خولة علي (دبي)
أعمال الفنان الفوتوغرافي الإماراتي مصعب المصعبي، تمنحنا إحساساً بأن عدسته تجمع بين الدقة والحرفية، تُظهر المشاعر المصاحبة للصورة، تؤثر في نفس المتلقي ويتفاعل مع تفاصيلها. عدسته تتذوق جماليات الطبيعة وتقرأ تغيراتها، من حالات الطقس إلى وقت اقتناص اللحظة الذي يستشعرها المصور ويرغب في توثيقها ليتألق في تصوير الواقع ويبدع في فنون الهندسة المعمارية التي أخذت أيضاً حيزاً من اهتماماته.
تكامل العناصر
يرى المصعبي، عضو جمعية صقور الإمارات للتصوير الضوئي، والحائز جوائز محلية وعالمية، أن الصورة تحمل في طياتها الكثير من الدلالات التي تمزج بين إحساس المصور وتفاصيل المشهد ليحفظه في ذاكرة عدسته أو في إطار الصورة. فهي بالنسبة له ليست مجرد شكل أو مزيج من الألوان، بل تتخطى ذلك إلى حد وصفها بأنها خطاب متكامل العناصر غير قابل للتجزئة. تمثل الواقع بتفاصيله وتقلصه من حيث الحجم والزاوية واللون، فلا تغيره ولا تبدله ليقترب من الحقيقة.
اقتداء بالوالد
ورث المصعبي شغفه بالتصوير من والده الذي مارس هذه الهواية، فنشأ الابن على حب الآلة التي تربطه بذكريات طفولته، فبدأ فعلياً بممارسة التصوير الفوتوغرافي في المرحلة الثانوية، أي منذ عام 2006، واقتنى أول كاميرا احترافيه عام 2012. ومن هنا بدأ تطوير مهاراته وصقلها في عالم التصوير وتقنية الصورة، وشارك في رحلات تصوير محلية ودولية ساعدته في اكتساب خبرات عالية.
«الدرون»
مع ظهور الطائرات من دون طيار «الدرون»، أصبح التصوير الجوي مجالاً يجذب الكثير من المصورين المحترفين من عشاق الطبيعة، نظراً لتنوع التصوير من زوايا أكثر اتساعاً وشمولاً، ما جعل المصعبي يخوض مجال تصوير الفيديو عبر طائرته بدون طيار لتعانق السماء وتوثق مناظر نابعة من ذائقته الفنية.
هذه الأنماط في عالم التصوير، استفزت عدسة المصعبي فأبدع في استعراض تفاصيلها، واقتناص جمالية اللحظة وعمقها، وتناغم مفردات الطبيعة وتمازجها، بالإضافة إلى فنيات الهندسة المعمارية والتباين بين الظلال والنور والتي تتميز بها دولة الإمارات.
تحديات
عن التحديات التي واجهته أثناء رحلات التصوير، يقول المصعبي، إن التصوير يتطلب الصبر والقدرة على التعامل مع مختلف الثقافات، خصوصاً عند تصوير حياة الناس أو التقاط البورتريه، حتى يحظى المصور بلقطة ناجحة وبديعة.
وأثناء رحلته إلى «النيبال» واجه صعوبة في التعامل مع كبار السن، حيث كانت محاولة إظهار مشاعرهم بالصورة صعبة للغاية، خصوصاً في حال عدم إبداء الطرف الآخر تعاونه، كما أن هناك موقفاً تعرض له أثناء تصوير مشاهد من الطبيعة في آيسلندا عام 2018 برفقة المصور خالد الكندي، وعدد من الأصدقاء، فأثناء التخييم وسط الطبيعة، واجهتهم عاصفة شديدة وبرد قارس حتى إنهم تركوا خيامهم ودخلوا إلى أحد المطاعم للاحتماء من البرد، وبذلك كادت تقلبات الطقس تفسد عليهم رحلتهم.
تفكر وتأمل
يحاول المصعبي من خلال أعماله، بث رسائل مباشرة وواضحة للتأمل في عظمة الخالق سبحانه وتعالى، مع اختلاف طبيعة التضاريس من جبال وبحار وأنهار وشلالات، إضافة إلى إتاحة الفرصة لتعلّم ثقافات شعوب مختلفة، فضلاً عن توثيق الإبداع المعماري في تصميم وبناء الأبراج الشاهقة والجسور، وإلقاء الضوء على المناطق السياحية والمباني العصرية.
مشاركات
شارك المصعبي في عدد من المعارض، مع جمعية صقور الإمارات واتحاد المصورين العرب ومعرض إكسبوجر، ونال جوائز عدة في مسابقات محلية ودولية، كما شارك في تنظيم معرض جائزة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان الفوتوغرافية للجواد العربي في المملكة المغربية لعامي 2022 و2023.
طريق الاحتراف
يؤكد مصعب المصعبي أن الشغف يقود المرء إلى الاحتراف، إضافة إلى القراءة والمعرفة وتصفح مواقع الإنترنت المتخصصة في عالم التصوير، وأيضاً الإشباع البصري من خلال متابعة المصورين المحترفين والاطلاع على أعمالهم والاستفادة من خبراتهم. وكل ذلك أسهم في تطوير مهاراته وجعله بين صفوف المحترفين.
ويطمح مصعب المصعبي إلى تطوير مهاراته لتحقيق رغبته في توثيق جماليات جبال وسهول وصحراء الإمارات، وسواها من إبداعات الطبيعة المحلية والتعريف بها محلياً وعالمياً.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: فن التصوير التصوير التصوير الفوتوغرافي
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
محمد الربيعي
بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن
تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية. لم تكن كمبردج مجرد مؤسسة تعليمية عابرة، بل كانت ولا تزال محركا رئيسيا للتطور الفكري والعلمي على مستوى العالم، وشاهدة على تحولات تاريخية هامة، ومخرجة لقادة ومفكرين وعلماء غيروا مجرى التاريخ، امثال اسحاق نيوتن، الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية، وتشارلز داروين، الذي وضع نظرية التطور، والان تورينج، رائد علوم الحاسوب.
تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.
اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.
يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.
كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.
تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.
تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.
باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.