لا زال محور قضايا الأمة دائر حول قضية فلسطين والقتال الدائر بين أصحاب الحق والأرض من الفلسطينيين، وبين اليهود الصهاينة الغاصبين، وفي البرنامج التلفزيوني "سؤال أهل الذكر" الذي يعده ويقدمه الدكتور سيف الهادي ويستضيف فيه فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان، يتناول هذه القضية وفق رؤية شرعية تحليلية، وقد تعرض فضيلته إلى العلاقة بين ذكر حادثة الإسراء باعتبار الحيز المكاني المقدس، وعلاقة ذكر بني إسرائيل في هذه السورة وذكر قضية الإهلاك في الأمم السابقة.

ففي سؤال عن الربط بين حادثة الاسراء و ذكر النبيين موسى و نوح عليهما السلام في الايتين التاليتين لاية الاسراء" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) " نرجو التكرم بمزيد من التوضيح لنقطة الاهلاك العام. والحكمة من توقفه بعد نزول التوراة على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام.

أجاب مساعد المفتي بأنه يمكن تلخيص الجواب في هذا المقام في ان الله تبارك وتعالى يمتن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بهذه المنزلة العالية الشريفة التي بوأه إياها في سياق التمجيد والتنزيه والتسبيح له جل وعلا بما أكرمه به من هذه الرحلة التي أراد له فيها أن تنكشف له بعض حجب الغيب و أن يرى فيها بعض أسرار ملكوت الله تبارك و تعالى في هذا الكون.

دروس الإسراء والمعراج

و هذه الآية فيها ثلاث حكم بما يتصل بحادثة الإسراء و المعراج و العضات و الدروس التي تأخذ من هذه الحادثة، أما الأمر الأول فهو أن هذه الدعوة الخاتمة التي أرسل بها نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم سيجتمع فيها ميراث إبراهيم الخليل عليه السلام فإن إبراهيم عليه السلام كان له إسحاق في أرض فلسطين و كان له إسماعيل في مكة المكرمة عند بيت الله المحرم و امتدت ذرية إسحاق و النبوة و الرسالة في ذرية إسحاق و يعقوب عليهما السلام كما أن الله تبارك و تعالى جعل من بعد إسماعيل في ذرية إسماعيل الرسول الخاتم نبينا محمدا صلى الله عليه و آله و سلم و قد وصف الله عز و جل إبراهيم الخليل في كتابه الكريم بقوله: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" فالآية الأولى من سورة بني إسرائيل تؤكد هذا المعنى أن ما تفرق في النبوات في ذرية إبراهيم عليه السلام سيجتمع الآن مكانا و ميراثا لنبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم، لأنه جمع بين المسجد الحرام و المسجد الأقصى في هذه الحادثة.

الأمر الثاني أن الله تبارك و تعالى يقول لنريه من آياتنا فمعلوم أن إبراهيم عليه السلام أيضا أراه الله تبارك و تعالى بعض ملكوت السماوات و الأرض حينما قال: " وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ" و هذا هو السر في اصطفائه خليلاً لأنه كشف له بعض الأسرار التي لا يحتملها الخلق من سواه، و إذا به يكرم محمدا صلى الله عليه و آله و سلم بمثل ما أكرم به خليله إبراهيم عليه السلام فكشف له بعض آيات الملكوت و بين له بعض أسرار الغيب مما لا تحتمله الخلائق و لذلك قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم "إن الله قد اتخذ إبراهيم خليلاً و قد اتخذني خليلاً و لو كنت متخذاً خليلاً من الناس لاتخذت أبا بكر خليلاً".

و بقي معنى ثالث و هو التبشير لهذه الدعوة الخاتمة بأن الله سيجمع لها أطراف الأرض و سيضم إليها المقدسات التي أضف الله عز و جل عليها الحرمة و جعل فيها البركة و القداسة و جعلها من شعائر دينه تبارك و تعالى و من شعائر الحنيفية السمحاء و أن ذلك سيحصل لرسول الله صلى الله عليه و سلم حياً أو ميتاً لأمته من المسلمين من بعده فالآية تحمل هذه البشارة فاقتضى هذا التقديم لهذه السورة أن يكشف الله عز و جل ما يحقق به هذه البشارة لمن آمن بمحمد صلى الله عليه و سلم.

الإهلاك العام

فبين حدثين كبيرين في تاريخ البشرية ما يتعلق بنوح عليه السلام و ما يتعلق بموسى عليه السلام، ابتدأ بموسى قال: " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا" فإيتاء موسى الكتاب كان علامة فارقة في تاريخ البشرية و في تاريخ الرسالات السماوية لأن الله تبارك و تعالى قال في سورة القصص، " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" ، فإيتاء موسى الكتاب كان بعد إغراق فرعون و إغراق فرعون هو آخر إهلاك عام أجراه الله تبارك و تعالى على من ناوأ الأنبياء و الرسل حصل ذلك لقوم نوح و لعاد و لثمود و لأصحاب مدين و لأصحاب الأيكة و لقوم لوط و لفرعون و ملائه ثم من بعد إغراق فرعون أوتي موسى الكتاب و توقف العذاب العام بنص هذه الآية الكريمة في سورة القصص.

قد ذكر ذلك الإمام الطبري في تفسيره و ذكر له رواية وقفها مرة و رفعها أخرى و ذكر أيضا ابن كثير هذا المعنى و ذكره الثعلبي و ذكره طائفة من المفسرين منهم من نقل عن ابن كثير أو عن الإمام ابن جرير الطبري و الرواية المرفوعة من طريق أبي سعيد الخدري، أن الله تعالى ما أهلك أمة بعذاب من السماء أو الأرض بعد أن أنزل على موسى التوراة ثم قرأ الآية الكريمة إذا هذه علامة فارقة في تاريخ النبوات و من أجل ذلك في تاريخ البشرية و توقف الإهلاك العام يعني أن سنة الله تبارك و تعالى في الخلق من بعد إنزال التوراة على موسى و ما سينزله على الرسل عليه الصلاة و السلام من بعده ستكون بالتدافع لأن الله تبارك و تعالى شرع القتال شرع الجهاد في سبيل نشر الحق و إعلاء كلمة الله عز و جل، و دفع الباطل و رفع القتال و دفع الظلم و العدوان عن الناس يعني الآن سيتوقف الإهلاك أول إهلاك ذرية من حملنا مع نوح و كيف كانت هذه الذرية التي حملت مع نوح عليه السلام كانت بالتنجية من الطوفان و كيف نجي موسى و من معه من بني إسرائيل بالتنجية من الغرق و كيف كان إهلاك من كذب نوحاً بالطوفان و كيف كان إهلاك فرعون و ملائه بالغرق فهذا تاريخ يعرفه بني إسرائيل.

و إذا بالله تبارك و تعالى يذكرهم بهذه الأحداث و يذكرهم بهذه المشابهة فنوح عليه السلام أهلك قومه المكذبون بالطوفان و هم أهلك عدوهم المكذب فرعون و أهلك الملأ مع فرعون بالإغراق لكن الفارق أن الله تبارك و تعالى هنا يخاطب بني إسرائيل و يخاطب هذه الأمة التي بشرت بأنه سيمكن لها في الأرض و أنها ستصل إلى بيت المقدس و ستحرره من كل المظاهر التي تتنافى مع الحنيفية السمحاء التي جاء بها إبراهيم عليه السلام فيقول في حق موسى عليه السلام " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ " ثم يقول ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا " فنوح عليه السلام كان عبدا شكورا لله تبارك و تعالى، فإذا هذا الملحظ من جهتين من جهة عذاب الاستئصال، أن إهلاك الأمة بعامة كما يقول ابن كثير قد توقف بإنزال التوراة على موسى عليه السلام و أن الذي يأتي بعد ذلك إنما هو تدافع، و سورة الإسراء تؤكد على هذا المعنى، لأنها تتناول ما يتعلق بإصلاح الفرد و جزائه و ما يتعلق بسنة الله تبارك و تعالى في الأمم و القرى، و كيف أن الله تبارك و تعالى فيما يتعلق بالأفراد فإن سنته الماضية أن جزاءهم أخروي، لا يلزم أن يصيبهم شيء في الدنيا: "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا".

أما في الأمم و القرى فإن الله تبارك و تعالى يقول وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)يأتي بعد ذلك أيضا و يقول وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا" و قبل ذلك قال " وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا" (7).

مسؤولية الفرد والأمة

فسورة الإسراء تبين ما يتعلق بصلاح الفرد و بسنة الله تبارك و تعالى في ما يتعلق بمسؤولية الفرد و مسؤولية الأمة و كيف أن الله تبارك و تعالى يؤاخذ الأمم في الحياة الدنيا إن هي ظلمت و طغت و تجبرت و أنه يديل دولتها و يزيلها و يمكن غيرها عليها، كيف السبيل إلى صلاح الفرد و إلى قوام الأمة، سورة الإسراء تتناول الأصول الثلاثة اللازمة لكل ذلك أما الأصل الأول فهو المتعلق بأصول العقائد نعم و أما الأمر الثاني فهو المتعلق بأصول الأخلاق و الثالث أصول العبادات، فسورة الإسراء تكشف للأفراد و تكشف للأمم الراغبة في البقاء و الديمومة و التمكن أسباب بقائها و حضارتها و تمكنها و غلبتها على عدوها إذ لن يكون هناك استئصال لا تنتظر أمة و إنما سيكون هناك استبدال، إن هي ظلمت أو طغت إن هي أفسدت في الأرض إن هي تخلت عن منهج الله تبارك و تعالى فإن الله عز و جل سيستبدل بها قوما آخرين، و هذا الاستبدال يكون بسنة التدافع و السورة كلها تكشف هذه المعاني الآن لنرجع إلى الآيتين، قلنا أن من وجوه الشبه بين بني إسرائيل و بين قوم نوح هو ما تقدمت الإشارة إليه من أن حادثة الإغراق و الطوفان.

سلاح الدعاء

يضاف إلى ذلك أن بني إسرائيل يزعمون أنهم أبناء الله و أحباؤه و أنهم أولياء لله، و هم يزعمون ذلك إلى يومنا هذا و إلى الغد لأنهم من ولد سام بن نوح، و لهذا فإن التهمة الجاهزة لكل من يمكن أن يتعرض لمظالمهم و بغيهم و طغيانهم أنه معاد للسامية، و إذا بربنا تبارك و تعالى و يذكرهم أنكم إذا كنتم تؤمنون بموسى و تؤمنون بالكتاب، فإن عليكم أن تعلموا أنكم إنما أنتم من ذرية من حملنا مع نوح و ما حالة نوح إنه كان عبدا شكورا، فلإن كان نوح عليه السلام الذي أكرمه الله تبارك و تعالى بالرسالة و نجاه و أهلك من سواه من غير المؤمنين بالطوفان العام فهو عبد شكور لله تبارك و تعالى فكيف بولده و كيف بذريته من بعده، و هناك ملحظ ثالث ذكره الإمام البقاعي يقول بأن نوح عليه السلام و موسى حصل إهلاك عدوهما بالغرق كانا ممن دعا على أقوامهما، فنوح عليه السلام دعا على قومه وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا "،و موسى عليه السلام أيضا دعا على قومه " وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ"

فإن هذا الشبه أيضا ينبه المسلمين الذين يبشرون بالنصر و التمكين أنه لا غنى لهم أيضا عن اللجوء إلى الله تبارك و تعالى و الضراعة إليه بالدعاء، و لذلك فإنه بعد ذكر إفسادة بني إسرائيل و سنة الله تبارك و تعالى فيهم و لئن كان هناك من يستعجل النصر أو يستبطئ الفتح و التمكين فإن الله تبارك و تعالى يبين أن الأمر كله له و أنه بحكمته جل وعلا و فضله و منته هو الذي يتفضل على عباده فيكشف طبيعة هذا الإنسان فيقول: " وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا".

التدافع والدعاء

وسأله المقدم: إذن ما الذي يستخلصه المسلمون الآن و هم يواجهون هذا الطغيان و الاعتداء على الآمنين في فلسطين و في غزة بالتحديد من خلال هذه الآية ذكرتم سنتين سنة التدافع و سنة الدعاء ؟

فأجاب فضيلته: أما الأمر الأول فهو الاستبشار أن وعد الله تبارك و تعالى منجز لا محالة و أن هذه البشارة التي بشروا بها متحققة لكنها لا تتحقق إلا بإتقان فهم نواميس الله تبارك و تعالى في الكون فلا ينتظر عذابا يستأصل عدوهم، فإن هذا العذاب العام قد انتهى بإنزال ببعثة موسى عليه السلام و لئن وصف الله تبارك و تعالى حينما وصف ما أوتي إياه موسى عليه السلام بأنه هدى، فإنه عقب ييان الافسادتين و ما تلا ذلك من آيات فإن ربنا تبارك و تعالى يجعل محور سورة الإسراء الوحي القرآن الكريم " إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا" ليس هو مصدر للمعرفة النظرية، ولذلك يقول إن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا لسائر باحث عن الهداية ولذلك يهدي للتي هي أقوم، و يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا و أن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما و الحقيقة أن سورة الإسراء، تتعرض لموضوع القرآن الكريم أكثر ما تتعرض للتأكيد على أن المنهاج الذي يحقق النصر للمؤمنين و يمكنهم مما بشر به نبيهم صلى الله عليه و آله و سلم إنما هو السير على هذا المنهاج الأخذ بكتاب الله عز و جل إذن هذا درس ثاني.

الأمر الثالث هو أهمية التسبب الأخذ بالأسباب، التي تحقق لهم التمكين في الأرض، وهذه الأسباب عرضتها أيضا هذه السورة و هي أصول التوحيد وأصول الأخلاق، وأصول العبادات، و هذه عناوين كبرى لأننا حينما نتحدث عن أصول الأخلاق، فهذا يحمل هذه الأمة مسؤولية التخلص من الرذائل و أنواع الفساد مما ينتشر في العالم من حولهم، و أن يكونوا على يقظة و حذر مما يكاد بهم و مما يسعى إليه عدوهم من نشر الرذيلة فيهم و من إشغالهم بالملهيات، و من بعث وسائل التسلية و الترفيه و الترفيه و المجون و الخلاعة فيهم فإن هذه ليست مجرد حوادث يراد منها التكسب المالي، و إنما هي في حقيقتها صرف للمسلمين عن أصول أخلاقهم الربانية السماوية التي أكرمهم الله تبارك و تعالى بها، و إن هم استجابوا لهذه الدعوات فإنهم يتخلون بذلك عن ركن من أركان بناء مجتمعهم و دولتهم، فالسورة مكية، نزلت في أواخر العهد المكي، و لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلا جماعة لم يكونوا مجتمعا و إنما تؤهلهم السورة لما بشروا به في أول آية منها سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".

الأخلاق وأصول التوحيد

و كذا الحال فيما يتعلق بأصول العقائد بأصول التوحيد الله تبارك و تعالى تجد أن الأخلاق يفتتح بها " وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا "وهكذا يتكرر فما يتعلق بتوحيد الله من صدر السورة الكريمة سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ثم في ذكر هدى لبني إسرائيل يهدي للتي هي أقوم، فيما يتعلق بالقرآن الكريم و هذا أيضا يستدعي منهم الحذر من المكائد التي تستهدف القرآن الكريم لأن سورة الإسراء كما تقدم تجعل من موضوعها الرئيس القرآن الكريم و من هذه الموضوعات التي تعرضت لها السورة ماذا يكيد المشركون المعارضون بكتاب الله عز وجل فالسورة لا نريد أن نبسط في السورة الآن و إنما فيما يهمنا منها الآن في مواجهة هذا الطغيان و الظلم ، إذن هي المحافظة على هذه الأركان إصلاح الفرد و الإصلاح العام لأنها من موضوعات السورة و الإصلاح العام هو لا يلزم أن يكون كل فرد و إنما هو أحد سببين إما أن تكون السلطة التي تتولى الأمر فإنها آخذة بهذا المنهاج القرآني محافظة على دين الله تبارك و تعالى و على الأخلاق و العبادات أو أن يكون السواد الأعظم من الناس الذين لهم الكلمة يأمرون بالمعروف و ينهون و هذا ما حملت إياه هذه الأمة فإذن هذه هي ما يتصل بكيفية التصدي مع ما تقدمت أيضا الإشارة إليه من عدم التهوين من شأن الدعاء لأن هذا الملحظ أيضا في ذكر نوح عليه السلام و ذكر موسى عليه السلام جميعا و أن كل واحد منهما دعا على قومه، فهذا فيه إشارة وتنبيه للمؤمنين إلى الضراعة والدعاء لله سبحانه وتعالى مع الأخذ بالأسباب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إبراهیم علیه السلام موسى علیه السلام نوح علیه السلام القرآن الکریم بنی إسرائیل علیه السلام سورة الإسراء ال م س ج د ما یتعلق فی تاریخ إن الله من بعده أن یکون دعا على له بعض من بعد

إقرأ أيضاً:

من ضمنها ذي القعدة.. أهم 4 أعمال صالحة في الأشهر الحُرم

للأشهر الحُرم خصائص كثيرة ميزها الله عن بقية الأشهر الأخرى، ففيها يُضاعِفُ الله سُبحانه لعباده الأجرَ والثواب، كما يُضاعف الإثمَ والذنبَ، لعظمةِ وحرمة هذهِ الأشهر.

واشتملت الأشهر الحرُم على فرائضَ وعباداتٍ موسمية ليست في غيرها، واجتماع أمهات العبادات في هذه الأشهر، وهي: الحج، والليالي العشر من ذي الحجة، ويوم عرفة، وعيد الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عاشوراء، وليلة الإسراء والمعراج -على المشهور-.

ومن أفضل الأعمال في الأشهر الحُرم واللي من ضمنها شهر ذي القعدة:

1- الإكثار من العمل الصالح

2- الاجتهاد في العبادات "الصلاة على وقتها، النوافل، قيام الليل..."

3- الابتعاد عن المعاصي

4- الإكثار من الصدقات

10 كلمات فيها معجزة ترزقك بالحج والعمرة.. رددها بيقين لتكون من ضيوف الرحمن

دعاء شهر ذي القعدة.. ردده تغفر ذنوبك وتوفق للخيرعلي جمعة: المفتي الماجن أخطر من الجاهل الصريح لأنه يدعو إلى فتنة تفسد المجتمع كلههل الدعاء بعد الشرب من ماء زمزم مستجاب؟.. أمين الإفتاء يكشف الحقيقةهل تكرار الذنب يحرم الإنسان من استجابة الدعاء؟.. اعرف رأي الشرع

ويحرم فى الأشهر الحُرم القتال فيها؛ قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ...}. [البقرة: 217]، تشديدُ حرمةِ الظلم فيها؛ قال تعالى: {...فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم...}. [التوبة: 36).

لماذا جاءت الأشهر الحرم منفصلة وليست متصلة ؟

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول صاحبه "لماذا جاءت الأشهر الحرم منفصلة وليست متصلة؟.

وأجاب الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى في دار الإفتاء، أن الله تعالى تحدث عن الأشهر الحرم في القرآن الكريم، فقال الله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ).

وأشار إلى النبي الكريم يقول في الحديث الشريف (إن الزمان قد استدار بهيئته يوم أن خلق الله السماوات والأرض، السنة اثني عشر شهرا منها أربعة حرم).

وأوضح، أن الأشهر الحرم هي: رجب، ذو القعدة ، ذو الحجة، المحرم، منوها أن الأشهر الحرم عبارة عن 3 أشهر متصلة، وشهر رجب منفصل عنهم.

وأضاف، أن العلماء قالوا عن الأشهر الحرم، إن الله حرم هذه الأشهر، الثلاثة المتواليات، فحرم الله شهرا قبل الحجة وهو شهر ذي القعدة، حتى يذهب من يرغب في تأدية مناسج الحج، وهو آمن على ماله ونفسه ومن يسير معه، وحرم شهر ذي الحجة، لأن هذا هو الشهر الذي تؤدى فيه المناسك حتى يكون الحاج آمنا وهو يؤدي المناسك، ثم قال العلماء، وحرم الله شهر المحرم حتى يعود الحاج إلى بلده آمنا ويصل إلى وطنه في أمن وأمان.

وتابع أمين الفتوى: أما بالنسبة لشهر رجب، فقد جعله الله من الأشهر الحرم، لأن العرب كانوا يذهبون فيه ليعتمروا ببيت الله الحرام، فحرم هذا الشهر من أجل ذهاب الناس إلى العمرة في أمن وأمان وسلم وسلام.

طباعة شارك الأشهر الحرُم الحج الليالي العشر من ذي الحجة يوم عرفة عيد الأضحى أفضل الأعمال في الأشهر الحُرم شهر ذي القعدة

مقالات مشابهة

  • من ضمنها ذي القعدة.. أهم 4 أعمال صالحة في الأشهر الحُرم
  • علي جمعة: التفكر في ذات الله تعالى منهي عنه
  • فضل الصدقة على المسلم.. تبارك المال وتطهر القلب
  • قصة المحكي الشعبي: خاطف خضر عليه السلام
  • الداخلية تنظم دورة تدريبية على عمليات حفظ السلام.. فيديو
  • «الداخلية» تنظم دورة بالمركز المصري للتدريب على عمليات حفظ السلام (فيديو)
  • محافظة إدلب تحتفي بحفظة القرآن الكريم أصداء الفخر في عيون الحاضرين
  • وزير الخارجية يلتقي مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
  • وزير الخارجية يلتقي وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة
  • الوزير الشيباني يلتقي وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام في الأمم المتحدة