قدم سردا تاريخيا وحلولا جذرية: معالي السيد بدر يقدم محاضرة عن القضية الفلسطينية في بريطانيا، إليك أهم ما تضمنته
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
رصد-أثير
ألقى معالي السيد بدر البوسعيدي وزير الخارجية محاضرة في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بالمملكة المتحدة الخميس 15 نوفمبر 2024م.
وترصد “أثير” أبرز ما جاء في كلمة معاليه في الآتي:
أعتقد حقًا بأنه يُمكن ويجب إيجاد حل لقضية فلسطين، لكن لتحقيق ذلك؛ يجب أن يكون هناك تحوّل في تفكيرنا، فالجهود المبذولة للتعامل مع الأزمة الحالية ما تزال عالقة في الماضي، وهناك فشل في التعلم منها، وفشل في فهم الحاضر، وميل إلى التفكير والتصرف كما لو أن العالم يمكن تقسيمه بدقة إلى قسمين؛ أصدقاء وأعداء، الخير والشر؛ فلماذا نفعل هذا، ولماذا نريد أن يكون العالم أبيض وأسود! إنه مثل محاولة وضع محيط في كوب شاي.
منذ أكثر من ثلاثين عامًا من سقوط جدار برلين، ما يزال الكثير منّا يعيش في عقلية الحرب الباردة؛ حيث يتحدثون بصورة أساسية إلى أصدقائهم، ويرفضون التحدث من حيث المبدأ مع الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم أعداؤهم، وهذا عائق خطير، ونراه اليوم في مواجهة الكارثة الإنسانية المروّعة في غزة؛ فهناك رفض للقيام بالشيء الوحيد الذي قد يفتح طريقا للسلام. وفي رأيي لا يمكن القضاء على حماس، لذا؛ إذا كان هناك سلام، فسيتعين على صانعيه إيجاد طريقة للتحدث معهم والاستماع إليهم، وسيتطلب ذلك تحولًا في التفكير، وتطوير أشكال دبلوماسية عملية مناسبة لعالم متعدد الأقطاب، حيث علينا جميعا أن نتعلم التحدث إلى أي شخص، من أجل الخير للجميع.
لا يوجد مكان أكثر صدقا في هذا العالم من الجزء الذي أعيش فيه؛ حيث تعرضت الحياة للعنة الطائفية التي تقسِّم المجتمعات بين السنة والشيعة، والمسلمين واليهود، والمسلمين والمسيحيين. وعندما يُجمع بين المنطق الطائفي ومنطق الحرب الباردة؛ يمكن بسهولة إنشاء المزيد من الانقسامات بين المعتدلين والمتشددين، بين المدافعين عن الحرية وأعدائها، الذين يجب احتواؤهم. ويرى الكثير من الناس، سواء في منطقتنا أو خارجها، هذه الطائفية كحقيقة من حقائق الحياة، ويبدو لهم أمرا طبيعيا وواضحا، مثل أي سمة من سمات الطبيعة.
ربما سيطر التفكير الطائفي على الكثير من تاريخ منطقتنا في المائة عام الماضية، لكن لم يكن الأمر دائمًا على هذا النحو؛ فقد بدأ ظهوره كمنطق مهيمن في المنطقة في الوقت نفسه الذي كانت فيه الحرب الباردة قد بدأت للتو في تشكيل العلاقات العالمية، وتضمنت تلك اللحظة استيطان فلسطين من قبل اليهود القادمين من أوروبا وتأسيسهم لدولة إسرائيل. ولفهم أهمية هذه اللحظة الحاسمة، نحتاج إلى العودة إلى أبعد من ذلك بقليل، إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فخلال هذه الفترة في الأراضي الشرقية للإمبراطورية العثمانية – الآن فلسطين وإسرائيل ولبنان وسوريا والعراق- كانت إحدى عواقب النهضة العربية تطوير ثقافة عربية، فالعربي يُمكن أن يكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، لكن لم يكن أي من هذه الانتماءات الدينية نقطة رئيسية في التعريف الذاتي، على الأقل فيما يتعلق بمشاركتهم في الحياة العامة والسياسية.
في الإمبراطورية العثمانية، ثم في الدول التي تم إنشاؤها بعد انهيارها، كان الوضع الأسري للناس مشمولًا بقوانين دينية منفصلة، لكن الحياة العامة أو السياسية كانت مساحة لم يكن من المتوقع أن يقدم فيها الناس مطالبات على أساس الدين، وبالطبع لم تكن مدينة فاضلة تخلو من حلقات التوتر أو الصراع، إلا أن هذه الحلقات كانت ناجمة عن قضايا اجتماعية أو اقتصادية وليس من الهويات الدينية، لكن عندما بدأ الصهاينة في الوصول؛ أحضروا معهم مشروعًا قوميًا أوروبيًا، تم تصوّره في أوروبا ليتم تحقيقه في فلسطين، وهذا المشروع لم يكن له جذور في المنطقة ولم يُقدِّر ثقافتها السياسية والفكرية، ولم يكن مصدر المشكلة هو حقيقة أن هؤلاء الوافدين الجدد كانوا يهودًا، لأن اليهود كانوا دائمًا جزءًا من المجتمع والثقافة المحلية في فلسطين ودول الشام والعراق.
عندما تم الترحيب باليهود الوافدين الجدد، كان الافتراض أنهم مثل اليهود الذين كانوا بالمنطقة من قبل؛ حيث سيجدون أماكنهم داخل النسيج الاجتماعي الحالي، إلا أن بعضهم جاء بمشروع سياسي يتعارض مع ذلك المجتمع والثقافة، ولا يتوافق مع نسيجه الاجتماعي، فقد كانت الصهيونية تصر على حق اليهود في العيش في دولة يهودية، وهذا يعني أنه بعد عام 1948م أصبح من الصعب أكثر فأكثر على شخص ما تعريف نفسه على أنه يهودي عربي، وبالنسبة للصهاينة، كان العرب عقبة أمام تحقيق هدفهم السياسي وهو إقامة دولة يهودية.
مأساة اللحظة في تاريخنا المشترك هي أن ما بدأته الصهيونية الاستعمارية استمر بعد ذلك، واستمر في جميع أنحاء العالم العربي، وأصبحنا نجد نسخًا مشوّهة للإسلام مثل داعش، ونسخًا مشوّهة لليهودية عند بعض المتطرفين الصهاينة، وهذا ما يعطي الكثير من الناس الانطباع بأن أزمة اليوم هي نتيجة للخصومات القديمة بين الطوائف الدينية، لكن الحقيقة هي أن خصومات اليوم قد يكون لها الآن بُعد طائفي قوي، لكنها تفعل ذلك فقط بسبب ما حدث في منتصف القرن الماضي.
عندما ننظر عن كثب إلى واقع اليوم، يتبين أن البعد الطائفي ليس قويا كما يعتقد الكثيرون؛ فالدعم للفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة يأتي من الناس من جميع الطوائف؛ من الشيعة والسنة والإباضية والمسيحيين واليهود والعلمانيين، وهو مدفوع بالتضامن السياسي والتعاطف الإنساني والشعور بالظلم التاريخي. ولدى شعوب المنطقة عقول وآراء، ويصدرون أحكامًا سياسية بدلا من الالتزام بالانتماء الطائفي بلا تفكير، والتشويه للمنظور السياسي للمنطقة على نطاق واسع هو ما أسميه بالافتراء الطائفي.
ورد في ميثاق حماس لعام 2017م “تعد حماس إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة بالكامل، وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والمشردين إلى منازلهم التي طردوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة”. وهذه بالتأكيد نقطة انطلاق معقولة للتفاوض.
وعليه فإني أقترح:
– إقامة مؤتمر دولي طارئ مكلف بالاتفاق على ترتيبات لإقامة دولة فلسطينية وإنشاء آليات لتنفيذها، ويجب أن يشمل المؤتمر حماس.
– يعقد هذا المؤتمر قادة مجموعة من البلدان التي تمثل الأغلبية العالمية بصورة صحيحة.
– يجب إزالة حق النقض (الفيتو) من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ لأن التصويت يكون وفقا للحسابات السياسية من خمسة أطراف لديهم سلطة منع الحكم حتى لو كان بالإجماع، بينما في محكمة العدل الدولية، يمكن لمجموعة واسعة من الخبراء القانونيين من مختلف البلدان التوصل إلى حكم مدروس يستند إلى الأدلة والحجج، وإذا لم يكن حكمهم بالإجماع، فيمكن لأولئك الذين يختلفون معهم تسجيل مخالفتهم، لكن الحكم يكون قائمًا.
سيتطلب إصلاح الضرر المتعلق بالقضية الفلسطينية التزاما متجددا وعمليا بالتعددية القطبية، وسيشمل ذلك تغييرا في العقلية، وبخاصة من أولئك الذين يعتقدون أنهم يستفيدون حاليا من القدرة على التصرف من جانب واحد ودون اعتبار للقانون الدولي وإرادة المجتمع العالمي. كما يتطلب ذلك إصلاح مؤسساتنا القائمة على إدارة العلاقات الدولية، بحيث تكون تلك المؤسسات مناسبة لأحداث اليوم بدلا من حلول مشاكل الأمس، ويمكننا بدء هذه العملية الآن؛ من خلال اتخاذ إجراء جماعي عاجل لإقامة دولة فلسطينية، واتخاذ خطوات عملية لضمان تحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإرادة المجتمع الدولي وتحقيقها على وجه السرعة.
إنشاء دولة فلسطينية هو ضرورة وجودية، وبدون دولة؛ يُحكم على الفلسطينيين بالتهديد الدائم بالعوز والإبادة والموت، ولا يمكننا أن نهمِّش الافتراء الطائفي في المنطقة إلا من خلال إنشاء هذه الدولة، وهذا الحل العادل هو خطوة أولى ضرورية في عملية تغيير أطول لشعوب المنطقة. وهذه الدولة الفلسطينية ستسمح لنا برؤية أنفسنا إلى جانب دولة إسرائيلية، كأشخاص ذوي هويات اجتماعية وثقافية معقدة، بدلا من الهويات المحددة في الغالب من حيث الانتماءات الدينية. وبعبارة أخرى؛ يمكننا العودة إلى الطريق المفعم بالأمل للنهضة العربية، ويُمكن أن يكون أحد منازلها هو القدس.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: دولة فلسطینیة الکثیر من أن یکون لم یکن
إقرأ أيضاً:
أمل الحناوي: مصر تلعب دورا بارزا في دعم القضية الفلسطينية منذ اليوم الأول للعدوان
قالت الإعلامية أمل الحناوي، إنه منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، برز الدور المحوري للدولة المصرية كركيزة أساسية في دعم القضية الفلسطينية، من منطلق حرصها الدائم على حقوق ومقدرات الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة.
وأضافت الحناوي، خلال تقديم برنامج «عن قرب مع أمل الحناوي»، المذاع على فضائية «القاهرة الإخبارية»، أن القاهرة لم تتوقف عن التحرك على كافة المسارات السياسية والدبلوماسية والإنسانية؛ لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني المحاصر والتصدي لمحاولات تصفية قضيته العادلة، وأثبتت مصر خلال الأزمة الإنسانية في قطاع غزة أنها الداعم الأول للشعب الفلسطيني، فمعبر رفح هو المنفذ الوحيد لغزة على العالم.
وأشارت الإعلامية أمل الحناوي، إلى أن معبر رفح لم يتم إغلاقه طوال فترة العدوان وما قبلها، إلا عندما سيطرت عليه إسرائيل من الجانب الفلسطيني، ما أدى إلى عرقلة وصول المساعدات إلى مستحقيها، وقبل تحرك إسرائيل المتعنت باحتلال المعبر من الجانب الفلسطيني، سمحت مصر بمرور شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية بشكل متواصل محملة بالغذاء والدواء والمستلزمات الطبية لإنقاذ حياة الآلاف من أهل غزة.