البوابة نيوز:
2024-12-27@08:26:27 GMT

بدون كافيين فنجان هدوء لرجل حرب

تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT

لم أكن أتخيل أنني قد ألقى ذلك المشهد "فاضي شوية نشرب قهوة في حتة بعيدة".. تتحدث الأغنية لمن لم يسمعها عن دعوة لصديق أو حبيب أن يترك حياته من أجل فنجان قهوة محاط بالثرثرة حول حياة كل منهما. تقدم الأغنية الثرثرة كما لو كانت طريقة مثلى لإفراغ القلب من الوجع. كأن ما تحكيه مما يسيئك يغادر قلبك عن طريق لسانك.

ثم يشرع المطرب بعد ذلك في التندم على العمر الذي مضى دون أن يستغله كما يجب أن يكون هو وشريك القهوة. وجدت شابًا يهرب  من كل الضوضاء للهدوء. راقبت هدوءه. تذكرت ذلك التي تكررت أمامي في روايات عربية كثيرة "الهدوء الصاخب". تعلمت كيف أراقب الصخب في الهدوء. كاذب من يقول أن كل حالات الصمت متشابهة. هناك صمت ميت وآخر يحاول الموت وثالث يعلو صوته على الكل.

هو رجل حرب. يدير اليوم بطريقته وسط معارك لا يصنعها بل تأتيه وكأنها تبحث عنه. أخبرني أن عمله يأتي بها إليه. يصيد عمله المتاعب من تلقاء نفسه. لكنه لا يشعر بالراحة حتى يحقق النصر لنفسه. وهو ماهر في التخطيط بصمت لا يلاحظه إلا القليلون. لا بسبب أنه من هؤلاء الذين لا يملكون حضورًا. بل لأنه من الأذكياء الذين لا يريدون إلا جذب الأذكياء. يعلم كيف يتصرف لجعلهم مدار حوله. هو يمانع بشدة أن يسكن مدار أحد أيًا كان قربه منه. لكنه من الذكاء بمكان ليكون بصحبة أشخاص لهم مداراتهم الخاصة. هو لا يحب التابعين. ولا يتذكر أسماؤهم مهما قضى الوقت الطويل معهم. يعاني كثيرًا من محاولة تذكر أسماء هؤلاء. ليس سعيدًا بذلك. لكنه يشعر بالرضا في قرارة نفسه عن غيابهم عن ذاكرته. كأنه يختار ذلك ولا يصرح به.

في هذه الأيام ليس منا من لم يلاحقه الوجع واكتئاب الأحداث الصعبة. كل بيت يعاني وكل فرد يحاول أن يجد لحظات حياة مستقرة. هي أيام تذكرني بصوت الفرحة في نبرات صديقة مدرستي الثانوية ابنة بيروت "ميرفت" حين حدثتني عن فوز والدتها بلقب ملكة جمال المخبأ في حرب لبنان. كانت فخورة بأن الحرب لم تقتل فيهم حب الجمال حتى تحت الأرض. وتحت القصف. وفي ضوء الشموع الخافتة. انتخبوا أمها ملكة جمال من أجل حب الحياة الجميلة في أقل تفاصيلها. حملني ذلك لصوت طفل من غزة وهو يلعب الكرة مع رفقائه في أحد الشوارع ويقول" فيش مدرسة صار لازم نلعب. زهقنا من الحرب". جمل بسيطة تعبر أن الإنسانية تستطيع أن تجد طريقها لأوقات تحبها في أكثر الأوقات ظلامًا ووجعًا. 

وجدت على وجه رجل الحرب ابتسامة هادئة. كلامًا قليلًا. لكنه مدروس. ضحكات لا يعلو صوتها إلا قليلًا. للوهلة الأولى قد تظنه بريئًا لا خبرة لديه في الحياة لذا يراقب ويكرر عبارات محفوظة كأكلاشيه. وهو يريد ذلك. لكنه حين يفعل يظهر اختلافه. هو يجيد الذهاب بعيدًا في الأماكن الهادئة مع أشخاص يظنون أنهم يعرفونه. لكنهم يعرفون ما يريدهم هو أن يعرفوه. تأكدت خلال المرتين الأخيرتين التين رأيته فيهما أن هذا الشخص لا أحد يعرفه حقًا إلا نفسه. هو لا يتحدث ولا يطلب حتى الأشياء التي يريدها من أول مرة. لكنه يراقب ويفهم ويحرك الآخرين. كل هذا وهو في قلعة هدوئه بعيدًا يشرب القهوة ويدخن. أضحك كثيرًا حين أذكره. هو يجيد المفاجآت. تصرفاته تفاجئك بقوتها من قلب الهدوء. لأنها تصرفات تناسب التعامل مع الحرب لكنها ولدت في رحم الصمت.  

*أستاذة بقسم الإعلام – آداب المنصورة

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

بشكل مفاجئ.. عبد الخالق مسعود يرشح نفسه لرئاسة نادي أربيل

بشكل مفاجئ.. عبد الخالق مسعود يرشح نفسه لرئاسة نادي أربيل

مقالات مشابهة

  • هآرتس: نتنياهو يُشبِّه نفسه بتشرشل والتاريخ يقول إنه ميلوسوفيتش
  • الهدوء الذي يسبق العاصفة.. بريطانية تسقط ضحية قطيع من الأبقار
  • بعد توترات في سوريا أدت لقتلى وجرحى.. عودة لـ الهدوء الحذر
  • دبلوماسيون: 2024 عام حافل بمساع مصرية لإعادة الهدوء والاستقرار للمنطقة العربية
  • مسؤول: سرطان عنق الرحم ليس الأكثر شيوعًا.. لكنه قابل للقضاء عليه
  • عيد ميلاد بدون احتفالات.. مدينة بيت لحم يسودها الحزن تضامنًا مع أوجاع الفلسطينيين
  • وزير خارجية لبنان الأسبق: حزب الله تلقى ضربات قوية لكنه لم ينتهِ
  • وزير خارجية لبنان الأسبق: حزب الله تلقى ضربات قوية لكنه لم ينتهي
  • دبلوماسي لبناني: حزب الله تلقى ضربات قوية لكنه مازال على الأرض
  • بشكل مفاجئ.. عبد الخالق مسعود يرشح نفسه لرئاسة نادي أربيل