الحكم وتحديد قيمة إيجارية مناسبة.
لقد آن الأوان لوضع حلول جذرية لأزمة الإيجار القديم، وتحقيق التوازن والعدالة فى العلاقة بين المالك والمستأجر؛ فقانون الإيجار القديم يتعلق بملايين المواطنين وهناك حالة اشتباك قائمة بين الطرفين بسببه منذ عشرات السنين، وفى الآونة الأخيرة كانت هناك بعض المحاولات البرلمانية لفتح هذا الملف وإجراء تعديلات تشريعية على القانون لحلحلته لكن بعض الظروف حالت دون استكمال هذه الخطوات، وكانت هناك مجموعة عمل حكومية برلمانية مشكلة لدراسة الملف ولكن لم نرِ نتائج اجتماعاتها وما توصلت إليه من رؤى وتصورات للحل حتى الآن.
إن مجلس النواب بادر بموقف إيجابى فور صدور الحكم بإصدار بياناً يؤكد فيه التزامه بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا من خلال التعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ الحكم، وأوضح أن مكتب المجلس كان قد كلف لجنة الإسكان بإعداد تقرير ودراسة مستفيضة عن ملف قوانين «الإيجار القديم»، وتقييم أثرها التشريعى، مع دراسة الخلفية التاريخية للتشريعات الخاصة بهذا الملف، وكذلك الاطلاع على أحكام المحكمة الدستورية العليا المتعلقة بهذا الشأن كافة، مع دراسة وتحليل كل البيانات الإحصائية التى تسهم فى وضع صياغة تضمن التوصل إلى أفضل البدائل الممكنة التى تتوافق مع المعايير الدولية والدستورية بشأن الحق فى المسكن الملائم والعدالة الاجتماعية.
وننتظر وفقاً لما أعلنه مجلس النواب طرح هذا الملف على المجلس فى الجلسات القادمة فى ضوء تقرير مبدئى أعدته لجنة الإسكان، لتكن بداية للاستماع إلى وجهات النظر والمقترحات والتوصيات اللازمة لحل الأزمة، وهى خطوة مهمة تؤكد جدية البرلمان فى تناول هذا الملف للوصول إلى تعديلات تشريعية مرنة توجد حلول حقيقية على الأرض لجميع المشكلات المتعلقة بالإيجار القديم، وذلك كله يتسق أيضاً مع توجيهات القيادة السياسية بتعديل القوانين التى تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فى ظل قوانين الإيجارات القديمة، بهدف إقامة التوازن - الذى غاب عن تلك العلاقة التعاقدية لعقود طويلة - فى الحقوق والالتزامات.
وفى ضوء ذلك نؤكد على ضرورة وضع حلولاً جذرية تحقق الصالح العام وتنفذ أحكام المحكمة الدستورية العليا، ومجلس النواب أمامه الفرصة سانحة لوضع تعديل تشريعى شامل لقوانين الإيجار القديم بعد دراستها بتأنٍ والاستماع إلى وجهات نظر جميع الأطراف، حيث إن قدرة البرلمان على إنجاز وحسم قانون الإيجار القديم سيكون من أهم التشريعات التى أقرها المجلس لأنها ستساهم فى حل أزمة كبرى اجتماعية واقتصادية لقطاع عريض من المواطنين، لذلك يجب الإسراع فى مناقشة تعديلات قانون الإيجار القديم وإجراء حوار اجتماعى موسع بشأنه بحضور مختلف الأطراف المعنية من المالك والمستأجر ورجال القانون المتخصصين، وغيرهم.
فهذا القانون المتعلق بالإيجار القديم وحل أشكالياته يحتاج إلى فترة انتقالية لضمان تحقيق التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين وتحديد القيمة الإيجارية العادلة وفق ضوابط موضوعية تحقق التوازن بين طرفى العلاقة الإيجارية، على أن تكون هناك حلول تطبق بشكل تدريجى حتى الوصول إلى آلية ثابتة لضبط العلاقة الإيجارية، فلابد من حوار موسع حول هذه القضية والاستماع إلى كل وجهات النظر بشأنها.
إننا أمام حكم تاريخى وملزم من المحكمة الدستورية، له أهمية خاصة فى تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، فالدستورية أكدت على أهمية وضع ضوابط موضوعية ومرنة لتحديد قيمة الإيجار بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية، وبما يضمن تحقيق التوازن بين الطرفين، مع صياغة آليات جديدة تتيح تعديل الأجرة بناء على المتغيرات الاقتصادية بما يضمن للمالك تحقيق عوائد سنوية مناسبة، وهناك ضرورة بأن يتم ذلك من خلال حوار مجتمعى واسع يشارك فيه مختلف الأطراف المعنية من أجل الوصول إلى حلول توافقية تحقق العدالة والاستدامة، وتحقق حماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف آخر، وهو ما يسهم فى خلق بيئة قانونية تعزز من الاستقرار الاجتماعى وتدعم النسيج المجتمعى.