"بعت البقرات التي كُنت أملك، خوفا من أن لا أستطيع العناية بهم في هذا الجو الحار جدا، الذي يشهده المغرب هذه الأيام" بهذه الكلمات، انطلق عبد المولى، ذو 50 سنة، في الحديث لـ"عربي21"، مشيرا إلى أن "هنا في منطقة عين عودة، نواحي مدينة الرباط، ماء الشرب متوفر على الرغم من جودته التي أصبحت رديئة، لكن الحرارة المفرطة أثرت على دوابّي".



على غرار عبد المولى، رصدت "عربي21" قصص أناس كُثر، من المغرب، أثّر الجفاف على محصولهم الزراعي أو مواشيهم أو حتّى على حياتهم اليومية، بينهم مريم، التي قالت "جرّاء تراجع جودة المياه في الصنابير، أصبحنا نضطر لشراء الماء المعدني، حفاظا على صحّتنا".

طوارئ مائية
حركة "مغرب البيئة 2050" المعروفة بنشرها لتوضيحات وأرقام بخصوص الوضعية المائية والبيئية في البلاد؛ أكّدت خلال الأسابيع القليلة الماضية، أنه "على المغرب أن يعلن حالة طوارئ مائية، مع اتخاذ كل التدابير العاجلة والصارمة التي تتناسب مع هذه الوضعية".


ودعت الحركة، إلى "القطع مع مخطط المغرب الأخضر 2008-2018 الذي أثّر بقوة على الاستراتيجية الزراعية للبلاد، وأدى إلى توسيع نطاق تنمية الزراعة السقوية والإنتاجية، مع التركيز على محاصيل الفواكه والخضروات المعدة للتصدير وغير المناسبة لبنيتنا المناخية، والتي تستهلك وتستغل الكثير من مواردنا المائية ما أوصل غالبية خزانتنا السطحية والباطنية إلى المستويات الحالية الخطيرة".

كذلك، شدّد عدد من الخبراء المغاربة في المناخ، على ضرورة "الانتقال الفلاحي العاجل والمناسب للوضعية المائية الخطيرة، لإنقاذ الساكنة المغربية من العطش"، في إشارة إلى الثورة الفلاحية المستدامة التي تكلم عنها المندوب السامي للتخطيط، قبل سنتين؛ ولم يتم تطبيقها.

فيما دعا آخرون إلى أهمية "تفعيل شرطة الماء لمتابعة سرقته، والحد من الآبار غير القانونية، والشروع في عمليات التشجير الممنهج في المدن والقرى".


وأدت فترة الجفاف الحالية، التي يمر بها المغرب، لوصول السدود إلى مستويات منخفضة بشكل خطير، حيث باتت ممتلئة بنسبة 23 في المئة فقط، وهو انخفاض كبير مقارنة بـ31 بالمئة، في نفس الوقت من العام الماضي.

ما بين إملشيل والسطات.. العطش سيد المشهد
للتأكيد على أهمية توفير الماء الصالح للشرب، للإنسان والبهائم، والمطالبة بإصلاح واستكمال أشغال طريق يعتبرونها أساسية في فك العزلة عن المنطقة؛ صدحت أصوات المواطنين، احتجاجا، في دوار إغرم نوغبالو، بجماعة إملشيل الواقعة بإقليم ميدلت، بين ثنايا جبال الأطلس المتوسط.

وقال أحد المحتجين، في حديثه لـ"عربي21": "خلال سنة 2012، فرحنا جدا لأنه علمنا بخبر إنجاز طريق ستفكّ علينا العزلة، لكن السنوات مرّت، ولم يتم استكمال إنجازها، وهو ما كسّر قلوبنا حرفيا؛ فنحن بشر، بيننا مرضى وحوامل..؛ هذا ناهيك عن حاجتنا الماسّة للماء الصالح للشرب، تعبنا من هذا الوضع".

كذلك، اشتكى المحتجّين، من توقّف السلطات ومصالح الجماعة الترابية، من إمدادهم بالماء الصالح للشرب عبر الصهاريج، وذلك منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي؛ مشيرين إلى معاناتهم المستمرة، بالجفاف، جرّاء قلة التساقطات المطرية، والإجهاد المائي.


وفي مدينة السطات، الوضع لا يختلف كثيرا، حيث القلق من العطش، هو سيد المشهد، ما جعل الوكالة المستقلة لتوزيع الماء، تخرج عن صمتها، لتُطالب الساكنة بضرورة "ترشيد الاستهلاك".

وقالت الوكالة، في بيان له، توصلت "عربي21" بنسخة منه، إنها "نظرا للنقص المهم الذي يشهده الإقليم، على مستوى الموارد المائية فقد قرر المزود الرئيسي للوكالة (المكتب الوطني للماء والكهرباء -قطاع الماء الصالح للشرب) خفض مستوى الصبيب بنسبة تصل إلى 66 في المئة".

وأضافت الوكالة: "في ظل الظرفية الحالية المتسمة بإنخفاض حاد في هذه المادة الحيوية، نتيجة قلة التساقطات المطرية وتوالي سنوات الجفاف فقد تقرر ابتداء من  الخميس 08 فبراير 2024 حصر المدة الزمنية لتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب من الساعة 08 صباحا الى غاية الساعة 13 زوالا، وذلك لحين رجوع الأمور لوضعها الطبيعي".


وفي إقليم تنغير خاصة، المتواجد في الجنوب الشرقي للمملكة، دقت الفعاليات البيئية، فضلا عن الأهالي، ناقوس الخطر، بخصوص التهديدات المُباشرة التي تواجه هذه المناطق في منسوب الموارد المائية، في وقت يستمر فيه الجفاف بشكل حاد، مما تسبب في زوال وتدهور عشرات الواحات المهمة.

ناقوس الخطر يُدقّ
أحدث الأرقام التي اطلعت عليها "عربي21"، عن وزارة التجهيز والمياه، أثارت قلقا، لدى السلطات المعنية، إذ سجّلت الاحتياطات المائية ما يزيد قليلا عن 3.7 مليار متر مكعب، أي أقل بكثير من 5.14 مليار متر مكعب في نفس الفترة من عام 2023. فيما تقترب بعض أهم السدود في البلاد من مستوى الجفاف ما دفع جهات عدة لإطلاق جرس الإنذار.

بينهم، جهة الدار البيضاء-السطات، التي عرفت ينابيعها وضعا يمتزج فيه الجفاف مع الاستنزاف، ممّا دعا عمدة الدار البيضاء، نبيله الرميلي، في اجتماع الدورة العادية، الأربعاء، للقول إن "سد المسيرة الذي يسقي جهة الدار البيضاء السطات وصل اليوم لأرقام مقلقة".

وفي إشارة إلى سد المسيرة، وأحواض أم الربيع، نبّهت الرميلي، إلى ما وصفته بـ"الوضع الذي باتت تشهده هذه الينابيع"، موضحة أن "سد المسيرة، وصل 0,57 مليون مكعب فقط، وهو رقم مقلق يدعو إلى استمرار تظافر العديد من المجهودات لتفادي الوصول لمرحلة العطش".

وتابعت: "أنا اليوم لست هنا لأدق ناقوس الخطر، لكن لأوضح الوضع الحالي بالأرقام"، مردفة أن "حاجيات ساكنة الدار البيضاء تبلغ 200 مليون ونصف متر مكعب في السنة، بينما احتياطي مخزون سد المسيرة وصل اليوم لـ 15 مليون متر مكعب فقط".

وأكدت أن "الصهاريج بالدار البيضاء هي التي كانت تسقي المساحات الخضراء، ولكن بسبب أزمة المياه، وفي إطار الاستراتيجيات البديلة لعمل مجلس المدينة، فإنه سيتم الاعتماد على أعشاب غير مستهلكة للمياه في شوارع الدار البيضاء الكبرى"، فيما أفادت: "من أجل الحد من استنزاف المياه، تم وقف سقي المساحات الخضراء، ومنع نشاطات الحمامات ومحلات غسل السيارات".

وكان نزار بركة، وزير التجهيز والماء، قد حذّر من "تراجع كبير في مخزون المياه في السدود الرئيسية بالمغرب، ما يهدد تزويد عدد من مدن المغرب بالماء الصالح للشرب"، مؤكدا أن "الوضع الحالي للسدود بات يتطلب برنامجا استعجاليا من وزارته من أجل ربط شبكة مياه الشرب لشمال مدينة الدارالبيضاء بجنوبها".


وأوضح الوزير: "ستتم الاستعانة بالحوض المائي لأبي رقراق، ليصبح سد محمد بن عبد الله هو المزود الرئيس لمدينة الدارالبيضاء ككل، تفاديا لانقطاعات الماء في العاصمة الاقتصادية"، مشيرا إلى أنه سيتم يوم 9 آذار/ مارس إطلاق مشروع تحلية محطة مياه البحر، بجهة الدارالبيضاء سطات، بسعة 300 مليون متر مكعب. 

للحكومة قول آخر
مطالب توفير الماء متواصلة، وصلت إلى اتهامات مُباشرة إلى الحكومة السابقة، التي كان يترأسها عبد الإله بنكيران، عن حزب العدالة والتنمية؛ ممّا دعا الحزب إلى الإعلان عن "رفضه تحمل مسؤولية أزمة العطش".

ودعا حزب العدالة والتنمية، في بيان له، رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، وحكومته بـ"امتلاك الشجاعة السياسية وتحمل المسؤولية والمبادرة إلى تكوين لجنة لتقصي الحقائق بمجلس النواب حول موضوع الماء بصفة عامة وتشييد السدود وتثمينها في ماء الشرب والري والفلاحة بصفة خاصة".

من جهته، استبعد الناطق الرسمي باسم حكومة عزيز أخنوش، مصطفى بايتاس، إعادة النظر في السياسة الفلاحية المُعتمدة في المغرب، مؤكدا أن "التحدي الذي تشكله نُدرة المياه موضوع يجب أن يكون التفكير فيه مبنيا على قراءة واقعية، بعيدا عن بعض الاندفاعات السياسية التي لن تُجدي نفعا".

وأوضح بايتاس في الندوة الصحافية الأسبوعية عقب المجلس الحكومي، أن "مناقشة الموضوع من زاوية الندرة ربما مفهوم في ظل ما تعرفه البلاد من ندرة في التساقطات المطرية، لكن يجب أن نفهم أنه لكي تكون لدينا فلاحة مُنتجة، ولكي نقدر على أن يكون الإنتاج الفلاحي وفيرا، وأن يوفر القطاع فرص العمل في العالم القروي، يجب مناقشة الموضوع من زوايا أخرى وإيجاد حلول جديدة".


وتابع بأن "عمل الحكومة في هذا الاتجاه ينصب على كيفية توفير المياه المخصصة للفلاحة، في إطار مجموعة من الحلول الجديدة، وهناك مشروع إنشاء حوض مَسقي باستعمال المياه المستعملة المُعالجة، الذي سيتم إنشاؤه في مدينة الداخلة بحلول سنة 2026 بهدف ضمان استمرارية الإنتاج الفلاحي".

وأردف المسؤول الحكومي: "لا يمكن الحديث عن فلاحة بدون ماء، ولكنّ الماء المخصص للفلاحة تناقص بشكل كبير، بسبب غياب الماء، والحكومة لجأت إلى القيام بمجموعة من الإجراءات المستعجلة". بينما تستمر شكاوى المواطنين من النقص الحاد في الماء، تتوالى الجهات المسؤولة في تراشق الاتهامات في من سيتحمّل المسؤولية، وتتوالى المعاناة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المغرب الرباط الجفاف المغرب الرباط الجفاف جنوب المغرب المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الماء الصالح للشرب الدار البیضاء متر مکعب

إقرأ أيضاً:

تطبيق مشروع الزراعة المائية الذكية في جامعة صحار

 

 

صحار- الرؤية

أعلنت كلية الهندسة بجامعة صحار تطبيق مشروع الزراعة المائية الذكية باستخدام مُخلفات البيئة العُمانية، من تنفيذ الطالبتين ريم الظهوري والزهراء المعمري، وتحت إشراف البروفيسور راجاموهان ناتاراجان نائب عميد كلية الهندسة، وعبدالرحمن الشبلي محاضر بكلية الهندسة.

ويهدف المشروع إلى دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الزراعة المائية عبر استخدام المخلفات الزراعية المحلية كوسيط نمو مستدام، مما يقلل التأثير البيئي ويحسن كفاءة استخدام الموارد، إذ يعتمد المشروع على الطاقة الشمسية وأجهزة استشعار ذكية لضبط استهلاك المياه والمواد المغذية، مما يسهم في تقليل الهدر وتعزيز الإنتاجية مقارنة بالزراعة التقليدية.

وحظي المشروع بتمويل من مجلس البحث العلمي في سلطنة عمان، حيث يتماشى مع رؤية عُمان 2040 التي تركز على البيئة المستدامة، والابتكار التكنولوجي وحماية البيئة، كما أنه يدعم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة من خلال تعزيز كفاءة استخدام المياه، والتكيف مع التغير المناخي، والإدارة المسؤولة للموارد الطبيعية.

ويعكس هذا المشروع توجه جامعة صحار الاستراتيجي نحو تعزيز البحث والابتكار، وتمكين الطلبة من تقديم حلول علمية تطبيقية لمواجهة التحديات البيئية، كما يؤكد دور الجامعة في تطوير مشاريع مستدامة تسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة.

مقالات مشابهة

  • تصعيد إسرائيلي متواصل للاقتحامات والاعتقالات بالضفة الغربية
  • هل يؤدي تناول السكر إلى زيادة العطش؟
  • تطبيق مشروع الزراعة المائية الذكية في جامعة صحار
  • أكثر الأدوية المزورة التي يتناولها الملايين
  • رمضان شهر فتح أبواب الجنان
  • وزير الري: توزيع المياه الشروب يوميا بوهران في الأيام القادمة
  • دعاء الصائم قبل فطره .. 3 أدعية أوصى بها النبي تفتح لك أبواب الجنة الثمانية
  • وداعا للعطش في رمضان: أفضل الأطعمة التي تروي عطشك وأخرى يجب تجنبها
  • أطعمة تمنع العطش في رمضان.. وأخرى تسببه
  • محافظ الجيزة يفتتح مسجد آل منصور بمدينة أكتوبر الجديدة