د. رشا سمير تكتب: الشغف هو الأمل
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
لعل مصر لا تمتلك ثلث آثار العالم مثلما تعلمنا في كتب التاريخ ونحن صغار، لكنها دون جدال تمتلك السحر وعبق التاريخ في كل زاوية وكل جدار، فمصر هي تلك الخطوات والمسارات والأصوات التي كتبها التاريخ على مدار عقود طويلة..
مصر هي مسار العائلة المقدسة..هي صوت صهيل الخيول في معارك طيبة..ومذاق الزيتون في بساتين سيناء.
هذه هي مصر التي علمتني أن أرتاد شوارعها وأحبو بين صفحات تاريخها لتسكن جوانحي ووجداني..مصر التي تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن حبها هو العنوان، وعشقها هو الملاذ والمآوى..
قادتني قدماي إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بدعوة كريمة من الدكتور أحمد غنيم الرئيس التنفيذي للمتحف..المكان الذي يختلف في شكله ومضمونه عن أي مكان آخر في مصر، فهو بحق وجهة حضارية عظيمة..
إصطحبتني فتاة أنيقة ومتحدثة لبقة إلى جولة بين أروقة المتحف، مع إصرار الدكتور غنيم بدخولي مراكز ومعامل الترميم داخل المتحف، إنصعت إليه ولم أكن متحمسة في البداية، إلا أن حالة الإنبهار والفخر التي تسللت إلى مسامي أثناء الجولة كانت كفيلة لمعرفة سبب إصراره..
فقد أيقنت أن هذا المركز هو أهم ما في المتحف، بعد أن إستمعت إلى شرح القائمين على المركز في مختلف القطاعات، من ترميم المخطوطات والجلود والخزف والأحجار والمومياوات،
في رحلة طويلة مُنظمة تبدأ من إستلام القطعة الأثرية بعد خروجها من باطن الأرض إلى إعادتها ببراعة وفهم إلى هيئتها الأولى بعد جهد جهيد لتُعرض في المتحف..
تحدثت طويلا مع المسئولين عن عملية الترميم وسألتهم عن تفاصيل عملهم والصعوبات التي تواجههم، ولماذا دون غيرها إلتحقوا بقسم الترميم، ففوجئت أن الإجابة ببساطة تتلخص في كلمة واحدة هي:
"الشغف"
تعجبت من الكلمة.. وعدت أسألهم من جديد: "هل كان مجموع الثانوية العامة هو السبب؟"
كانت إجابة الجميع واحدة برغم إختلاف الوجوه..إجابة مُفادها: "الآثار هي العشق الأول..سكنتنا التفاصيل وأصبح التحدي الحقيقي أمامنا هو جمع القطع المبعثرة المكسورة وترميمها لإعادتها إلى هيئتها الأولى هي مسئوليتنا تجاه وطننا".
خرجت من هناك وكلي فخر وسعادة، ليصبح يقيني أن هناك مصريون يذوبون عشقا في تراب هذا البلد..وأن الحل الحقيقي لكل المشاكل التي تجابهنا في الوقت الحالي هو البحث عمن لديهم شغف تجاه هذا البلد لنوليهم المسئولية، ولسوف يتحملون المسئولية بدافع حب..
وما أكثر هؤلاء..
الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع عقب الثورة لينظفون الأرصفة ويعيدون طلائها يمتلكون الشغف..
المصريون الذين خرجوا إلى الجبانات والشوارع في محاولة جادة لتوثيق المقابر القديمة والأماكن الأثرية التي تعرضت للإزالة يمتلكون الشغف..
الشاب الذي يمد يده في منطقة أثرية لمساعده سائح لا يعرفه بمعلومة أو شربة ماء..يمتلك الشغف..
خريجي الفنون الجميلة الذين يرسمون الجرافيتي على جدران العشوائيات المتهدمة والبيوت القديمة لإعطائها من روحهم أمل وحياة يمتلكون الشغف..
جمعيات المجتمع المدني والشباب الذين يجوبون النجوع والكفور لتوصيل المياه إلى بيوت غير القادرين وتسقيف منازلهم يمتلكون الشغف..
هؤلاء هم أبناء مصر القادرين على تحمل المسئولية من واقع حب..أما من يجلسون في موقع المسئولية ولا يمتلكون تجاه الوطن أي مشاعر تدفعهم لتنحية مصالحهم وإعلاء المصلحة العامة، فهؤلاء سيظلون أبدا منتفعين من مناصبهم دون أن يقدموا شئ وستبقى الدولة عالقة مثل الدين في رقابهم إلى يوم الدين..
لازال قلبي يئن وأنا في زياراتي المتكررة للمساجد والأبنية التي تم ترميمها دون وعي أو دراية، لتصبح مثل عروس متعجلة لتشطيب شقة الزوجية!..الحجر الذي فاق عمره عمر الزمان وتم طلائه باللون الأصفر تحت مسمى الترميم يحتاج إلى إعادة نظر لأنه قبيح..والقبح لم يليق أبدا أن يكون عنوان مصر الجميلة!.
نحن نمتلك المقومات التي تجعل مصر أهم دولة سياحية في المنطقة بل وفي العالم كله، ونمتلك السواعد التي تعي جيدا كيف تُدير وتطور وترمم لإعادة رونق الأشياء دون المساس بجوهرها وقيمتها..فلماذا لا يتم الإستعانة بهؤلاء؟
إننا في مرحلة تحدي حقيقي ولم يبقى أمامنا سوى الإتكال على من يعشقون هذه الأرض الطيبة علهم يزرعون وفاء وحب ليحصدون الأمل..
فهل من مُجيب؟!.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
كريمة أبو العينين تكتب: البحث عن الانسان
لعل مايمر به العالم الآن من بطش الدول الكبرى وغياب تطبيق التشريعات الدولية وحقوق الانسان يذكرنا بواقعة جرت منذ عقود طويلة عندما شاهد الناس الفيلسوف اليونانى الاشهر سقراط وهو يحمل مصباحا فى وضح النهار والكل ينظر اليه باستغراب ويسألونه عما يبحث ولماذا يستعين بمصباح ونور الشمس يعم المكان فكان رد الفيلسوف اليوناني القديم الذى أمسك الفانوس في وضح النهاروالناس ينظرون إليه ويضحكون .. فكيف بمثله يمسك فانوساً في ضوء الشمس و كأن نور الشمس لا يكفيه في البحث عن الذي يريد ولما سألوه: عن أي شيء تبحث؟
كان جوابه المشهور الذي لا يزال حكيماً :(( إنني أبحث عن إنسان ))إنه يبحث عن إنسان .. فما أكثر الناس وما أقل الإنسان، ومايفسر التوحش الاسرائيلى ضد الانسانية فى هذه المرحلة يرد عليه بهذه القصة التى تقول احداثها انه في إحدى الغابات أعُلِن عن وظيفة شاغرة لوظيفة أرنب ولم يتقدم أحد للوظيفة غير دب عاطل عن العمل، و تم قبوله وصدر له أمر بتعيينه.وبعد مدة لاحظ الدب أنّ في الغابة أرنبًا معيّناً بدرجة وظيفية هي (دب) ويحصل على راتب ومخصصات وعلاوة دب، أما هو فكل ما يحصل عليه مخصصات أرنب! حينها تقدم الدب بشكوى إلى مدير الإدارة وحُوِّلت الشكوى إلى الإدارة العامة، وتشكلت لجنة من الفهود للنظر في الشكوى، وتمّ استدعاء الدب والأرنب للنظر في القضية. فطلبت اللجنة من الأرنب أن يقدم أوراقه ووثائقه التى تثبت كينونته كأرنب إلا أن جميع الوثائق تؤكد أنّ الأرنب دب.ثمّ طلبت اللجنة من الدب أن يقدم أوراقه ووثائقه الثبوتية، فكانت كل الوثائق تؤكد أنّ الدب أرنب! فجاء قرار اللجنة بعدم إحداث أي تغيير، لأن الأرنب دب والدب أرنب بكل المقاييس والدلائل. وللعجب انه لم يستأنف الدب قرار اللجنة ولم يعترض عليه.
وعندما سألوه عن سبب موافقته على القرار أجاب: كيف أعترض على قرار لجنة "الفهود" والتي هي أصلاً مجموعة من "الحمير" وكل أوراقهم تقول أنهم فهود..هذا بالطبع ماتسجله المشاهد اليومية القادمة من الاراضى المحتلة ومن سوريا ومن قبلها العراق وليبيا فكل الشواهد تؤكد ان قوات الاحتلال تمارس بطشا وظلما ضد اهل الارض واصحابها ولكن من بيدهم السلطة والهيمنة يتحدثون عن امن المحتل وارساء دعائمه ضد اهل الحق والحقيقة .
فى هذا العالم غير العادل لاتتوقع الا مزيدا من الارهاب وامدا طويلا من هبوط كفة العدل واعلاء كفة الظلم والظالمين . الفيلسوف الباحث عن انسان منذ الاف السنين لازال مريديه يبحثون عما لم يجده هو والغابة لاتزال تحكم وحكامها انجلو امريكان يتحكمون فى موازين الدنيا وقيمها بما يروق لهم ويحبون ، الارانب على يقين بأنها دببة والعكس غير صحيح لان موازين الخبر اختلت وقيم الشر علت وتعالت .