الاقتصاد والعمل - الأولوية للبشر وليست للروبوتات
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
عندما سأل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إيلون ماسك في نوفمبر الماضي عن تصوره للذكاء الاصطناعي كانت الإجابة مثيرة للدهشة بل حتى كارثية. قال ماسك "سيأتي وقت لن تكون هنالك حاجة للوظائف. نعم، يمكن أن تكون لديك وظيفة إذا أردت أن تحصل على واحدة بهدف تحقيق الرضا الذاتي. لكن سيكون بمقدور الذكاء الاصطناعي عمل كل شيء.
تكشف الأبحاث التي أجريتُها عن المداخيل العالمية أن كالدور كان مخطئا، إذ ليس هنالك شيء ثابت حول حصة العمل من الدخل القومي (الدخل القومي يتشكل أساسا من دخل العمل وهو الأجور والرواتب ودخل رأس المال وهو الأرباح والإيجارات والفوائد بالإضافة إلى ما تستقطعه الدولة منهما من ضرائب وما تعززه بهما من دعم مالي - المترجم).
ففي معظم البلدان ظلت النسبة الخاصة بالعمل من الدخل القومي تتدهور خلال السنوات الأخيرة. هل يمكن أن يكون أحد أسباب ذلك ما تتنبأ به إيلون ماسك بشأن قدرة التقنية الجديدة على إحلال الوظائف؟ في الولايات المتحدة التدهور مثير في حصة الكيكة الاقتصادية التي تذهب للعاملين. أنا أسميه "الانزلاق العظيم" نسبة لحجم الانخفاض في هذه الحصة. كيف حدث هذا الهبوط؟ يمكن القول ببساطة أن الأرباح كحصة من إيرادات الشركة ارتفعت لكن دخل العمل من هذه الإيرادات ظل راكدا. ففي الفترة بين عامي 1997 و2019 تضاعفت الأرباح تقريبا بالنسبة للشركات المدرجة في الولايات المتحدة إذ ارتفعت من 8% إلى 15% من الإيرادات. لكن الأجور والمزايا المرتبطة بها لم ترتفع بنفس السرعة. فنصيبها من الإيرادات (بمعنى ذلك الجزء من إجمالي الدخل الذي يذهب للأجور والمزايا) هبط من 27% إلى 12% وأيضا من القيمة المضافة (نسبة إجمالي القيمة التي توجدها الشركة وتُنسب إلى الأجور والمزايا) من 52% إلى 23%. هذا أمر يدعو إلى القلق. فعلى نطاق العالم هنالك علاقة مباشرة بين هبوط حصص العمل من الدخل القومي وتصاعد اللامساواة. في الولايات المتحدة اللامساواة في الدخل بعد سداد الضريبة في أعلى مستوى لها الآن خلال 40 عاما. وتعاظم اللامساواة غالبا ما يرتبط بتزايد الاضطرابات الاجتماعية وتزايد الناس الذين يعيشون في أوضاع الفقر وتزايد النتائج المتطرفة في الانتخابات.
أحد التفاسير الممكنة لذلك حلول العولمة والتي يمكن أن تؤذي العمال؛ لأنهم يجدون صعوبة في الانتقال إلى موقع عمل جديد مقارنة بأصحاب الأعمال (الشركات). احتمال آخر وهو تنامي القوة السوقية للشركات الكبيرة والذي يزيد من صعوبة حفاظ الموظفين على حصتهم من الأرباح. تفسير ثالث -وهو كما ذكر ماسك- التغيرات التقنية والتي جعلت من اليسير إحلال البشر بالآلات. قمت باستكشاف كل هذه الاحتمالات الثلاث باستخدام ملايين النقاط البيانية في نظام "أوربيس" الذي يجمع بيانات عن كل من الشركات العامة المدرجة في سوق الأوراق المالية والشركات الخاصة. تشير النتائج الى أنه في حين تلعب كل العوامل الثلاثة المذكورة أدوارا في تدهور حصة العمل في الناتج المحلي الإجمالي إلا أن أكبر عامل حقا هو إحلال البشر بالآلات وجعلهم من وجهة النظر الاقتصادية عمالة بائدة "تخطاها الزمن" وفقا لحسابات أستاذ الاقتصاد دارون اسيموجلو وزميله باسكوال ريستريبو بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كل روبوت (إنسان آلي) إضافي في الولايات المتحدة يقضي على وظائف 3.3 (ثلاثة وثلث) من العمال. وتشير الأدلة التي جمعتها بنفسي الى أن كل زيادة بنسبة 1% في الإنفاق على البحث والتطوير ترتبط بتدهور بنسبة 2% في حصة العمل من إيرادات الشركة. وفي هذا الصدد يرجى مراجعة ورقة عمل المكتب القومي الأمريكي للأبحاث الاقتصادية والتي تتناول مختلف عوامل تدهور حصة العمل في الدخل (نشرها المكتب في أكتوبر عام 2017). أيضا وجد الباحثان إسيموجلو وريستريبو في بحث آخر أن معظم التصاعد في اللامساواة يعود إلى تأثر (تضرُّر) العمال الذين يؤدون أعمالا روتينية بأتمتة العمل (أدائه بواسطة الآلات). من جانبه، أوضح ديفيد أوتور أستاذ الاقتصاد بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وزملاؤه أن أكبر التراجعات في حصة العمل حدثت في الصناعة التحويلية. لكن في قطاعات قليلة كالصناعة المالية زادت حصة العمل.
ما الذي يمكن أن يوقف هذا التدهور واسع النطاق في حصة العمل من الدخل القومي؟ بعض الاقتصاديين كالراحل توني اتكينسون وآخرين بمن فيهم بيل جيتس دعوا إلى استحداث نوع من الدخل الأساسي العام. (حسب موسوعة انفستوبيديا الدخل الأساسي العام برنامج حكومي يحصل بموجبه كل مواطن راشد مبلغا محددا من المال بصفة منتظمة) والهدف منه التخفيف من الفقر وإحلال البرامج الاجتماعية الأخرى التي تهدف إلى سد الاحتياجات الأساسية لكن قد تتطلب إجراءات بيروقراطية أكثر تعقيدا.
لقد تعالت الأصوات المنادية به في الولايات المتحدة بعد تزايد إزاحة الأتمتة للعمال في الصناعة وقطاعات أخرى في الاقتصاد – المترجم) وأشار آخرون مثل أسيموجلو إلى وجوب انحياز السياسة العامة إلى البشر الذين يمكن أن يتعلموا استخدام التقنية الجديدة. فهو يكتب مع باسكوال ريستريبو عن الحاجة إلى "وقف الحوافز التي تقود إلى الإفراط في الأتمتة." أيضا زعم أسيموجلو إلى جانب مؤلفَين آخرين شاركا في إعداد البحث أن انخفاض حصة العمل في الدخل القومي بالولايات المتحدة والدنمارك يمكن تفسيره جزئيا بتوظيف الشركات لخريجي ماجستير إدارة الأعمال بهدف استحداث وتطبيق استراتيجيات تقود إلى تقليل التكلفة وخفض العمالة. لكن هذا الزعم يماثل اتهام الطبيب الذي يزور مريضا بأنه السبب في مرضه. فالشركات توظف حملة ماجستير إدارة الأعمال عندما تحتدم المنافسة. وهي تحتاج إلى التوجيه الاستراتيجي الذي يمكن أن يقدمه هؤلاء الخريجون. على الأقل أعتقد أن على واضعي السياسات ضمان تشجيع حوافز الضرائب والدعم المالي الشركات على إيجاد وظائف أكثر عددا وأفضل. في الوقت الحالي تحصل الاستثمارات الرأسمالية على معاملات ضريبية تفضيلية في حين لا تشجع ضرائب الأجور الشركاتِ على توظيف المزيد من العمال. وسيساعد على ذلك تحويل الحوافز إلى الاستثمار في البشر بدلا عن الآلات.
من شأن تعزيز فرص التعليم العالي بتكلفة معقولة (مثل تلك التي تقدمها الجامعات الحكومية) حماية الأفراد من الأتمتة التي تستهدف العمل الروتيني. ويحول تقديم شبكات أمان اجتماعي أكثر متانة دون لجوء قادة الولايات المتحدة إلى الإجراءات الحمائية للتخلص من المنافسة العالمية كالتعريفات الجمركية على سبيل المثال. أما وقف التجارة فلن يساعد العامل العادي في الصين ولن يفعل الكثير للعامل العادي في الولايات المتحدة أيضا. لماذا؟ لأن التقنية هي التي تقود إلى انخفاض حصة العمل من الدخل القومي. بصفتي رئيسة مدرسة إدارة أعمال أملي أن يقدِّم الجيلُ الحالي من القادة وأجيالهم القادمة البشرَ دائما على الآلة. ومن جانبها، تؤكد كليات إدارة الأعمال التي تفكر في المستقبل على أهمية الاهتمام بأصحاب المصلحة العديدين المرتبطين بكل قرار تتخذه الشركات بأكثر مما تؤكد على المصلحة (الضيقة) لحملة الأسهم وأرباحهم.
آن هاريسون اقتصادية وعميدة كلية هاس لإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا في بيركلي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الولایات المتحدة إدارة الأعمال یمکن أن فی حصة
إقرأ أيضاً:
قانونيا.. هل يمكن أن يصبح ماسك رئيسا للولايات المتحدة؟
أصبح من الواضح أن الملياردير الأميركي إيلون ينوي أن يكون لاعبا في العملية السياسية الأميركية، خاصة بعد تعيينه لقيادة وزارة الكفاءة الحكومية في حكومة دونالد ترامب المقبلة.
ووصف دونالد ترامب، إيلون ماسك، بأنه "نجم جديد"، في خطاب فوزه، في وقت مبكر من صباح الأربعاء، ودفع ذلك بعض الناس إلى التساؤل عن مدى طموحات ماسك السياسية، وهل من الممكن أن يصبح رئيسا للبلاد يوما ما.
هل يستطيع أن يصبح ماسك رئيس الولايات المتحدة؟
الإجابة هي لا.
السبب هو أن الدستور الأميركي ينص على أن رؤساء الولايات المتحدة يجب أن يكونوا مواطنين مولودين في الولايات المتحدة.
أما إيلون ماسك، فهو من مواليد جنوب إفريقيا، وكان يحمل الجنسية الكندية، عن طريق والدته، حتى حصل على الجنسية الأميركية في 2002.
والده من جنوب إفريقيا، ووالدته من كندا.
أما الشروط الأخرى التي ينص عليها الدستور لاختيار الرئيس، هي أن يكون عمر الرئيس 35 عاما على الأقل، وأن يكون مقيما في الولايات المتحدة في آخر 14 عاما.
هل يمكن لإيلون ماسك أن يشغل منصبا وزاريا؟
الإجابة هي نعم.
في حين أن الرؤساء ونواب الرؤساء يجب أن يكونوا مواطنين محليين، إلا أنه لا يطبق هذا الشرط على أي مسؤول فيدرالي آخر. لذا، يمكن لـماسك أن يشغل أي منصب آخر تقريبا.
شغل العديد من المواطنين غير المولودين في أميركا، مناصب وزارية بارزة في الماضي.
ومن أشهر هؤلاء، هنري كيسنجر، الألماني المولد، والذي كان وزيرا للخارجية في إدارتي ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد.
وكذلك الحال بالنسبة لمادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية من عام 1997 إلى عام 2001، والتي ولدت في جمهورية التشيك.