لست أدرى متى بدأت شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة فى أن تتحول إلى قضية القضايا فى التعليم المصرى: هل كان ذلك قبل ثورة يوليو 1952؟ أم ما جاء بعدها فى ظل حالة الانتعاش والرغبة فى التعلُّم التى أعقبت هذه الثورة العظيمة؟ ولكننا هنا والآن نرى ظاهرة مجتمعية موجودة فى كل مكانٍ من بر مصر. فى الريف والحضر، فى القرى والمدن، فى العزب والكفور، وعواصم المحافظات والمدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية.

وقُبيل امتحانها كل عام نسمع حكايات لا أول لها ولا آخر عن الاستعداد لها. وكأنها شهادة آخر الدنيا. مع أن الأمر ربما يكون أبسط من هذا بكثير. صحيح أنها الفيصل بين التعليم الثانوى والتعليم الجامعى بشقيه النظرى والعملى ونظرة المجتمع لمن يدرس فى الجامعات تختلف عن نظرة المجتمع نفسه لمن يدرس فى المدارس.

فالجامعة مهما كانت مشاكلها وهمومها وصعوبات التدريس فيها. إلا أنها تبقى الجامعة. لدرجة أن الشهادة التى تمنحها تُسمى مؤهلاً عالياً. وهذا يجعلنا ننظر إلى ما دونها من شهادات بأنها الأقل. ولا يمكن وصفها بالعادية بأى حالٍ من الأحوال. يحدث هذا فى العزب والكفور والنجوع والقُرى والمدن الصغيرة والمدن الكبيرة من أول وجه بحرى حتى الصعيد الجوانى، ومن قلب سيناء حتى مرسى مطروح.

لدرجة أنها أصبح لها موسم خاص بها سواء فى انصراف الطلبة للمذاكرة، أو قيام سُرادقات الدروس الخصوصية عياناً بياناً وعلى مرأى من الشهود. رغم أن القانون قد يُجرِّمها ويجعل لها عقوبات رادعة. ولكن كل شىء مُمكن ومتاح من أجل الحصول على هذه الشهادة «الذهبية» التى تؤهل من يتحصل عليها لدخول الجامعة، وما أدراك ما الجامعة!.

لقد تغيَّرت وتبدَّلت أمورٌ كثيرة فى تاريخ التعليم المصرى، ولكن تبقى ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 التى أكدت الشعار الذى كان قد أُطلِق قبلها فى المرحلة الليبرالية الواقعة ما بين 1919 و1952 والذى يقول إن التعليم الأولى والمتوسط والعالى حق من حقوق كل مصرى، على الدولة المصرية أن توفر له المناخ المناسب لكى يتحصل عليه الطلاب.

وهكذا نحن الذين صنعنا القضية. وأصبحنا نعانى منها. وما من بيتٍ فى بر مصر إلا وتسمع من يعيشون فيه وأنت تمر من أمام أبوابهم أو نوافذ بيوتهم: «بُعبُع» الثانوية العامة. كان اسمها من قبل «التوجيهية»، ولكن غلب عليها بعد ذلك تعبير: الثانوية العامة. وأصبحت لها مواسم تتمثل فى امتحاناتها وانتظار النتائج، والأهم من نتيجة النجاح أو الرسوب هو المجموع الكُلِّى الذى يحصل عليه الطالب سواء كان تخصصه أدبياً أو علمياً. فتلك بوابة الجامعة.

لدرجة أن رموز مصر فى العلم والثقافة والأدب والفن أصبحوا يحرصون على أن يشيروا فى أحاديثهم، بعد أن يشتهروا وتعرفهم الدنيا كلها، إلى الأدوار التى قاموا بها فى اجتياز الثانوية العامة ودخول الجامعات حتى يتحصلوا على التعليم العالى. وما زلت أذكر حتى الآن كفاح أهل قريتى ونضالهم، وسبق كل ذلك أحلامهم فى أن تكون فى القرية مدرسة ثانوية. وكانت قد عرفت المدارس الابتدائية مدرسة عسران عبدالكريم بالضهرية بحيرة. ثم عرفت المدارس الإعدادية مدرسة أنصارى سمك الإعدادية التى أصبح جزء منها فيما بعد مُخصصاً للتعليم الثانوى.

وهكذا ترسَّخت فى مصر نظرة لمن يتخرج فى الجامعة تختلف تماماً وجذرياً عن النظرة لغيره من الشباب. فما بالك بمن ناقش الماجستير والدكتوراه بعد الشهادة الجامعية! وهكذا أصبح للثانوية العامة «هيلمان» وأى «هيلمان» هذا؟ وأصبحت مثل نظام الطبقات الذى كان سائداً فى مصر قبل الثالث والعشرين من يوليو سنة 1952، وأصبحنا نرى عند موقف السيارات والأوتوبيسات فى قريتى الطلاب الذين قُبِلوا فى الجامعة القريبة من قريتنا وكأننا نودعهم إلى رحلة المجد والفخار.

إن الكلمة الفصل بين تعليم وتعليم هى الثانوية العامة التى يُمكن أن تقول عنها بُعبُعاً أو مارداً مُخيفاً أو وسيلة من وسائل الفخر الاجتماعى فى إطار المجتمع الصغير والكبير. وهنا تساوت القرية بالمدينة فى النظر إلى هذه الشهادة التى طالما حيَّرت العقول والألباب.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الثانوية العامة التطوير الحوار المجتمعى الثانویة العامة

إقرأ أيضاً:

طلاب غزة يأملون اجتياز الثانوية العامة رغم الحرب وتدمير مدارسهم

غزة– داخل خيمة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يُذاكر الشاب محمود أبو حصيرة دروسه، للتقدم لامتحان الثانوية العامة "التوجيهي الفلسطيني"، وسط ظروف بالغة القسوة.

وتسببت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، في ضياع العام الدراسي الماضي (2023-2024) بالكامل على "محمود" وأقرانه، ويخشى أن يفقد العام الدراسي الحالي أيضا.

وأنعش إعلان وزارة التربية والتعليم (مقرها رام الله) نيتها تنظيم امتحان لطلاب "التوجيهي" خلال عام 2025 آمال محمود في اجتياز هذه المرحلة.

لكنّ الوزارة لم تحدد كيفية تنظيم الامتحانات في ظل استمرار الحرب، مفضّلة الانتظار لحين اتضاح الصورة، من دون أن تستبعد إمكانية عقدها "إلكترونيا".

جميع مدارس غزة التي سلمت من التدمير تحوّلت إلى مراكز إيواء ولم تعد صالحة للتعليم (الجزيرة) "شبه مستحيلة"

ونظرا لعدم وجود مدارس، فإن على الطلبة الاعتماد على أنفسهم بشكل كامل، والدراسة الذاتية في الأماكن التي يعيشون فيها أو نزحوا إليها.

وتختزل الخيمة، بمساحتها الضيقة، بالنسبة لمحمود، كل معاني الشقاء، حيث تتكالب عليه كل الظروف كي تمنعه من الدراسة، حسبما يقول.

ففي فترة النهار، تكون الخيمة مثل فرن مشتعل بعد أن حوّلتها أشعة الشمس إلى ما يشبه الدفيئة الزراعية، لكنها في الليل باردة كثلاجة.

أما الذباب الذي تجذبه الخيام الدافئة، فكأنه جيش لا يكلّ ولا يملّ، حيث تدور أعداد لا تُحصى منه في الهواء، تحط على الوجه واليدين، تلتصق بالكتب المستعملة التي حصل بالكاد عليها. وبسبب الحرب، لا تتوفر الكتب، ولا القرطاسية اللازمة للعملية الدراسية.

وفي ليل نوفمبر/تشرين الثاني، الخريفي الطويل، يشعر محمود بأن الظلام بسواده الثقيل يتآمر مع بقية العوامل على سرقة بقية ساعات اليوم المتبقية، فلا توجد إنارة ولا تدفئة تساعدانه على المذاكرة.

وداخل الجدران القماشية، كان محمود يواجه صعوبة أخرى، من ضجيج الحديث والسمر، حيث يعيش مع أسرته المكونة من 6 أفراد، الذين أصواتهم تعلو وتتناقص، يتحدثون عن الحرب، عن الموت، عن الذكريات التي لم يعد لها مكان.

ومع غياب الكهرباء والإنارة، لا يتمكن محمود من الدراسة سوى ساعات محدودة من اليوم، تتمثل في ساعات الصباح الباكر، وما قبل الغروب.

نقابة الصحفيين تقدم حصصا تعليمية بالمجان لأبناء منتسبيها لمساعدتهم على التحصيل العلمي (الجزيرة) معاناة شاملة

تُعد الطالبة آية العرقان محظوظة، لأنها لا تُقيم في خيمة، بل في غرفة كانت في الماضي صفا تعليميا، بمدرسة تحوّلت إلى مركز إيواء.

لكنّ معاناة آية مع الدراسة لتقديم امتحان "التوجيهي" غير يسيرة أيضا، كما تقول، حيث تعيش مع عائلتها الكبيرة المكونة من أسرة أبيها وأُسر أعمامها الأربعة.

ووسط ضجيج الأطفال والأمهات، وانقطاع الكهرباء والإنترنت، يجب على آية الاستعداد للامتحان. وفي الليل، وبعد أن ينام الجميع، تنزوي في ركن الغرفة وتُشعل شمعة كي تدرس على نورها الخافت.

ومن أهم المشاكل التي تعاني منها آية غياب المدارس والقرطاسية والكتب، واعتمادها على نفسها، بالإضافة إلى بعض الدروس الخاصة المُكلفة.

وأطلقت وزارة التربية والتعليم مدارس افتراضية عبر الإنترنت لجميع الصفوف الدراسية، لكنّ الدراسة الإلكترونية "غير عملية"، كما تقول آية، إذ إنها تعتمد على توفر الإنترنت والكهرباء المفقوديْن منذ بداية الحرب.

وتشكو آية كثيرا من نفقات الدراسة، التي تبدأ من شراء الشمع للإنارة، ودفع تكاليف شحن الهاتف اليومي بغرض الدراسة، وشراء بطاقات إنترنت يومية تُقدم خدمة رديئة للغاية، ودفع ثمن بعض الدروس الخصوصية، وشراء قرطاسية ومَلازم بأسعار باهظة.

تحصل آية العرقان على دروس ضمن مبادرة مجانية لمساعدتها على اجتياز امتحان التوجيهي (الجزيرة) بين المطرقة والسندان

يشعر فؤاد عطية، المشرف التربوي في مديرية غرب مدينة غزة بالحزن الشديد على الحال التي وصل إليها طلبة "التوجيهي" بالقطاع. ويرى أن من أهم العقبات التي تواجههم هي "عدم الشعور بالأمن والأمان على الإطلاق وحركة النزوح المتكررة وغياب الاستقرار".

كما ذكر عطية أن غياب المدارس وانعدام التواصل بين الطالب والمعلم، تزيد من ضعف التحصيل العلمي للطلاب وتضاعف مشاكلهم، مضيفا "لا مرجعية واضحة للطالب، يراجعها ويستفسر منها حول المشاكل التي تواجهه".

وأضاف أن "الطالب يعيش حالة من التشوّش والضبابية الكاملة هو وأهله، وحتى الأهالي الذين يرسلون أولادهم لأخذ دروس خصوصية في بعض المراكز، يخشون ألا يعودوا أحياء بسبب العدوان".

وأبدى عطية تشاؤمه حول إمكانية عقد امتحان التوجيهي لهذا العام، لأن الواقع يشير إلى غير ذلك، حيث يضيف "الحرب مستمرة، والعدوان لا يتوقف". وختم عطية حديثه بالقول إن "طالب التوجيهي وقع بين المطرقة والسندان".

طلبة التوجيهي يدرسون ذاتيا دون الذهاب إلى مدارسهم التي تحولت إلى مراكز إيواء (الجزيرة) تسخير كل الإمكانات

يقول الناطق باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية صادق الخضور إن الوزارة جنّدت مقدراتها لمساعدة طلاب قطاع غزة، خاصة "التوجيهي" وتنظيم الامتحانات لهم.

وذكر في هذا الصدد أن الوزارة طورت رُزما تعليمية تغطي كافة المباحث (مع اختصارها والتركيز على النقاط المهمة مراعاة لظروف الطلبة) علاوة على اعتماد مدارس افتراضية عبر شبكة الإنترنت، والبدء في التحضير لعقد دورة خاصة لمن لم يتمكنوا من تقديم التوجيهي العام الدراسي الماضي، كما أطلقت منصات تعليمية تضم الدروس كافة "مُسجلة".

ويضيف أن نحو 31 ألف طالب توجيهي في غزة ملتحقون حاليا بالمدارس الافتراضية، كما تم شمولهم بالمادة التعليمية عبر منصة "وايز سكول" (wise school) بالتعاون مع جامعة العلوم الإسلامية العالمية.

وذكر الخضور أن الطلبة الذين لم يتمكنوا من تقديم الامتحان العام الدراسي الماضي (مواليد 2006) سيتقدمون للامتحان نهاية فبراير/شباط 2025 القادم، أما طلاب العام الدراسي الجاري (مواليد 2007) فسيتقدمون للامتحان في يونيو/حزيران القادم. ولم تقرر الوزارة شكل الامتحان حتى الآن، نظرا لاستمرار الحرب.

وقال الخضور في هذا الصدد إن "شكل الامتحان غير واضح بسبب استمرار الحرب، والخيار الأول هو عقده وجاهيا، وإذا تعذر، فسيعقد إلكترونيا، وإذا تعذر، فلدينا خطط طوارئ من ضمنها إنشاء بنك أسئلة عبر منصات خاصة كي يتقدم الطلبة للامتحان في أوقات متعددة وليس في وقت موحد".

وأشاد الخضور بتجربة المدارس الافتراضية، عادا إياها خطوة رائدة، مضيفا أن "الأعداد الملتحقة غير قليلة، كما أن مدى التفاعل بين المعلمين والطلبة يعبر عن أن هذا التعليم أعاد الأمل للطلبة".

واستدرك "صحيح أن هناك تفاوتا في الحضور يوميا بسبب الوضع الميداني، لكن أن يناهز عدد الحضور الإجمالي ربع مليون طالب فهذا إنجاز".

وحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن عدد الطلاب الذين حُرموا من تقديم امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" بسبب الحرب بلغ 39 ألف طالب. كما ذكر في بيانات سابقة أن الاحتلال دمر خلال الحرب 117 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و332 بشكل جزئي.

مقالات مشابهة

  • عادل حمودة يكتب: سفير ترامب الجديد فى إسرائيل.. لا شىء اسمه فلسطين
  • طلاب غزة يأملون اجتياز الثانوية العامة رغم الحرب وتدمير مدارسهم
  •   النائب علاء عابد يكتب: قانون اللجوء.. القول الفصل
  • امتحانات الشهادة السودانية .. اللجنة الصحية لاسناد الممتحنين من خارج الولاية الشمالية تكمل ترتيباتها لتقديم الخدمات
  • «التعليم» تعلن آخر موعد لتسجيل استمارة الشهادة الإعدادية 2025
  • رئيس جامعة القاهرة يرحب بنشر مجلة "هجرة" إلكترونيا على المنصة الرقمية للجامعة
  • تنبيهات مهمة من التعليم بشأن استمارات الشهادة الإعدادية
  • رئيس جامعة القاهرة يلتقي أسرة أول مجلة شبابية تصدر عن وحدة بحوث الهجرة
  • د.حماد عبدالله يكتب: الجامعات والبيئة !!
  • التعليم: تسجيل استمارة التقدم لامتحانات الشهادة الإعدادية 2024 - 2025 إلزامي