من يرغب بزيارة القدس دون تأشيرة وجواز سفر ومطارات ومواصلات، فليقرأ هذا الكتاب، في كل صفحة فيه، حياة كاملة، وتاريخ طويل، هذا كتاب لا يفارق حقيبتي، قرأته أكثر من مرة، وسأقرأه، كثيرا لنفسي وطلبتي في المدارس، أنا الممنوع مع الآلاف من شعبي من زيارة القدس، حجم ودقة المعلومات التاريخية التي فيه، باهرة، وكافية لتعـزيز الإيمان المطلق بأن هذه البلاد لنا، يبدو أننا الشعب الوحيد الذي يسكن الكتب والأغاني، تبدو الروايات والكتب التاريخية والفنون بشكل عام وسيلة رائعة مؤقتة للعيش في خيامها، حلمًا وقربًا من مدن سحرية هي مدننا المحتلة، ننتظر لحظة العودة لها، نتمسك بالأغنية والقصص الخيالية والتاريخية، والمسرح؛ حتى لا نموت من القهر والحسرة.
عن دوافع وسياق هذا الكتاب المرجع والبوصلة، تقول الكاتبة عايدة النجار في حوار مهم منشور في موقعها على الشبكة: وثّقت بأسلوب علمي اجتماعي معزز بالتاريخ الفلسطيني العربي الإسلامي والمسيحي لمدينة القدس في كتابي «القدس والبنت الشلبية»، فالقدس لها خصوصية للفلسطينيين لتاريخها الطويل الموغل في القدم بما فيه من تراث مادي ومعنوي، يؤكد ويعزز الهوية والثقافة الفلسطينية الساكنة في الحجر والشجر وفي المعتقدات الدينية والعلمية، أخذت معي في رحلتي المقدسية، البنت «الشلبية» أي الجميلة كما يصفها أهل القدس والقرى المحيطة بها.
المكان له خصوصية ليس لي وحدي، بل يخلق عالمًا وحنينًا ومشاعر خاصة لمن يزورها، حجارة عتيقة داخل أسوار القدس العتيقة، بالإضافة للتراث المعماري ونقوشها التي تختزن تاريخ مَن مرّوا بها وتركوا الآثار الحضارية الضالعة في التاريخ، فيها ذاكرة العصر الروماني والبيزنطي والأموي والصليبي والأيوبي والمملوكي والعثماني، وفي نقوشها العربية تحمل التراث والهوية العربية الإسلامية. وتتطرق عايدة النجار إلى التعليم كأحد أهم مرتكزات النهضة المقدسية: للتعليم والثقافة مساحة كبيرة في الثقافة والوجود الفلسطيني قبل النكبة في القدس وقراها ومدنها، وعن مكانة المرأة في فلسطين قبل النكبة تقول: كان للمرأة دور مهم مع الرجل في بناء الحضارة والاستفادة من ثقافة الحضارات العالمية، ولعل الفصل المتعلق بالبنت الشلبية، منذ ولادتها ما يشير إلى مكانتها المتقدمة آنذاك، فقد كان لها تحت الانتداب البريطاني دور اجتماعي إنساني للتخلص من الجهل والأمية، بالإضافة لدورها السياسي الوطني لرفض وعد بلفور والانتداب البريطاني حتى عام النكبة 1948، جنبا لجنب مع الرجل، وهناك سرد مطول وتفصيلي عن الرائدات في مختلف المجالات .
وتضيف الباحثة المخلصة: (ولعل هذا الكتاب الذي أصبح مرجعا تاريخيا اجتماعيا في الفترة الزمنية تحت الانتداب البريطاني يعزز حق الشعب الفلسطيني بالقدس وفلسطين التي نحلم ونعمل لتكون العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المستقلة).
الذين تحمسوا للكتاب واستلهموه كُثر والذين استفادوا منه كُثر، منهم الأدباء والفنانون والشعراء والمسرحيون الذي مُلئوا بمعلومات مهمة فيه عن طقوس حياة المقدسيين وتاريخ الأمكنة المقدسية ورموز أزمان القدس؛ لبناء أدبهم ومسرحهم وأفلامهم ورواياتهم، في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنهم الباحثون في تاريخ فلسطين والقدس خصيصا الذين يبحثون عن المعلومة التاريخية، لدعم نظرياتهم، ومنهم من استضاؤوا بمعلومات الكتاب لدراسة الحياة الاجتماعية الفلسطينية وتوجهات السكان الفلسطينيين، للخروج بنظريات عن تطور الحياة الاجتماعية في فلسطين قبل النكبة، ومنهم مدرسو وواضعو المنهاج الفلسطيني لعرض التاريخ المقدسي في المدارس الفلسطينية على طبق بأسلوب لغوي جذاب وبسيط وعميق ودقيق، والذين سيجدون فيه أهم وأرسخ الدلائل، ومنهم المناضلون والسياسيون الذين اتخذوه مرجعا ودليلا كبيرا على صخب وتنوع وعمق الحياة الفلسطينية بكل حقولها وامتدادها على مر القرون، وعلى رسوخ الهوية الفلسطينية والوجود الفلسطيني قبل النكبة، مما يدحض رواية المحتل بفراغ البلاد وانعدام الحياة فيها.
الكتاب مدعّم بالصور النادرة التي تؤرخ لكل حدث ومعلومة، الحسرة التي تسببها قراءة هذا الكتاب غير مسبوقة، فالوضع الحالي للقدس في الحضيض؛ بسبب إجراءات الاحتلال في تهويدها وحصارها وتمزيق أوصالها واعتقال مناضليها، ومحاربة كل محاولة لتوثيق ماضيها الجميل، بل والتدخل في منهاجها بالمدارس العربية؛ لكسر كل محاولة لاسترجاع الأمجاد عاطفيا وفكريا، والشعور الذي يخرج به القارئ غريب ومؤلم، فهو سيتساءل بحزن: كيف يمكن إعادة القدس إلى ازدهارها وعروبتها؟ يقول الكاتب مالك الريماوي في نص جميل حول إحساسه بهذا الكتاب: (بعد قراءتي له، رأيت نفسي أذهب إلى القدس، وأبحث عن الأماكن المذكورة في الكتاب، حارة حارة وعقبة عقبة، وبابًا بابًا، وحيًّا حيًّا، وجدت الأماكن على حالها، صامدة وقوية ووجدت روحها راسخة، لكن الناس كانوا مقهورين وفقراء، ومحاصرين، فبيوتهم مهددة بالسرقة، والطريق إلى الأقصى غالبا غير آمن، وعلم الأغراب مرفوع فوق أماكن كثيرة، وجنود الكراهية يتجولون بعنجهية، بحثت عن بيّاع الفستق النيجيري الفلسطيني، لم أجده، كان هناك فراغ كثير في مكانه، بحثت عن الصحفية الشجاعة ساذج نصار، وخليل السكاكيني والنشاشيبي، وحبيب خوري، وافتيم شلبك، وجورج خميس وجورج انطونيوس، وذهبت لحضور فيلم ليوسف وهبي، فلم أجد الفيلم ولا يوسف ولا السينما).
عايدة النجار في سطور:
من قرية «لفتا» القريبة من مدينة القدس، ولِدت في ديسمبر عام 1938.
غادرت مع أسرتها إلى الأردن عام 1948، ونالت شهادتها الجامعية من العاصمة المصرية القاهرة في علم الاجتماع عام 1960.
حصلت على ماجستير في الصحافة والتنمية من جامعة «كانساس» الأمريكية.
حصلت على الدكتوراة في وسائل الاتصال الجماهيري من جامعة «سيراكيوز» الأمريكية.
الراحلة أشهرت قبل أشهر آخر مؤلفاتها بعنوان «عمّان بين الغزل والعمل».
صدر لها كتاب «صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن: 1900- 1948» عام 2005 وحاز على جائزة جامعة فيلادلفيا (لأحسن كتاب في العلوم الإنسانية).
نالت جائزة أفضل كتاب عربي بمسابقة «الأيام» البحرينية والعديد من الجوائز العربية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الکتاب
إقرأ أيضاً:
«القاهرة الإخبارية» ترصد لقاء الأسير الفلسطيني المحرر محمد صباح بوالدته في القدس.. فيديو
رصدت كاميرا القاهرة الإخبارية، لقاء الأسير الفلسطيني المحرر محمد صباح بوالدته في مدينة القدس المحتلة، بعد 5 أعوام قضاها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والذي تم الإفراج عنه خلال الدفعة الثالثة من صفقة التبادل بالمرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار.
ووصل الأسرى الفلسطينيون المحررين من سجون الاحتلال الإسرائيلي خلال الدفعة الثالثة من صفقة التبادل بالمرحلة الأولى، لاتفاق وقف إطلاق النار إلى مدينة رام الله بالضفة الغربية.
اتفاق وقف إطلاق النار بغزةوتم إصدار بيان مصري قطري أمريكي، في يوم الأربعاء الموافق 15 يناير 2025، أُعلن فيه توصل طرفي النزاع في غزة إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين والعودة إلى الهدوء المستدام بما يحقق وقفًا دائمًا لإطلاق النار بين الطرفين، على أن يبدأ العمل بالاتفاق اعتبارًا من يوم 19 يناير 2025.
ويتضمن ثلاثة مراحل:
- المرحلة الأولى تشتمل 42 يوما على وقف لإطلاق النار:
- تنسحب فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي خارج المناطق المكتظة بالسكان.
- يتم فيها تبادل الأسرى والمحتجزين، وتبادل رفات المتوفين.
- عودة النازحين داخليًا إلى أماكن سكناهم في قطاع غزة.
- تسهيل مغادرة المرضى والجرحى لتلقي العلاج.
- تكثيف إدخال والتوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة.
- إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز.
- إدخال مستلزمات الدفاع المدني والوقود.
- إدخال مستلزمات إيواء النازحين الذين فقدوا بيوتهم بسبب الحرب.
ومن المقرر أن يتم التفاوض على المرحلة الثانية من الاتفاق خلال الأسابيع الستة المقبلة، مشيرا إلى أن الاتفاق يقضي أن يستمر وقف إطلاق النار ما دامت المفاوضات مستمرة.
وأكدت مصر وقطر وأمريكا في البيان المشترك، أن سياستهم كضامنين لهذا الاتفاق هي التأكيد على أن جميع مراحله الثلاث ستنفذ بشكل كامل من قبل الطرفين، وأنهم سيعملون بشكل مشترك على تنفيذ الأطراف التزاماتهم في الاتفاق والاستمرار الكامل للمراحل الثلاث.
اقرأ أيضاًنادي الأسير الفلسطيني يعلق على فيديو تعذيب الأسرى داخل سجون الاحتلال | تفاصيل
بينهن أم مرضعة.. نادي الأسير الفلسطيني يطلب إخراج 4 صحفيات من سجون الاحتلال
استشهاد الأسير الفلسطيني وليد دقة بسبب الإهمال في سجون الاحتلال