طولكرم– تعيش عائلة خليفة بمخيم نور شمس للاجئين الفلسطينيين في مدينة طولكرم، فقدانا مركبا ومتكررا ومعاناة بأشكال مختلفة؛ كان آخرها استشهاد اثنين من أبنائها في الضفة وغزة، بعد أن عايشت ألم اللجوء والنفي والأسر والإصابة مرات ومرات.

,مع انطلاق شرارة انتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية) عام 2000، بدأ مسلسل ملاحقة أبناء الحاج محمود خليفة؛ فراس وفيصل وفرسان وفارس، فاعتقلهم الاحتلال جميعا وقضوا سنوات طويلة في سجونه وتعرضوا لشتى أنواع التعذيب، فأبعَد أحدهم إلى قطاع غزة وأبقاه على قائمة أهدافه، وظل يطارد الآخرين ويكدر عيشهم عبر الاقتحامات، لدرجة صاروا فيها ينزحون مع عائلاتهم من منازلهم مع كل اقتحام هربا من اعتداءات الاحتلال.

وشكّل العام 2003 فيصلا في حياة الأشقاء الأربعة، حيث سجنوا مرات عديدة وعلى فترات متفرقة، وكان لهم نصيب في مقارعة الاحتلال رغم تنوع مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية.

دمار متكرر يلحق بمخيم طولكرم في الضفة الغربية عند كل اقتحام لقوات الاحتلال الإسرائيلي (الجزيرة) عداء للعائلة

وقضى أكبرهم فراس (47 عاما) 6 أشهر في المعتقل، بينما حُكم فرسان (43 عاما) بالسجن 24 عاما، بتهمة النشاط ضمن كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتخطيط لعمليات عسكرية ضد الاحتلال، ثم أفرج عنه الاحتلال وأبعده عام 2011 ضمن صفقة وفاء الأحرار (شاليط) إلى غزة.

وبتهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، اعتقل فيصل (44 عاما) أكثر من 10 سنوات بسجون الاحتلال، بينما قضى الشقيق الأصغر فارس (35عاما) نحو 16 عاما على فترات متفرقة لعمله ونشاطه كقائد في كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني (فتح).

وليس بالاعتقال فقط تجلت معاناة عائلة خليفة، بل رافق ذلك طوال أكثر من عقدين اقتحام ومطاردة ورعب لم تنتهِ فصوله بعد، فحتى هذه الأيام لم تسلم العائلة من اقتحامات جيش الاحتلال لمنزلهم والتحريض عليهم، حتى لمن غدوا شهداء منهم.

ولأكثر من عقدين ظل الاحتلال يناصب العائلة العداء، ولا يتوقف عند اعتقال أي من أبنائها أو إبعاده أو حتى قتله، بل جعلها هدفا لكل ضابط مخابرات جديد يستلم المنطقة، حتى صار الحاج محمود خليفة (أبو فراس) والد الأشقاء الأربعة يوثّق اعتقالاتهم وانتهاكات الاحتلال بحقهم زمانا ومكانا.

المقاوم المبعد

لكن الفقد كان أشد ألما على العائلة، لا سيما الوالدين اللذين تجرَّعا حسرة اثنين من أبنائهما، إذ استشهد فرسان في منفاه بقطاع غزة خلال تصديه للاحتلال في معركة طوفان الأقصى أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بينما استُهدف فارس بجريمة قتل مع سبق إصرار وترصد من جنود الاحتلال بعدما اعتقلوه عند حاجز عناب بين مدينتي طولكرم ونابلس، حيث اعتدوا عليه بالضرب "فكسروا عظامه وأسنانه، قبل أن يطلقوا النار عليه" في يناير/كانون الثاني الماضي.

وبفقدها "الفتى المدلل" كما تطلق العائلة على شهيدها فارس وشقيقه المقاوم فرسان؛ تراكم الحزن عليها، لكن تسليم الاحتلال لجثمان فارس شدَّ أزرها وخفَّف من حجم الألم نوعا ما، وهو ما دفع والديه للخروج بتشييعه وحمل جثمانه معا فوق أكتافهما.

وعن ذلك يقول الوالد المكلوم أبو فراس (70 عاما) بينما يعتصر ألما: "فارس قطعة من القلب، وهو وأشقاؤه سيان ومهجة روحي وحياتي، وكما تشرفت بحمل جثمانه، شرفني استشهاد ابني فرسان مقبلا غير مدبر في صفوف المقاومة وأفتخر بذلك".

ويضيف أبو فراس: "عشنا المعاناة بكل ألوانها، قسوة اللجوء والأسر والجرح والاقتحام وهدم أجزاء من المنزل وحرقه وإطلاق النار بداخله وقتل أبنائي، وكل ذلك الرعب والإرهاب".

وبصلابة ورباطة جأش، تحمَّل أبو فراس وزوجته حورية، مقارعة الاحتلال ولا يزالان، ويقول إن حالهم يشبه واقع أليم يعيشه أهالي المخيم، وهذا ما يخفف عنهم ألم الفقد، ويضيف: "يجبر بعضنا الآخر ويداري حزنه عنه، والله لا نعرف متى تنزل دمعتنا، فكيف بنا نصبر على فقد شابين خلال 45 يوما، ولو كنا جبالا لهُدمنا".

وتعود أصول عائلة خليفة إلى رية الكفرين المهجّرة في قضاء حيفا، وتتكون من 10 أفراد (4 ذكور و6 إناث) والوالدين، وعرفت بنضالها ومقاومة أبنائها في المخيم.

مدخل مخيم نور شمس قبل تدميره (الجزيرة) داخل السجن وخارجه

ورغم اعتقالهم معا فإن الاحتلال كان يرفض جمع الأشقاء ببعضهم داخل سجونه، وكذلك كان الحال خارج السجن، فلم يلتق الإخوة وعائلتهم جميعا منذ العام 2000. وحتى الحلم بلقاء يجمعهم معا ذات يوم أيقظهم الاحتلال منه بعد أن قتل اثنين منهم.

وفي أثناء أسرهم لم تسلم العائلة من تنكيل وعقاب جماعي لأفرادها، فأصدر الاحتلال أمرا عسكريا بمنع زيارتهم للسجون، ومنع سفرهم للخارج، وحتى اسم العائلة كان يطاردهم الاحتلال عليه ويعيق تنقلهم.

وأكثر ما يعمق جرح العائلة ويزيدها ألما هو استشهاد نجلها فارس، أو "الفتى المدلل" كما يصفه شقيقه الأكبر، الذي يقول إنهم كانوا يتوقعون بأي لحظة استشهاد فرسان، نظرا لموقعه العسكري بكتائب القسام، وملاحقة الاحتلال له والتهديد باغتياله، ونشر صوره ورصد تحركاته بكل مكان.

ويضيف فراس للجزيرة نت: "استشهد فرسان بعيدا عنا وإلى الآن لم يُدفن جثمانه، وباستشهاد فارس تجرعنا الحسرة مضاعفة، لكن ما هوَّن مصابنا أننا احتضنا فارس ودفناه بيننا بمقبرة المخيم".

وفي محاولة لتجنب شيء من المعاناة بات فراس وعائلته ولا سيما الفتية من الأحفاد يغادرون المنزل مع كل اقتحام ليتجنبوا قمع الاحتلال الذي بات يستهدفهم مع كل عملية عسكرية بمخيم نور شمس.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: عائلة خلیفة أبو فراس

إقرأ أيضاً:

شهيدان في الشجاعية وإسرائيل تقرر قطع الكهرباء عن قطاع غزة

أفاد مراسل الجزيرة في غزة باستشهاد شخصين وإصابة آخرين، في قصف مدفعي إسرائيلي، استهدف اليوم الأحد فلسطينيين في محيط متنزه القبة بحي الشجاعية شمال قطاع غزة.

وقال أطباء في المستشفى الأهلي العربي المعمداني إن حالة بعض المصابين "خطيرة" بينما أشار مراسل الجزيرة إلى أن القصف جرى في منطقة تصنف أنها آمنة لفلسطينيين كانوا يتفقدون منازلهم المدمرة.

ويأتي ذلك بينما أعلنت إسرائيل أنها قررت وقف تزويد غزة بالكهرباء "فورا" وهو ما علقت عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقولها إن الكهرباء مقطوعة عن القطاع منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية إن وزير الطاقة والبنية التحتية إيلي كوهين قرر وقف تزويد قطاع غزة بالكهرباء.

وأفادت بأن كوهين أصدر قرارا بوقف إمداد غزة بالكهرباء "فورا" مما سيؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي بالكامل عن القطاع.

وردا على القرار، قال حازم قاسم المتحدث باسم حماس "عمليا، الاحتلال الإسرائيلي قطع الكهرباء عن غزة منذ اليوم الأول لحربه على القطاع".

وأضاف أن "هذا السلوك يؤكد إمعان الاحتلال في استكمال حرب الإبادة ضد غزة، عبر استخدام سياسة التجويع، في استهتار واضح بكل القوانين والأعراف الدولية".

إعلان

ودعا قاسم إلى "تطبيق قرارات القمة العربية الرافضة لحصار قطاع غزة وتجويع أهله".

ومن جانبه، قال عومري دوستري المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي إنهم لا تستبعدون قطع المياه والكهرباء عن قطاع غزة باعتباره وسيلة للضغط على حركة حماس.

والأحد الماضي، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الحكومة تعتزم البدء خلال أسبوع بتنفيذ خطة تصعيدية ضد غزة، تشمل قطع الكهرباء والمياه وتنفيذ عمليات اغتيال وإعادة تهجير الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه واستئناف الحرب.

وأوقفت إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، الأحد الماضي، وسط تحذيرات محلية وحقوقية من عودة الفلسطينيين إلى مربع المجاعة.

وبدعم أميركي ارتكبت إسرائيل -بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير/كانون الثاني 2025- إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، يتضمن 3 مراحل تمتد كل منها 42 يوما، مع اشتراط التفاوض على المرحلة التالية قبل إتمام الأولى، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.

وقد حوّلت إسرائيل غزة إلى أكبر سجن بالعالم، إذ تحاصرها منذ منتصف 2006، وأجبرت حرب الإبادة التي تشنها على القطاع الفلسطيني نحو مليونين من مواطنيها -البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون- على النزوح في أوضاع مأساوية مع شح شديد متعمد في الغذاء والماء والدواء.

مقالات مشابهة

  • شهيدان في قطاع غزة وأطباء بلا حدود تدين منع دخول المساعدات
  • قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل عدوانها على مدينة طولكرم ومخيميها
  • بالفيديو: لحظة تفجير قوات الاحتلال منزل عائلة شهيد في قلقيلية
  • لبنان - شهيدان بقصف إسرائيلي
  • وفد فرسان مالطا يزور لبنان غدا لحشد الدعم وإعادة إعمار البلاد
  • ارتفاع وفيات الأطفال.. الاحتلال يُكثّف عملياته العسكرية في الضفة الغربية بـ"تكتيكات غزة"
  • الاحتلال ينفذ عمليات هدم في قرية فرعون جنوبي طولكرم بالضفة الغربية
  • الاحتلال يهدم منشأة في طولكرم دون إنذار مسبق
  • شهيدان في الشجاعية وإسرائيل تقرر قطع الكهرباء عن قطاع غزة
  • صيادو جزر فرسان.. مغامرات يرسمها الغياب طلبًا للرزق