المكان: مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بإنجلترا الزمان: 2024/2/15م
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
أثير – موسى الفرعي
تقوم الحضارة أولا على مبدأ الحوار واحترام الرأي الآخر وممارسة وجوده دون أن نفرض عليه حصارا بآرائنا ومعتقداتنا، علينا ألا نفترض الشر في الآخر وألا نقسم العالم في منطقتي البياض والسواد، إن عالم الألوان المتصالحة والمتناسقة أجمل.
كلمة لمعالي السيد بدر بن حمد البوسعيد وزير الخارجية في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بإنجلترا أقل ما يقال عنها أنها ريشة اعتدال لميزان الواقع في عالم متعدد الأقطاب ولا يملك سوى التصالح والحوار إن كان منحازا للحياة فالشرُّ ليس من اختصاص الآخرين كما يقول الشاعر محمود درويش: (هناك ميل إلى التفكير والتصرف كما لو أن العالم يمكن تنظميه بدقة في قسمين؛ أصدقاء وأعداء، الخير والشر.
بهذه الفلسفة العميقة يبني معالي السيد رؤيته الإنسانية مؤمنا أنها تمشي في سياق منتظم مع عالم الدبلوماسية بل جوهرها الذي تقوم عليه، حيث يمكن للدبلوماسية في عالم ينهار أن تكون طوق نجاة للإنسانية المنتهكة، كما أنه يؤمن أن التاريخ يلعب دورا هاما في بناء حاضر صالح وتهيئت مستقبل صحي وآمن، وإن كان معالي السيد أشار إلى أن كلمته ليست لغرض أكاديمي إلا أنها درس أكاديمي وإنساني عال يفترض أن يدرس وأن تكون مبدأ يغرس في الوعي الكوني كي يدرك الإنسان أن الحياة حق للجميع وأن الملائكية والشيطنة ليست صفة يقينية لأحد الطرفين.
القضية الفلسطينية والاعتداء الغاشم على غزة كانت منطلقا وأساسا لكلمة معالي السيد بدر بن حمد وزير الخارجية مع فهم عميق للتحولات ومعطيات الواقع ورؤيتها من زاوية دقيقة جدا حيث قال: (إن الجهود المبذولة للتعامل مع الأزمة الحالية ما تزال عالقة في الماضي، هناك فشل في التعلم من الماضي وفشل في فهم الحاضر، وأن الكثيرين يتحدثون بشكل أساسي إلى أصدقائهم، ويرفضون التحدث، من حيث المبدأ، إلى الأشخاص الذين يعتقدون أنهم أعدائهم.، هذا عائق خطير. إعاقة ذاتية).
إلى التفكير الأحادي وإقصاء الآخر ترجع مشكلة هذا الكوكب القابل للحياة، حماس تدافع مسكونة بعقيدة وإيمان وتاريخ لذلك يستحيل القضاء عليها وإن كان من سلام ممكن فالحوار والحديث بين الطرفين هو الحل الأمثل والسبيل إلى السلام الممكن وقد أكد معاليه في كلمته على هذا المعنى حيث قال: (لا يمكن القضاء على حماس. لذلك، إذا كان هناك سلام، فسيتعين على صانعيه إيجاد طريقة للتحدث معهم والاستماع إليهم، سيتطلب ذلك تحولا في التفكير، وتطوير أشكال دبلوماسية عملية مناسبة لعالم متعدد الأقطاب، حيث علينا جميعا أن نتعلم التحدث إلى أي شخص، من أجل الخير للجميع).
وفي الوقت الذي ينبغي فيه أن يكون تعدد الهويات والثقافات سبيلا إلى التسامح والتفاهم بالتعرف على وجهات النظر، فالنمو يكون بالاختلاف لكن عالمنا يعيش انقساما وتمييزا طائفيا قاد إلى الخلاف والتناحر مما وأد الكثير من التواصل والتفاعل بين الناس وهو الأمر الذي يعرقل بناء الدول وإعادة الإعمار وهذا ما أشار إليه معالي السيد بقوله (يرى الكثير من الناس، سواء في منطقتنا أو خارجها، هذه الطائفية كحقيقة من حقائق الحياة. يبدو لهم أمرا طبيعيا وواضحا، مثل أي سمة من سمات الطبيعة.
يمكنك سماع هذا الموقف طوال الوقت باللغة التي غالبا ما تستخدم لوصف سياسات المنطقة، تسمع الحديث عن التوترات الطائفية القديمة، والخصومات التاريخية، والعداءات القديمة والدائمة).
لا يستقيم العالم إلا بالتعايش والتسامح الأمر الذي لا يكون إلا بالحوار والتعرف الإيجابي على الآخر، كما أن تقديم النسخ المشوهة من الأديان هو ما يفاقم سم الطائفية الديني، لذلك تجده بعض المنظمات مثل داعش مضيافا للنسخة المشوهة عن الإسلام التي يقومون بطرحها وتعميمها وهو ما يقوم به أيضا بعض المتطرفين الصهاينة مع نسختهم المشوهة من اليهودية، كما أن الدعم الشعبي والسياسي للكثير من الطوائف (هو مسألة اختيار سياسي وليس الإخلاص الطائفي، وينطبق الشيء نفسه على الدعم للفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة: فهو يأتي من الناس من جميع الطوائف ولا شيء، وهو مدفوع بالتضامن السياسي والتعاطف الإنساني والشعور بالظلم التاريخي.) كما عبر عنه معالي السيد في أماكن مثل فلسطين نفسها ولبنان واليمن، يتم شحذ هذه المنظورات السياسية بسبب الظروف الاقتصادية. ساعد مدى الفقر وانهيار البنية التحتية في جميع المواقع الثلاثة في بناء وحدة المضطهدين.
يقول معالي السيد: (العدالة الاقتصادية والاجتماعية مهمة للمسلمين، لكن هذا لا يجعلهم طائفيين. من الأسهل عدم مواجهة هذا الواقع وعدم القيام بأي شيء حيال المشاكل الأساسية.
من الأسهل التستر عليه من خلال الإصرار على فهم طائفي للمنطقة التي يتم فيها تفسير معارضة إسرائيل على أنها كتلة شيعية، مدبرة من قبل إيران، والتي يجب على الولايات المتحدة وغيرها من أصدقاء إسرائيل الانخراط ضدها في نوع من الحرب المقدسة الخاطئة.
هذا التشويه للمنظور السياسي المشترك على نطاق واسع هو ما أسميه الافتراء الطائفي.
إن البدء في فهم الآخر ومعرفة كيفية التعامل معه بعمق هو الأساس الذي نوقف عليه الكارثة في فلسطين. ويجب أن يكون أساس الدبلوماسية في عالم متعدد الأقطاب.
ليس الأمر كما لو أنه ليس لدينا أمثلة إيجابية تلهمنا، فقد طرح معالي السيد أمثلة ملهمة كـ إيرلندا الشمالية وما وصلت إليه بالحوار إلى محبة السلام ومكافحة الإرهاب، كما أشار معاليه إلى نقطة انطلاق معقولة للتفاوض، وهو ميثاق حماس لعام 2017 وهو: (تعتبر حماس إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة بالكامل، وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والمشردين إلى منازلهم التي طردوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة).
وقد انتهى معالي السيد في كلمته العالية والعميقة جدا إلى سلسلة من المقترحات الملموسة والبراغماتية للعمل الدولي الذي يعترف بأننا نعيش في عالم متعدد الأقطاب، الذي يرفض المنطق الطائفي، والمعارضات الثنائية، والألعاب الصفرية، وعدم الاتصال الاختياري.
أولا، الحاجة إلى مؤتمر دولي طارئ مكلف بالاتفاق على ترتيبات لإقامة دولة فلسطينية وإنشاء آليات لتنفيذها، دون مزيد من التأجيل كما يجب أن يشمل المؤتمر الدولي حماس أيضا.
ثانيا، يجب أن يعقد هذا المؤتمر قادة مجموعة من البلدان التي تمثل الأغلبية العالمية بشكل صحيح، دون تقسيم عالمي كاذب آخر تماما مثل التقسيم الذي بني في الحرب الباردة، وهو الأمر الذي يتطلب إصلاحا مؤسسيا.
كما طالب معاليه بإزالة حق النقض، فهيكل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو قطعة أثرية من الحرب الباردة، إذا ما قارنا مجلس الأمن التابع بمحكمة العدل الدولية، في محكمة العدل الدولية، يمكن لمجموعة واسعة من الخبراء القانونيين من مختلف البلدان التوصل إلى حكم مدروس يستند إلى الاهتمام بالأدلة والحجج. إذا لم يكن حكمهم بالإجماع، فيمكن لأولئك الذين يختلفون تسجيل مخالفتهم، ولكن الحكم قائم.
يصوت الممثلون في مجلس الأمن وفقا للحسابات السياسية، ويمتلك خمسة منهم سلطة منع حتى الحكم بالإجماع تقريبا.
أي هاتين المؤسستين هو الأنسب لحل النزاعات؟
إن إنشاء دولة فلسطينية هو ضرورة وجودية. من الواضح تماما أنه فقط من خلال الحقوق التي تمنحها السيادة يمكن للشعب الفلسطيني حتى أن يأمل في البقاء على قيد الحياة. بدون دولة، يحكم عليهم بالتهديد الدائم بالعوز والإبادة والموت.
ولا يمكننا أن نأمل في تهميش الافتراء الطائفي من المنطقة إلا من خلال إنشاء دولة فلسطينية. الحل العادل للقضية الفلسطينية هو خطوة أولى ضرورية في عملية تغيير أطول لشعوب المنطقة.
رؤيتي هي أن الدولة الفلسطينية ستسمح لنا برؤية أنفسنا (ونرى) إلى جانب دولة إسرائيلية، كأشخاص ذوي هويات اجتماعية وثقافية معقدة، بدلا من الهويات المحددة في الغالب من حيث الانتماءات الدينية.
بعبارة أخرى، يمكننا العودة إلى الطريق المفعم بالأمل للنهضة العربية. ويمكن أن يكون أحد منازلها هو القدس.
بهذه الخاتمة الكبرى اختتم معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية العمانية كلمته في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بإنجلترا.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: عالم متعدد الأقطاب دولة فلسطینیة معالی السید فی عالم
إقرأ أيضاً:
إنجازات مضيئة وأثر بارز.. جهود الأعلى للشئون الإسلامية خلال 2024
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
واصل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية مسيرته المتميزة خلال عام ٢٠٢٤، محققًا إنجازات واسعة النطاق في مجالات الدعوة والفكر والثقافة، تجسدت في عدد من الفعاليات والمؤتمرات والأنشطة التي تؤكد دوره الريادي في خدمة الإسلام والمجتمع، وجائت الإنجازات كالتالي:-
أقام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية المؤتمر الدولي السنوي الخامس والثلاثين تحت عنوان «المؤتمر الدولي الأول للواعظات: دور المرأة في بناء الوعي»، الذي انعقد في الفترة من ٢٥ إلى ٢٦ أغسطس، مسلطًا الضوء على أهمية المرأة ودورها المحوري في تعزيز الوعي الديني والفكري.
ونظم المجلس ملتقى الفكر الإسلامي بمسجد الإمام الحسين رضي الله عنه، خلال شهر رمضان المبارك، إذ اجتمع العلماء والدعاة لمناقشة قضايا الإيمان والتقوى، مقدمين رؤى ثرية حول القيم الإسلامية.
وحرص المجلس أيضًا على تعزيز دوره في نشر القرآن الكريم، إذ شارك في تنظيم النسخة الحادية والثلاثين من المسابقة العالمية للقرآن الكريم، وأقام النسخة الخامسة من مسابقة الطلاب الوافدين الدارسين بالأزهر الشريف، والتي توّجت بفوز إحدى المتسابقات وتمثيل ٢٠ متسابقًا في المسابقة العالمية.
واستكمالًا لدوره الثقافي، نفذ المجلس ثمانية معسكرات تثقيفية استهدفت الأئمة والواعظات والطلاب الوافدين، مقدمًا برامج تدريبية متقدمة تهدف إلى تطوير مهاراتهم وتعزيز وعيهم الديني. كما أقام المجلس ٢٧ معرضًا لعرض وبيع مطبوعاته، أبرزها مشاركته في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال٥٥، محققًا إيرادات تجاوزت ١.٦٥ مليون جنيه.
وعلى صعيد الإصدارات، قام المجلس بطباعة ٣٦ كتابًا جديدًا، من بينها ترجمة «المنتخب في تفسير معاني القرآن الكريم» إلى الروسية والألمانية والإنجليزية، إضافة إلى إصدار ١٢ عددًا من مجلتي «منبر الإسلام» و«الفردوس»، اللتين تم تحويلهما لاحقًا إلى نسخ إلكترونية متطورة.
وفي إطار دعمه للطلاب الوافدين، قدم المجلس ٤١٠٠ منحة دراسية للدارسين بالأزهر الشريف، إضافة إلى تصدير تسع مكتبات علمية تضم ١٤٤٤ كتابًا علميًا إلى تسع دول مختلفة، ما يعزز دوره في نشر الفكر الوسطي عالميًا.
من ناحية أخرى، شهد العام عقد عدد كبير من الفعاليات العلمية والثقافية، منها ثماني لجان علمية وأربعة صالونات ثقافية، إضافة إلى تنظيم ٦٥ مجلس حديث في المساجد الكبرى، تخللتها قراءة كتب مثل «الأربعون النووية» و «موطأ الإمام مالك» و «صحيح الإمام البخاري».
عمل المجلس كذلك على تطوير موقعه الإلكتروني ليواكب مكانته العلمية والثقافية، وتم إنشاء مركز إعلامي متخصص لنشر كل ما يتعلق بأنشطة المجلس، بما في ذلك المؤتمرات والمعارض والمجالس الحديثية؛ ما عزز من تواصله مع الجمهور.
سعى المجلس إلى الحفاظ على التراث الإسلامي، إذ كلف مجموعة بحثية بالبحث عن الكتب والتسجيلات النادرة؛ ما أثمر عن اكتشاف تلاوات قرآنية نادرة وكتب تراثية قيمة سيعاد نشرها للاستفادة منها.
أولى المجلس اهتمامًا خاصًا باللغة العربية، إذ نظم احتفالات إلكترونية بمناسبة يوم اللغة العربية على صفحاته الرسمية طوال أسبوع كامل، ما يؤكد التزامه بدعم اللغة وتعزيز مكانتها.
كما أقام المجلس معرضًا خاصًا عن آل البيت في مساجدهم، مسلطًا الضوء على الجوانب الإنسانية المشرقة من سيرهم، لتكون مصدر إلهام للأجيال في بناء مجتمع متماسك أخلاقيًا وروحيًا.
واستكمالًا لجهوده في دعم التراث، نظم المجلس تدريبًا ميدانيًا لطلاب كلية أصول الدين بالمنوفية، لتعليمهم كيفية تحقيق كتب التراث، وهو ما يؤكد اهتمامه بتأهيل الكوادر العلمية الشابة.
اهتم المجلس أيضًا بتطوير بنيته التحتية، إذ تم تجديد أساس المقر وترتيبه بما يليق بمكانته بوصفه مؤسسة علمية وثقافية، بما يعزز من قدرته على تقديم خدماته بجودة وكفاءة.