رأي: فيلم الأستاذ.. أن تشرح معاناة الفلسطينيين في 120 دقيقة
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
بعد انقطاع طويل عن مشاهدة الأفلام والسينما، سببه الوضع العام في العالم العربي، وفي غزة بالتحديد، قررت العودة إلى أكثر ما أحب في حياتي: مشاهدة السينما والكتابة عنها.
وبالتأكيد، خلال هذه الفترة بالتحديد، وتماشيا مع كل ما يجري، وجدت أن أفضل فيلم لإعادتي لما أحب هو فيلم "الأستاذ" للمخرجة الفلسطينية البريطانية فرح النابلسي، الذي يعرض الآن في دول الخليج.
يحكي فيلم "الأستاذ" قصة معلم مدرسة تربطه علاقة قوية بأحد طلابه، وتقربهما أكثر عملية خطف جندي إسرائيلي قد تحدد مصير شعب بأكمله. هناك الكثير من التفاصيل في قصة الفيلم، لو أضأنا عليها هنا، قد يتسبب ذلك بحرق الكثير من الأحداث، لذا أترك لكم/ن فرصة المشاهدة واستكشاف القصة بأنفسكم/ن.
لا أنسى أبدا المشاهد الأولى من الفيلم، التي تضع المُشاهد في أجواء ما هو مقبل على مشاهدته: رجل أربعيني يقود سيارته من منزله إلى المدرسة، يدخن سيجارة، وعلى جنبات الطريق، نرى الجدار العازل في الضفة الغربية، الحواجز التي توقف الفلسطينيين لساعات، الجنود الإسرائيليين الواقفين إلى جانب هذه الحواجز، مدججين بالسلاح خوفا من أي "هجوم" أو "حركشة"، السيارات العسكرية التي تجعل من هذا المكان الجميل بطبيعته الأخاذة مكانا موحشا مخيفا. نرى أيضا المستوطنات التي تعتلي رؤوس الجبال، وتطل على منازل فلسطينية متناثرة هنا وهناك على جنبات الجدار العازل. بعد أن تشاهد هذا المشهد بالتحديد، اعلم/ي أنك على وشك الغوص في قصة تتحدث عن الظلم والجبروت بحق شعب كامل.
يعالج الفيلم عدة قضايا وقصص يعيشها الفلسطيني يوميا، كهدم المنازل مثلا. ففي أحد المشاهد، يصل الأستاذ إلى منزله، ليجد جيرانه يصرخون على جنود إسرائيليين على وشك هدم منزلهم. كلها لحظات، وتبدأ الآلية بهدم جدران المنزل، وسكانه يشاهدون. كل ما يمكنك التفكير به في تلك اللحظة هو: ماذا لو كان هذا منزلي؟ كيف سيكون شعوري؟
تداخلات كثيرة بين شخصيات الفيلم تزيد من تعقيد القصة مع الوقت، ولكنها في نفس الوقت حالة إنسانية بسيطة يعيشها الفلسطيني يوميا. ففي الوقت الذي تبدو فيه الأشياء خارجة عن المعقول وغير حقيقية بالنسبة لنا كأشخاص يشاهدون فيلما كهذا، تبدو الأمور بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون هذا النوع من المعاناة أمرًا مفروغًا منه.
ولعل هذا يظهر واضحا في مشهد حرق أشجار الزيتون، حيث يلمح أحد الجيران مستوطنين في كرم الزيتون يحرقون الأشجار، فتهرع العائلة لإنقاذ ما تبقى من الأرض، لكن صوت إطلاق النار في تلك اللحظة، يجعلنا ننسى الزيتون والحرائق والأرض، ونركز على من تلقى جسده الرصاصات. ندرك الإجابة لاحقا، ولكن لا زالت عيون ذلك المستوطن الجشع الحاقد راسخة في أذهاننا، فهو في تلك اللحظة وبنظراته يتحدى أصحاب الأرض، ويتحدى أيضا الجمهور الذي يجلس أمام الشاشة يتابع سير القصة، فيذكرنا أن الإفلات من العقاب أصبح سمة في هذا الزمن.
نتعرف إلى ليزا، الشابة البريطانية التي تعمل مع الشباب الأحداث الفلسطينيين بعد خروجهم من السجن الإسرائيلي، والتي تتطور بينها وبين الأستاذ علاقة حب وصداقة قوية، وتساعده في الوقوف إلى جانب الطالب آدم، الذي يتعرض إلى صدمات متتالية في حياته، بدءا من حبس أخيه، إلى هدم منزله، وكل ما يليها من صدمات متلاحقة تظهر في الفيلم. ليزا تذكرنا دائما أن جزءا كبيرا من هذا العالم يقف إلى جانب الفلسطيني في وجه الاحتلال والعدوان، وأن السردية لا زالت قائمة وتتغير إلى صالح الفلسطينيين في وجه البروباغاندا الإسرائيلية.
لعل المشهد المحوري في الفيلم هو ذلك الذي جمع الأستاذ بوالد الجندي المختطف، حيث صنعت المخرجة، وهي أيضا كاتبة الفيلم، مقاربة بين أبين يأتيان من سياقات مختلفة، ويعقدان مقارنة بين حياة وسلامة ابنيهما، فوالد الجندي المختطف يشتاق لابنه، ولا يعرف مصيره، ويتمنى أن يتوصل إلى أي معلومة تنقذ حياته، أما الأستاذ، وهو أب لطفل فلسطيني، سجن وهو لم يتجاوز الستة عشر عاما، بسبب مشاركته في مظاهرة ضد إسرائيل، فهو يتمنى لو تغيرت الظروف والأحداث ولم يسمح له بالذهاب إلى المظاهرة. غير أن الجملة التي تترك أثرا عميقا في نفس كل من يشاهد الفيلم هي تلك التي قالها الأستاذ: "لا يمكنك مقارنة ابنك بابني، فبالنسبة للعالم، ابنك يساوي ألفا من ابني."
يؤدي الممثل الفلسطيني صالح بكري دور الأستاذ، وقد أصبح صالح علامة كبيرة في السينما الفلسطينية، بجسده النحيل، وملامحه السمراء، وقدرته على تقديم شخصية الفلسطيني بكل أشكالها. وهذا ليس التعاون الأول بين فرح النابلسي وصالح بكري، بل سبق وقدم دور الأب أيضا في فيلمها القصير "الهدية".
كنت أتمنى لو انتهى الفيلم عند مشهد الجنود الإسرائيليين وهم يقبضون على الأستاذ، ويطرحونه أرضا والكاميرا قريبة جدا من وجهه. كنت أحب لو أن هذا هو المشهد الذي يرسخ في عقل المشاهد مع نهاية الفيلم، لنتذكر أن هذا الظلم مستمر ولم يتوقف.
فرح النابلسي، وبهذا الفيلم، قدمت شكلا سينمائيا يفهمه الجميع، ويتقبل سرديته، ويجعله باستخدام الصورة البصرية يفهم أن هناك أشكالا متنوعة لمعاناة الشعوب، ولكن هناك شعوبا معاناتها تنتهي مع نهاية المشكلة، وهناك شعوب معاناتها تستمر ولم يكتب لها، بعد، أن ترى الضوء في نهاية نفق معاناتها. "الأستاذ" فيلم يفهمه الفلسطيني والعربي والأجنبي; فيلم يشرح معاناة الفلسطينيين في 120 دقيقة فقط.
إسرائيلأفلامالسينماالقضية الفلسطينيةرأينشر الجمعة، 16 فبراير / شباط 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: أفلام السينما القضية الفلسطينية رأي
إقرأ أيضاً:
18 شهرا من حرب الإبادة الجماعية.. معاناة سكان غزة تكشف وحشية الاحتلال الإسرائيلي
دخل العدوان الإسرائيلي على غزة شهره الـ 18 عشر على التوالي، مخلفا وراءه دمارًا هائلًا في مختلف الأرجاء داخل القطاع ، وسط مواصلة استهداف المدنيين العزل والأبرياء، ما بين الأطفال والنساء والشيوخ، الأمر الذي يؤكد وحشية الاحتلال وعدم تفريقه في الحرب بين طفل صغير، ومقاتل يحمل سلاحه في الدفاع عن أرضه ولنيل حقوقه المشروعة.
وأظهرت حرب الإبادة على غزة مدى وحشية وبشاعة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يتفاخر بقتل الأطفال والرضع والنساء، واستهداف الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف ومنعها من نقل المرضى والمصابين إلى المستشفيات، ولا تزال آلة الحرب الإسرائيلية تحصد أرواح الفلسطينيين، عن طريق الاستهداف المباشر، بل إن من يرتقي شهيدا بالقصف، يمت لعدم تلقي العلاج بسبب نقص أهم أنواع الأدوية، أوجوعا بسبب ندرة الطعام وسياسة التجويع والحصار الخانق الذي ينتهجه الاحتلال ضد الشعب الأعزل.
وشهدت الأحداث الأخيرة من مٌجريات الحرب، توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في المدن المختلفة، خاصة في محيط مدينة رفح الفلسطينية، والتي شهدت استهدافا عنيفا من قوات الاحتلال لـ الوحدات السكنية، والأماكن المكتظة بالسكان، إضافة إلى شن غارات جوية على مناطق متفرقة في القطاع ما أدى إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى معظمهم من المدنيين، وتشمل المناطق المستهدفة: شمال وجنوب القطاع، وخان يونس وجباليا ومدينة غزة.
ومن بين المناطق تضررًا من القصف الإسرائيلي، شرق مدينة غزة، حيث شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية سلسلة من الغارات الجوية على مبان سكنية في حي الشجاعية شرقي المدنية، ما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والمصابين، مع استمرار المواطنين في النزوح من مكان إلى آخر في محاولة للنجاة من القصف نتيجة العدوان على القطاع برًا وبحرًا وجوًا.
ووصل الوضع الصحي في قطاع غزة إلى أدنى مستوياته، مفتقرًا إلى أهم أنواع الأدوية التي تعالج أمراضًا مزمنة مثل: «السرطان، القلب، السكري، والضغط، الأمر الذي ينذر بكارثة صحية كبرى، حيث يشهد الوضع الصحي تدهورًا متسارعًا نتيجة للحرب المستمرة واستهداف المستشفيات والمراكز الصحية، إضافة إلى منع وصول المساعدات.
وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية، «وفا»، فإن قطاع غزة يفتقر لعدد كبير من أنواع الأدوية حيث نفد 59% من المستهلكات الطبية الأساسية، و54% من أدوية السرطان والدم، و37% من قائمة الأدوية الأساسية، في ظل وجود 110 آلاف مريض ضغط دم، و80 ألف مريض سكري داخل القطاع لا تتوفر لهم أدوية قط.
ومنذ بدء الحرب، تواصل قوات الاحتلال تدمير المستشفيات بهدف منع وجود أي وسيلة لتلقي المصابين للعلاج اللازم، مستهدفة أكثر من 25 مستشفى داخل القطاع، وأكثر من 1394 طبيبا من الطواقم الطبية منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وعن آخر التطورات، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية، بارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، إلى 51157 شهيدا، و116724 مصابا.
وأفادت مصادر طبية لوكالة الأنباء الفلسطينية «وفا»، بأن من بين الحصيلة 1.783 شهيدا، و4.683 مصابا منذ 18 مارس الماضي، مضيفة أن 92 شهيدا، و219 مصابا وصلوا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الساعات الـ48 الماضية.
وأوضحت أن عددا من الشهداء ما زالوا تحت أنقاض المنازل والمنشآت المدمرة، وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والطواقم المختصة الوصول إليهم، بسبب قلة الإمكانيات.
وتتفاقم الأزمة الإنسانية داخل القطاع، نتيجة استمرار قوات الاحتلال منع وصول المساعدات الطبية والإنسانية، في ظل تصاعد أزمة نقص الغذاء وسوء التغذية، والتي يعاني منها أبناء القطاع نتيجة الحصار الذي يفرضه الاحتلال.
ونددت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، «أونروا»، بمرور نحو 7 أسابيع على منع الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية والغذائية ولقاحات الأطفال والوقود إلى قطاع غزة، مشيرة إلى أن أكثر من 2 مليون شخص محاصرون ويتعرضون للقصف والتجويع بينما تتكدس إمدادات الغذاء والدواء والوقود والمأوى عند المعابر.
وشددت في بيان صادر اليوم السبت، على ضرورة رفع الصار، وإعادة فتح المعابر لتدفق المساعدات بشكل مستمر، ويجب تجديد وقف إطلاق النار.
اقرأ أيضاًعاجل| مروحية تنقل مصابين في صفوف جيش الاحتلال إثر حادث أمني خطير بغزة
القاهرة الإخبارية: سلسلة غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة في غزة
عاجل| ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان على غزة إلى 51157 شهيدا و116724 مصابا