بعد رحلة امتدت لـ «70» عاما.. انطفأ قنديل الصحافة المضيء بموت محجوب
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
ابتدر الحديث وزير الإعلام الأسبق، فيصل محمد صالح، بقوله إن الراحل قيمته الوطنية تتعدى الصحفيين لتصل لكل المجتمع السوداني وهو في المهنة مدرسة وقامة مهنية عالية وسامية.
كمبالا: التغيير
بعد رحلة امتدت لسبعين عاما في بلاط صاحبة الجلالة السودانية، انطفأ قنديلها المضيء وخبأ شعاعها بوفاة عميدها الراحل محجوب محمد صالح الذي توفاه الله أمس الأول بعد صراع مرير مع المرض ووري الثرى بالعاصمة المصرية، القاهرة.
لم يكن صالح مجرد صحفي امتهن، المهنة من أجل لقمة العيش بل مدرسة متفردة لها باع طويل في مسيرة الصحافة السودانية حفل مشواره بالعديد من المواقف السياسية والتاريخية البارزة.
ولهذا الدور أقامت نقابة الصحفيين السودانيين وطيبة بريس ومركز الأيام للدراسات عزاء لراحل بكمالا تحت شعار: الراحل محجوب محمد صالح.. صاحب القلم الذهبي والموقف المبدئي والعطاء الوطني”.
وتباري الحاضرين في ذكر مآثر فقيد الصحافة وعميدها. مدرسة وقامة
وابتدر الحديث وزير الإعلام الأسبق، فيصل محمد صالح، بقوله إن الراحل قيمته الوطنية تتعدى الصحفيين لتصل لكل المجتمع السوداني وهو في المهنة مدرسة وقامة مهنية عالية وسامية. وأكد فيصل، أن الذين عملوا معه في صحيفة الأيام وفي صحف أخرى استفادوا من مدرسته وحاولوا أن يكونوا تلاميذ لهذا الأستاذ العظيم ومدرسته العظيمة التي تركت آثارها في الصحافة السودانية.
وأوضح أن الراحل محجوب يعد أحد الأعمدة المؤسسة لصحافة السودانية، ومؤسس النهضة الحقيقة لصحافة السودانية، منذ الأربعينيات، والخمسينيات التي شهدت تأسيس صحيفة الأيام وإلى وقت قريب.
وأشار إلى أنه، لا يوجد رئيس تحرير خدم في المنطقة العربية والإفريقية مثل الراحل وظل صامد في هذه المهنة الصعبة.
آخر الحكماء
وقال، فقدنا محجوب في زمن فيه أبناء الوطن يتحاربون ويتقاتلون، بصورة محزنة، وكنا نمني أن نقدم لمحجوب وطنا ينظر إليه بسعادة وأن ما قدمه أسمر.
وأشار إلى أن الناس يفتقدون الحكماء ولعل الأستاذ محجوب من آخر الحكماء الذين تبقون لنا.
ولفت إلى أن أستاذا محجوب يرحل ويترك أثر باق وممتد لكل من يريد أن يستفيد من مدرسته سواء على المستوى الصحفي أو الوطني.
ونتمنى أن يكون هنالك كثير من داخل الوسط الصحفي يأخذون الشعلة من أستاذ محجوب ويستمرون في المسيرة للأمام.
ولد الراحل محجوب محمد صالح في 12 أبريل من العام 1928م، في مدينة الخُرْطُوم بحري، التي تلقى بها مراحل تعليمه الأولية، والمتوسطة، والتحق بكلية الخُرْطُوم الجامعية في عام 1947، وكان يشغل منصب سكرتير اتحاد الطلاب وقتها.
برحيل الأستاذ محجوب محمد صالح أنكسر المرق وأتشتت الرصاص، بهذه العبارة ابتدر نقيب الصحفيين السودانيين عبد المنعم أبو إدريس الصحافة السودانية حديثه، وقال بموت الراحل انكسر مرق الصحافة السودانية.
وأضاف: “قيام النقابة واحدة من الهموم الكبيرة للراحل وظل يدفع بها في كل لحظة وحين”.
وتابع: “مبادرة الراحل لعبت دورا كبيرا في جمع الكيانات الثلاثة المختلفة، التي انخرطت في عشرات الاجتماعات بمركز الأيام والتي تبلورت في قيام انتخابات النقابة”.
وكشف ابودريس ، عن أن الراحل كان سكرتير نقابة الصحفيين السودانيين في العام 1953م، وأنه سلم نقابة الصحفيين الحالية محاضر النقابة في ذلك العام، تم اداعها في دار الوثائق.
وقال لا نعرف ماذا حدث لدار الوثائق بعد قيام الحرب اللعينة، ولكن نحتفظ بنسخة إلكترونية منها.
مؤكدا أن من الوفاء للراحل إن نعض على هذه النقابة بالنواجذ، وان تنجح ويلتف حولها كل الصحفيين والصحفيات”.
وأوضح أن الشعب السوداني فقد واحد من العقول الراجحة التي كانت تقدم ما يجمع السودانيين وما يكمن أن يهييء لهم الطريق للخروج من المذاق الموجودين فيه الآن.
وبدأ الراحل محجوب محمد صالح مسيرته في بلاط صاحبة الجلالة بصحيفة سودان ستار الناطقة باللغة الإنجليزية، في العام 1949م، كما عمل لفترة وجيزة بصحيفة السودان الجديد، قبل أن يؤسس مع زميليه بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان صحيفة الأيام التي صدر أول أعدادها في الثالث من أكتوبر من العام 1953.
خسران كبيرمن جهته قال مدير طيبة بريس محمد لطيف، إن الحزن خزان بأن محجوب لم يمت في أرضه ولم يدفن في ترابه، وشخص مثل محجوب يستحق أن يشيع التوسيع اللائق به، لأنه أعطى ولم يستبق شيئا.
ويضيق، المؤسف أن محجوب يغادر وفي قلبه حسرة للحالة التي يمر بها السودان، وأنا أشعر باليتم بعد رحيله.
وأوضح لطيف، أن الراحل لم يكن مجرد صحفي بل كان شعلة من الوطنية، ومشغول باستمرار بالأزمة السودانية، ولكن للأسف ظلت تصورات محجوب تصطدم بعناصر آلت على نفسها أن يكون السودان في مؤخرة الركب، ومتعثرا، لذلك هنالك خسران كبير بأن يرحل محجوب ولم تتح له الفرصة ليسهم في إنقاذ البلد “.
وأكد أن قيام عزاء طيبة بريس للراحل في كمبالا لأن محجوب ظل السند والعضد والمستشار غير مدفوع الأجر لطيبة بريس منذ تأسيسها وحتى رحيله، لذلك سنظل أوفياء للراحل، الذي سيظل رقم فارق في الحياة السودانية.
وشغل الأستاذ محجوب منصب مدير تحريرها في أول اصادره لها، كما ترأس الراحل مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية حتى وفاته، أشتهر بعموده أصوات وأصداء الذي تناول فيه تحليل الوضع السياسي في السودان، والمشاكل التي تواجه المواطن العادي.
له العديد من المؤلفات أبرزها سفره القيم، تاريخ الصِّحافة السودانية في نصف قرن، بجانب أضواء على قضية الجَنُوب وغيرها ونال العديد من الجوائز داخل وخارج السودان.
شخصية مهمة
ويقول عضو جائزة محجوب محمد صالح، السرد السيد، إن الشعب السوداني فقد شخصية مهمة في وقت استثنائي والبلاد تشهد التمزق والحرب المدمرة.
وأضاف:” رؤية الراحل متسامحة تسامحا تحرريا وفي نفس الوقت رؤيته ثاقبة “.
وتابع:” الناس فكروا منذ وقت مبكر في إعطاء هذه الشخصية حقها من خلال ربطها بجائزة كبيرة لصحافة السودانية السودانية في مختلف المجالات “.
ويقول الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني، عبد القيوم عوض السيد، إن الراحل محجوب محمد صالح كانت مساهماته في المجال العام متخطية كل الحدود، وأي شخص يلمس في الراحل ما يليه.
ويضيف:” بالنسبة لنا في الحركة السياسية لم يفرق بين شخص وآخر، وإذا طلبنا منه استشارة أو مشاركة في منشط لم يتأخر قط “.
وأكد عبد اليوم أن واحدة من المآسي أن يرحل محجوب بعيدا عن وطنه ونحن موجودون الآن في كمبالا بسبب الحرب”.
وسيظل الثالث عشر من فبراير من عام الفين واربعة وعشرين علامة سوداء في تاريخ الصحافة السودانية بفقدها لاحد اعمدتها الصلبة واركانها الأساسية بفقدان عميدها محجوب محمد صالح.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الصحافة السودانية محجوب محمد صالح الصحافة السودانیة
إقرأ أيضاً:
نقد لمقال فيصل محمد صالح بعنوان: “علامان من حرب السودان – لم ينجح أحد”
أول ما يلفت الانتباه في هذا المقال ليس عمق التحليل أو قوة المنطق، بل ما يختبئ خلف الكلمات من تحيّز فج وموقف ضبابي يتخفى خلف قناع “الحياد الزائف”. الكاتب، المعروف بانتمائه السابق لقوى الحرية والتغيير (قحت)، وهي ذات القوى التي تساهلت تاريخيًا مع تمدد المليشيات داخل الدولة، والتي وقعت معها الاتفاق الإطاري و اتفاق أديس ابابا و غيرها من التحالفات، يحاول في هذا المقال عبثًا أن يوهم القارئ بأنه يتناول الحرب من منظور إنساني عام، بينما في الواقع، يضرب على وتر خبيث وهو: تبرئة المليشيا وتجريم الحرب بحد ذاتها، دون تحميل المعتدي المسؤولية.
*أولاً: الخلط المقصود بين الجلاد والضحية*
الكاتب يزعم أن “الجميع خسر ولم ينجح أحد”، وهو تعميم رخيص وكسول. الحقيقة أن من بدأ الحرب هو المليشيا المتمردة، ومن ارتكب الجرائم الموثقة ضد المدنيين في الخرطوم، وود نورة، والتكينة، والفاشر، هم عناصر “قوات الدعم السريع”، باعتراف المنظمات الدولية. ومع ذلك، يصر الكاتب على مساواة الضحية بالجلاد. هذا ليس فقط تضليلاً إعلاميًا، بل هو تواطؤ أخلاقي فاضح.
*ثانياً: استراتيجية “التذاكي” لتبرئة المليشيا*
في الوقت الذي يعدد فيه الكاتب جرائم المليشيا من هجوم على معسكرات النازحين، إلى قصف الأحياء السكنية، نجده يختم كل فقرة بمراوغة: “الحرب هي السبب”، وكأن الحرب كائن نزل من السماء، لا طرف بدأها، ولا مجرم قادها. هذا أسلوب معروف، هدفه تبرئة الفاعل الحقيقي وطمس معالم الجريمة، بل وشرعنتها.
*ثالثاً: ادعاء حياد كاذب لتبييض صورة المليشيا*
القول بأن “الجيش السوداني أيضاً يرتكب جرائم مثل المليشيا” هو محاولة بائسة لتسويق مقولة مهترئة تجاوزها الوعي الجمعي للشعب السوداني. هذا التكتيك المفضوح أصبح اليوم سُبّة، ودليل دامغ ضد أي كاتب يستخدمه. الفارق بين جيش نظامي يحارب لحماية الدولة، وبين مليشيا نهب وقتل واغتصاب، لا يمكن محوه بعبارات صحفية متذاكية.
*رابعاً: التباكي على الرموز دون إدانة الفاعلين*
حتى حين يذكر مقتل الطبيبة هنادي النور، لا يجرأ الكاتب على تسمية القاتل الحقيقي بوضوح، ولا يحمّل المليشيا المسؤولية. بل يعيد الكرة مرة أخرى ويلجأ للعبارات العامة: “ضحية الحرب”، “الخسائر الإنسانية”، وكأن هنادي سقطت من السماء، لا برصاص معلوم المصدر والنية في جريمة حرب تحرمها القوانين الدولية.
*خامساً: التباكي المبتذل على “الانقسام المجتمعي”*
الكاتب يذرف دموع التماسيح على “تفكك المجتمع”، لكنه يتجاهل أن المليشيا هي من غذّت الخطاب القبلي، واستهدفت مجموعات بعينها بالتصفية والاغتصاب، وهي التي زعزعت أسس التعايش. من الغريب أن مقالاً بهذا الطول لا يحتوي إدانة صريحة لهذه الفظائع، بل يمر عليها بخفة مريبة، وكأنها تفاصيل جانبية.
*خلاصة القول:*
هذا المقال نموذج صريح للحياد الزائف، الذي يستخدم قناع “التحليل الإنساني” لتبييض صفحة المليشيا، وتشويه صورة الجيش السوداني، والتهرب من إدانة المعتدي. إنه خطاب مائع ومشبوه، يتبناه من لم يعد يجرؤ على الوقوف علنًا مع المليشيا، فيلجأ إلى التذاكي، والتعميم، والمراوغة. ومثل هذا الطرح، بعد عامين من المجازر، لم يعد فقط غير مقبول، بل أصبح دليلاً على التواطؤ الأخلاقي مع القتلة.
د. محمد عثمان عوض الله
إنضم لقناة النيلين على واتساب