صادق مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي وبإجماع كبير من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على مشروع قانون "مناهضة التطبيع مع نظام الأسد".

ويُعتبر هذا الإجراء خطوة حاسمة ومهمة وفقا لتقييم نشطاء من الجالية السورية في الولايات المتحدة ومراقبين، ويرى البعض أنه يأتي في سياق الاعتبارات المتعلقة بالمرحلة الحالية، على الرغم من أن إكمال هذه العملية يتطلب خطوات إضافية.



تم طرح مشروع القانون للمرة الأولى في أيار /مايو 2023، ردا على التطبيع الذي بدأته عدة دول عربية مع نظام الأسد.

وبعد تعثر المسار بسبب التغييرات في رئاسة مجلس النواب، تم إحياء المشروع بجهود من نواب أميركيين، بقيادة جو ويلسون وفرينش هيل.

ولعب نشطاء في منظمات سورية دورا بارزا في دفع القانون إلى الأمام، من خلال سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع أعضاء مجلس النواب، وتعزى هذه المعلومات إلى الإعلان الصادر عن هذه المنظمات في الساعات الأخيرة.

يأتي مشروع القانون ليحظر على الحكومة الفيدرالية الاعتراف بحكومة في سوريا تقودها بشار الأسد أو التطبيع معها.

كما يمنح الرئيس الأمريكي صلاحيات لمعاقبة المشاركين في "سرقة السوريين"، مع فرض إجراءات لزيادة مراقبة التداولات التجارية التي قد تنتهك العقوبات.

القانون أيضا يلزم واشنطن بعدم الاعتراف بأي حكومة أو التطبيع مع النظام السوري، من خلال تطبيق العقوبات المنصوص عليها في "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019" والأمر التنفيذي رقم 13894، الذي يتضمن حجب ممتلكات ودخول بعض الأفراد المتورطين في سوريا.

وفي إطار إجراءات القانون، يمنع أي مسؤول أو موظف فيدرالي اتخاذ أي إجراء يشكل اعترافا صريحا أو ضمنيا ببشار الأسد أو أية حكومة سورية يرأسها.

كما يتطلب من وزير الخارجية الأمريكي تقديم تقرير سنوي استراتيجي بعد ستة أشهر من إقرار القانون، يوضح الأفعال التي اتخذتها الدول في مجال التطبيع أو الاتصال مع نظام الأسد، ويكشف عن أنشطة النظام في سرقة المساعدات الإنسانية.

"بمرحلة سياسية مهمة"


تأتي هذه الخطوة، التي تستهدف النظام السوري ورئيسه بشار الأسد وحكومته، في إطار مرحلة سياسية مهمة.

ولا تعد هذه الخطوة الأولى من نوعها من قبل الولايات المتحدة، بل سبقتها خطوات أخرى ذات أهمية كبيرة، وتتواصل تداعياتها حتى الآن، حيث اتخذت شكل حظر وعقوبات وتقييدات، ومن بينها "قانون قيصر لحماية المدنيين" لعام 2019.

وأضيف قانون "تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها" إلى "قيصر" في عام 2021، ويتعلق بالنظام السوري ورئيسه والأوساط المقربة منهما من تجار ومصنعين ومهربين.

الدكتور بكر غبيس، مدير منظمة "مواطنون من أجل أميركا آمنة"، يصف إقرار مجلس النواب لمشروع قانون "مناهضة التطبيع مع الأسد" بأنه "خطوة كبيرة"، خاصةً في هذه المرحلة السياسية مهمة التي تشهد محاولات لإعادة إدراج بشار الأسد في الساحة السياسية.


ويشير إلى أن استضافة الأسد في اجتماعات القمة العربية وإعادة فتح سفارات دول عربية في دمشق تعتبر صدمة للكثير من السوريين، الذين يعانون ما زالوا من انتهاكات وجرائم حرب تعرضوا لها منذ 2011، حسب تقرير لموقع "الحرة".

غبيس يؤكد أن مشروع القانون يسلط الضوء على قانون "قيصر" ويطلب تمديده لسبع سنوات إضافية، مشيرا إلى ضرورة مراقبة المؤسسات المالية التي قد تعمل في مناطق النظام أو مشاريع إعادة الإعمار، بحسب حديثه لـ "الحرة".

راين بوهل، الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، يرى أن التصويت بالأغلبية على مشروع القانون يشكل رد فعل من السياسيين الأمريكيين على التوجه التطبيعي العربي مع نظام الأسد.

ويعتبر أن هؤلاء السياسيين يحاولون إرسال إشارة للدول العربية بأن الولايات المتحدة لن تقبل إلا بتطبيع محدود مع دمشق، مؤكدا على ضرورة إجراء إصلاحات سياسية جوهرية قبل إعادة تأهيل الأسد في إطار الاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا.

"رسالة قوية"


بالإضافة إلى النقاط المذكورة سابقا، يشتمل مشروع القانون على طلب إرفاق تقارير مفصلة حول مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، ليتم استعراضها بشكل دقيق.

كما يطلب تقارير حول أي مسؤول من أي دولة في العالم يلتقي بكبار المسؤولين في النظام السوري، حسب تصريحات غبيس.

يتناول المشروع أيضا "آلية وكيفية مراقبة وظائف أو مهام الأمم المتحدة ومؤسساتها في سوريا، نظرا لأنها تُعتبر مكانا للاستيلاء من قبل النظام وحلفائه، وذلك باعتبارها مؤسسات مثل (الهلال الأحمر العربي السوري) و(الأمانة السورية للتنمية) التي تتبعان لأسماء الأسد".

من جانبه، يرى مدير المنظمة السورية-الأمريكية أن المشروع يهدف إلى "إغلاق الباب أمام النظام وحلفائه، والدوائر الضيقة المرتبطة بهم، للاستفادة من استمرار الحرب والتدمير في سوريا، ومن المساعدات الدولية".


ويطلب من الحكومة الأمريكية والإدارة المناهضة للتطبيع مع النظام أن تتخذ إجراءات ضد الدول "المذكورة بالاسم في (دول المنطقة)"، كما يوضح غبيس.

من جهته، يشير الكاتب والمحلل السياسي، عمر كوش، إلى أن "مشروع القانون وإقراره في مجلس النواب خطوة ذات أهمية بالغة، حيث جاء بإجماع من الجمهوريين والديمقراطيين".

ويعتبر أن "الأغلبية الساحقة تشكل رسالة قوية للمجتمع الدولي والدول العربية، فضلا عن النظام نفسه، بأنه غير مقبول دوليا، على الأقل في السياق الأمريكي والأوروبي"، وفق حديثه لـ "الحرة".

وعلى الرغم من أن القوانين السابقة التي أقرها المشرعون الأمريكيون خلال السنوات الماضية قد تنوعت، إلا أنه يشير كوش إلى أنها "لا يمكن أن تحدث تحولا في سلوك النظام ومساره".

ويشدد على أن "الانعطافة" المطلوبة لا تظهر في سلوك الدول المؤيدة للأسد، مثل روسيا وإيران، أو الدول العربية التي تواصل تحسين علاقاتها معه، ووفقا لتقديراته: "تلك الدول تسعى للتقرب من الأسد بأي شكل من الأشكال".

تأثير متفاوت على الدول


على مدى الأشهر الماضية، رفضت الولايات المتحدة بشدة تحركات دول المنطقة نحو تطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، مشددة على وحشية حكومته خلال النزاع والحاجة إلى تقدم نحو حل سياسي.

الآن، بعد مرور مشروع قانون "مناهضة التطبيع مع الأسد" أولى المراحل في مجلس النواب، تثير التساؤلات حول ما إذا كانت الإجراءات الصارمة ستؤدي إلى فجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

من المتوقع أن يتم إقرار المشروع بعد مروره في مجلس النواب أو نسخة مشابهة منه في مجلس الشيوخ، وبعد ذلك سيتم توقيعه من قبل الرئيس الأمريكي إذا تم اجتياز المحطة الثانية. ويشير غبيس إلى أن "الخطوات التالية قد تحتاج إلى عدة أشهر، ربما تمتد إلى سنة".


يوضح مدير منظمة "مواطنون من أجل أميركا آمنة" أن "قبل اعتماد مشروع القانون، كانت هناك عدة محاولات من قبل بعض الدول (دون ذكرها) لتعديل بنوده أو إلغائه".

ويعد أن "مجرد تقديمه يعد تباطؤا في مسار التطبيع مع النظام"، مؤكدا أن "تبنيه من قبل مجلس الشيوخ وتوقيعه سيكون له تأثير كبير، ولكن بشكل متفاوت بين كل دولة وتوجهاتها واستراتيجياتها وفقا لمراقبتها للموقف الأمريكي".

من جهته، يرى الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل، أن "هذه الخطوة تمثل نهجا منخفض التكلفة نسبيا بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة مع العلاقات المحدودة للغاية بين الولايات المتحدة وسوريا".

ويشير إلى أنه "لن يكون هناك تأثير جوهري مالم تتضمن التشريع شرطا لفرض عقوبات ثانوية على الدول التي تبدأ في التعامل مع سوريا".

ويقدم بوهل مثالا حين يقول إن دولة الإمارات قد تكون قادرة على تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع الأسد، ولكنها لن تكون قادرة "على تقديم الكثير فيما يتعلق بالعلاقات التجارية أو مساعدات إعادة الإعمار".

وبينما "لا يزال من الممكن أن تتعرض كيانات فردية في الدول الخليجية للعقوبات بسبب التعامل التجاري مع سوريا"، لا يعتقد الباحث الأمريكي أن ذلك سيؤثر على العلاقات العامة بين واشنطن وأبو ظبي.

فيما يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، عمر كوش، أن "مشروع القانون هام على الصعيدين الأمريكي والدولي، لكنه لن يؤثر بشكل كبير على سلوك النظام ولا على الدول العربية التي تواصل تحسين علاقاتها مع الأسد"، وفقا لـ"الحرة".

 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية التطبيع الأسد النظام السوري دمشق الأسد دمشق النظام السوري التطبيع سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة مشروع القانون النظام السوری مع نظام الأسد مجلس النواب بشار الأسد مع الأسد فی سوریا فی مجلس من قبل إلى أن

إقرأ أيضاً:

العيد الأول في سوريا بعد الأسد.. فرحة رغم التحديات

إدلب- لم يكن عيد الفطر الأول بعد سقوط نظام الأسد كغيره من الأعياد السابقة، فقد بدا مميزا من خلال طقوسه وتجمع السوريين للصلوات في الساحات أو المساجد الكبيرة في كل المحافظات، بالوقت الذي أدى فيه الرئيس أحمد الشرع الصلاة في قصر الشعب بدمشق.

شارك السوريون لأول مرة منذ 14 عاما في مظاهر العيد مع الأهل والأقارب وفي مدنهم وقراهم بعد أن كانت الصلة بينهم مقطوعة بسبب التهجير وانقسام المناطق بين المعارضة والنظام السابق، كما كان مشهد الاحتفال حاضرا في خيام النزوح لأكثر من مليوني إنسان منعهم دمار منازلهم من العودة إليها.

أيهم، الذي هُجر من قريته "قصر بن ردان" منذ 10 سنوات، عاش أجواء العيد في خيمة النزوح مع أقرانه وأقربائه بعيدا عن ديارهم ومنازلهم المدمرة بفعل قصف النظام السابق، وضعف حالتهم المادية وعدم قدرتهم على إعادة إعمار بيوتهم أو حتى إصلاحها بشكل جزئي.

صلاة العيد في مسجد شعيب في مدينة إدلب (الجزيرة) عيد مميز

في حديث للجزيرة نت، قال أيهم إن "ما يميز هذا العيد هو اجتماع فرحتين معا؛ الأولى عيد النصر الذي جاء بدون الرئيس المخلوع بشار الأسد الذي هجرنا ودمر منازلنا، والثانية عيد الفطر السعيد، مرت علينا 14 سنة والعيد مصحوب بغصة في القلب تمنعنا من الشعور بالفرح في ظل الشوق للأرض والديار المغتصبة".

ورغم المأساة التي يعيشها السكان بالخيام في البرد والحر، كما يضيف، فإن الابتسامة والسعادة التي تظهر على وجوههم مليئة بأمل العودة القريبة إلى منازلهم من خلال استجابة دول العالم والمنظمات الإنسانية لمساعدتهم في إعادة إعمارها.

تقديم الحلويات من طقوس العيد في مخيم الجامعة للنازحين في مدينة إدلب (الجزيرة)

ولفت إلى أنهم حافظوا على طقوس العيد ولم يتخلوا عنها طوال سنوات النزوح في المخيمات، والتي تبدأ أولا بأداء صلاة العيد ومن ثم زيارة الجيران والأقرباء والأصدقاء الذين جمعتهم بهم سنوات التهجير، "فالمخيمات باتت تضم أشخاصا من كل الطوائف والعشائر من أبناء المحافظات السورية".

إعلان

رغم الفرحة التي عاشها السوريون في هذا العيد الذي وصفوه بأنه الأجمل منذ عقود بعد الخلاص من حكم آل الأسد، فإن الوضع الاقتصادي المتردي يبقى عقبة كبيرة في وجه الكثير من السكان في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعانون منها بعد انتهاء الحرب، بالتزامن مع تجفيف الدعم الدولي والحاجة لإعادة إعمار البنى التحتية التي تساعد في عودة النازحين لديارهم.

ساحة ألعاب الأطفال في مدينة بنش شرق إدلب (الجزيرة) أزمة مالية

كما تنعكس الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها سوريا، في ظل العقوبات المفروضة عليها، على الدولة الجديدة التي تسلمت مؤسسات منهارة وليرة منخفضة القيمة، ليواجه الشعب الذي خرج من الحرب واقعا معيشيا صعبا مصحوبا بركود في سوق العمل.

من جهته، قال المواطن محيي الدين الأسعد ابن مدينة بنش شرق إدلب، للجزيرة نت، إن الوضع المادي لكثير من السكان بات تحت الصفر نتيجة سنوات الحرب الطويلة ونزوح الملايين وبعدهم عن أراضيهم التي كانت مصدر عيشهم، في الوقت الذي خففت فيه الدول الداعمة تقديم المساعدات منذ عام 2023 بالإضافة لقلة فرص العمل.

عشرات السوريين يؤدون صلاة العيد في مسجد شعيب في مدينة إدلب (الجزيرة)

وأضاف أن سوريا الجديدة اليوم تحتاج إلى وقوف الدول إلى جانبها ومد يد العون لها ومساعدتها برفع العقوبات "التي لا تطال إلا الشعب السوري الذي يحب الحياة، وهو قادر على التعافي بنفسه".

وتابع الأسعد "الغصة التي مازالت اليوم هي سكان المخيمات المهجرون وأطفالهم الذي وُلدوا في المخيمات ولا يعرفون قراهم ولا بلداتهم، واليوم يعودون إليها ليشاهدوا أكواما من الحجارة فقط بفعل القصف والسرقة التي طالتها من قبل النظام البائد".

أطفال مدينة بنش يحتفلون بعيد الفطر بألعابهم المتواضعة (الجزيرة) فرحة الأطفال

لا تغيب عن المشهد ساحات الألعاب المخصصة للأطفال والتي تختلف من مكان لآخر، ففي الشمال السوري أُقيمت الألعاب والأراجيح للأطفال بين المنازل المدمرة وعلى الأنقاض لكي لا يُحرموا من الفرح في هذا اليوم.

إعلان

الطفلة سامية النجم، التي هُجرت من مدينة خان شيخون جنوب إدلب منذ 5 سنوات، تحتفل بالعيد بعيدا عن مدينتها ومنزلها مع أصدقاء في مدينة بنش التي لجأت إليها مع أهلها.

أطفال مدينة بنش شرق إدلب يستقبلون العيد دون خوف من القصف (الجزيرة)

قالت النجم للجزيرة نت "فرحة العيد هذا العام مميزة لدي، اشتريت ثياب العيد وبدأت بجمع مبلغ من المال منذ شهر حتى أستطيع زيارة الألعاب في العيد".

وتستذكر اليوم الذي خرجت فيه من خان شيخون تحت القصف العنيف بالطائرات والمدفعية الثقيلة وعمرها كان 5 سنوات، وتقول إنها لا تنسى تلك اللحظات بعد أن تركت فيها كتب الروضة وألعابها تحت أنقاض منزلها الذي دمر جراء القصف.

مقالات مشابهة

  • العيد الأول في سوريا بعد الأسد.. فرحة رغم التحديات
  • سوريا: الحكومة الجديدة تضم وجوها قديمة وأقليات.. ما هي رسالة الشرع؟
  • أنس خطاب.. من ظل الاستخبارات إلى واجهة داخلية سوريا..
  • مشروع ليفربول للموسم المقبل.. بقاء صلاح و5 صفقات قوية
  • أنس خطاب.. من ظل الاستخبارات إلى واجهة داخلية سوريا (بروفايل)
  • «القومي للبحوث» يوجّه نصائح مهمة للتغذية السليمة والحفاظ على الوزن في عيد الفطر
  • سوريا والتحديات الداخلية والخارجية
  • تداعيات سقوط نظام الأسد على القضية الفلسطينية.. قراءة في ورقة علمية
  • التأسيس لقانون الغاب على أنقاض القانون الدولي
  • تقرير حقوقي: نظام الأسد مارس تدميرا ممنهجا للاستيلاء على ممتلكات السوريين بدرعا