الجزيرة:
2025-02-24@02:23:18 GMT

فيلم الباقون ثلاثة أرواح حزينة تبحث عن العزاء

تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT

فيلم الباقون ثلاثة أرواح حزينة تبحث عن العزاء

يشتهر المخرج "ألكسندر باين" بتقديمه أفلاما عن شخصيات لا يمكن أن تحبها من أول وهلة، بعضها تكرهه بالفعل من النظرة الأولى، ولكنه يصطحب المشاهدين في رحلة تستكشف أن بداخل كل إنسان ما هو أعمق من مجرد أفعال سخيفة أو تصرفات وقحة، ودون أي شرح مباشر أو رسائل أخلاقية يجعل المتفرج يقع في حب شخصياته كما يفعل هو بنفسه.

فيلم "الباقون" (The Holdovers) أحدث ما قدمه "ألكسندر باين"، وهو من بطولة "بول جيماتي" في تعاون ناجح آخر بينه وبين المخرج، و"دومينيك سيسا" في دور نقله من مرحلة الوجه الجديد إلى النجم القادم، و"دافين جوي راندولف".

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4بعد 100 فيلم بين التمثيل والإخراج .. كلينت ايستوود يقرر الرحيلlist 2 of 4"ما سيحدث لاحقا".. فيلم يعبر عن خيبة أمل جيل عاش بين قرنينlist 3 of 4فيلم "فيراري".. سيارات سريعة وحبكة لا تستطيع مجاراتهاlist 4 of 4بعد 8 سنوات من نجاح الجزء الأول.. بن آفليك يصور فيلم "المحاسب 2"end of list

ترشح الفيلم وفاز بعدد كبير من الجوائز، آخرها 5 ترشيحات لجوائز الأوسكار تتضمن أفضل فيلم وأفضل ممثل في دور رئيسي وأفضل ممثلة في دور مساعد وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مونتاج.

فيلم "الباقون" (The Holdovers) ترشح لـ5 جوائز أوسكار (المصدر: آي إم دي بي) قصة شوهدت من قبل

يفاجئ فيلم "الباقون" المشاهد منذ النظرة الأولى، فهو يبدو كفيلم تمت مشاهدته من قبل عشرات المرات، ويبدأ بتعريفنا بـ"بول هونام" المعلم بإحدى المدارس الداخلية الخاصة بالولايات المتحدة خلال السبعينيات، رجل صارم على تلاميذه وزملائه بذات الدرجة، لا يبالي بكونه غير محبوب، بل يستمتع بكراهيته، همه الأوحد تطبيق قوانين المدرسة العريقة التي تَعَلَم فيها سابقا ويُعَلِم بها حاليا.

يعاقب مدير المدرسة "بول"، نتيجة لرفضه تغيير نتيجة أحد طلبته من أبناء الطبقة الراقية، ويفرض عليه الإقامة بالمدرسة في إجازة أعياد رأس السنة مع الطلبة "الباقين" أي الذين لن يعودوا إلى منازل أسرهم في هذه العطلة الطويلة ومضطرون للإقامة في المدرسة مع معلم للحفاظ على سلامتهم.

ومع بدء العطلة يبقى في المدرسة 3 أفراد فقط، المعلم "بول" والطالب "أغنوس" الذي تزوجت والدته حديثا وذهبت لقضاء شهر العسل تاركة ابنها المراهق في المدرسة لتتفرغ لحياتها الجديدة، و"ماري" مديرة كافتيريا المدرسة التي فقدت ابنها الشاب مؤخرا في حرب فيتنام.

ادعاء أن "الباقون" يبدو كفيلم شوهد من قبل ليس افتراء عليه، فهو بالفعل ذو قصة بسيطة تم طرحها عشرات المرات حول بقاء عدد محدود من الشخصيات في مكان منعزل ثم يبدؤون بالتدريج في الانفتاح على ماضيهم وبناء علاقات فيما بينهم لم تكن موجودة قبل هذا الظرف، ولكن ما يصنع كل الاختلاف الرقة التي بنى بها سيناريو الفيلم شخصياته والنظرة الرحيمة لعيوبهم قبل مميزاتهم.

يمكن النظر لـ"بول هونام" كمعلم مدرسة مليء بالمرارة بسبب فشله، تلك المرارة التي يفرغها على طلبته الذين يغار من وضعهم المادي والاجتماعي، ولكن في الوقت ذاته أرانا الفيلم لمحات بسيطة من ماضيه الذي سُرق منه كما سَرق أحد زملائه بحثه خلال دراسته الجامعية وتسبب في طرده وضياع مستقبله الأكاديمي، لتصبح العودة للمدرسة الثانوية التي تعلم بها في مراهقته وأنقذته من بيئة منزلية مسمومة ملاذه الأخير. بينما يعاني "أنغوس" -الطالب المدلل والمتلاعب ذو اللسان السليط- من الاكتئاب سرًا بعد تشخيص والده بمرض نفسي يلزمه بالبقاء في مصحة باقي حياته وزواج والدته وانفصاله عن كل منهما، وتعكس علاقته المبنية حديثا مع معلمه احتياجه لشخص ناضج يساعده في مرور هذه الفترة العصيبة من حياته.

أما "ماري" المرأة السوداء المنعزلة السِكِيرة الغاضبة فقد عاشت حياتها تبني لابنها مستقبلا مميزا، وعملت في هذه المدرسة خصيصا لتضمن انضمامه إليها -وهو الشرف الذي لا يناله الكثير من أصحاب الأصول الأفريقية- ولكن لعدم قدرتها على دعم دراسته الجامعية بنفس الأسلوب ارتأى الشاب الانضمام للجيش وأتت الحرب الفيتنامية فأهدرت كل أحلامها.

"الباقون" يعتمد بشكل أساسي على أداء أبطاله بعدما أعطى كل منهم شخصية متكاملة بما فيها من تعقيد بشري (آي إم دي بي) هل هي فعلا حياة رائعة؟

يمكن ملاحظة التشابهات بين فيلم "الباقون" والفيلم الكلاسيكي "إنها حياة رائعة" (It’s a Wonderful Life)، فكلاهما دارت أحداثه خلال الكريسماس ولكن على عكس أفلام هذه العطلة التي تتسم بالخفة فهما فيلمان عن رجلين يعانيان من المرارة تجاه ماضيهما، عاشا حياة لم يرغباها قط، وظل شبح هذا الماضي يطاردهما ليمحي كل آمالهما في المستقبل، وبدلًا عن الملاك في فيلم "إنها حياة رائعة" الذي يقود البطل في رحلة لماضيه ويريه مستقبل العالم دون وجوده ليشرح له أهمية حياته، يخوض "بول" في فيلم "الباقون" الرحلة ذاتها بصحبة "أنجوس" فيستعيد إيمانه بنفسه وقدرته على تغيير مستقبله للأفضل.

تصعب مشاهدة فيلم تتوقع ما سيحدث فيه تاليا مشهدا بعد الآخر، ولكن يسهل القيام بذلك مع فيلم "الباقون" الذي لا يهتم بمفاجأة المشاهد أو كسر أفق توقعاته بل بالصورة التي يقدم عبرها حبكته، ويعتمد بشكل أساسي على أداء أبطاله بعدما أعطى كل منهم شخصية متكاملة بكل ما فيها من تعقيد بشري، ويقدم الفيلم أفضل أداء للممثل "بول جياماتي" على الإطلاق، والذي فاز عنه حتى الآن بغولدن غلوب وجائزة النقاد، وينافس ما قدمه من قبل مع نفس المخرج عام 2004 في "طرق جانبية" (Sideways).

يمكن اعتبار فيلم "الباقون" فيلم "كريسماس" ولكن بشكل معاكس، فهو يخاطب هؤلاء الذين لا يستطيعون الشعور بالسعادة في الأعياد، بل تثقلهم هذه المناسبات بما تحملها من مراجعات للذات ومقارنات مع الغير وتذكرهم بالقرارات التي أخذوها في بداية العام ولم يستطيعوا تنفيذها والأشياء التي قرروا الامتناع عنها ثم عادوا إليها بمجرد مرور أسبوع على السنة الجديدة. ينتهي الفيلم بمجموعة مشابهة من القرارات، ويترك المشاهد بشعور من الأسى الممتزج بالأمل، وقد خاض مع  الشخصيات الفيلمية مغامرة جعلته يقع في حبها ثم يتركها لمصيرها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من قبل

إقرأ أيضاً:

نحن مع التغيير العادل، ولكن ضد التفريط في وحدة السودان

إن السودان اليوم يقف أمام مفترق طرق خطير، حيث يتهدد شبح التقسيم وحدة البلاد وسط صراع محتدم لم يرحم أحدًا، لا من انحاز لهذا الفصيل ولا من وقف في صف ذاك، ولا حتى أولئك الذين التزموا الحياد وظنوا أنهم بمنأى عن المحاسبة التاريخية. إن هذا الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد سيحاكم الجميع، السياسيين الذين دعموا الحكومة الموازية، وأولئك الذين سعوا لشق الصف الوطني، وحتى من صمتوا عن قول الحق بينما كانت البلاد تتهاوى نحو الهاوية.

التجربة السودانية والانفصال الذي لم يكن درسًا كافيًا

لم يتعظ السودانيون من تجربة انفصال الجنوب في عام 2011، وهو الحدث الذي لا يزال يلقي بظلاله على مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ففي ذلك الوقت، ظن كثيرون أن الجنوب سينفصل دون أن تتأثر بقية البلاد، وأن استقرار السودان سيظل مضمونًا، لكن الحقيقة جاءت بعكس ذلك. فقد أدى الانفصال إلى تدهور اقتصادي حاد، وفتح الباب أمام مزيد من الأزمات السياسية والأمنية، وأصبح السودان أضعف مما كان عليه.

واليوم، وبعد أكثر من عقد على ذلك الحدث، نجد أنفسنا في مواجهة تحدٍّ مشابه، وربما أشد خطورة، إذ تتكرر السيناريوهات نفسها، من النزاعات المسلحة، إلى التدخلات الخارجية، إلى صمت النخب التي كان يجب أن تكون صوت العقل والحكمة.

أمثلة تاريخية من العالم: كيف ضاعت الدول بسبب الانقسامات؟

إن التاريخ الحديث مليء بأمثلة لدول تفككت بسبب الصراعات الداخلية، ولم تعد كما كانت بعد ذلك:

تفكك يوغوسلافيا: كان هذا البلد موحدًا لعقود، لكن الحروب الأهلية والانقسامات العرقية والسياسية قادت إلى انهياره وتفتيته إلى دول صغيرة، بعضها لم ينجُ من الحروب حتى بعد الاستقلال.

تفكك الاتحاد السوفيتي: رغم كونه قوة عظمى، إلا أن الصراعات الداخلية والضعف السياسي ساهم في انهياره إلى مجموعة دول مستقلة، مما أدى إلى تغير جذري في الخارطة السياسية العالمية.

سوريا وليبيا واليمن: لم تنقسم رسميًا، لكنها تحولت إلى كيانات متصارعة ضمن الدولة الواحدة بسبب الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية.

المسؤولية الأخلاقية والوطنية على النخب والمثقفين

من الغريب أن نرى بعض ممن يدّعون المعرفة والعلم يسيرون في طريق يهدد وحدة السودان، وكأنهم لم يدركوا دروس التاريخ. إنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية جسيمة لأنهم لم يستغلوا مكانتهم في توجيه الرأي العام نحو الحلول التي تحفظ البلاد من التفكك. إن الانحياز الأعمى لأي طرف على حساب مصلحة الوطن، أو الصمت في اللحظات التي تتطلب موقفًا واضحًا، ليس مجرد خطأ سياسي، بل هو جريمة تاريخية لن تُمحى من ذاكرة الأجيال القادمة.

هذا التخوف لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة قراءة متأنية لواقع مأزوم، تشكل عبر عقود من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن عقلية النخب التي قادت البلاد لم تكن يومًا بعيدة عن النزعات العنصرية والجهوية، حيث ظل تكالبها على السلطة والثروة هو المحرك الأساسي لصراعات السودان المتكررة. لم يكن هدفها بناء دولة عادلة للجميع، بل كانت ترى في البلاد غنيمة تُقسَّم بين مكوناتها المتصارعة، غير آبهة بمصير العامة والبسطاء الذين دفعوا وحدهم ثمن هذه النزاعات من دمائهم وأرزاقهم وأحلامهم.

إن هذه النخب لم تكتفِ بإشعال الفتن، بل استغلت بساطة الناس وجهلهم السياسي لتجنيدهم في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بينما تظل قياداتها في مأمن، تتفاوض وتتقاسم النفوذ على حساب الوطن والمواطن. هذا الواقع، بكل تعقيداته، يجعل من خطر التقسيم تهديدًا حقيقيًا، وليس مجرد فرضية نظرية أو دعاية تخويفية، لأن البلاد تسير بالفعل نحو سيناريوهات مشابهة لما حدث في دول فقدت وحدتها بسبب الطمع السياسي والفساد الفكري لنخبها.

التحدي الذي يواجه الجميع: هل سيكتب التاريخ خيانة هذا الجيل لوطنه؟

إن السودان اليوم في اختبار حقيقي، والجميع معنيٌّ بالنتائج. فإذا استمرت البلاد في هذا المسار، فسيكتب التاريخ بأحرف من خزي أن هذا الجيل لم يكن على قدر المسؤولية، وأن قادته لم يرتقوا لمستوى الأخلاق والإنسانية والوطنية التي تتطلبها هذه المرحلة الحرجة.

إن الصمت ليس خيارًا، والانحياز الأعمى ليس حلًا، والوقوف ضد المصلحة الوطنية لا يمكن تبريره. الخيار الوحيد هو الانتصار لوحدة السودان، والعمل على إنهاء النزاع، وتوحيد الجهود لإنقاذ البلاد قبل فوات الأوان.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • الدويري .. أتفق مع النتنياهو.. ولكن!!
  • تفسير حلم حضور عزاء شخص مجهول.. خير أم شر؟
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • وفاة والدة يوسف الخال
  • كاميرون هديسون: من المثير للاهتمام رؤية البيان الفاتر من الأمم المتحدة الذي يحذر من إنشاء الدعم السريع لحكومة موازية ولكن دون إدانته
  • شهامة 3 شباب تنقذ 9 أشخاص من الغرق في الدقهلية
  • سباق الإعمار في ليبيا.. مبهج ولكن!
  • نحن مع التغيير العادل، ولكن ضد التفريط في وحدة السودان
  • ثلاثة مزاعم أطلقها ترامب حول زيلينسكي والحرب الروسية الأوكرانية.. ما الذي تكشفه الأرقام؟
  • الموت بأرخص سعر.. لماذا تهدد "حبة الغلة" أرواح المصريين؟