السعودية وإيران تبحثان حرب غزة: آثارها السلبية على المنطقة أمر لا مفر منه
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
أكدت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، اليوم الجمعة، على أن ضرورة إيجاد حل سياسي فوري للجرب في قطاع غزة، فيما أشارتا إلى أن آثار تلك الحرب على المنطقة أمر لا مفر منه. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي جرى اليوم، بين وزير الخارجية السعودي "فيص بن فرحان" ونظيره الايراني "حسين أمير عبداللهيان"؛ حيث ناقش الجانبان اخر التطورات على صعيد العلاقات الثنائية والاقليمية والدولية.
وعلى صعيد اخر، رحب وزير الخارجية السعودي بمقترح نظيره الايراني، حول عقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، لوقف الإبادة الجماعية التي يقترفها الكيان الصهيوني في غزة والضفة الغربية.
وانتقد وزير الخارجية السعودي "عدم مبالاة رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بالمطالب العالمية لوقف الحرب في غزة، وتجاهله مواقف وضغوط الجهات المساندة لهذا الكيان أيضا".
وفي هذا الاتصال، تطرق وزير خارجية إيران الى استمرار جرائم الكيان "الإسرائيلي" بحق اهل قطاع غزة والضفة الغربية؛ فضلا عن تهديدات الاحتلال وإجراءاته بشان العدوان على مدينة رفح التي تؤوي أكثر من 1300 ألف لاجئ فلسطيني، مؤكدا على ضرورة التصدي لهذه التهديدات والمخاوف نظرا للوضع المأساوي في شمال قطاع غزة، وفق بيان إيراني.
وأضاف، ان "ما يحدث في غزة والضفة الغربية، يتم بتعاون كامل من قبل الولايات المتحدة، في قضية رفح وبضوء أخضر من البيت الأبيض".
وصرح عبداللهيان، بأن "الحرب لا تشكل حلا، ولكن إذا لم يكن هناك حل سياسي فوري، فإن الآثار السلبية الناجمة عن الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال على أمن واستقرار المنطقة، أمر لا مفر منه".
كما تطرق إلى مشاوراته الإقليمية واتصالاته بما في ذلك مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، مؤكدا على ضرورة عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الاعضاء، حول قضية غزة.
وعلى صعيد اخر، تحدث عبداللهيان بشأن المفاوضات البناءة التي اجراها وفد القوات المسلخة الايرانية في السعودية، متسائلا حول اسباب التأخر في حل مشكلة رحلة العمر للرعايا الايرانية، في ظل الاجواء المتنامية للعلاقات بين طهران والرياض.
وبالإشارة إلى الأوضاع والمشاكل الإقليمية والدولية التي يمر بها العالم الإسلامي وخاصة فلسطين، أكد وزيرا خارجية إيران والسعودية، على وجود رؤية استراتيجية في العلاقات بين البلدين.
وفي الختام، نوه الجانبان الى أهمية استمرار الاتصالات والمشاورات بينهما.
المصدر: السومرية العراقية
إقرأ أيضاً:
كيف يتم تجنيب المنطقة الحرب بين أمريكا وإيران؟
لا يزال الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران قائمًا، منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، ولا تزال الأزمة تبارح مكانها، وقد بدأت الأزمة في ذروتها، مع قصة الرهائن الأمريكيين، الذين اعتقلوا في طهران، بسبب اتهامات إيرانية لأمريكا للسياسة الأمريكية، ثم الطلب الإيراني لأرصدة مالية لإيران في الولايات المتحدة، قبل الثورة، وهؤلاء الذين تم اعتقالهم، هم من أعضاء السفارة الأمريكية في طهران، ثم برزت قضية المفاعل النووي الإيراني، التي لا تزال الأزمة قائمة بينهما بسببه، منذ أكثر من عقدين تقريبًا، ولا تزال تتفاقم وتخف قليلًا، وتعود وفق المزاج الإسرائيلي وتحريضه، والذي يتوجس من مخاطر هذا المفاعل النووي، حتى لا يتحول إلى أسلحة نووية. ومنذ عدة أسابيع، مع وصول الرئيس «ترامب» للرئاسة، بدأت الأزمة تعود بالتهديد والوعيد من قبل الولايات المتحدة، إذا لم توافق على التفاوض، وفق الشروط التي أرادها ترامب للجلوس مع إيران، أو الإقدام على ضربة عسكرية، بحسب بعض التصريحات الأمريكية، وردت إيران أنها لا تقبل التهديد بالقوة لفرض الشروط، وسوف ترد على أي محاولة لقصفها، وأنها تملك من القوة القادرة على ضرب مصالحها في المنطقة.
ولا شك أن أي موقف عسكري من قبل الولايات المتحدة على إيران، سوف يلحق ضررًا بالمنطقة، بشكل أو بآخر، وهذا ليس في مصلحة استقرار المنطقة ولا العالم، والولايات المتحدة لها مصالح بترولية وعسكرية ومصالح كثيرة، سوف يلحقها الضرر من أية عملية عسكرية على إيران، وسياسة التهديد والفرض والإرغام بالقوة، لن تجدي في الحلول السياسية، ولن تحقق أهدافها مهما كانت الفروق العسكرية بين الطرفين، بل ستكون آثارها كبيرة على المنطقة، وعلى وأوروبا، فالحروب، لفرض سياسات ، لم تحقق نجاحًا في كل العالم، وإن نجحت لفترة، فإنها لا تستمر بعدها وتتراجع وتنسحب، وهذا ما جرى للعراق بعد احتلاله، ثم احتلال أفغانستان ثم عادت طالبان مرة أخرى للحكم.. فقبل عقدين من الآن، صدر كتاب بعنوان (أوراق منسية.. أحاديث هزة الخليج)، للكاتب والمؤلف، رياض نجيب الريّس، ومن ضمن هذه الأحاديث التي اعتبرها الريّس، أنها هزة الخليج، حديث صحفي أجراه رياض الريس، مع السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله ـ بمدينة صلالة، في 2 أبريل 1981م، ونشر بمجلة المستقبل المهاجرة في باريس. وكان بالفعل كلامًا نفيسًا وعميقًا ودقيقا، لاستشراف المستقبل الأفضل للمنطقة، ويمكن أن نطرحه في هذا الوقت للعبرة والاستفادة مما قيل عن الأزمات والصراعات، على الرغم من مرور أكثر من أربعين عاما على هذا الحديث. ومما قاله السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ إن إيران قوية ومستقرة، أفضل لجيرانها وللمنطقة. إن التعامل مع الحكم المستقر هو التعامل مع الوضوح» ـ مضيفا في فقرة أخرى من الحديث ـ: عمان وإيران تحكمهما سياسة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونسعى باستمرار إلى تطوير علاقاتنا معها ودعهما. إن إيران غير المستقرة ستأتي بكارثة على المنطقة. وقال السلطان قابوس للصحفي رياض الريس: (تذكر كلامي)». كان الحديث قد جرى ـ كما أعتقد ـ في فترة المشكلات التي حصلت بعد الثورة الإسلامية، والتفجيرات التي أدت برئيس الجمهورية محمد علي رجائي، وكذلك استهداف رئيس البرلمان محمد حسين بهشتي وآخرين، فقتل مع عشرات النواب في الفعل الشنيع، من قبل منظمتي فدائيي خلق، ومجاهدي خلق، الماركسية واليسارية.
ولا شك أن هذا الطرح الحصيف من السلطان قابوس، هو أن تستوعبه كل المنطقة جيدًا، وتتخذه أسلوبا وطريقا يخدم الطرفين، دول الخليج وإيران، ويبعد هواجس التخوف والتوتر بينهما، ومكائد الآخرين وحسابتهم، وإستراتيجياتهم الخاصة، لتتجنب المنطقة أهوال الحروب والتوترات، التي لن تستفيد منها لا إيران، ولا دول مجلس التعاون، ولو حصل ـ لا سمح الله ـ حرب في هذه المنطقة، فإنها ستجرها إلى المجهول، لا يعرف مداها إلا الله، ولا مخاطرها، وسيكون الجميع خاسرين، في كل المجالات، وسنبكي بعدها على الأطلال، لأن الأثمان ستكون باهظة ومكلفة، لكل الأطراف، بدلا من التنمية والاستقرار، ورفاهية الشعوب ونهوضها.
ومع بروز مسألة المفاعل النووي الإيراني ـ كما أشرنا آنفًا ـ وبروزها كقضية دولية، من خلال الضغط على إيران بعدم تخصيب اليورانيوم، من قبل أغلب الدول الكبرى في مجلس الأمن لوقف ـ كما يعتقدون ـ محاولة امتلاك إيران السلاح النووي، وبهذا دخلت القضية أبعادًا خطيرة وشائكة، وإسرائيل تطرح ـ وهي المحرض الأكبر ـ أن إيران تحاول تحت ستار البرنامج السلمي، إنشاء منشآت الوقود النووي اللازمة، لإنتاج مواد قابلة للانشطار من أجل برنامج نووي، أو غيرها من التوترات مع السياسة الأمريكية.. لكن إيران أصرت على حقها في التخصيب وفي الحصول على هذه الطاقة النووية السلمية. والكثير من دول العالم ترى: أن من حق إيران امتلاك الوقود النووي السلمي، وتطوير هذا البرنامج للأغراض العلمية والتكنولوجية، ومثلما حصلت إسرائيل وباكستان والصين، وقبل ذلك الدول الكبرى فإن إيران من حقها الحصول على هذا العلم وأدواته التكنولوجية، في المجال السلمي ـ مثلها مثل الآخرين ـ وهذه خطوة منطقية ولا يجوز القفز عليها، لكونها من بديهيات الواقع الراهن. كما أن على إيران أن تنفتح أكثر على دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى تعزيز التفاهم معها لتطمينها من جهة، وفي تأكيد رغبتها في استقرار المنطقة والتعاون، مع دولها بما يبعد شبح الحروب والصراعات والتوترات، التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة، وتجار السلاح وقوى الهيمنة والعولمة. وتتحرك بما يطمئن دول المنطقة من توجهات إيران العسكرية، ومدى رغبتها في استقرارها، في التعاون المشترك وحل القضايا العالقة، وهذا في صالح الجميع، وستسهم في استنهاض المنطقة كلها، لإبعاد التوجسات والصراعات والتوترات، التي عانت وتعاني منها المنطقة حتى الآن، والشواهد كثيرة ومتوفرة ولا نريد فتح الملفات. كذلك فإن التصريحات النارية تجاه السياسات هنا وهناك، ليست داعمة للتقارب بين الطرفين، إيران ودول المنطقة، وهذه تستغل كثيرًا في الغرب، ويستعملها اللوبي الصهيوني في الترويج لمقولة أن إيران تستعد من خلال مفاعلها النووي لإنتاج أسلحة نووية لإبادة إسرائيل من الوجود، كما يروج اللوبي الصهيوني من خلال برنامج إيران النووي، لتدمير إسرائيل ومحوها من الوجود، وهذه، ذرائع إسرائيلية استغلها ساسة إسرائيل منذ أكثر من عقدين حتى الآن، لطرح هذه القضية في الدوائر الأمريكية والغربية، لخطر المفاعل النووي الإيراني، مع أن هذه الفكرة لا نعتقد بصوابها تمامًا وهي مقولة غير صحيحة .
فإذا كان الهدف من هذا السلاح، تدمير إسرائيل من أجل الفلسطينيين، فإن هذا السلاح النووي سوف يقتل ملايين الفلسطينيين أيضا وربما دول الجوار المحيطة بإسرائيل ومنها لبنان، مع وجود حزب الله فيه والمؤيد من إيران!! فهذه التوجسات هي صناعة إسرائيلية بماركة مسجلة، ولا نقول إلا ما قاله الحديث الشريف (الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهو أحق الناس بها)، ومن هنا نعتقد أن على الولايات المتحدة أن تتحرك للحلول السلمية، عن طرق التفاوض، فعليها أن تبعد التهديدات بالحلول العسكرية، أو التلويح بها لمحاورة الآخر المختلف معه، والحوار ضرورة عقلية لأبعاد شبح الحروب والصراعات والتوترات، ولا مناص من استعمالها واقتناصها، من التأكيد على التفاوض، الذي يجعله سهلا وميسورا بدل التهديدات ورفع سقف المطالب التي تفرض، وإبعاد التوتر والصراع بشتى الوسائل والطرق والأساليب عنها، وعن جيرانها.. وإذا كان المجتمع الدولي يريد منطقة خالية من الأسلحة النووية، فان العدل والإنصاف، يدعوان أن يكون الجميع ملتزمين بهذا الأمر، أما أن يكون البعض يملك السلاح النووي والبعض الآخر يُحرم عليه، فإن المشكلات ستظل قائمة ولا تنتهي.
والحقيقة أن هذا السكوت على امتلاك إسرائيل أسلحة نووية يعد سابقة خطيرة، تشجع إسرائيل على اختلال التوازن الاستراتيجي والعسكري، في الشرق الأوسط، ومن ثم رفض الانصياع إلى القرارات الدولية، لأن الأطراف المعتدى عليها ـ لا تملك المقدرة العسكرية ـ ومنها النووية ـ على رد التهديد.
ومن هنا فإن هذا السكوت والتجاهل سيجر المنطقة إلى أحوال وإلى ضياع الفرص في السلام العادل والدائم. وإذا كانت هناك خطوات لإنتاج السلاح النووي عند بعض الدول في المنطقة، فإن من المنطقي أن يتم الحديث عن مخاطر هذا السلاح بصورة عامة، حتى تكون المنطقة كلها خالية من الأسلحة النووية وتكون الكفة متعادلة بين كل الأطراف، وليس استثناء بعض الأطراف، وتركها تعربد وتحتل وتهدد لمجرد أنها تلقى التأييد والمساندة من بعض الدول الكبرى. ونتذكر عندما أطلق الرئيس الراحل صدام حسين، تصريحاته بتدمير نصف إسرائيل، استغلها اللوبي الصهيوني، وروّج لكذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، مع أن هذه أكاذيب وتم الاعتراف بها عندما ظهرت، وكان ما كان بعد ذلك بالنسبة للعراق، وهذا قياس مع الفارق كما يقول الأصوليون، لكننا نرى أن إيران تحتاج إلى جيرانها وأصدقائها، مثلما جيرانها وأصدقاؤها يحتاجون إليها، وتلك مسألة طبيعية وفطرة إنسانية، أشار إليها العلامة ابن خلدون في مقدمته، وهو ما يعرف بالاجتماع الإنساني وحاجة الإنسان إلى أخيه والعكس، والجميع يتمنون لإيران النهوض والتقدم والاستقرار، مع علاقة جيدة وقوية مع جيرانها، حيث الروابط القوية التي تجمع بين الشعب الإيراني وشعوب منطقة الخليج والجزيرة العربية من العلاقات التاريخية الوطيدة عبر قرون من حسن الجوار وعلاقات المصاهرة، وغيرها من الوشائج الضاربة في عمق التاريخ، وقبل ذلك رابطة الدين التي نعدها أقوى الروابط وأوثقها عرى، قد لا نحتاج معها إلى الشرح والتبيان، مع أحقية إيران الاحتفاظ والاستفادة من التكنولوجيا، وما تمليه ثوابتها والتفاف شعبها ومصلحتها العليا، لكن لابد للجميع من التقارب والتفاهم، وزرع الثقة، ومناقشة الخلافات بروح العلاقة التاريخية المتينة، لأن الجميع سيبقى، ولا يستطيع أحد إلغاء جاره، فالجغرافيا ثابتة، لذلك لا مفر من التقارب والتعاون، واستقرار إيران من استقرار دول المنطقة والعكس الصحيح، فليس هناك مصلحة، لكل المنطقة في إثارة التوترات والأزمات وتعكير الأجواء.. نعم إن إيران المستقرة غير المضطربة، خير لجيرانها، من إيران غير المستقرة.
ولا شك أن تغيير الولايات المتحدة الأمريكية سياستها، تجاه طريقة الحل بالتفاوض في مسقط، بحسب ما نشر، يعتبر خطوة مهمة بلا شك لتقريب وجهات النظر، وهذا يعني أن هناك انفراجًا في التعاطي مع أزمة المفاعل النووي الإيراني، بدلًا من التهديد بالقوة أو استخدامها، إلى حوار من خلال التفاوض، قد يسهم في الحل الذي تأخر كثيرًا، وهو الجلوس بين الطرفين لإيجاد مخرج بينهما، ويثمر حلولًا إيجابية بينهما، وربما يساهم في اتفاق كما كان الاتفاق في مسقط قبل عدة سنوات، يبعد التوترات والأزمات في المنطقة، وهو بلا شك مطلب الجميع، إن حسنُت النيات بين أطرافه.
عبدالله العليان كاتب وباحث فـي القضايا السياسية والفكرية ومؤلف كتاب «حوار الحضارات فـي القرن الحادي والعشرين»