جوتيريش: الوضع في غزة يعبر عن المأزق الذي وصلت له العلاقات الدولية
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أن الوضع في غزة هو تعبير عن المأزق الذي وصلت له العلاقات الدولية، والتدمير بها وصل الى حد الصدمة.
وقال جوتيريش - في كلمته في مؤتمر ميونخ للأمن "إن ما يضمن السلام هو التزام الدول بتعهداتها المنبثقة عن معاهدة الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية"، مشيرا إلى أن الكثير من الحكومات تتجاهل هذه الالتزامات والملايين من المدنيين يدفعون ثمنا رهيبا وبشعا وأعداد قياسية من السكان اضطروا إلى اللجوء والفرار.
وأضاف أن العقاب الجماعي التي يقع تحته الآن الشعب الفلسطيني ليس له تبرير، منوها بأن الوضع في غزة الآن هو تعبير عن المأزق التي وصلت له العلاقات الدولية، حيث أن التدمير بها وصل إلى حد الصدمة وكل هذا ينتشر في المنطقة بأكملها ويؤثر في التجارة العالمية، كما أن العاملين في المجال الإنساني يعملون في ظروف بشعة منها إطلاق الرصاص الحي عليهم بالإضافة إلى إغلاق الطرق أمام المساعدات الإنسانية، ورفح الآن في قلب العمليات حيث إن بها مليون ونصف من الفلسطينيين الذين هم بالكاد على الحياة يواجهون هذا الخطر.
وطالب جوتيريش بإطلاق سراح جميع المحتجزين بشكل فوري وهدنة إنسانية، منوها بأنها الطريقة الوحيدة لتفادي تفاقم الأمور بشكل أكبر في غزة، و يتعين أن يكون هذا الأساس نحو حل الدولتين المبني على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش "إن الحرب الروسية الأوكرانية تسببت في تأثيرات كارثية في الاقتصاد العالمي خاصة للدول النامية، لذلك نحن في حاجة ضرورية إلى سلام مستدام في أوكرانيا من أجل العالم".
وأضاف جوتيريش - في كلمته في مؤتمر ميونخ للأمن - أن القانون الدولي الذي يؤسس الالتزامات الدولية من أجل حماية السيادة والسلامة الإقليمية للدول ذات السيادة في كل أنحاء العالم، لذلك فنحن بحاجة إلى جهود متكاتفة ومترابطة من أجل مؤسسات دولة قوية وضمان القوى العالمية التزام الأطراف بالحضور حول مائدة التفاوض والبحث عن الحلول، مشيرا إلى أن هناك قرارا في مجلس الأمن يكفل دعم كل هذه الجهود ومكافحة الإرهاب وهى خطوة مهمة نحو الطريق الصحيح.
وأوضح أنه لتجاوز هذه الأزمات المحلقة علينا أن نضمن هيكلة للسلام والأمن للتعامل مع كل هذه التحديات، لافتا إلى أن كل من قام بسياق ميثاق الأمم المتحدة لم يعتبر أن أزمة المناخ والذكاء الاصطناعي أو الأسلحة السيبرانية أنها ستكون بتلك الدرجة من الخطورة، لذلك فيتعين على القمة الأتية في سبتمبر أن تناقش هذه الأنظمة بالنسبة لعالم في تحول مستمر وهذا يشمل أيضا إصلاح مجلس الأمن والالتزام بالقضاء على الأسلحة النووية ومنع النزاعات، منوها بأن جدول أعمال السلام الجديد يطالب بالتزام جميع الأطراف ومواجهة تحديات اليوم وغد، ويطالب أيضا بمعايير وأطر عمل جديدة لتنظيم عمل التكنولوجيات الجديدة في المجال العسكري.
وقال "إن زيادة التهديدات بالنسبة للأمن تؤثر على الاقتصاد العالمي لذلك نحن بحاجة الى السلام والعدل"، مشيرا إلى أن الهيكلة المالية الحالية في كل أنحاء العالم المبنية على أطر بنيت منذ أعوام عفى عليها الزمن ولم تعد نافعة وهى غير عادلة أيضا وتجعل الدول النامية التي مازالت تعاني من تابعات كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية تدفع الثمن الأعلى.
وأضاف أننا مازلنا ينقصنا آلية ناجحة للتمويل، لذلك نحن بحاجة إلى حلول للاستدانة التي تبلغ المليارات الدولارات في الدول النامية لكي تستطيع الاستثمار في أهداف الاستدامة العالمية التي صدقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونحن بحاجة أيضا لإصلاح الهيكلة العالمية للتمويل لكي نستطيع إنشاء شبكة أمان خاصة للدول النامية الغارقة في ديونها.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: قطاع غزة جوتيريش الاقتصاد العالمي أنطونيو جوتيريش الشعب الفلسطيني مؤتمر ميونخ للأمن الحرب الروسية الأوكرانية الالتزامات الدولية فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
لا حرب دون مصر ولا سلام أيضا
سيجد القارئ تغييرًا مؤقتًا في هذه العبارة التاريخية التي كانت تقول «لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا»؛ فسوريا العزيزة منغمسة من رأسها حتى قدميها في وضعها الداخلي المعقد وقدرتها -في المدى القصير- على التأثير في مجرى الصراع العربي ـ الإسرائيلي محدودة.
لكن مصر التي تخلت عن خيار الحرب منذ توقيع السادات اتفاقيات كامب ديفيد وجرفت معها الصراع العربي ـ الإسرائيلي والمنطقة برمتها إلى حالة «السلام» ربما تكون هي الطرف العربي الأساسي الذي بمقدوره أن يضع هذا السلام ومكاسب واشنطن وتل أبيب التي لا تعد ولا تحصى منه أمام أخطر تحدٍ يواجهه منذ ٤٧ عامًا!.
هل قررت القاهرة أن تخرج من حالة الصبر والكمون وتستجيب الاستجابة الطبيعية التي تتناسب مع قدرها كبلد كبير فترد سياسيًا على الانتهاكات الإسرائيلية لمعاهدة السلام وعلى سيل الاستفزازات المسيئة التي لم تتوقف منذ اندلاع طوفان الأقصى؟
هناك أربعة تطورات وقعت كلها في الأسبوع الماضي تفتح باب الاحتمالات لتغيرات جيواستراتيجية: التطوران القادمان من إسرائيل هما وصول مستوى الاستفزاز الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة سواء في درجة الوقاحة السياسية أو في محاولة النيل من مصر. والتطوران القادمان من مصر والعالم العربي هما وجود مؤشرات أولية للغاية ولكن غير حاسمة على أن الصبر المصري بدأ يتغير وأنه بدأ يعي أن سياسة الغموض وتجنب المواجهة لم تعد كافية لصد التحرشات الإسرائيلية.
في الأسبوع الماضي جاء الاستفزاز لمصر من قبل زعيم المعارضة يائير لابيد يقترح فيه أن توضع غزة تحت حكم مصري بين ٨ إلى ١٥عاما تتولى فيها مصر نزع سلاح حماس الذي فشلت فيه إسرائيل وأمريكا أو بنص كلامه «خلال هذه السنوات الثمانية ستعمل مصر على تدمير البنى التحتية الإرهابية التي بقيت في القطاع، بما في ذلك الأنفاق ومواقع إنتاج السلاح، وسيتم تشكيل جهاز أمني مشترك، مصري ـ إسرائيلي ـ أمريكي، يضمن تنفيذ الاتفاق ويمنع حماس من العودة وإعادة بناء قوتها العسكرية. نزع السلاح من غزة هو الشرط الرئيسي لإعادة الإعمار وإنهاء الحرب»، بعبارة أخرى يريد لابيد تحويل مصر إلى شرطي يحمي أمن ما تسميه إسرائيل جبهتها الجنوبية كما حولت السلطة الفلسطينية لشرطي يحمي الاستيطان والاحتلال في الضفة الغربية. المهين ليس فقط المهمة المعروضة على بلد كان قيادة لأمته وقدم أكبر عدد من الشهداء ولكن في المقابل إذ يزعم لابيد أن قيام الدول الغربية ودول في الخليج بشطب ديون مصر البالغة نحو ١٥٠ مليار دولار سيمكن مصر من إطعام شعبها الخبز! اقتراح لابيد يحتوي على تلميح بأن مصر بلد يمكن إملاء الشروط عليه بسبب أزمته الاقتصادية وديونه الخارجية. ومع الاعتراف الواسع لدى المختصين بحاجة مصر إلى سياسات توزيع عادلة تقلل نسبة الفقر وإلى سياسات اقتصادية أكثر رشادة تهبط هبوطا حقيقيا بحجم الدين الخارجي إلا أن بلدا ناتجه المحلي السنوي يصل لـ٤٠٠ مليار دولار هو بلد لا يجثو على ركبتيه مستسلما لعدوه لكي يقبل بدور شرطي الحماية له.
التطور الثاني كان أخطر لأنه من رئيس أركان الجيش دانييل هاجاري، فالجنرال الذي يزيد إنفاق بلاده العسكري ثلاثة مرات على الإنفاق المصري، يقول إن جيشه قلق جدا من التسليح الزائد للجيش المصري! وكأن إسرائيل دولة عظمى تتعامل مع مصر كدولة صغرى؛ هذا التطور الخطير في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي لم يعد يقف إذن عند تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها ولكن يريد أن يجرد أو يضع جيوش الدول العربية في وضع لا تستطيع فيه الدفاع عن نفسها من أي هجوم. وهنا يمكن أن نفهم تدمير الإسرائيليين لكل قدرات الجيش السوري والقيود الموضوعة بالاتفاق مع الغرب على حجم ونوعية تسليح الجيش اللبناني والأردني.. إلخ. التطورات القادمة من مصر والعالم العربي توحي بأن شيئًا ما «جنينيا» يتبلور في التوجه السياسي المصري نتيجة لهذه الاستفزازات المستمرة.
فلقد سربت الصحافة الإسرائيلية معلومات تقول إن مصر رفضت مقترحًا من بعض دول الخليج بأن تحتوي خطتها على نزع سلاح حماس، وأن مصر لم توافق حتى الآن على مطلب ترامب ونتنياهو في ربط عملية إعادة إعمار غزة بتجريد المقاومة من سلاحها. تطور يسير في الاتجاه نفسه عبّر عنه صحفي عربي قريب من هذه الدول الخليجية أشار فيه إلى أن هذه الدول ربطت مشاركتها المالية في إعادة الإعمار بخروج حماس التام من غزة وإذا لم تقبل حماس فعليها أن تقنع آية الله خامنئي بتحمل تكلفة إعادة الإعمار.
إذا وضعنا هذا مع بيان الخارجية المصرية الذي رفض خطة لابيد فإننا أمام مسار قد تستطيع فيه مصر -إذا أرادت- للمرة الأولى أن تضع على الطاولة تحديًا استراتيجيًا مرعبًا للإسرائيليين والأمريكيين ألا وهو أن حالة السلام ليست أبدية وليست أمرًا مفروغًا منه، وأن المعاهدة التي أخرجت مصر من الصراع والتي مكنت واشنطن من الهيمنة على المنطقة ووضعتها تحت جناحيها هي معاهدة غير مقدسة خاصة ما دام أحد أطرافها «إسرائيل» لا يحترمها كما يظهر من احتلالها ممر فيلادلفيا منذ نحو ١٠ أشهر.
التحليل السياسي يقول إن هذا المسار ربما يتطلب إرادة سياسية قادرة على إجراء مجموعة مراجعات ـ إعادة النظر في فكرة كرّسها فريق من النخبة المصرية يرى أن معاهدة السلام مع إسرائيل هي حجر الزاوية للسياسة المصرية وأنه على مصر الحفاظ طوال الوقت عليها وعلى علاقات تنسيق مع إسرائيل مهما صالت وجالت في المنطقة وعاثت فيها فسادًا.
ستنهي إعادة النظر تلك المزاحمة الخاطئة التي حدثت لعقيدة الأمن القومي المصري وبوصلتها الصحيحة التي بلورتها الخبرة التاريخية منذ رمسيس الثالث وصلاح الدين ومحمد علي وجمال عبد الناصر في أن التهديد الحقيقي لمصر يأتي من الشرق.
- نقد الميراث الاستراتيجي الذي وضع قيودًا مخيفةً على الدور المصري وهو الاعتقاد الخاطئ بأن الولايات المتحدة تتحكم في كل شيء، ربما احتاج الأمر التمرد على مقولة السادات بأن ٩٩٪ من أوراق اللعبة مع واشنطن.
مراجعة الانفراد بسابقة لم يعرف لها التاريخ مثيلًا، وهي أن يحرم طرف على نفسه استخدام وسائل القوة الخشنة إذا وجد أن الوسائل الأخرى غير كافية لحماية أمنه. الحديث هنا عن المقولة الشائعة أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب وأن السلام خيار استراتيجي وحيد للعرب، فهل سمع أحد زعيما إسرائيليا أو أمريكيا يقول إن السلام خيار وحيد وأن الحرب دفاع عن الأمن والسيادة بات غير مطروح؟
لقد بنيت هندسة الشرق الأوسط الأمريكية على استمرار مصر في معاهدة السلام للأبد وهذه الهندسة ستنهار إذا بدا أن مصر قد تخرج من هذه الحالة. إن مجرد الإعلان أن كامب ديفيد وربما معها أوسلو ووادي عربة والتطبيع الإبراهيمي هي معاهدات تعاقدية وليست بقرة مقدسة وأن انتهاك الإسرائيليين المستمر لها يمكن بسهولة أن يفسخها وأن السلام والحرب مطروحان بالتساوي على الطاولة ستحد تمامًا من الجموح الأمريكي الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية وإعادة رسم حدود وخرائط الدول العربية من جديد.
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري