رصد-أثير

ألقى معالي السيد بدر البوسعيدي وزير الخارجية محاضرة في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بالمملكة المتحدة الخميس 15 نوفمبر 2024م.

وترصد “أثير” أبرز ما جاء في كلمة معاليه في الآتي:

أعتقد حقًا بأنه يُمكن ويجب إيجاد حل لقضية فلسطين، لكن لتحقيق ذلك؛ يجب أن يكون هناك تحوّل في تفكيرنا، فالجهود المبذولة للتعامل مع الأزمة الحالية ما تزال عالقة في الماضي، وهناك فشل في التعلم منها، وفشل في فهم الحاضر، وميل إلى التفكير والتصرف كما لو أن العالم يمكن تقسيمه بدقة إلى قسمين؛ أصدقاء وأعداء، الخير والشر؛ فلماذا نفعل هذا، ولماذا نريد أن يكون العالم أبيض وأسود! إنه مثل محاولة وضع محيط في كوب شاي.

منذ أكثر من ثلاثين عامًا من سقوط جدار برلين، ما يزال الكثير منّا يعيش في عقلية الحرب الباردة؛ حيث يتحدثون بصورة أساسية إلى أصدقائهم، ويرفضون التحدث من حيث المبدأ مع الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم أعداؤهم، وهذا عائق خطير، ونراه اليوم في مواجهة الكارثة الإنسانية المروّعة في غزة؛ فهناك رفض للقيام بالشيء الوحيد الذي قد يفتح طريقا للسلام. وفي رأيي لا يمكن القضاء على حماس، لذا؛ إذا كان هناك سلام، فسيتعين على صانعيه إيجاد طريقة للتحدث معهم والاستماع إليهم، وسيتطلب ذلك تحولًا في التفكير، وتطوير أشكال دبلوماسية عملية مناسبة لعالم متعدد الأقطاب، حيث علينا جميعا أن نتعلم التحدث إلى أي شخص، من أجل الخير للجميع.

لا يوجد مكان أكثر صدقا في هذا العالم من الجزء الذي أعيش فيه؛ حيث تعرضت الحياة للعنة الطائفية التي تقسِّم المجتمعات بين السنة والشيعة، والمسلمين واليهود، والمسلمين والمسيحيين. وعندما يُجمع بين المنطق الطائفي ومنطق الحرب الباردة؛ يمكن بسهولة إنشاء المزيد من الانقسامات بين المعتدلين والمتشددين، بين المدافعين عن الحرية وأعدائها، الذين يجب احتواؤهم. ويرى الكثير من الناس، سواء في منطقتنا أو خارجها، هذه الطائفية كحقيقة من حقائق الحياة، ويبدو لهم أمرا طبيعيا وواضحا، مثل أي سمة من سمات الطبيعة.

ربما سيطر التفكير الطائفي على الكثير من تاريخ منطقتنا في المائة عام الماضية، لكن لم يكن الأمر دائمًا على هذا النحو؛ فقد بدأ ظهوره كمنطق مهيمن في المنطقة في الوقت نفسه الذي كانت فيه الحرب الباردة قد بدأت للتو في تشكيل العلاقات العالمية، وتضمنت تلك اللحظة استيطان فلسطين من قبل اليهود القادمين من أوروبا وتأسيسهم لدولة إسرائيل. ولفهم أهمية هذه اللحظة الحاسمة، نحتاج إلى العودة إلى أبعد من ذلك بقليل، إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فخلال هذه الفترة في الأراضي الشرقية للإمبراطورية العثمانية – الآن فلسطين وإسرائيل ولبنان وسوريا والعراق- كانت إحدى عواقب النهضة العربية تطوير ثقافة عربية، فالعربي يُمكن أن يكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، لكن لم يكن أي من هذه الانتماءات الدينية نقطة رئيسية في التعريف الذاتي، على الأقل فيما يتعلق بمشاركتهم في الحياة العامة والسياسية.

في الإمبراطورية العثمانية، ثم في الدول التي تم إنشاؤها بعد انهيارها، كان الوضع الأسري للناس مشمولًا بقوانين دينية منفصلة، لكن الحياة العامة أو السياسية كانت مساحة لم يكن من المتوقع أن يقدم فيها الناس مطالبات على أساس الدين، وبالطبع لم تكن مدينة فاضلة تخلو من حلقات التوتر أو الصراع، إلا أن هذه الحلقات كانت ناجمة عن قضايا اجتماعية أو اقتصادية وليس من الهويات الدينية، لكن عندما بدأ الصهاينة في الوصول؛ أحضروا معهم مشروعًا قوميًا أوروبيًا، تم تصوّره في أوروبا ليتم تحقيقه في فلسطين، وهذا المشروع لم يكن له جذور في المنطقة ولم يُقدِّر ثقافتها السياسية والفكرية، ولم يكن مصدر المشكلة هو حقيقة أن هؤلاء الوافدين الجدد كانوا يهودًا، لأن اليهود كانوا دائمًا جزءًا من المجتمع والثقافة المحلية في فلسطين ودول الشام والعراق.

عندما تم الترحيب باليهود الوافدين الجدد، كان الافتراض أنهم مثل اليهود الذين كانوا بالمنطقة من قبل؛ حيث سيجدون أماكنهم داخل النسيج الاجتماعي الحالي، إلا أن بعضهم جاء بمشروع سياسي يتعارض مع ذلك المجتمع والثقافة، ولا يتوافق مع نسيجه الاجتماعي، فقد كانت الصهيونية تصر على حق اليهود في العيش في دولة يهودية، وهذا يعني أنه بعد عام 1948م أصبح من الصعب أكثر فأكثر على شخص ما تعريف نفسه على أنه يهودي عربي، وبالنسبة للصهاينة، كان العرب عقبة أمام تحقيق هدفهم السياسي وهو إقامة دولة يهودية.

مأساة اللحظة في تاريخنا المشترك هي أن ما بدأته الصهيونية الاستعمارية استمر بعد ذلك، واستمر في جميع أنحاء العالم العربي، وأصبحنا نجد نسخًا مشوّهة للإسلام مثل داعش، ونسخًا مشوّهة لليهودية عند بعض المتطرفين الصهاينة، وهذا ما يعطي الكثير من الناس الانطباع بأن أزمة اليوم هي نتيجة للخصومات القديمة بين الطوائف الدينية، لكن الحقيقة هي أن خصومات اليوم قد يكون لها الآن بُعد طائفي قوي، لكنها تفعل ذلك فقط بسبب ما حدث في منتصف القرن الماضي.

عندما ننظر عن كثب إلى واقع اليوم، يتبين أن البعد الطائفي ليس قويا كما يعتقد الكثيرون؛ فالدعم للفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة يأتي من الناس من جميع الطوائف؛ من الشيعة والسنة والإباضية والمسيحيين واليهود والعلمانيين، وهو مدفوع بالتضامن السياسي والتعاطف الإنساني والشعور بالظلم التاريخي. ولدى شعوب المنطقة عقول وآراء، ويصدرون أحكامًا سياسية بدلا من الالتزام بالانتماء الطائفي بلا تفكير، والتشويه للمنظور السياسي للمنطقة على نطاق واسع هو ما أسميه بالافتراء الطائفي.

ورد في ميثاق حماس لعام 2017م “تعد حماس إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومستقلة بالكامل، وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والمشردين إلى منازلهم التي طردوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة”. وهذه بالتأكيد نقطة انطلاق معقولة للتفاوض.
وعليه فإني أقترح:
– إقامة مؤتمر دولي طارئ مكلف بالاتفاق على ترتيبات لإقامة دولة فلسطينية وإنشاء آليات لتنفيذها، ويجب أن يشمل المؤتمر حماس.
– يعقد هذا المؤتمر قادة مجموعة من البلدان التي تمثل الأغلبية العالمية بصورة صحيحة.
– يجب إزالة حق النقض (الفيتو) من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ لأن التصويت يكون وفقا للحسابات السياسية من خمسة أطراف لديهم سلطة منع الحكم حتى لو كان بالإجماع، بينما في محكمة العدل الدولية، يمكن لمجموعة واسعة من الخبراء القانونيين من مختلف البلدان التوصل إلى حكم مدروس يستند إلى الأدلة والحجج، وإذا لم يكن حكمهم بالإجماع، فيمكن لأولئك الذين يختلفون معهم تسجيل مخالفتهم، لكن الحكم يكون قائمًا.

سيتطلب إصلاح الضرر المتعلق بالقضية الفلسطينية التزاما متجددا وعمليا بالتعددية القطبية، وسيشمل ذلك تغييرا في العقلية، وبخاصة من أولئك الذين يعتقدون أنهم يستفيدون حاليا من القدرة على التصرف من جانب واحد ودون اعتبار للقانون الدولي وإرادة المجتمع العالمي. كما يتطلب ذلك إصلاح مؤسساتنا القائمة على إدارة العلاقات الدولية، بحيث تكون تلك المؤسسات مناسبة لأحداث اليوم بدلا من حلول مشاكل الأمس، ويمكننا بدء هذه العملية الآن؛ من خلال اتخاذ إجراء جماعي عاجل لإقامة دولة فلسطينية، واتخاذ خطوات عملية لضمان تحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإرادة المجتمع الدولي وتحقيقها على وجه السرعة.

إنشاء دولة فلسطينية هو ضرورة وجودية، وبدون دولة؛ يُحكم على الفلسطينيين بالتهديد الدائم بالعوز والإبادة والموت، ولا يمكننا أن نهمِّش الافتراء الطائفي في المنطقة إلا من خلال إنشاء هذه الدولة، وهذا الحل العادل هو خطوة أولى ضرورية في عملية تغيير أطول لشعوب المنطقة. وهذه الدولة الفلسطينية ستسمح لنا برؤية أنفسنا إلى جانب دولة إسرائيلية، كأشخاص ذوي هويات اجتماعية وثقافية معقدة، بدلا من الهويات المحددة في الغالب من حيث الانتماءات الدينية. وبعبارة أخرى؛ يمكننا العودة إلى الطريق المفعم بالأمل للنهضة العربية، ويُمكن أن يكون أحد منازلها هو القدس.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: دولة فلسطینیة الکثیر من أن یکون لم یکن

إقرأ أيضاً:

مجلس الأمن يناقش الثلاثاء القضية الفلسطينية

سرايا - من المقرر ان يعقد مجلس الأمن الدولي الثلاثاء، جلسة نقاشية بشأن قضية فلسطين تتبعها جلسة مشاورات مغلقة.

 



ويستمع الأعضاء الى إحاطة من سيغريد كاغ، بصفتها المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط بالنيابة حيث من المتوقع أن تحث كاغ الطرفين "إسرائيل وحماس" على الوفاء بالتزاماتهما بموجب القانون الدولي والتأكيد على أهمية التنفيذ الكامل والفعال لاتفاق وقف إطلاق النار.

 



من ناحية ثانية، اعتمد مجلس الأمن الدولي، الليلة الماضية، قراراً تقدمت به الولايات المتحدة بشأن إنهاء النزاع في أوكرانيا وتحقيق سلام دائم.

 


وأيد القرار الذي حمل الرقم 2774 عشرة دول أعضاء في المجلس، فيما صوتت بالامتناع عليه كل من فرنسا وبريطانيا وسلوفينيا واليونان والدنمارك، وهي الدول الأوروبية في المجلس.

 

 

إقرأ أيضاً : الشرع: "الإدارة السورية الجديدة ستعمل على تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية"إقرأ أيضاً : إعلام عبري: حماس ستسلم مصر 4 جثامين مقابل إطلاق سراح الأسرى المؤجلينإقرأ أيضاً : صفارات الإنذار تدوي في الجولان وإطلاق صواريخ اعتراضية



تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 909  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 25-02-2025 11:25 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
زوج ينتزع "حنجرة" زوجته لإرضاء عشيقته أمواج ورمال ورياح .. المريخ كان يضم شواطئ مثل أماكن العطلات حدث فلكي استثنائي .. العالم على موعد مع "موكب الكواكب" دراسة: فقدان الجليد العالمي يتسارع مع ارتفاع درجات الحرارة الحبس 3 سنوات لمتهم سرق "كيبل"كهرباء... بالفيديو .. شاهد تساقط الثلوج في العاصمة عمان مسودة لصفقة المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا... طقس العرب: كتلة هوائية قطبية باردة تؤثر على المملكة... صرف عيدية نقدية في شهر آذار المقبل لهذه الأسر الشرع: "الإدارة السورية الجديدة ستعمل على...إعلام عبري: حماس ستسلم مصر 4 جثامين مقابل إطلاق...صفارات الإنذار تدوي في الجولان وإطلاق صواريخ اعتراضيةبالفيديو .. جدل بين ترمب والرئيس الفرنسي حول...حماس توضح حول تصريحات أبو مرزوقزعيم كوريا الشمالية: الأسلحة من دون أيديولوجية مجرد...مجلس الأمن الدولي يعتمد قرارا بشأن إنهاء الحرب في...محكمة "إسرائيلية" تهدد نتنياهو إذا لم...الاحتلال يريد توسيع المرحلة الأولى من اتفاق وقف... مهيرة عبدالعزيز تكشف عن فارس أحلامها من الفنانين العرب ابنة "رجاء الجداوي" تكشف رسالة نادرة بخط... الفنانة وعد تفاجئ جمهورها بارتدائها الحجاب من الضرب إلى القتل .. نجمات تعرضن للعنف الأسري... عمر العبداللات يضيء سماء دبي في حفل "صناع... كينونيس .. اكتشفه "بيطري" وصدمته "الجثة" "ابتعد عنه" .. "رعب" في ليفربول من محادثة صلاح وغوارديولا المصري ينتصر .. ليفربول "يرضخ" لمطالب صلاح "ثنائية" سمرين تمنح الوحدات نقاط معان بدوري المحترفين قبل مواجهة أتلتيكو .. فليك يزيد الغموض بشأن يامال ستاربكس تعتزم تسريح 1100 موظف على مستوى العالم السجن 20 عاماً لأمريكي فجر منزل حبيبته "بيل غيتس" ندم على ترك هذه الجامعة لتأسيس "مايكروسوفت" أصلح ساعة بوتفليقة .. "عمي فريد" أقدم ساعاتي في الجزائر " لحوم الحمير" .. خطر يهدّد الجزائريين في رمضان فضحته ابنة الـ6 سنوات .. جراح اغتصب أكثر من 200 طفل مريض بعد عاصفة غضب ضده .. ملياردير مصري يعتذر من البدو وفاة مصرية إثر "عملية نصب" كبرى استهدفت مليون مواطن وخسائر بـ 6 مليارات دولار "زاهي حواس" يكسر تمثالا فرعونيًا أثريًا .. ويكشف التفاصيل "بسبب خلاف عائلي" .. طلب زواج ينتهي بمجزرة دامية في تركيا - فيديو

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • عمرو خليل: الدبلوماسية المصرية تجوب العالم شرقا وغربا دعما للقضية الفلسطينية
  • أحمد موسى: مصر ترفض أي مقترحات تلتف حول ثوابت القضية الفلسطينية
  • رئيس «الدراسات المستقبلية»: مصر حجر الزاوية في القضية الفلسطينية
  • أبو العينين يشارك في الجلسة الطارئة للبرلمان العربي.. ويؤكد: حل القضية الفلسطينية مفتاح السلام في المنطقة
  • باحث: الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية ثابت
  • مصر تجدد رفضها تهجير الفلسطينيين وتحذر من تصفية القضية الفلسطينية
  • نائبة: القمة العربية ترسيخ لجهود مصر في دعم القضية الفلسطينية
  • مجلس الأمن يناقش الثلاثاء القضية الفلسطينية
  • مجلس الأمن يناقش القضية الفلسطينية اليوم
  • مجلس الأمن يناقش اليوم القضية الفلسطينية