آخر رجال بارديسكو وحل الصراعات
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
ترى، ما الذي قاد الكاتب والمخرج روكو ريتشاردولي الى هذا الحلّ؟ وهل يمكن إنهاء الصراعات الاجتماعية بالزواج؟ وهل لذلك علاقة رمزية بحل الصراعات بين الدول والشعوب؟
هناك في صقلية، بإيطاليا، في الخمسينات، حيث لم تكد الحرب العالمية تنتهي حتى بدأت حروب أخرى سياسية واجتماعية، ونفسية أيضا، في سياق سطوة المافيا ربما، وإن لم يظهر الفيلم ذلك صراحة.
تشيتشو، (ريكاردو سكاما ريشيو) من عائلة بارديسكو، مزارع، شاب محب للحياة والسرور والناس، يستنكر على أحد ملاك الأراضي استغلاله للمزارعين في قطف الزيتون مقابل القليل من المال الذي لا يكاد يسد الرمق. ينجح في التأثير على المزارعين.
بيانكا، ابنة هذا المستغل الجشع، كومبا، تقع في حب تشيتشو. يزداد حقد والدها على حبيبها، يغافله أثناء حديث وديّ مفتعل، فيرديه أرضا، ليتخلص من تأثيره على المزارعين، وعلى ابنته. لكنه لم يهنأ، حيث يتم القضاء عليه وعلى ابنه. أخفى المخرج وجه القاتل، لكن يبدو أنه الشاب أنطونيو أخ تشيتشو هو من ثأر لأخيه، بعد لقاء غير وديّ بينهما، هدده فيها بأن يلحقه بأخيه.
لم تحب بيانكا أسلوب والدها في التعامل مع المزارعين، لكنها لم تستطع كبح جماح والدها وأخيها، في الوقت الذي مال قلبها لتشيتشو المنحاز لأحلام المزارعين الفقراء المستغلين من قبل والدها، في حين تصدم والدها بتعرية جسدها، بعد قتله لحبيبها، مذكرة إياه بأنه كان يغتصب المزارعات.
يذكّر أنطونيو كومبا بأن «الأرض خصبة بما تجعلها تشبع الجميع، وأنه من المفروض استمتاعه بسعادة الناس». وحين يتحدث أنطونيو عن الحرية والقانون، يشير كومبا باستهتار بأن «القانون بيدي هاتين».
مع رحيل المستغل وابنه، يكتمل يُتم بيانكا وشقيقتها، وتبدأ فصول معاناتهما، حيث يبتعد الأهالي عن التعامل معهما، وصولا لعدم بيعهما الطحين، فتعيشان حالة من العزلة والألم بسب ما اقترفه والدهما من شرور استغلاله للمزارعين وصولا إلى اغتصابه للفتيات منهن.
وحين تلجأ بيانكا (غايا برماني أمارال) لصديق والدها الثري في المدينة دون لويجي، فإنه يربط مساعدتها وشقيقتها، بامتلاك جسدها، وترفض بيانكا تحرشه وتنصرف بعد مقاومتها إياه.
يذكرنا هذا المشهد بمشهد في فيلم آه يا ليل يا زمن 1977، حين يعرض أحد المتنفذين الجدد على ابنة الباشا (الفنانة وردة)، بإعادة ممتلكات والدها لها، بعد أن جرى تأميم جميع ممتلكات وأموال والدها الباشا بعد ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952، بشرط الاستجابة لرغبته بها.
أما تفسير والد تشيتشو، فإن ابنه منح الأمل للمزارعين، وهذا ليس بالأمر السهل، لذلك وخوفا على ابنه أنطونيو فإنه يخاطبه:
- «ارحل، لا تعد إلى هنا أبدا، إنس أهلك»
لكن ابنه لا يطيل هجر بلده، فيعود، باحثا عن شيء ما، فهو الحزين على مقتل أخيه، يتضامن مع بيانكا وشقيقتها، لأنهما لا ذنب لهما بما كان يفعله الأب والأخ، حيث لاقيا مصيرهما المحتوم، مصير كل ظالم ومستبد ومستغل. يزور أنطونيو بيانكا، لكنه لا يلتقي بها. ثم يلتقي أنطونيو بها في وسط البلدة، يخبرها أنه سيتزوجها، حيث تبتهج، وتعود لها الحياة، وسط تقدم أهالي البلدة الذين تحلقوا حولهما، وينتهي الفيلم، ليبدأ المشاهد بالتفكير.
هل من دلالة ما حول زواج أنطونيو من بيانكا ابنة قاتل أخيه تشيتشو؟
اجتماعيا، وفي تراث قوميات مختلفة، يلجأ الوسطاء إلى حل المشاكل الاجتماعية الصعبة، التي تحدث فيها حالات قتل واعتداء إلى تزويج عدد من النساء لرجال من القبيلة الأخرى، صاحبة الحق، فتصير كلا القبيلتين أخوال وأعمام المواليد من هذه الزيجات. فهل كان فيلم The Last Paradiso معتمدا على عادات وتقاليد من صقلية الإيطالية، شمال البحر المتوسط؟ أو هل كان يريد أن يربط علاقة إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية بالدول التي دخلت معها في حالة صراع دموي؟ وهل يمكن أن ينسحب ذلك على شعوب أخرى تعيش حالات نزاع وصراع يصعب حله، فيكون الحل هو اللجوء إلى الأمر الواقع، الذي يجد طريقا للعيش معا؟
لكل صراع اجتماعي حالته الخاصة، كذلك الصراعات السياسية، والصراعات بين القوميات والدول والشعوب، خاصة تلك التي تتعرض للاحتلال والنفي.
حاول المستعمرون دوما خلق أمر واقع، لجعل المضطهدين يقبلون بالتعايش مع جلاديهم، لدرجة أنه بات هؤلاء يتوقعون انتهاء الصراعات بالاعتماد على استسلامهم.
لم يتحدث الفيلم صراحة عن حل الصراعات القومية، بل كان الموضوع هنا، متعلقا بالصراع الاجتماعي، لكن ثمة ممكنات لتلقي الفيلم الذي فضاؤه الخمسينات، من وجهة نظر حل الصراعات بالتقارب، لا التباعد، والتي كان الاتحاد الأوروبي هو تجليات حل الصراع الأوروبي.
صحيح أن الحب في البداية لم يستطع حل النزاع، لكن استمرار الإيمان به، يمنح الأمل، وأن تشيتشو لم يخطئ حينما منح الأمل للمزارعين بالعيش في حياة يحققون فيها أحلامهم، ويلبون فيها حاجاتهم.
وأخيرا، فإن «الأرض خصبة بما تجعلها تشبع الجميع، وأنه من المفروض استمتاعنا بسعادة الناس»، كما رأى أنطونيو. ليست تلك رومانسية بعيدة التحقق، بل واقعية يسهل تحقيقها إن صفت النوايا.
فيلم صادم، يعمّق النفور من الشر، ويبعث الأمل بإمكانية العيش المشترك، بما يؤمّن للناس حياة عادلة، ينعمون فيها بالحياة.
سيرحل الطغاة من الأرض، تلك سيرورة الحياة وصيرورتها، التي تضع حدا للاعتداء والاستغلال والاستقواء والسيطرة، حيث لن يطول منطق القوة إلى ما لا نهاية، وإن قوة الحق، هي من ستنتصر، ووقتها سيعيش البشر في وئام.
آخر الرجال الأكثر حكمة، هو أول من يبادر إلى تحولات جديدة، وتلك بطولة إنسانية، تحدث اختراقا لسلسلة النزاعات، التي آن الأوان لإنهائها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فتاة تقتل والدها الضابط في الداخلية خطأً بعد عبثها بمسدسه
بغداد اليوم - بغداد
مقتل ضابط برتبة عقيد منسوب الى الداخلية نتيجة عبث ابنته بسلاحه الشخصي داخل منزلهم ضمن منطقة الشاكرين في ناحية اليوسفية
قوة امنية وصلت مكان الحادث وتحفظت على ابنته اجراء اصولي