بعض الناس يقضي عمره كله معتقدًا أنه على صواب في كل شيء، وإنه سلك السلوك الأقوم في كل مناحي حياته، وإن كل من لا يرى رأيه، أو ينكر مسلكه، أو يعتنق أفكارًا غير ما يعتنق، لهو في ضلال مبين. إن مثل ذلك الصنف من البشر يعيش متوهمًا إنه هو الذي يملك الحق والحقيقة. فإذا كان يؤمن بدين معين، فإنه يدهش إن وجد أشخاصًا لا يؤمنون بما يؤمن هو به؛ غافلًا عن أنه لو كان قد نشأ في بيئة أخرى غير بيئته، لأعتنق ذلك الدين الذي يهاجمه الآن، ودافع عنه وتمسك به بوصفه الدين الحق.
حين يدافع الإنسان عن عقيدة معينة، فإنه يظن إنه إنما يريد بذلك وجه الله أو حب الحق والحقيقة. دون أن يدرك أنه بهذا يخدع نفسه. إنه في الواقع قد أخذ عقيدته من بيئته التي نشأ بها، وهو لو كان قد نشأ في بيئة أخرى لوجدناه يؤمن بعقائد تلك البيئة الأخرى، ويدافع عنها بحماس بالغ، ثم يظن أنه يسعى وراء الحق والحقيقة. (دكتور علي الوردي، مهزلة العقل البشري، دار كوفان، لندن، 1994، ص 41)
لم يبتكر العقل البشري مكيدة أبشع من مكيدة الحق والحقيقة، ولست أجد إنسانًا في هذه الدنيا لا يدعي حب الحق والحقيقة. حتى أولئك الطغاة الذين لطخوا صفحات التاريخ بمظالمهم التي تقشعر من بشاعتها الأبدان، لا تكاد تستمع إلى أقوالهم حتى تجدها تنضح بحب الحق والحقيقة. (المرجع السابق، ص 41)
يقال أن أحد السلاطين المؤمنين بالله ذبح ذات يوم مئة ألف ممن كانوا على عقيدة غير العقيدة التي نشأ هو عليها، ثم جعل من جماجم هؤلاء القتلى منارة عالية صعد عليها مؤذن يصيح بأعلى صوته: «لا إله إلا الله».
وحدث مثل هذا في العهد العثماني حين جهَّز والي الموصول حملة عسكرية ضد اليزيديين الساكنين في شمال العراق. ذهبت تلك الحملة إلى القرى اليزيدية فقتلت أطفالها واستباحت نساءها وجاءت بالأحياء من رجالها إلى الموصل ليخيروا بين حد السيف أو شهادة «لا إله إلا الله».
وقد فرح الوالي بهذا النصر الذي حققه الله على يديه؛ وخُيِّلَ إليه أن القصور الفخمة تُشَيَّد له في جنة الفردوس جزاء هذه المذبحة الرائعة التي قام بها. (ص ص 41 – 42)
غضب هذا الوالي على أتباع اليزيدية لكونهم يعبدون الشيطان من دون الله. ونسى أنه لو كان نشأ في قرية يزيدية من أبويين يزيديين لكان مثلهم يعبد الشيطان ويترنم بأهازيجه، ويذوب هيامًا به وشوقًا إليه. إنه اعتاد على سب الشيطان واحتقاره لأنه وجد منذ طفولته المبكرة جميع الناس حوله يسبون الشيطان ويحتقرونه. فأخذ يسبه معهم ويتخيله بصورة بشعة ممجوجة. (ص 42)
إن المتدين المؤمن بعقيدة من العقائد لا يستطيع مهما حاول؛ أن يتجرد من عاطفته الدينية، في حين أن من شروط المنهج العلمي الدقيق أن يكون صاحبه متشككًا قبل أن يبدأ بالبحث. ومن هنا يتضح لنا عبث المحاولات التي يبذلها البعض للربط بين الكشوف العلمية الحديثة والدين.
لا لوم على المتدين حين يؤيد عقائده الدينية بشتى الوسائل، لكننا نلومه حين نراه يربط بين الدين والعلم، غافلًا عن اختلاف طبيعة المنهج بينهما. فالدين ينبني على الإيمان المطلق والتسليم بالعقائد الدينية تسليمًا لا يتطرق إليه شك. أما العلم فيستند إلى البحث القائم على الشك والفحص والتحري. إن الربط بين العلم والدين يشكل ضررًا؛ بل يمكننا أن نقول إنه يمثل خطرًا على الدين والعلم معًا. رغم هذه الحقيقة نرى محاولات دَائِبة من البعض للربط بينهما. وهذا عبث ما بعده عبث.
* أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
«قوى النواب» توافق على منح المرأة العاملة إجازة وضع 4 أشهر
وافقت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، خلال اجتماعها اليوم الأربعاء برئاسة النائب عادل عبد الفضيل عياد، على المادة 53 بمشروع قانون العمل الجديد المقدم من الحكومة، والتي تمنح المرأة العاملة الحق في إجازة وضع لمدة أربعة أشهر بدلًا من ثلاثة أشهر في القانون القائم رقم 12 لسنة 2003.
وجاء نص المادة كما وافقت عليها اللجنة كالتالي:
المادة (53) للعاملة الحق في إجازة وضع لمدة أربعة أشهر تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه، على ألا تقل مدة هذه الإجازة بعد الوضع عن خمسة وأربعين يوما، بشرط أن تقدم شهادة طبية مبيناً بها التاريخ الذي يرجح حصول الوضع فيه، وتكون هذه الإجازة مدفوعة الأجر، وفي جميع الأحوال لا تستحق العاملة هذه الإجازة لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها .
ويخصم من الأجر الذي يلتزم به صاحب العمل ما يلتزم بأدائه نظام التأمين الاجتماعي من تعويض عن الأجر وفقا لحكم المادة رقم (77) من قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات.وتخفض ساعات العمل اليومية للمرأة الحامل ساعة على الأقل اعتباراً من الشهر السادس من الحمل، ولا يجوز الزامها بساعات عمل إضافية طوال مدة الحمل وحتى نهاية ستة أشهر من تاريخ الوضع.
وتساءل ممثل المجلس القومي للأمومة والطفولة عن سبب أن المادة تنص على 45 يوم حد أدنى بعد الوضع، وأن قانون الخدمة المدنية ينص على 4 أشهر بعد الوضع.
وقال إيهاب عبد العاطي، المستشار القانوني لوزارة العمل، إن نص المادة الواردة في مشروع القانون فيه مزايا عديدة للمرأة، منها أنه تخفض ساعات العمل اليومية للمرأة الحامل ساعة على الأقل اعتباراً من الشهر السادس من الحمل، ولا يجوز إلزامها بساعات عمل إضافية طوال مدة الحمل وحتى نهاية ستة أشهر من تاريخ الوضع.
وتابع: مسألة لا تقل عن 45 يوماً بعد الوضع لاعتبارات الأمومة لأن حق الطفل تكون الأم معه هذه الفترة، وهذا الالتزام وفقا لمعايير الاتفاقيات الدولية.
وقال النائب عادل عبد الفضيل، رئيس لجنة القوى العاملة، إن المسألة جوازية للمرأة بناء على طلبها، كما أن مدة 4 أشهر لإجازة الوضع تتوافق مع المعايير الدولية للعمل، واتساقا مع ما نص عليه قانون الخدمة المدنية بنفس المدة للعاملين بالدولة.
ووافقت اللجنة على مادة (54) التي تنص على أنه للعاملة بعد انتهاء إجازة الوضع المبينة بالمادة رقم (53) من هذا القانون الحق في العودة إلى وظيفتها أو وظيفة مماثلة لها دون الإخلال بأية مزايا كانت مقررة لوظيفتها الأصلية. ويحظر فصل العاملة أو إنهاء خدمتها أثناء إجازة الوضع.
كما يحظر فصلها أو إنهاء خدمتها عقب عودتها من هذه الإجازة، ما لم يثبت صاحب العمل أن الفصل أو إنهاء الخدمة لسبب مشروع.
ومع ذلك، يكون لصاحب العمل حرمان العاملة من التعويض عن أجرها عن مدة الإجازة المشار إليها أو استرداد ما تم أداؤه منه إذا ثبت اشتغالها خلال الإجازة لدى الغير، وذلك مع عدم الإخلال بالمساءلة التأديبية.
ويكون للعاملة التي ترضع طفلها خلال السنتين التاليتين لتاريخ الوضع، فضلا عن فترة الراحة المقررة، الحق في فترتين أخريين للرضاعة لا تقل كل منهما عن نصف ساعة، وللعاملة الحق في ضم هاتين الفترتين. وتحسب هاتان الفترتان الإضافيتان من ساعات العمل ولا يترتب على ذلك أي تخفيض في الأجر.
وارجأت اللجنة المادة (55) لضبط الصياغة، وتنص على الآتي: مع مراعاة حكم الفقرة الثانية من المادة (72) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم (12) لسنة 1996 ، يكون للعاملة في المنشأة التي تستخدم خمسين عاملا فأكثر الحق في الحصول على إجازة دون أجر لمدة لا تجاوز سنتين، وذلك لرعاية طفلها، ولا تستحق هذه الإجازة لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها شريطة أن يكون قد مر على وجودها في المنشأة سنة على الأقل، وعلى ألا تقل المدة بين الإجازة الأولى والثانية عن سنتين.
وطلب ممثل المجلس القومي للطفولة والأمومة إضافة المرأة الكافلة والحاضنة لهذه المادة.
كما وافقت اللجنة على المادة (57) التي تنص على أنه للعاملة أن تنهي عقد العمل بسبب زواجها، أو حملها، أو إنجابها على أن تخطر صاحب العمل كتابة برغبتها في ذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إبرام عقد الزواج، أو ثبوت الحمل، أو من تاريخ الوضع بحسب الأحوال، مع مراعاة ألا يؤثر ذلك على الحقوق المقررة لها وفقاً لأحكام هذا القانون، أو لأحكام قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات.
وأقرت المادة (58) التي تنص على أنه يجب على صاحب العمل في حالة تشغيله عاملة أو أكثر أن يعلق في أماكن العمل أو تجمع العمال نسخة من نظام تشغيل النساء .ويجب أن يتضمن ذلك النظام إجراءات وضوابط وقواعد ومواعيد ساعات العمل المرن أو العمل عن بعد للمرأة التي ترعى أطفال ذوي إعاقة.
وأرجأت اللجنة المادة (59) لضبط الصياغة، وتنص التالي:
على صاحب العمل الذي يستخدم مائة عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ دارًا للحضانة، أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات، وتلتزم المنشآت التي تقع في منطقة واحدة وتستخدم كل منها أقل من مائة عاملة أن تشترك في تنفيذ الالتزام المنصوص عليه في الفقرة السابقة، واستثناء من ذلك، لصاحب العمل أن يتحمل تكاليف رعاية الأطفال بدار الحضانة. وذلك كله بالشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من الوزير المختص بعد التشاور مع الوزير المعني بالتضامن الاجتماعي والمجلس القومي للأمومة والطفولة.