الديمقراطية الإسرائيلية الزائفة
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
الديمقراطية الإسرائيلية الزائفة
لن يستطيع الغرب دعم التطرّف الديني الإسرائيلي والعنصرية الإسرائيلية والاحتلال الإسرائيلي إلى ما لا نهاية.
لا يمكن للغرب مواصلة تجاهل الانتهاكات بحقّ الفلسطينيين، خصوصًا أن العالم يسير في اتّجاه معاكس للعنصرية والتطرّف.
تواصل إسرائيل بناء المستوطنات في خرقٍ وتحدٍّ واضحَين للقانون الدولي.
شاء الغرب أن يتجاهل كل ذلك، والسؤال اليوم، لماذا؟
يتعلق الأمر برؤية الغرب العنصرية للعرب والمسلمين. إسرائيل بالنسبة إلى الغرب تمثّل خط الدفاع الأول ضدّ ثقافة لا يريدها أو يعاديها.
إسرائيل تمارس الديمقراطية مع مواطنيها اليهود فقط، أما العرب، أهل البلاد الأصليون، فتميز ضدّهم قانونًا وممارسةً، وهو تعريف نظام الفصل العنصري.
يتغاضى الغرب عن أن هذه الدولة "الديمقراطية" دولة محتلة وأن احتلالها هو الأطول في التاريخ الحديث، وأن إسرائيل لا تطبّق القانون الدولي على الأراضي المحتلة.
العالم يتغيّر ويسير ضد اتجاه إسرائيل المغالي في عنصريته وتطرّفه ولاإنسانيته. سيأتي يوم ينحاز فيه الجيل الجديد للحقوق المتساوية أكثر منه لديمقراطية زائفة.
* * *
ربما نجحت إسرائيل في الماضي في تسويق نفسها على أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وأنها وحدها تحمل لواء القيم الديمقراطية الليبرالية، ومن هذا المنطلق يتوجّب على الغرب دعمها سياسيًا وماديًا لأنها تدافع عن قيمه في منطقة تسودها قيم سلطوية.
ولكن نجاح إسرائيل هذا ليس مردّه قوة إسرائيل الإعلامية أو قيمها "الديمقراطية" فقط. فقد شاء الغرب، ولأسباب دينية وثقافية، إضافةً إلى الهولوكوست الذي ارتكبته ألمانيا النازية وشعور الذنب الذي تبع ذلك، أن يقنع نفسه بالادّعاءات الإسرائيلية التي لا يجوز أن يكون لها مكانٌ اليوم.
وخاصة بعد ما قامت وتقوم به إسرائيل من حروب ضدّ الشعب الفلسطيني، ما يمكن أن يصل حدّ اتّهامها بالإبادة الجماعية من جانب أعلى سلطة قضائية دولية.
شاء الغرب أن يتجاهل حقيقة لا لبس فيها، وهي أن إسرائيل تمارس الديمقراطية مع مواطنيها اليهود فقط، أما مواطنوها العرب، سكان البلاد الأصليون، فيتم التمييز ضدّهم قانونًا وممارسةً، وهو التعريف القانوني لنظام الفصل العنصري.
شاء الغرب أن يتغاضى عن أن هذه الدولة "الديمقراطية" دولة محتلة وأن احتلالها هو الأطول في التاريخ الحديث، وأن إسرائيل لا تطبّق القانون الدولي على الأراضي المحتلة، وأنها تواصل بناء المستوطنات في خرقٍ وتحدٍّ واضحَين للقانون الدولي. شاء الغرب أن يتجاهل كل ذلك، والسؤال اليوم، لماذا؟
قد يتعلق الجواب برؤية الغرب العنصرية للعرب والمسلمين. إسرائيل بالنسبة إلى الغرب تمثّل خط الدفاع الأول ضدّ ثقافة لا يريدها. وقد باتت هذه الحقيقة واضحة بعد الموقف المتشدّد الذي يتّخذه الغرب ضدّ هجرة العرب من شمال أفريقيا إلى أوروبا، وهجرة السوريين إلى أوروبا وأميركا، على عكس الترحاب الذي يلقاه اللاجئون الأوكرانيون مثلًا.
لقد نجحت إسرائيل في موضعة موقفها المعادي للعرب والفلسطينيين ضمنيًا ليتماشى مع الموقف الغربي ضدّ ثقافة المنطقة وضدّ الهجرة منها. في سبيل ذلك، لا بأس لدى الغرب في التغاضي عن كل انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان طالما أنها تلبّي الرغبات المُعلنة أو الدفينة لصنّاع القرار الغربيين.
هذه الصورة المزيفة للديمقراطية الإسرائيلية بدأت بالتخلخل مع وصول الائتلاف الإسرائيلي اليميني العنصري بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى السلطة، خاصةً بعد محاولته تقويض النظام القضائي الإسرائيلي ونسف مبدأ نظام الفصل والتوازن الذي يشكّل أساس الديمقراطية التي تمنع تغوّل سلطة على أخرى.
فجأةً، وجد الغرب نفسه يتعامل مع إسرائيل ينقضّ فيها بعضها اليهودي على البعض الآخر اليهودي أيضًا، ما ينسف السبب المُعلن أو الدفين للمحاباة الغربية لإسرائيل. فالفلسطينيون، من النواحي الشخصية أو الثقافية، لا دخل لهم بما يجري من اعتداء على القيم الديمقراطية داخل إسرائيل التي يدّعي الغرب مناصرته لها.
ورغم انتقاد الغرب الحالي لحكومة إسرائيل بقيادة نتنياهو، ظلّ هذا الانتقاد يمارَس على استحياء وبشيء من عدم الراحة، رغم وجود عناصر داخل الحكومة الإسرائيلية مثل بن غفير وسموتريتش ممّن يحملون أفكارًا عنصرية غير ديمقراطية علنية. وبالتالي لم يرقَ هذا الانتقاد إلى تغيير السياسات أو النظرة تجاه إسرائيل لأن السبب الدفين وراء تأييدها لم يتغيّر.
جاء 7 تشرين الأول/أكتوبر لـ"يريح" الغرب الرسمي من معضلته، فقد أعاد الصورة النمطية السائدة عن إسرائيل والتي أرادها في مخيلته، فها هي إسرائيل تتعرّض مرة أخرى لهجوم "همجي"، وها هي مرة أخرى "تدافع عن نفسها دفاعًا مشروعًا"، وها هي الديمقراطية الليبرالية في مواجهة التطرُّف الديني!
هذه برأيي الأسباب الكامنة الحقيقية وراء الدعم الغربي لإسرائيل، وهي أسباب لم تهزّها حتى وقت قريب كل الانتهاكات الإسرائيلية عبر عقودٍ من الزمن، ابتداءً من احتلال فلسطين والحرب على غزة. في سبيل المحافظة على "نقاء" المجتمعات الغربية، يصغر حجم أي اعتداء إسرائيلي، وأي فصل عنصري، بل وأي إبادة جماعية طالما أن المعتَدى عليه فلسطيني أو عربي.
لكن واقع الحال يشير إلى أن هذه الصورة المغالية في الزيف لإسرائيل لا تستطيع أن تبقى محصّنة للأبد. فبعد مقتل أكثر من سبعة وعشرين ألفًا من المدنيين الفلسطينيين، جلّهم من النساء والأطفال، لا تستطيع إسرائيل مواصلة الادّعاء بالدفاع عن النفس من دون وضوح ضعف هذه الحجة. بعد تدمير غزة شبه الكامل وتحويلها إلى أرضٍ غير قابلة للسكن، لا تستطيع إسرائيل الادّعاء أنها لا تهدف إلى تنفيذ التطهير العرقي.
هل يستطيع المجتمع الدولي مواصلة ريائه ومحاباته لإسرائيل؟ ربما يستطيع الغرب الرسمي أن يستمر بإقناع نفسه بدعم إسرائيل حتى حين، ولكن الكثير من أبناء وبنات الجيل الجديد، الذين يأخذون موضوع الحقوق الفلسطينية بجدية أكبر ودون تغليفها بأسباب أصبحت واهية، بدأ بالتحرّك والاعتراض. وها هي محكمة العدل الدولية، أعلى سلطة قضائية في العالم، تتّهم إسرائيل بالإبادة الجماعية في خطوة غير مسبوقة.
لن يستطيع الغرب دعم التطرّف الديني الإسرائيلي والعنصرية الإسرائيلية والاحتلال الإسرائيلي إلى ما لا نهاية. فالعالم يتغيّر ويسير في اتجاه معاكس تمامًا للاتجاه الإسرائيلي المغالي في عنصريته وتطرّفه ولاإنسانيته. سيأتي يوم ينحاز فيه الجيل الصاعد للحقوق المتساوية أكثر منه لديمقراطية زائفة.
*د. مروان المعشّر نائب رئيس مؤسسة كارنيغي، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في الأردن.
المصدر | مؤسسة كارنيغيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الغرب إسرائيل الاستيطان الديمقراطية العنصرية فلسطين الاحتلال نظام الفصل العنصري الجيل الجديد المجتمع الدولي الإبادة الجماعية التطرف الديني
إقرأ أيضاً:
الثيوقراطية في النظام الغربي
معنى الثيوقراطية:هو مصطلح يصف حالة حكم رأي رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى وتفاعلهم مع الملوك للتمكن من الشعب، فكان رأي رجل الدين الشخصي يعتبر حكما مقدسا إلهيا، والقساوسة يتكلمون باسم الله، أي هو في الخلاصة رأي مقدس يجب أن يكون معيارا لسلوك الجميع وواجب الاتباع منهم.
لذا يمكن القول إن الثيوقراطية لا تتعلق بالدين المسيحي ولا بأي دين آخر، وإنما هو تقديس رأي البشر وفرضه على الآخرين أو جعله معيارا للصواب والخطأ أو الحسن والقبيح، وبالتالي فإن تعصب العلماني إلى العلمانية وسلوكه هذا السلوك في تقديس رأيه ضد الأديان أو غيرها فهو ثيوقراطي متعصب للفكرة التي عنده.
لا غرابة أن نجد العلمانية اللائكية في فرنسا مثلا قد ثارت ضد الملوك ورجال الدين، لكنها في الحقيقة ثارت لأنها واقعة تحت ظلمهم وليس ضد الظلم نفسه، فنجد في التاريخ تعصب ضد الأديان ونجد تحول الملكية إلى إمبراطورية كانت تُعد زمن نابليون الأول للتوريث، فما اختلف الأمر؛ عصبية باسم الدين أصبحت عصبية علمانية، وملكية في سلالة بالحق الإلهي أصبحت وراثية من دكتاتور أو طاغية بحكم القوة والنفوذ وبقي الفساد على وضعه، وهذه أتت كرد فعل أيضا على بداية الثورة الفرنسية عندما أعدم روبسبير الناس بدل سجن الباستيل، وأعدم روبسبير أكثر من 6 آلاف شخص في أقل من شهر ونصف، وفي العام 1794 من معارضته، وأعدم هو الآخر بـ"المقصلة" مع 100 آخرين من أعوانه، وهي كما هو واضح فاعلية للأنا، فهي منظومة تنمية التخلف إذن تتعامل مع غريزة حب السيادة والتملك كأي سلطة في العالم اليوم مهما حوّرت وغلفت نفسها بشعارات وآليات كما تفعل الرأسمالية.
الثيوقراطية الرأسمالية:
النظم الغربية نشأت على إسقاط الأعراف ووضع القانون والدولة، لكن هذا أبقي باطنيا كثير مما تسرب من العصور الوسطى التي أغلقت دون مراجعة لتفاصيلها إلا بقدر ما يهم الثورة الصناعية والانتقال إلى مجتمع لا يتحكم به القساوسة، واستل النظام الديمقراطي وفق شروط نخبوية، وهذا مهم جدا لأن النظام الرأسمالي غايته حماية رأس المال بآليات متعددة منها نشأت على تتابع كالديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وغيرها في عملية بناء طويلة شكلت نمط حياة مقبول.
ولأنها لم تواجه في البدء تحديات من الشرق حقيقية أو فكرية لم تُبحث هذه المنطقة إلا بشكل يلائم أفكارها نحوها ومصدرها في هذا المنقول، والذي من ضمنه الحروب البينية. وكان النظر إلى مصدر القوة كتهديد لنمط الحياة كما كان تهديدا للنظم الحاكمة في أوروبا قبل الثورة أو ما يسمى النهضة والتي في حقيقتها تنمية اقتصادية ترافقها تحولات مدنية في المجتمع، لكن أفكارهم عن الإسلام مثلا هي انطباعات منقولة عن الصليبين والقسس في مرحلة التحشيد لغزو الشرق المهرطق والوثني والذي يملك الكنوز، واليوم هو يملك مصادر الطاقة لكن بقيت ذات الأفكار.
ما المشكلة؟
لدينا في واقعنا مشكلة مزدوجة لفوضى الواقع والفراغ الحقيقي الذي لم يُملأ من زمن ضعف قبضة الدولة العثمانية وامتداد النفوذ الغربي إلى داخلها نتيجة الفساد فازداد الأمر تعقيدا، وعلت المقاومة للدخيل بالتمسك بالماضي والتقليد بل اعتبر أي فكر خارج الصندوق يسعى للاجتهاد هو فكر فيه جنوح وكفر، وما أسهل التكفير لحمَلة رايات التغيير. وهنا تحول الواقع إلى ما يشبه الثيوقراطية لكنها مؤيدة للحاكم ولا تحكم أو متحالفة معه، وإنما تؤيده بحكم ولاية التغلب المنقولة عن التنظير الفقهي الواضح في العصر العباسي. والتغلب فاعليته قد بدأت بعد الحكم الشوري الراشدي.
ظهور التطرف من مفرزات تعاظم التحديات والتضييق على الإسلام من داخله وخارجه، فلا يسمح بفهمه بل وضعت شروطا وقواعد للاجتهاد تبقيك في دوار القديم (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة هي وصاحبها في النار)؛ كذلكم الغرب يعمل على إذكاء الفشل وإبراز التطرف متحدا بذلك مع رجال الدين عنده، المتوجسين على الرعوية، وعناصر من الكراهية وتقسيم المجتمع إلى أقلية وأكثرية وإثنية وطوائف، بل بات المنظرون لا يفهمون الإسلام ومؤمنون بما لا يفهمون أنه الفهم الصائب في ذات طريق العلمانية الثيوقراطية التي تحمل نوعا من العلمانية المقدسة والتصالحية، وهما معروفتان لكنني اصطلحت هاتين الكلمتين للتعبير عنهما.. فتقول أهونها أن الإسلام يمكن أن يحكم كأحد الجهات، دون فهم لحقيقة الإسلام أنه يحكم بغايته وغايته هي أهلية الإنسان وكرامته، فالعلمانية أصلا لا نحتاج لها لـنها تمثل عيوب وإسقاطات تاريخ مختلف لأمم أخرى وثقافة أخرى.
نحن والغرب:
من المفارقات الرهيبة ما يرتكب بحق المسلمين في بلدانهم سواء من الاحتلال أو ممن لا اعتراض عليهم من الغرب لكونهم "علمانيون" فلا لا يرون القمع منهم، وكل أمر ضد الإنسانية يمارَس من حكام المسلمين المستبدين، والذين يتسلطون من غير المسلمين، وجرائم يعتبرها القانون الدولي أنها جرائم حرب لكنها لا يُنظر إليها ولا تعالج ويريدون من هذه الشعوب ألا تدافع عن نفسها ولا تثور ضد الظلم وعلى الوحشية وإهانة الكرامة الإنسانية، وإن فعلت فهي إرعابية (كلمة إرهاب خطأ لغوي).
لا يعترضون إلا شكليا لإبقاء الطاغية خائفا منهم مرتاحين لنقاط ضعفه وحرصه على كرسيه، وهذا منزلق لقاع النفاق والوحشية، مع غياب القيم عن الغرب ومعايير الأخلاق وارتباط سلوكه بالنفعية والتعامل من خلالها.
فإن جاء للحكم إسلامي، وبدل أن يتركوه يخوض التجربة ويطور في أساليب الحكم؛ فليس في الإسلام نظام جاهز وإنما يتبع الغاية بأسلوب العصر.. يقومون بسؤاله أن يحافظ على الأقليات، وهل الأقليات، أديانا وعرقيات، كانت لتبقى لو أن الإسلام متعصب ضد الأديان والقوميات؟ ولا يرون أن الإسلام لا يتعامل بالأقلية والأكثرية فالأمة تفخر برجالها التاريخيين من أية قومية كانوا.. وهل سيسمح بالتعري وشرب الخمر؟.. وكان معاييرهم الثيوقراطية هذه هي الصحيحة؛ ولا يرون ما في مجتمعهم من إفرازات لأن الإنسان لا يعامَل للحفاظ على سلامة تفكيره. والإسلام يهدف للحفاظ على الضروريات الخمس، لكل الأديان وكل البشر. علينا أن ننشئ مركز دراسات من النخب لفهم ديننا على حقيقته، وكذلك الغرب عليه أن يفهم نفسه ويفهم الإسلام أيضا لتستقيم البشرية.