محاولة للثأر من يوم جمعة
#محمد_طمليه
يوم منذور للكسل ، للصحو المتأخر من النوم . للحمام الاسبوعي في العاشرة صباحا . للطبيخ الدسم . لغسيل السجاد والبرادي . لدور السينما الرخيصة . لصلة الرحم . لعرائش العنب في باحات البيوت . للمقاهي . للاصدقاء الذين اعتذروا عن المجيء بحكم انهماكهم في مناسبات الاقارب ، للصبايا الذاهبات الى زفاف زميلة .
لجارتنا التي اشتبكت مع زوجة الابن ” الخبيثة ” ، للشجارات التي تسببت بها شقيقة الزوج . للصابون الرخيص الذي اغتسل به ” صبي ميكانيكي ” . للمتاجر الموصدة . لسيارات ( السرفيس ) التي لا تجيء . ل ( التكسي ) الذي افرط في الحمولة . لشرطي المرور عند المفترق ..
مقالات ذات صلة لسان حالي 2024/02/09#الجمعة…
يوم رتيب كاغنية تقليدية تدندنها السيدة عند مهد وليدها الذي غفا ، او كساعة الحائط التي تدق !!
يوم … يشبه الاربعاء او الاحد ، ولكن باضافة مزيد من الرخاوة !
يشبه الظهيرة في قرية منسية … يشبه الجلوس في قاعة انتظار … يشبه حديث النساء اللواتي لا نحب ….
#يوم_ممطوط ، كموال مطرب في عرس ارملة .
هل بالغت في الوصف ؟ لقد تعمدت ذلك على اي حال . ربما لان يوم الجمعة يمثل بالنسبة لي حصاة في لقمة ( مجدرة ) امضغها . انه كذلك حقا وانني لأسال دائما : كيف يمكن حشو هذا اليوم بالحماس ؟ كيف يمكن ان ننفض غبار الترهل عن ساعاته ودقائقه ؟؟
التلفزيون لا يفي بالغرض . بل ان البث التلفزيوني المبكر ايام الجمع اتاح لنا فرصة اضافية للارتماء : ننكب امام التلفزيون ونشاهد ( الاخضر واليابس ) . والطريف اننا نعجز عن اتخاذ وضع مناسب للجلوس ، فتارة نرتمي على المقعد ، ونضع ارجلنا على ( التربيزة ) ، وطورا ننبطح على جنوبنا ، الى ان تتخذر مناكبنا ، وقد نغفو اثناء ذلك: يتهدل الجنان وينعجنا معا ، ثم اذا جاء الطبيخ ، صحونا نأكل..
رحلات ( الشواء ) لا تفي بالغرض ايضا ، اذ ما هو الفرق بين الارتماء على حصيرة في البيت ، والارتماء على اعشاب جافة تحت شجرة ؟ لا فرق …. اللهم رائحة الشواء ، وعملية البحث عن قطعة كرتون ( للتهويه ) بها على النار ، ومساعدة الاطفال على التبول في مكان غير مكشوف…
رحلاتنا … سأصف واحدة من هذه الرحلات : ثمة ، دائما ، رجل ب ( دشداشة ) ، وامرأة حويطة لا تنسى الملح ، وفتيات يافعات يضعن ( بشاكير ) خشية انحسار الثوب جراء الجلوس على الارض ، واطفال مندهشون يتبادلون قذف الكرة ، ( وتيرموس ) فيه ماء بارد مركون عند جذع الشجرة ، و ( بندورة وبصل ) في ( صينية ) حط عليها سرب من الذباب . و ( سكين ) تلوث مقبضها بفتين اللحم ، ودخان يتصاعد من بين الاسياخ المصفوفة على المنقل ، ورغيف مثلوم من الطرف زاد عن الحاجة ، فظل في ( كيس البلاستيك ) .. وعضو في اسرة مجاورة يستعير قليلا من ( الفلفل الأسود ) ، وكاسات شاي لها رائحة ( زنخة ) ، و ( بمبرز ) مجهول الهوية ملقى على مقربة ، وسيارات ( بيك اب ) مارة فيها اطفال يلوحون بأيديهم…
هل اكمل ؟ اعتقد ان الصورة اكتملت . بقي ان اقول ان الاسرة لا تنسى في طريق العودة ان تضع غصن ( دفلى ) في مقدنة السيارة …
الخروج في المساءات للتنزه في الشوارع لا يفي بالغرض ايضا ، بل هو اكثر بعثا علي الملل من المكوث في المنزل . لماذا ؟ سأقول :
زمان … حين كان ثمة ، بين الأصدقاء ما يقال . اعني : حين كان الحديث حارا لا يقبل القسمة على مكالمة هاتفية مقتضبة ، او على لقاء يتم صدفة عند باب المطعم ، او على بطاقة مطبوعة نرسلها بالبريد للم الناس، او على باقة ورد تحمل أسماءنا وتمنياتنا بالشفاء العاجل ..
انذاك … كان الصديقان يحملان كيسا صغيرا من الورق طافحا بالمكسرات ، ويظلا يذرعان الطريق الترابي غير المضاء ، ويتحدثان دون ان تبهرهما امرأة بملابس فاضحة ، او سيارة طائشة تنفر عن سياق المسرب المخصص لها ، او واجهة تاجر لبيع التفاهات ..
زمان … يا لتلك الايام ! هل تمة من يذكرها ؟ لا ضرر من انعاش الذاكرة : حفنة من الضوءفي كيس صفير من الكتان : انه ( الشمبر ) . ما زلت اذكر ( اللوكس ابو شمبر ) ، و ( اللمبة نمرة 4 ، وبابور الكاز ، ورغيف الصباح المدهون بالسمن المرشوش بالسكر ، والمدارس التي ترددنا عليها لمجرد ان نتعرض لضرب شديد ومبرح ، والاشجار التي سقطنا عن اغصانها ولم ( تتعور ) ، والاظافر التي لا نتذكرها الا حين يتجول المدير بين طوابير الصباح ، والمساء والطبيخ الذي يؤكل دون تسخين او تبريد ، والانبهار بأول ( حنفية ) في الحي ، والعجائز اللواتي يتنشقن ( الزعوط ) والعرائس ذوات الايدي والارجل المغموسة في الحناء ، والقطة المرقطة التي هاجمت ( صيصان ) الجيران ، وقصعات الطعام التي تستعيرها النساء ، وبنات الحب اللواتي منعن من اللعب معنا لان اثداءهن نمت بغتة …
اذكر …. الكلاب التي نبحت في الليل فانكمشنا في فراشنا والافعى التي قيل انها استوطنت في سلة معلقة في غرفة الخزين ، وحكايا الجدات عن الغول الذي عجزنا عن رسم صورة محددة له ، اذكر مساطب البيوت التي يحبو عليها أطفال بلا ( بمبرز ) ولا حليب مبستر ، ولا العاب كنا نجبل الرمل ونزعم انه حلوى ، كنا لا نحفل بوصايا الامهات المتعلقة بنظافة الملابس ، او تلوث المياه ، او دمنا الذي يجب ان لا يراق . كنا لا نحفل بقلق الاباء ازاء ارتفاع حرارتنا ، او التهاب اضراسنا . كانت الحياة لنا … كنا لها … كنا جزء منها . كالماء والشجر . كالندى والحصى .كنا زغبا ينمو تحت ابط الحياة ..
أعود للحديث حول التنزه والشوارع : لا نتحدث ، ولكن نتفرج على الاخرين ، ويتفرج علينا الاخرون ، اشبه ما نكون بصناديق صماء مجهولة المحتوى . افواج صماء من الصناديق على رصيف متلاطم الخشبات ..
ما من احد يحفل بأحد ، ثم اذا حانت ساعة النوم … غفونا بلا احلام …
الجمعة … يوم ممطوط مثل نداء افريقي لا افهمه..
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الجمعة
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الطعام له أثر في تصرفات الإنسان وفي الاستجابة لأوامر الله
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن للطعام آداب تهذب النفس وتشير إلى صلاح المتأدب بها وإلى فساد المتخلي عنها، فمن آداب الطعام أن تتوسط درجة حرارته، فلا يكون شديد السخونة ولا شديد البرودة، وأن يأكل الإنسان مما يليه، ولا يملأ بطنه بالطعام، فيترك للنفس والشراب مكانًا.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن من آدابه أن يحسن الإنسان مذاقه، فنتقي الأطيب والأزكى وقد أشار القرآن الكريم إلى مثالين لتأكيد ذلك المعنى، الأول للعصاة المعاندين لرسولهم، فقال تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنَى بَالَّذِى هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ) فكان من أخلاقهم أنهم تخيروا الطعام الأقل في الجودة والمذاق والقيمة الغذائية على الطعام الأفضل، بما يشير إلى علاقة بين سوء فهمهم للطعام وتذوقه، وبين عصيانهم وعنادهم ومشغابتهم التي وسموا بها عبر القرون، بما يجعلنا نؤكد على أن للطعام أثر في هذا الكون، في تصرفات الإنسان، وفي الاستجابة لأوامر الله، وفي وضعه الاجتماعي والكوني، وقد فجمع القرآن -في آية واحدة- بين سوء ذوقهم وفهمهم بتخير الطعام الأخس على الأعلى، وبين كبير جرمهم مع الله بقتل أنبيائه، حيث عقب ذلك بقوله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) .
أما المثال الثاني فكان للصالحين وهم أهل الكهف، قال تعالى : (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) فهؤلاء الصالحين اهتموا أن يكون الطعام زكيًا طيبًا، بل أزكى الأطعمة التي يمكن أن تشترى بهذه القيمة ، فكان من الممكن أن تكون طول فترة النوم سببًا في عدم الاهتمام بتخير الطعام الأزكى، وكانت شدة الجوع مبررًا لهم لأكل أي شيء دون تميز، إلا أنهم أثبتوا أن أخلاقهم عالية مهذبة، ومن أسباب هذا العلو وذلك التهذيب تخيرهم للطعام الأزكى، فكانوا يتخيرون إذا تحدثوا من الكلام أزكاه، رضي الله عنهم، ونفعنا بهم وبسيرتهم في الدنيا والآخرة.
وفي ذلك كله إشارة لما في الطعام الزكي الطيب من آثار أخلاقية وسلوكية إيجابية تترتب عليه، كما أن الطعام الذي يأتي من الغصب والسرق، وكذلك لا يكون طيبًا في نفسه وفي مذاقه له من الآثار السلبية على خلق صاحبه وسلوكه.