الخليج الجديد:
2025-01-03@15:01:43 GMT

نحو ثقافة سياسية عربية متجددة

تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT

نحو ثقافة سياسية عربية متجددة

نحو ثقافة سياسية عربية متجددة

كان الإعلام يهتم بالفكر والقيم في كل موضوع يناقشه، مع مفكر أو مسؤول أو فرد عادي، أما اليوم فتتركز النقاشات على أحداث عابرة وأبطالها.

الخروج من المأزق الثقافي السياسي العربي الراهن سيكون في صالح الجميع، وكل ما يرجوه الإنسان أن لا يقف أحد في وجه المناقشات الموضوعية الصادقة.

أحرى بنا في هذا الوطن أن نقوم بأكثر من ذلك، إذا كنا نريد للشباب أن يلعبوا أدواراً نضالية وإصلاحية في مجتمعاتهم وأن يخرجوا من التّيه الذي يعيشون فيه.

يزداد الوضع خطورة بعد أن أصبحت لوسائل التواصل الاجتماعي مكانة شبه مقدسة في حياة الشباب، وبعد أن نجحت تلك الوسائل في تهميش وسائل الإعلام الكلاسيكية.

منحى جديد في الثقافة السياسية، مستقل عن الأحزاب العقائدية الشاملة، ستكون له انعكاسات سلبية كثيرة على الممارسات المجتمعية السياسية مستقبلاً والتكوين الثقافي للفرد.

* * *

في لحظة الضياع والأمراض المجتمعية الكثيرة، التي تعيشها الآن مجتمعات العالم، وعلى الأخص مجتمعات القيادة الحضارية التاريخية الكلاسيكية في دول الغرب الأوروبية والأنكلوسكسونية، بدأت تظهر إشكالية ثقافية معقدة، هي إشكالية التثقيف السياسي لأجيال المستقبل.

وتكثر الكتابات والمناقشات هناك حول البدائل الثقافية السياسية لأجيالهم الشابة، بعد أن تراجعت الأيديولوجيات السياسية السابقة، التي انتمت في أغلبها في الماضي إلى أحد البديلين: تيار اليسار أو تيار اليمين.

لقد كانت في الماضي تعريفات ومبادئ وأساليب عمل التيارين ناضجة وواضحة ومتفقا عليها، وكانت الحكومات والأحزاب والحياة السياسية في غالبيتها الساحقة تصنف بخصائص أحد التيارين.

أما اليوم، وبعد أن ارتفع صوت شعار التعددية الثقافية في كل مكان، ما عاد الحديث يقتصر على الانتماء إلى أحد التيارين فقط، وإنما أيضاً، وبالقوة نفسها، الانتماء إلى ثقافات سياسية فرعية مثل ثقافة الخضر، الذين يهتمون أساساً بالبيئة، أو الثقافة النسوية الذين يهمهم في الدرجة الأولى قضايا المرأة إلى غير ذلك من عشرات الثقافات الفرعية. وهذه الثقافات لا ترضى أن تكون جزءاً منضوياً تحت أحد التيارين الكبيرين، وإنما تريد أن تكون لها الأولوية والاستقلالية والخصوصية الذاتية.

هذا المنحى الجديد في الثقافة السياسية، واستقلاله على الأخص عن الأحزاب الكلاسيكية العقائدية الشاملة، ستكون له انعكاسات سلبية كثيرة على الممارسات المجتمعية السياسية مستقبلاً، وستكون له أيضاً آثار سلبية على التكوين الثقافي العام للفرد.

ولعل بدايات تلك الانتكاسات تشاهد وتسمع الآن في الوسائل الإعلامية الكثيرة، لقد ذهبت تلك الأيام التي كان الإعلام فيها يهتم بالفكر والقيم في كل موضوع مجتمعي يطرحه ويناقشه، سواء مع مفكر أو مسؤول أو فرد عادي، إذ تتركز النقاشات في أيامنا على أحداث عابرة وأبطالها، دون الالتفات للفكر والقيم الفلسفية التي تقف وراء تلك الأحداث.

ويزداد الوضع خطورة بعد أن أصبحت لوسائل التواصل الاجتماعي مكانة شبه مقدسة في حياة الشباب، وبعد أن نجحت تلك الوسائل في تهميش وسائل الإعلام الكلاسيكية.

وبالطبع فإن كل ما ذكرنا سيكون ظاهرة عولمية في عالم يتجه إلى أن يكون شبه قرية واحدة، وأن يكون متماثلاً في سياساته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهنا بيت القصيد، إذ بالطبع ستكون له آثاره السلبية على شباب وشابات الوطن العربي.

هذا الوطن الذي ضعفت إرادته الحضارية الذاتية، وأصبح مستباحاً من قبل قوى كثيرة، تساهم في ذلك الضعف، من أجل أطماعها وعداواتها وهلوساتها التي لا تقف عند حد.

في هذا الوطن تميزت مسيرة التثقيف السياسية في الماضي للشابات والشباب، بأنها كانت تبدأ في المدرسة الثانوية أو الجامعة، التي كانت تعج وتموج بنشاطات ومواقف ومناقشات سياسية لا تهدأ، لتنتقل بعد التخرج إلى ساحات الأحزاب السياسية، حيث يتعمق التثقيف السياسي بشكل أكبر، ويرتبط بأفعال نضالية تقويه وتحسنه.

لكن في أيامنا التي نعيش، وبسبب إشكالات الأجواء الثقافية السياسية التي وصفنا تناميها في العالم كله مؤخراً، ما عادت المدرسة الثانوية ولا الجامعة ولا الأحزاب قادرة على أن تلعب أدوارها السابقة في تثقيف الشباب والشابات بثقافة سياسية فكرية عميقة ومتوازنة وشاملة، ومرتبطة بالتزامات عضوية نحو مجتمعاتها، خاصة بعد أن أصبحت محل مراقبة مشددة من قبل قوى أمنية وسياسية متعددة تحاسبها على كل تعبير، وعلى كل موقف يختلف مع نظام الحكم.

من هنا أهمية ما نود طرحه من أسئلة وإجابات حول هذا الموضوع برمته بالنسبة لشباب وشابات الأمة، وبالنسبة للمسؤوليات التي يجب أن تضطلع بها الأحزاب والمؤسسات التعليمية العالية وعلى الأخص ووسائل الإعلام، فإذا كان الغرب المتقدم القوي الواثق من قدراته، أصبح يفتش عن حلول للضعف الثقافي السياسي الالتزامي الذي أصاب شبابه، فأحرى بنا في هذا الوطن أن نقوم بأكثر من ذلك، إذا كنا نريد للشابات والشباب أن يلعبوا أدواراً نضالية وإصلاحية في مجتمعاتهم وأن يخرجوا من التّيه الذي يعيشون فيه.

ومن البداية نحذر من أن تكون محاولتنا، سواء من قبل مفكرينا ومثقفينا أو من قبل قيادات حياتنا السياسية العربية، محاولة تقليد لما يفعله الغرب بالذات، ذلك أن أولوياتنا وطبيعة هويتنا العروبية التاريخية، واندماج الثقافة الإسلامية في كل مرافق الحياة العربية يحتمون أن تكون المحاولة العربية إبداعية ذاتية مستقلة، لها أولوياتها ومنهجيتها وخصوصية قواها التي ستقوم بتلك المحاولة.

ومن البداية نأمل أن يكون موضوعاً يناقشه الجميع مهما كانت خلفياتهم الفلسفية والفكرية والقيمية. إن الخروج من مستجدات المأزق الثقافي السياسي العربي الحالي سيكون في صالح الجميع، وكل ما يرجوه الإنسان هو أن لا يقف أحد أو تقف أية جهة في وجه المناقشات الموضوعية الصادقة باسم أي شعار تثبيطي مزيف أصبح يملأ الأرض العربية حالياً مع الأسف.

*د. علي محمد فخرو سياسي بحريني، كاتب قومي عربي

المصدر | الشروق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العرب اليسار اليمين الأحزاب الإعلام الجيل الجديد وسائل التواصل الاجتماعي هذا الوطن أن تکون من قبل بعد أن

إقرأ أيضاً:

حصاد 2024 الإقليمى.. احتلال 3 دول عربية!!

من غزة ولبنان إلى إيران، توسعت دائرة الصراع وتعددت محاور المواجهة، أما المتغير الأكبر فهو سقوط قواعد الاشتباك وفى مقدمتها القصف المتبادل بين طهران وتل أبيب.

غيرت غزة مشهد الشرق الأوسط وخرقت موازين القوى فيه، وفى المقابل تغيرت هى أيضا، فغزة بعد السابع من أكتوبر 2023 لم تعد كما كانت قبله.

أعلن المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة أن عدد الشهداء والمفقودين منذ السابع من أكتوبر يفوق أكثر من 55 ألف شهيد بينهم أكثر من 17 ألف طفل وما يزيد عن 234 رضيعاً ولدوا وقتلوا، فيما تجاوز عدد القتلى من النساء 12 ألف، وأن حوالى 1140 عائلة فلسطينية مسحت من السجل المدنى بالكامل، وأكثر من 100 ألف جريح ومصاب.

وعلى أرض غزة واصلت الفصائل الفلسطينية مواجهة توغل الاحتلال الصهيونى واستهداف قواته اصطياد ضحايا منه رغم محدودية إمكاناتها.

فى المقابل تمكن الكيان الصهيونى من استهداف قادة حركة حماس، وكان أبرزهم يحيى السنوار رئيس المكتب السياسى وقائد المعركة الميدانية فى قطاع غزة، والذى قتل فى السابع عشر من أكتوبر 2024.

أما فى لبنان فقد عاش شيئاً من ما يحدث فى غزة، فجنوب لبنان وبيروت ومدن وقرى لبنانية كثيرة كانت هدفا لغارات لطيران الكيان الصهيونى لشهور عدة، وتركت أكثر من 4 آلاف شهيد لبنانى وما يزيد عن 16 ألف مصاب وجريح، أما فى ميدان المعركة فقد حدث تحول كبير فى قواعد الاشتباك بين الكيان الصهيونى وحزب الله، فصواريخ الحزب وصلت إلى حيفا وما بعدها، فقد وصلت إلى تل أبيب نفسها وأسدود وبئر السبع وعسقلان ومدن كثيرة داخل الكيان، وأدخل حزب الله لأول مرة صواريخ بعيدة المدى فى استهدافه للكيان الصهيونى، أبرزها صواريخ فادى، وقادر، ونور، وفلق.

فى المقابل تمكن الكيان الصهيونى من اغتيال قيادات الصف الأول من حزب الله وقيادات عسكرية ميدانية.

وتلقى حزب الله ضربة عسكرية كبيرة باغتيال أمينه العام، حسن نصر الله، فى غارة جوية للكيان الصهيونى استهدفته فى الضاحية الجنوبية ببيروت، فى 27 سبتمبر 2024، كما اغتالت القيادى البارز بالحزب، هاشم صفى الدين، الرئيس السابق للمجلس التنفيذى للحزب فى الثالث من أكتوبر 2024، والقيادى العسكرى، فؤاد شكر، فى 30 يوليو 2024، وأيضا تفجيرات أجهزة البيجر التى أدت إلى مقتل العديد من عناصر الحزب ومدنيين.

واجتاح الكيان الصهيونى لبنان عسكرياً، لكن الوضع على الأرض ليس كما هو فى السماء، وجد الكيان صعوبة كبيرة فى عملياته البرية وفقد الكثير من جنوده فى مواجهة عناصر حزب الله جنوب لبنان، مما أدى إلى إعلان هدنة بين حزب الله والكيان الصهيونى فى نهاية نوفمبر 2024، وهو يصارع الصمود التجاوزات التى اتهمها حزب الله للكيان بارتكابها.

أما بين الكيان الصهيونى وإيران فقد سقطت حدود المواجهة، لأول مرة تسقط صواريخ إيران على الكيان فى مشهد لم يعشه الكيان فى تاريخه، ففى 13 أبريل 2024 شنت إيران هجوما صاروخيا والطائرات المسيرة على الكيان، والذى كان أول رداً عسكرياً مباشراً على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى السابق لحركة حماس فى 31 يوليو 2024 فى طهران.

وفى الأول من أكتوبر 2024 أعادت إيران هجومها على الكيان رداً على اغتيال حسن نصر الله، وآخرين، لكن هذه المرة كان الهجوم أشد وأوسع، وانطلقت صفارات الإنذار فى جميع أنحاء الكيان الصهيونى، مع ورود أنباء عن وقوع انفجارات فى سماء تل أبيب والقدس المحتلة، واستهداف نقاط حساسة فى عمق الكيان الصهيونى.

ورد الكيان على هجوم إيران بهجمات محدودة فى وقت مبكر من صباح السبت 26 أكتوبر 2024، وشن سلسلة من الغارات الجوية على إيران، رغم عدم وجود معلومات دقيقة عن أهداف الهجمات إلا أن التقارير أوضحت أنها تركزت على مواقع تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة ومنصات الإطلاق وأنظمة الدفاع الجوى الإيرانى.

ومن غزة إلى إيران، توسعت المعركة وتضاربت التكهنات والتخوفات من توسعها أكثر من ذلك، خاصة بعد تنحى بشار الأسد عن السلطة فى سوريا، والتصعيد الصهيونى الكبير والسريع الذى تلاه داخل سوريا.

 

‏[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • "قيم المواطنة" محاضرة ثقافية بمركز ثقافة الطفل بطهطا
  • حصاد 2024 الإقليمى.. احتلال 3 دول عربية!!
  • برلماني: القيادة السياسية قادرة على مواجهة أي تحديات تعترض المصريين
  • وزير الثقافة يبحث مع الأعلى للإعلام تعزيز الوعي الثقافي والفكري
  • رئيس “الأعلى للإعلام” يستقبل وزير الثقافة لبحث سُبل التعاون في تعزيز الوعي الثقافي والفكري
  • تكليف رئيس جامعة الموصل السابق بمهام الملحق الثقافي في لندن
  • 2024.. حصاد فلسطين الثقافي غير العادي
  • الثقافة تحتفل بالعام الميلادي الجديد على مسرح المركز الثقافي بطنطا
  • العراق يحتل المرتبة الثانية بين أكثر 10 دول عربية استخداماً لـسناب شات
  • قائد شرطة الشارقة: رؤية طموحة وتطلعات متجددة للتميز والريادة بالخدمات الأمنية في العام الجديد