السيد يكشف عن احد أهداف غارات العدوان على صعدة
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
وقال السيد القائد في كلمته اليوم عن اخر المستجدات.. غارات الأعداء على بلدنا خلال هذا الأسبوع وصلت إلى 40 غارة معظمها على محافظة الحديدة والبعض على محافظة صعدة ومن الإنجاز العملاق لغارات العدو في صعدة استهداف سيارة مزارع تحمل أنابيب بلاستيكية وهذا فشل كبير
مؤكدا ان إصرار الأعداء على الاستمرار في الفشل يكبدهم تكاليف باهظة دون نجاح أو تأثير للحد من عملياتنا العسكرية
واشار السيد القائد الى ان الأعداء في خسران حقيقي وورطة حقيقية وهجماتهم لا جدوى منها وإنما لها تبعات وآثار سلبية عليهم
.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
إقرأ أيضاً:
السيد سعيد بن سلطان.. والتسامح الديني
توسعت الدولة العمانية في عهد السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي (1806- 1856م) لتضم أراضيَ تمتد بين قارتي آسيا وإفريقيا، فتنوعت شرائح المجتمع وتعددت أطيافه وأديانه ومعتقداته، وأصبحت الإمبراطورية العمانية تضمُّ بين مدنها وقراها شعوبا من مختلف الأديان والأعراق. وتعامل السيد سعيد بن سلطان مع هذا التنوع والثراء البشري بحكمة ورجاحة رأي محاولًا الاستفادة من هذا التنوع واستثماره من أجل بناء إمبراطورية غنية اقتصاديا وقوية سياسيا وعسكريا، ويكون هذا التنوع البشري والفكري معول بناء وتعمير، فتعامل مع رعاياه بتسامح وتقدير للجميع؛ لخلق تعايش وتفاهم بين طوائف المجتمع وشرائحه، وقامت سياسته في التسامح والتعايش على عدد من المحاور والأسس، سنحاول في هذا المقال استعراض عدد منها، وتوضيح نتائج هذه السياسية وأثرها على بناء الدولة وازدهارها. وقبل الشروع في تناول مظاهر التسامح لابد في البداية من إعطاء تعريف للتسامح وأنواعه، فالتسامح يعرف على أنه الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثقافي ولأشكال التعبير والصفات الإنسانية المختلفة. ومن أنواعه:
أ - التسامح الفكري: وهو آداب الحوار والتخاطب وعدم التعصب للأفكار، ومنح الحق للجميع في الإبداع والابتكار.
ب - التسامح الديني: هو التعايش بين الأديان، بمعنى حرية ممارسة الشعائر الدينية والتخلي عن التعصب الديني والتمييز العنصري.
بناء على ذلك سنحاول تقصّي كيف تعامل السيد سعيد بن سلطان مع رعاياه، وما الأسس التي اعتمدها في سياسته الداخلية. وما أهم المحددات التي انتهجها في قيادته، وسيتم التركيز على الجناح الإفريقي من الإمبراطورية العمانية؛ لأن هذا الشق من الدولة شهد تنوعًا كبيرًا واختلافًا مميزًا من حيث الأعراق والأديان، وبالتالي تتضح من خلاله أهم المحددات التي انتهجها السيد سعيد بن سلطان في تسيير الإمبراطورية العمانية، ومن أهم هذه المحددات:
أولا: تعيين الموظفين
بناءً على الكفاءة:
حرص السيد سعيد بن سلطان على المساواة بين الجميع في اختيار الموظفين، فكان الاختيار على أساس الكفاءة، والقدرة العلمية والإدارية العالية، لا على أساس المذهب الديني أو العرقي أو الطائفي. وهذا ما سنلحظه من خلال استعراض أنواع الموظفين الذين عملوا في حكومته، حيث سنلحظ كيف اختلف هؤلاء الموظفون من حيث العرق والدين والمذهب، واتفقوا من حيث الكفاءة والجدارة، ومن أبرز الموظفين:
أ - الوزراء والمستشارون
حوى بلاط السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي على نخبة متميزة من الوزراء والمستشارين من مختلف الأديان والأعراق، ولقد استعان بهم في تسيير أمور الدولة، ومنهم:
-سليمان بن حمد بن سعيد بن حمد البوسعيدي: عيّن السيد سعيد بن سلطان -سليمان بن حمد رئيسًا للوزراء ووزيرا للداخلية، ونائبًا عنه أثناء رحلاته إلى عُمان في الفترة التي كان فيها أولاد السيد سعيد لا زالوا صغارا في العمر. وعرف عن سليمان بن حمد شخصيته القوية المهابة وكلمته النافذة، شارك في المفاوضات التي دارت بين السيد برغش بن سعيد وبريطانيا. - حسن بن إبراهيم الفارسي: ولد سنة 1210 هـ / 1795 م، تلقى تعليمه في بومباي بالهند فأجاد اللغة الإنجليزية، عيّنه السيد سعيد بن سلطان قبطانًا لبعض سفنه التجارية فأظهر براعة كبيرة في ذلك؛ وعلى أثر ذلك عينه أميرًا على الأسطول، وكانت قرارته تنفّذ كما لو كانت صادرة من السلطان سعيد شخصيا، ثم عينه معلما لابنه خالد. وفي عام 1237هـ / 1832 م عينه وزيرا للخارجية ووزيرا للتجارة، توفي في زنجبار أثناء حكم السيد سعيد بن سلطان.
- أحمد بن النعمان بن محسن بن عبدالله الكعبي: ولد في مدينة البصرة بالعراق عام 1789م، من أب عربي من بني كعب وأم فارسية، وحين بلغ سن الرشد انتقل إلى البحرين وفيها تلقى تعليمه، بعدها انتقل إلى شرق إفريقيا، واختير زعيما لطائفة في شرق إفريقيا، تميز بشخصيته القيادية وحسن تسييره للأمور وإجادته اللغتين الإنجليزية والفرنسية، عيّنه السيد سعيد بن سلطان قائدا للأسطول، وبعد وفاة الشيخ حسن بن إبراهيم الفارسي عينه السيد سعيد خلفا للفارسي على وزارتي الخارجية والتجارة، وأرسله في رحلة بحرية على ظهر السفينة «سلطانة» إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1840م. فكان أول سفير عربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كما أرسله في سفارة أخرى إلى فرنسا. وظل الشيخ الكعبي في منصبه الوزاري حتى بعد وفاة السيد سعيد حيث أقره السيد ماجد بن سعيد على منصبه، توفي الشيخ الكعبي عام 1867 م في زنجبار.
جمادار تنغاي:
أحد أفراد الجالية الهندية، ومن المقربين للسيد سعيد بن سلطان يستشيره في الكثير من الأمور المالية والسياسية، عينه وزيرا للمالية ومشرفا على السجون، وقائدا للفرقة العسكرية التي تتألف من البلوش.
الشيخ ناصر بن جاعد بن خميس الخروصي:
ولد عام 1192 هـ / 1778م بقرية العلياء بوادي بني خروص، ويعد الشيخ ناصر من كبار العلماء الإباضيين في عمان، وكان السيد سعيد يقدره ويستشيره، وحين قرر السيد سعيد الانتقال إلى زنجبار اصطحبه معه، وبلغ من تقديره للشيخ ناصر بن جاعد أن أسكنه في قصر المتوني وكان مستشاره الخاص في العديد من الأمور، وظل كذلك إلى أن توفي الشيخ ناصر في المتوني عن عمر يناهز الحادي والسبعين في يوم الأحد 22 جمادى الأولى 1263هـ / 9 مايو 1778م، وافته المنية ورأسه في حضن السيد سعيد ودفن بإحرام قصر المتوني.
علي بن ناصر:
أرسله السيد سعيد نيابة عنه إلى لندن على إثر دعوة وجهتها الملكة فكتوريا للسيد سعيد لزيارتها. فأرسل السيد سعيد علي بن ناصر لينقل تحياته للملكة وحمل معه عددا من الهدايا القيمة، وأسفرت المحادثات بين الطرفين عن توقيع معاهدة تجارية، وذلك عام 1839م.
ب: الولاة:
سيف بن محمد بن عبدالله البوسعيدي:
من سمد الشأن تولى منصب الولاية لفترة من الزمن إلا أنه ترك هذا المنصب؛ ليتفرغ للعبادة فقد كان زاهدا يميل للتنسك والصلاة، لذا عرف باسم الزاهد، بنى مسجدا بسمد الشأن عرف باسم مسجد الزاهد، ودفن في قرية الشريعة من أعمال سمد الشأن، اختلف في فترة وفاته قيل إنه توفي في عهد السلطان سعيد بن سلطان، ومنهم من ذكر أنه توفي في عهد السلطان ثويني بن سعيد.
ومن ولاة السيد سعيد كذلك محمد بن شيخ، وعلي بن منصور، وعبيد الحضرمي وسليمان البلوشي وجمدار بن عبدالله البلوشي ومحمد بن عبيد وسليمان بن عبيد.
ج: القضاة:
اشتمل سلك القضاء على قضاة من كافة المذاهب الإسلامية (الإباضية، والسنة، والشيعة) وكان أكثر قضاة زنجبار من السنة، أما بمبا فكان أكثر قضاتها من الإباضية، ومن القضاة الإباضيين:
القاضي عبدالله بن مبارك بن عبدالله النزوي، والقاضي محمد بن علي بن محمد المنذري.
ومن القضاة السنة محيي الدين القحطاني قاضي الشافعية في زنجبار، والمستشار الخاص للسيد سعيد والمرافق له في العديد من أسفاره، وكان السيد سعيد يكن له عميق الاحترام والتقدير. ألف الشيخ القحطاني عددا من الكتب، وبرع في نظم الشعر باللغتين العربية والسواحلية وإليه يرجع الفضل في انتشار الشعر السواحيلي.
الشيخ عبد العزيز بن عبد الغني الأموي:
ولد في مدينة براوة الصومالية سنة 1248هـ / 1833م، وفيها تلقى تعليمه ثم انتقل إلى زنجبار فتعلم على يد الشيخ محيي الدين القحطاني، وحين بلغ الثامنة عشرة من عمره رشحه الشيخ محيي الدين القحطاني لتولي منصب القضاء على المذهب الشافعي، فعينه السيد سعيد بن سلطان قاضيا على مدينة كلوة.
الشيخ محمد بن فرج الإكواني:
أحد علماء جزر القمر تقلد قضاء زنجبار وعمل في التدريس وظل بمنصبه إلى أن توفي في عهد السيد ماجد بن سعيد.
الشيخ أحمد بن سالم العلوي:
هو أحد علماء جزر القمر تلقى تعليمه في زنجبار على يد الشيخ محيي الدين القحطاني، عين إماما لمسجد الجمعة بالميناء. وتقدم العلويون الشاطريون بطلب للسلطان سعيد يتضمن تعيين الشيخ أحمد قاضيا عليهم، ووافق السلطان على طلبهم. وظل بمنصبه حتى عهد السلطان ماجد بن سعيد الذي كان يحترمه ويناديه بالوالد، وكانت أحكام الشيخ أحمد تلقى دائما القبول سواء من المسلمين أو غير المسلمين.
د: القادة العسكريون:
حرص السيد سعيد على إنشاء أسطول حربي تجاري لتدعيم إمبراطوريته، وإرساء قواعدها ودعم اقتصادها، فانتقى لهذا الأسطول قادة ذوي كفاءة عالية بصرف النظر عن توجهاتهم الدينية أو معتقدهم الفكري، ومن القادة الإباضيين محمد بن جمعة البرواني، وخلف بن ناصر المعولي، والسيد حماد بن أحمد ولد السمار البوسعيدي، أما القادة السنة عبد الله بن سليم الظاهري، وشاهو الزدجالي وشعبان الزدجالي، قائدا فرقة الزدجال في الجيش، وخميس بن وتان بن عثمان الميوبيل وهو من عرب الجزيرة العربية، درس في بريطانيا الملاحة، أتقن عددا من اللغات الأوروبية، عينه السيد سعيد قبطانا للسفينة مونتيس. سعيد قبطانا للسفينة مونتيس، كان نطاق عمله بين جزيرة مدغشقر أوروبا، أرسله السيد سعيد إلى جزيرة مدغشقر ليكون مبعوثه إليها، وممثله في عرض الزواج على حاكمة مدغشقر، وطلب المساعدة العسكرية منها في حربه ضد المزاريع.
أما القادة العسكريون على المذهب الشيعي فمنهم ناصر بن سليمان الإسماعيلي زعيم الطائفة الإسماعيلية في بمبا، عين واليا على بمبا وممباسا. وهلال بن عبدالله المدي قائد السفينة فكتوريا توفي في عهد السيد ماجد. وإلياس بن علي السينسري، ويوسف الشمسي، وقاسم بن محمد السينسري.
موظفو الضرائب:
تولى وظيفة جمع الضرائب الهنود وكان يطلق على هؤلاء الموظفين اسم «بانيان القرمنة»، ومن الشخصيات التي تولت هذا المنصب سيث وات بانيا، ثم انتقلت هذه المهمة في عام 1820م إلى سوجى توبان، ومن بعده إلى ابنه جايارام سوجي توبان. ومن البانيان الذين عملوا في تحصيل الجمارك ليدا وهو من الأشخاص شديدي الولاء للسيد سعيد حيث قالت عنه السيدة سالمة في مذكراتها «وشكرا للصديق العزيز ليدا مدير الجمارك فهو على كونه بانياني فهو شديد الولاء والإخلاص لأسرتنا».
قيادة الحرس:
تولى موسى رباعة وهو من جزر القمر، قيادة الحرس الخاص بالسيد سعيد وسميت فرقة الحرس بفرقة موسى رباعة، وظلت تحمل هذا الاسم حتى عهد السيد حمود بن محمد.
من خلال استعراض أبرز موظفي حكومة السيد سعيد يتضح لنا جليا وفيما لا يدع مجالا للشك أن السيد سعيد كان يتبع استراتيجية واضحة في تعيين موظفيه، حيث إن المعيار الأساسي لاختيار الموظف هو مدى كفاءته وعلمه وملاءمته للوظيفة، دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى.
ثانيا: توزيع السلطات بين السيد سعيد بن سلطان وبين زعماء القبائل:
حرص السيد سعيد بن سلطان على مشاركة السلطة بينه وبين الزعماء المحليين، فترك لهم السلطة المحلية فيما يتعلق بشؤون القبائل أو شؤون جماعاتهم. فستشعر زعماء الجماعات سواء العربية أو الفارسية أو الإفريقية أو الهندية أن لهم مكانة مرموقة ورأيا مسموعا لدى الحكومة، وأن السلطة الحاكمة تقدرهم وتقدر جماعتهم وتراعي خصوصيتها، وتتضح هذه السياسة في الرسالة التي أرسلها السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي إلى الزعماء المحليين في شرق إفريقيا بعد أن اتخذ من زنجبار عاصمة ثانية لإمبراطورتيه سنة 1832م، حيث قال فيها: «لأننا نحن تاركو الأوطان، وساكنون في هذه البلاد، ليس مطلوبنا إلا الراحة لمن هو محب لنا، ونسأل الله أن يريحنا وإياكم جميعا».
ومن مظاهر احترام القيادات والزعامات التي سبقت البوسعيديين في شرق إفريقيا، حين أمر السيد سعيد بن سلطان أن يقرن اسم الزعيم موني مكو حسن بن أحمد العلوي مع اسم السيد سعيد بن سلطان في خطبة صلاة العيد وصلاة الجمعة، وكما سمح للسلطان العلوي أن يصلي بجماعته صلاة العيدين.
واتبع السيد سعيد مع زعماء القبائل الإفريقية القاطنة البر الإفريقي نفس السياسية التي اتبعها مع موني مكو زعيم القبائل الإفريقية في جزيرة زنجبار في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للقبائل الإفريقية والتجمعات الطائفية المختلفة، وعين شخصا يمثل القبيلة أو الطائفة لدى الحكومة، وينقل احتياجات القبيلة ومطالبها، وأعفى عددا من الزعماء المحليين من الرسوم المفروضة عليهم، وعلى سبيل المثال أعفى سعيد بن ظنين وهو أحد الزعماء المحلين من الرسوم المفروضة عليه وكتب في ذلك رسالة إلى المسؤول عن جمع الضرائب ذكر فيها: «محبنا زيرام، إن المحب الناصح سعيد بن ظنين عنده رسالة من سابق من سمحان العشور، وكذلك مسموح على حساب العادة، لا تأخذ عليه من جميع ماله، والسلام. كتبه سعيد بيده 2 ربيع الثاني 1248هـ».
ثالثا: حضور المجالس السلطانية:
اعتاد السلطان سعيد عقد مجالس أو ما يسمى محليا بالبرزة في القاعة الكبرى بالطابق الأول من قصر بيت الساحل، أو في قصر العلم بمسقط يومي الاثنين والجمعة بالفترتين الصباحية والمسائية، ويحضر هذه البرزة السلطان ومستشاروه ووزراؤه وأبناؤه من الذكور ممن هم فوق سن السادسة عشرة، وموظفو الدولة والأعيان وكل من يرغب في الحضور من عامة الناس ومن جميع الطوائف؛ ليعرض كل فرد طلبه أو حاجته على السلطان، وكان السلطان يستمع للجميع دون أي تمييز، ويتم البت في الأمر وإعطاء كل ذي حاجة حاجته. وفي ختام الجلسة يتناول الجميع القهوة والحلوى العمانية، ثم يلقي السلطان على الحاضرين السلام، ليتوجه إلى قاعة أخرى ليلتقي بالأشخاص الذين يودون طرح قضيتهم بشكل فردي وخاص. ويصف الضابط البريطاني كيبل أحد المجالس السلطانية في مسقط سنة 1821م فيقول: «أشد ما يعجبنا في الإمام دماثة خلقه وعدم تصنعه في الحديث. إن البساطة الأبوية للشخصية العربية كانت بارزة بقوة في كل شيء يتعلق بمجلسه، وفي الديوان اليومي الذي يعقده الإمام، يجلس الجميع سواسية بغض النظر عن مراتبهم، بل الشحاتين يحضرون هذا الديوان ويجدون أذنا مصغية من الإمام لسماع شكواهم».
رابعا: حرية مزاولة التجارة
لجميع الطوائف والأفراد في الإمبراطورية العمانية الحرية في مزاولة التجارة دون تمييز أو تقييد.
ويقول إدموند روبرتس رجل الأعمال والدبلوماسي الأمريكي واصفا السيد سعيد: «إن السلطان معروف بحبه الشديد للعدالة، والتصرف الإنساني، وهو محبوب كثيرا من رعيته. وينظر إلى التجارة نظرة عادلة متحررة؛ فهو لا يكتفي بإزالة العقبات فحسب، وإنما يشجع الأجانب ورعاياه أيضا على ممارستها». ومن الأمثلة على إفساحه المجال لجميع رعاياه بممارسة التجارة وتذليل الصعاب أمامهم ما ذكره المغيري في بيان أصدره السيد سعيد إلى أهالي ممباسا جاء فيه «القاعدة أن جميع البيع والشراء الذي في ممباسا من عاج وغيره ليس ممنوعا من أهل ممباسا، فهو مرخص لهم وصاحب الفرضة لا له بيع ولا شراء، فله عشوره».
وأعفى السلطان سعيد بن سلطان التجار الهنود من الرسوم الجمركية؛ مما أدى إلى ظهور طبقة من الأغنياء تشكلت من جميع طوائف الهنود. ومن الأسر التي عرفت بالثراء أسرة جفاتجي، وبانيان القرمنة أو موظفو الجمارك الذين استطاعوا جمع ثروات من خلال عملهم في التجارة وخاصة تجارة العاج، لدرجة أن أحدهم خلف تركة تقدر 650000 جنيه إسترليني. وعمل الهنود على تمويل القوافل العربية التي كانت تتجه إلى أواسط القارة الإفريقية بحثا عن العاج، واشتغلت عدد من العائلات الهندية في تجارة الأقمشة، وبيع الأحجار الكريمة، وصياغة الذهب، وعرف عنهم مهارتهم الفائقة في الصياغة.
خامسا: حرية ممارسة الشعائر الدينية
نهج السيد سعيد بن سلطان سياسة السماح لكل طائفة دينية بممارسة دينها بالطريقة التي تناسبها. وفي ذلك يقول إدموند روبرتس الذي التقى بالسيد سعيد بن سلطان سنة 1833م «إن جميع الأديان في المناطق التي يهيمن عليها السلطان، لا تحظى بالتسامح فحسب، وإنما تتمتع برعاية صاحب السمو نفسه».
سادسا: حرية التقاضي
أصدر السيد سعيد بن سلطان أوامره بحرية التقاضي بين جميع المذاهب كل على حدة، حيث يحق لكل فرد التقاضي وفقا لمذهبه. ودعم قراره هذا بإصداره مرسوما سلطانيا يقضي بأن لكل دين ومذهب حرية التقاضي والرجوع إلى من هو أعلم من جماعته. وجاء نص المرسوم على النحو التالي: «من سعيد بن سلطان إلى جناب كافة ربعنا بحال القضاة، كل من حكم وأخطأ يرجع إلى سؤال إلى من أعلم منه، كل مذهب يتبع مذهبه، هذا ما جرت العادة من قديم بذلك والسلام. 2 ربيع الأول سنة 1261 هـ».
وسمحت الحكومة البوسعيدية للجماعات باختيار القاضي الذي يرونه مناسبا، وكان السيد سعيد يعين في هذا المنصب من تختاره جماعته للقضاء فيما بينهم. فحين طلب الشاطريون تعيين الشيخ أحمد بن سالم العلوي قاضيا عليهم، وافق السيد سعيد على طلبهم.
وترك السلطان البوسعيدي الحرية لرعاياه فيما يتعلق بعرض القضية فمن يفضل الذهاب إلى بيت القاضي لعرض قضيته فله ذلك، ومن فضل عرض القضية على السيد سعيد شخصيا فله ذلك. وكانت عدد من القضايا تعرض على السيد سعيد أثناء المجالس السلطانية ببيت الساحل أو في قصر العلم ليبت فيها.
سابعا: عدم تعريض الرعايا للمجازفة الاقتصادية
حين قرر السيد سعيد بن سلطان زراعة القرنفل واعتباره المحصول الأساسي في زنجبار وبمبا، كان المشروع في بدايته مجرد تجربة اقتصاديا قابلة للنجاح أو الفشل؛ لذا وخوفا على فشل المشروع أمر السيد سعيد رعاياه من العرب فقط في زنجبار وبمبا وألزمهم باستبدال كل شجرة جوز الهند التي يملكونها بزراعة ثلاث شتلات من القرنفل، أما باقي رعاياه فهم غير ملزمين بذلك ولهم الحرية في زراعة أشجار القرنفل إن شاءوا ذلك.
النتائج المترتبة على سياسة التسامح:
ترتب على السياسة التي اتبعها السلاطين البوسعيديون في جميع أرجاء الإمبراطورية العمانية القائمة على روح التسامح انتشار الإسلام بين الكثير من القبائل الإفريقية في أوغندا، وأعالي نهر الكونغو، ورواندا، وبروندي، وتنجانيقا (في تنزانيا الحالية)، ونياسا (ملاوي حاليا)، وزامبيا، وموزمبيق. فلقد لامست وعايشت هذه القبائل ما للإسلام من روح المحبة والتآخي والتسامح. ولم ينتشر الإسلام بين هذه القبائل بقوة السلاح، بل بجمال المحبة والتسامح واحترام الآخرين.
وللتجار العمانيين دور بارز في نشر الإسلام عن طريق التحاور والإقناع، ومنهم الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري الذي كانت له معاملات تجارية في أوغندا، وكانت له مع ملك أوغندا قصة شيقة، ففي إحدى المرات التي كان فيها التاجر العماني أحمد العامري في أوغندا من أجل بعض أعماله التجارية، وذلك في سنة 1843م صادف وجوده احتفالا لملك أوغندا فحضر العامري هذا الاحتفال فّإذا به يتفاجأ أن الاحتفال عبارة عن تقديم قرابين بشرية للأصنام التي يعبدونها حيث يتم اختيار أفضل شباب المملكة صحة وقوة ويتم قتلهم بوحشية كبيرة ليكونوا قربانا لآلهتهم، لم يتمالك الشيخ العامري نفسه فقام من فوره وقال للملك سنا Sunna الملقب بالكباكبا: «يا أيها الملك إن هؤلاء الرعايا الذين تسفك دماءهم كل يوم بغير حق إنما هم مخلوقات الله سبحانه وتعالى الذي خلقك وأنعم عليك بهذه المملكة». ونجح العامري بعد مناقشته للملك أن يقنعه بدخول الإسلام، واستطاع تحفيظه أربعة أجزاء من القرآن الكريم، ولأن الناس على دين ملوكها فبدخول الكباكبا في الإسلام دخل العديد من سكان مملكته في دين الله تعالى.
وممن كان لهم دور كبير في نشر الإسلام الشيخ خميس بن جمعة فقد عمل على دعوة الملك موتيسا الأول (1856 - 1884م) إلى الإسلام ونجح في إقناعه، كما نجح في أقناع ملك إقيلم بنيو الملك كابريجا في الدخول في الإسلام. وللشيخ سليمان بن زاهر الجابري دور جلي في نشر تعاليم الإسلام في أوغندا، وكان للشيخ عبد الرحمن بن عبيد بن حمود ممثل السيد برغش في بلاط الملك كاباريجا ملك بنيور، دور بارز في نشر الإسلام وبناء المساجد في أوغندا وأواسط إفريقيا، وساهم الشيعة كذلك في الدعوة الإسلامية حيث بنى زعيم الطائفة الشيعية في زنجبار أغا خان مدارس إسلامية في البر الإفريقي، وعين عددا من الدعاة لنشر الإسلام بين الأفارقة. أثرت روح التسامح على السكان في شرق إفريقيا بأن جعلتهم يتوجهون إلى مفردات الثقافة الإسلامية العربية في معيشتهم ومظاهر الحياة كالملبس والمسكن والمأكل والمشرب، فانتشرت الثقافة العربية الإسلامية وطغت مفرداتها على جميع العناصر السكانية. وصاحب انتشار الإسلام انتشار اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم والعبادات وخاصة الصلاة، عدا أنها لغة الدولة الرسمية والمكاتبات الحكومية. ونتيجة لهذا الامتزاج والتلاحم اتسع نطاق اللغة السواحلية وهي عبارة عن امتزاج لغة قبائل البانتو الإفريقية واللغة العربية. فأجاد الكثير من الأهالي التحدث باللغتين العربية والسواحيلية، وشمل نطاق اللغة السواحيلية كل شرق إفريقيا وتوغلت إلى ملاوي والكونغو وروندا وبوروندي وجنوب السودان.
نجحت سياسة التسامح التي انتهجها السيد سعيد بن سلطان في إيجاد مجتمع متلاحم متراحم مترابط، وأدت هذه السياسة إلى ازدهار الإمبراطورية العمانية فكانت في عهده في أوج قوتها السياسية والاقتصادية، وكان الأسطول العماني القوة الحربية الثانية في المحيط الهندي، أما الاقتصاد العماني خلال فترته فكان من أقوى الاقتصادات العالمية، فحرصت جميع الدول القوية في تلك الفترة على توقيع الاتفاقيات التجارية معه، وتعيين ممثلين سياسيين وتجاريين عنها سواء في مسقط أو زنجبار.
وهذا الازدهار السياسي والاقتصادي أدى إلى ارتفاع مستوى الدخل الفردي فظهرت القصور والبيوت الفخمة، وظهر الاهتمام في مجال الثقافة والتعليم فبنيت المدارس وظهرت بعد ذلك المطابع والجرائد، وتواصل علماء عمان وشرق إفريقيا مع غيرهم من علماء العالم، وظهرت ثقافة السفر بغرض السياحة والتعرف على ثقافة الشعوب. وظهر الاهتمام بالهندام وآداب طاولة الطعام، كل مظاهر الغنى والترف هذه جعلت العديد من المؤرخين يصفون فترة حكم السيد سعيد بن سلطان بأنها العصر الذهبي للإمبراطورية العمانية.