احتجاجات المزارعين في أوروبا مرحلة من انهيار الاتحاد الأوروبي وبروفة لثورات الدول النامية
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
قد يبدو النطاق الواسع لاحتجاجات المزارعين في أوروبا غير متوقع للوهلة الأولى فحسب.
ويبرز السبب المباشر والقصير هو استيراد المواد الغذائية الأوكرانية الرخيصة، فضلا عن انخفاض دخول المزارعين بسبب التضخم والمتطلبات البيروقراطية المجنونة لـ "التحول الأخضر".
إقرأ المزيد "مؤدلج بوتين" ألكسندر دوغين حالم خطيرفعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار الغاز في ألمانيا بنسبة 21% في النصف الأول من عام 2023، وأسعار الكهرباء بنسبة 31%.
إن الاتحاد الأوروبي وأوروبا بصفة عامة ليسوا سوى مستنقع عفن في تغليف أنيق، وقد حافظت أوروبا على ازدهارها بسبب جمودها والطاقة الرخيصة التي كانت تحصل عليها من روسيا. علاوة على ذلك، فقد ضرب التدهور والأزمات أوروبا قبل فترة طويلة من الحرب في أوكرانيا.
وتخلف الاتحاد الأوروبي حتى عن الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت هي نفسها تخسر ثقلها الصناعي والاقتصادي وتغرق في الأزمة. وبينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 15 تريليون دولار في عام 2010، كان الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا 14.5 تريليون دولار (أي 97% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة)، أما في عام 2021، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 23.3 تريليون دولار، ونظيره في أوروبا 17.2 تريليون دولار (أي 73.8% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة).
وأصبحت أوروبا بفضل الغطرسة، وطرح نفسها كنموذج مثالي للبشرية جمعاء، منفصلة عن الواقع وتحاول بناء مدينة فاضلة على أساس مبادئ بيروقراطية ذات سيطرة مفرطة وأبعد ما تكون عن قواعد السوق، وتتطور غالبا في اتجاه مسدود. والأزمة الزراعية الراهنة ليست سوى خطوة أخرى نحو انهيار الاتحاد الأوروبي.
وتشكل الزراعة الأوروبية مثالا واضحا على هذا النوع من عدم الكفاءة، حيث يتم إنفاق ثلث ميزانية الاتحاد الأوروبي على دعم المزارعين. وفي النرويج وسويسرا، رغم أنهما ليستا عضوين في الاتحاد الأوروبي، إلا أن إعانات الدعم هناك تمثل نحو 60% من دخل المزارعين، والوضع بالمثل في الاتحاد الأوروبي.
لهذا فإن تكلفة المواد الغذائية المنتجة في أوروبا مرتفعة للغاية، والمزارع غير مربحة، يتم دعمها فقط لأسباب تتعلق بالأمن الغذائي والحفاظ على طبقة الفلاحين الاجتماعية. وكان بوسع أوروبا أن تتحمل مثل هذه النفقات في ذروة ازدهارها، ولكن إعانات الدعم لم تعد كافية الآن.
على خلفية هذا المشهد تظهر أوكرانيا، التي تبيع المنتجات في السوق الأوروبية أرخص بمرتين إلى ثلاث مرات، وغالبا ما تستخدم الاحتيال الضريبي وعدم دفع الرسوم الجمركية، فيصبح المزارعون الأوروبيون على الفور، بطبيعة الحال، غير قادرين على المنافسة، في حين تتزايد الضغوط البيروقراطية في الاتحاد الأوروبي كل عام، حتى تنخفض انبعاثات الأبقار من ثاني أكسيد الكربون، وكي تصبح جميع حبات الطماطم بنفس الحجم تماما.
فما السر وراء الانخفاض الكبير لسعر المنتجات الأوكرانية؟
إقرأ المزيد إيران والحوثيون يرتكبون خطأ قاتلاأولا، تتمتع أوكرانيا بأراض خصبة للغاية، وهي شاسعة، حيث يوجد ما يصل إلى ثلث التربة السوداء في العالم. وقد تم شراء 17 مليون من أصل 62 مليون هكتار من الأراضي الزراعية الأوكرانية، أي ما يقرب من الثلث، من قبل 3 شركات أمريكية عملاقة للأغذية: كارغيل Cargill ودوبونت Dupont ومونسانتو Monsanto، بمساحة أكبر من مساحة كل الأراضي الزراعية في إيطاليا.
وكان هؤلاء في السابق يستأجرون تلك الأراضي، إلا أن زيلينسكي، في العام 2021، أجرى إصلاحا زراعيا يسمح للأجانب بشراء الأراضي.
علاوة على ذلك، تعيد الدولة الأوكرانية ضريبة القيمة المضافة إلى مصدّري المواد الغذائية، وهو ما يؤدي إلى إحداث فجوة في ميزانية البلاد، إلا أنه يضمن في الوقت نفسه رخص المنتجات الأوكرانية، وأرباحا هائلة للمصدرين. كذلك يسجل المصدرون الأوكرانيون بضائعهم للترانزيت عبر الاتحاد الأوروبي إلى دول ثالثة، لكنهم في واقع الأمر يبيعون منتجاتهم في السوق الأوروبية دون دفع الرسوم الجمركية.
لكن كل هذا مجرد حالة خاصة لظاهرة أكبر بكثير، هي ما وددت لفت الانتباه إليها.
إن التقنيات الزراعية الحديثة لا تتطلب الكثير من الموارد البشرية، فالعديد من العمليات الزراعية الآن تتم آليا ومن خلال روبوتات. وفي ألمانيا تبلغ حصة القوى العاملة المستخدمة في الزراعة 1%، في الولايات المتحدة 2%، وفي فرنسا 3%، وحتى هذه الأرقام تعد مرتفعة!!! أوكرانيا، في هذا السياق، تعد ساحة اختبار واعدة ومثيرة للاهتمام، باعتبارها تجربة تتمتع فيها الشركات بالحرية الكاملة لتقليص تكاليفها نظرا لحجمها الكبير، وقدرتها على التخلص من العمالة الزائدة، على النقيض من أوروبا، التي تحتفظ، بشكل مصطنع، بعدد زائد من صغار المزارعين لأسباب سياسية.
والآن إلى الأمر الرئيسي: تبلغ نسبة السكان العاملين في الزراعة بدولة النيجر 71%، في الهند 44%، في الصين 24%، في مصر حوالي 30%.
وهذه البلدان ملزمة بالخضوع للتحديث إذا أرادت ألا تصبح مرة أخرى غذاء للدول الأكثر تقدما، أو أن تصبح مستعمرات في العالم الجديد، حينما يعاد بناء الإمبراطوريات بعد انهيار الولايات المتحدة والعولمة التي أنشأتها. وهذا يعني قبول التقنيات الحديثة في الزراعة، وتداول الأراضي بشكل أكثر حرية مع تركيز الأراضي في يد الشركات الكبيرة. قد لا تزيد الإنتاجية لكل وحدة مساحة كثيرا، لكن من المؤكد أن القوى العاملة ستنخفض بشكل جذري.
تواجه البلدان النامية، في هذا الصدد، تحديا هائلا: فإما أن تتخلف عن ركب التنمية ويتم استيعابها أو إخضاعها من قبل الآخرين، أو تحدّث من تقنياتها الزراعية، ما يحرم عشرات ومئات الملايين من فلاحي الأمس من العمل، والذين على الأرجح لن يكون هناك طلب عليهم من الصناعة، التي سيتم تحويلها هي الأخرى إلى روبوتات. بل ولن تتمكن جميع البلدان من تطوير الصناعة في ظل أزمة فائض الإنتاج.
لذلك سيكون التوتر الاجتماعي هائلا، وأكبر بكثير مما شهدناه في السنوات الأخيرة بما في ذلك خلال الربيع العربي.
وفي حال عدم التحديث فقد يتوقف تقليص الفجوة بين البلدان الرائدة والبلدان المتخلفة عن الركب في مجال التنمية الاقتصادية، وقد يعود عدد من البلدان إلى اقتصاد وتنظيم اجتماعي أكثر بدائية.
إن عالمنا الراهن يدخل فترة من الاضطرابات الهائلة والفوضى والهجرات الكبرى، وليس من الواضح إلى أين سيفضي كل هذا.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي ألكسندر نازاروف ألكسندر نازاروف الأزمة الأوكرانية الاتحاد الأوروبي الجيش الروسي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حلف الناتو عقوبات اقتصادية عقوبات ضد روسيا مؤشرات اقتصادية وزارة الدفاع الروسية الناتج المحلی الإجمالی الاتحاد الأوروبی تریلیون دولار فی أوروبا
إقرأ أيضاً:
ترامب يهاجم الاتحاد الأوروبي في دافوس
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الخميس، خلال كلمته، التي ألقاها عبر الفيديو، أمام في المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في دافوس، أنه سيطلب خفض أسعار الفائدة على الفور، كما شن هجوماً على دول الاتحاد الأوروبي.
وأكد ترامب أنه سيخفض ضرائب الشركات إلى 15%، بشرط أن يتم تصنيع المنتجات داخل الولايات المتحدة، مضيفًا: "الشركات التي تصنع منتجاتها في أمريكا ستستفيد من هذه التخفيضات، بينما ستُفرض رسوم جمركية على الواردات."
وفيما يخص العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، أشار ترامب إلى أن الرسوم الجمركية الأوروبية تجعل من الصعب تصدير المنتجات الأمريكية، وصرّح: "الاتحاد الأوروبي يعامل الولايات المتحدة بشكل سيئ للغاية."
وفي قطاع الطاقة، أوضح ترامب أنه سيطلب خفض تكلفة النفط.
وأضاف: "إذا انخفضت أسعار النفط، ستنتهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا على الفور. الأسعار الحالية مرتفعة بما يكفي لاستمرار الحرب، ويجب خفضها لتحقيق الاستقرار."
وفيما يتعلق بالعلاقات التجارية، وجه ترامب انتقادات للاتحاد الأوروبي، معتبرًا أن الرسوم الجمركية الأوروبية تعيق تصدير المنتجات الأمريكية. وأضاف: "الاتحاد الأوروبي يعامل الولايات المتحدة بشكل سيئ للغاية."