الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق.. الحليف الأقوى لعصابات الجريمة والاحتيال
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
كشفت شركة "مايكروسوفت" مطلع فبراير، عن تفاصيل عملية قرصنة لبث تلفزيوني في دولة الإمارات، استخدم القراصنة فيها تقنيات التزييف العميق بواسطة الذكاء الاصطناعي لإظهار مذيع مفترض يقرأ تقريرا إخباريا مزيفاً يتناول الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، ويحاول التلاعب بمشاعر الرأي العام بالدولة الخليجية.
وفي الوقت ذاته، كانت ولاية نيوهامشير الأميركية شاهدة على عملية تزييف مشابهة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمخادعة، عبر استنساخ صوت الرئيس الأميركي، جو بايدن، في اتصالات هاتفية مزيفة دعت الناخبين إلى عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية التمهيدية.
وبين الواقعتين وقبلهما، شهد العالم عشرات الأحداث المشابهة التي تخللتها عمليات احتيال ومخادعة للجمهور بشكل عام أو للأفراد بصورة شخصية، كان المشترك الوحيد بينها، اعتمادها على الأدوات والإمكانات التي بات يتيحها الذكاء الاصطناعي لاسيما التوليدي منه، في عملية تزييف الحقائق والصور والأصوات، مما يضع العالم وجها لوجه أمام سيناريوهات مخيفة.
الغارديان: قراصنة مدعومون من إيران يخترقون خدمات بث تلفزيوني في الإمارات ذكرت شركة "مايكروسوفت" أن مجموعة قرصنة مدعومة من قبل الحرس الثوري الإيراني تمكنت من اختراق منصات بث تلفزيوني في الإمارات باستخدام بث إخباري مُزيف عن حرب غزة أنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي، وفاق لصحيفة "الغارديان".ولطالما حذر الخبراء من الدور الذي يمكن أن يلعبه التطور التقني للذكاء الاصطناعي في خدمة الجريمة والاحتيال الإلكتروني، وفي حماية العصابات والقراصنة من الكشف والملاحقة.
وبينما كانت المخاوف تتركز على دور الذكاء الاصطناعي في تطوير حملات التضليل ودعم الأخبار الزائفة للتلاعب بالجمهور والتأثير على الرأي العام وتزييف الحقائق بصورة شاملة، باتت المخاوف اليوم تتركز على ما يمكن أن يستهدف الأفراد والعائلات والشركات والكيانات بصورة خاصة وفردية وممنهجة، من قبل المحتالين والمبتزين باستخدام هذه التقنيات.
"من سيئ إلى أسوأ"وبالنظر إلى الإمكانيات التي بات يوفرها الذكاء الاصطناعي تبدو المخاوف السابقة واقعية ومنطقية، بل وفي بعض الأحيان دون مستوى توقعات الخبراء في هذا المجال، الذين يرون أن ما يجري حالياً "ليس سوى البداية".
وبحسب الخبير في التحوّل الرقمي وأمن المعلومات، رولان أبي نجم، فإن الذكاء الاصطناعي مع كل ما ينتج عنه حالياً "لا يزال في مرحلة البدايات، والتطور المقبل سيجعل كشفه أصعب بكثير، وتأثيره أكبر أيضاً".
وأوضح: "سيصبح من المستحيل التمييز بين الحقيقة والتزييف"، وهو ما سينطبق على كل ما هو موجود على الإنترنت من فيديوهات، وصور، ونصوص، ومعلومات.
وأضاف في حديثه لموقع "الحرة"، أن الأمور تتجه "من سيئ إلى أسوأ"، في ظل التنامي والتطور اليومي لقدرات الذكاء الاصطناعي، مقابل التأخر العام عن المواكبة السريعة في تقنيات الكشف، وآليات المكافحة، وتشريعات التنظيم والمحاسبة.
وحذر أبي نجم من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لديه قدرة عالية على التزوير وعلى خداع الرأي العام وتسهيل عمليات احتيال كبيرة جداً.
يتعلم من البشر ليتفوق عليهم.. كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟ مع التقدم التكنولوجي، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) أحد أسرع تطوراته. فكرة الجهاز الذي يتعلم ويتخذ قرارات مستقلة قد تبدو مثيرة للاهتمام للغاية، ولكن كيف يعمل بالضبط؟من جانبه، يؤكد الخبير بالذكاء الاصطناعي والرئيس التنفيذي لشركة "Zaka" التكنولوجية، كريستوفر زغبي، أن أدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت تمكن عصابات الاحتيال أكثر من القيام بعملياتهم، وتسهل الجرائم الإلكترونية وترفع وتيرتها.
وأضاف في حديث لموقع "الحرة"، أن "استخدام التكنولوجيا في عمليات الاحتيال والجرائم أمر سابق لظهور الذكاء الاصطناعي وأدواته التوليدية، وهو الحال مع كل تقنية جديدة يجري استخدامها".
واستدرك: "إلا أن الذكاء الاصطناعي بات أداة أسرع وأقوى بكثير، وبالتالي هي تقدم أساليب أكثر إقناعاً وإتقاناً".
وفي حين كان التزييف يصل إلى حد استنساخ الشكل وبعض الحركات أو إنتاج صور مزيفة، فإن الذكاء الاصطناعي، بحسب زغبي، جعل بالإمكان "استنساخ أسلوب الشخص في التحدث أو الكتابة، وتقليد سلوكه والتنبؤ بالأطباع والتصرفات بالإضافة إلى تزييف الصوت والصورة"، وهو ما بات يمكّن عصابات الاحتيال من أن يتحدثوا إلى معارف الشخص، أو زملاء العمل، أو أصدقائه، أو عائلته بأسلوبه والكلمات التي يستخدمها عادة.
احتيال بلا حدودوكان العالم قد ضج بعملية احتيال أدت إلى خسارة شركة متعددة الجنسيات في هونغ كونغ نحو 26 مليون دولار أميركي بعد أن تعرض موظفوها لخداع من عصابة محتالين عبر مكالمة فيديو جماعية مزيفة عبر تقنية التزييف العميق، حيث انتحلوا شخصية المدير المالي للشركة وأشخاصاً آخرين في المكالمة، وأقنعوا الضحية بإجراء ما مجموعه 15 تحويلاً إلى 5 حسابات مصرفية، بحسب ما نقلت وكالة "بلومبيرغ".
"مكالمات من مديرك".. أحدث موجة من عمليات "نصب الذكاء الاصطناعي" يبحث اللصوص والمحتالون عبر الإنترنت باستمرار عن طرق جديدة لخداع الأشخاص، ومن أحدث تلك الخدع انتحال شخصيات آخرين عن طريق محاكاة أصواتهم بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن ثم النصب على الضحايا من خلال إيهامهم أن المتحدث هو قريبهم أو مديرهم أو أحد معارفهم، وفقا لما ذكرت وكالة "بلومبيرغ".وبحسب "بلومبيرغ"، فإن أدوات تعديل الفيديوهات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي فتحت مجالات أمام المحتالين كانت تعتبر آمنة في الماضي، مما يبرز سرعة تطور تقنية التزييف العميق خلال العام الماضي وحده، حيث أصبح الإعداد لعمليات الاحتيال المعقدة أسهل نسبياً، مما يدفع نحو عصر جديد من التشكيك.
ووفقاً لتقرير سابق نشره موقع "تالوس" بشأن كيفية استفادة المجرمين من التقدم الكبير لتقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن تلك البرامج تساعد المستخدمين على إنشاء نصوص برمجية وتعديل الصور، وتبسيط عمليات المجرمين، وجعلها أكثر كفاءة وتطورا وقابلية للتوسع مع السماح لهم بالتهرب من الاكتشاف.
وتشمل الأعمال الخبيثة للمجرمين نشر المعلومات المضللة، وتعديل الصور بهدف الابتزاز الجنسي، وإنشاء برامج ضارة وخبيثة، وفقا لمتخصصين بقطاع التكنولوجيا والأمن السيبراني.
ويتطرق كل من أبي نجم والزغبي في حديثهما، للعديد من الأمثلة على ما يجري من جرائم تعتمد التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي، من بينها عمليات تزييف الخطف، وذلك من خلال اتصالات مزيفة تتضمن مقاطع صوتية مستنسخة للضحايا المفترضين، بغية ابتزاز عائلاتهم والحصول على فدية مالية.
وكذلك بالنسبة إلى عمليات الاحتيال التي تقوم على تزييف طلب صديق أو قريب أو فرد من العائلة، للأموال بصورة عاجلة من خلال اتصالات وهمية أو فيديوهات أو مقاطع صوتية مفبركة بالتزييف العميق لخداع الضحايا.
وأصدرت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية في الثامن من فبراير الجاري، قرارا يحظر "فوريا" المكالمات الآلية الاحتيالية التي تتضمن أصواتا مزيفة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، واتخذت إجراءات صارمة بشأن ذلك.
وتمنح هذه الخطوة المدعين العامين المزيد من الأدوات القانونية، لملاحقة المتصلين الآليين غير القانونيين الذين يستخدمون الأصوات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي لخداع الأميركيين.
قرار أميركي بحظر المكالمات الآلية الاحتيالية المزيفة بالذكاء الاصطناعي أصدرت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية، الخميس، قرارا يحظر "فوريا" المكالمات الآلية الاحتيالية التي تتضمن أصواتا أصواتا مزيفة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، واتخذت إجراءات صارمة ضد ما يسمى بتكنولوجيا "التزييف العميق" التي يقول الخبراء إنها قد تقوّض أمن الانتخابات أو تزيد من عمليات الاحتيال.وقالت رئيسة لجنة الاتصالات الفيدرالية، جيسيكا روزنورسيل، في بيان: "تستخدم الجهات السيئة الأصوات التي يولدها الذكاء الاصطناعي في مكالمات آلية غير مرغوب فيها لابتزاز أفراد الأسرة الضعفاء، وتقليد المشاهير، وتضليل الناخبين"، مضيفة "نحن ننبه المحتالين الذين يقفون وراء هذه المكالمات الآلية".
ومع تزايد قدرات أدوات التوليد الآخذة بالتطور، ما عادت عمليات التزييف والاحتيال تقتصر على جانب أو تنحصر بحدود أو نطاق، وإنما باتت تطال كافة جوانب الحياة الرقمية والتعاملات عبرها.
فعلى سبيل المثال، يمكن لأي شخص اليوم عبر "الويب المظلم" أن يحصل على هوية مزيفة صادرة عن أي دولة في العالم، تحاكي تلك الحقيقية، مقابل دولارات قليلة، بحسب ما يؤكد زغبي، ويتم استخدامها على نطاق واسع في عمليات التوثيق والتحقق التي تجري عبر الإنترنت باستخدام صور الهويات وجوازات السفر.
وعليه يمكن اليوم لأي جهة أن تخلق حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي بصور أشخاص غير موجودين فعلياً مولدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مرفقة بهويات تعريف خاصة بهم، وتحويلهم إلى أشخاص موجودين وموثقين، وفقاً لزغبي، الذي يلفت إلى توفر مواقع تقدم هذه الخدمة، من خلال تقديم وجوه بملامح غير موجودة في الحقيقة لاستخدامها.
وبدوره، يشير أبي نجم إلى أن هذه الهويات والأوراق الثبوتية المزورة بحرفية عالية وبأدق التفاصيل عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، "تستخدم على نطاق واسع على مواقع ومنصات تداول العملات الرقمية، حيث يطلب من المستخدمين صور عن جوازات سفرهم ليتعرفوا إليهم".
ويعود ذلك لكون العملات الرقمية المشفرة تستخدم في عمليات الابتزاز والاحتيال، وبالتالي "لتجنب إبراز هويات حقيقية (بطاقات شخصية أو جوازات سفر) يلجؤون إلى مواقع تصدر هذا النوع من الهويات، مقابل 15 دولاراً، ويرسلونها إلى منصات التداول التي لا تملك الداتا (البيانات) الموجودة في المطارات للتأكد من صحة الجوازات والأوراق الثبوتية فيتم استغلال هذه الثغرة"، وفق أبي نجم.
وكذلك، لفت الخبير في الأمن السيبراني إلى أساليب احتيال جديدة باستخدام تقنيات التزييف العميق، تقوم على تزييف إعلانات لمشاهير وشخصيات معروفة، مثل مارك زوكربرغ أو إيلون ماسك، وهم يروجون لتطبيق أو منتج معين عبر الحديث عنه والادعاء أنهم يستخدمونه أو ينصحون به، من أجل كسب ثقة الناس والاحتيال عليهم.
كذلك أشار أبي نجم إلى ظاهرة ما يسمى "AI إنفلونسرز"، وهم عبارة عن حسابات لأشخاص غير موجودين في الحقيقة صورهم وشخصيتهم بالكامل مولدة عبر الذكاء الاصطناعي، يؤدون دور المؤثرين، ويقومون بأعمال تسويق وعرض أزياء ومنتجات وخدمات وما إلى ذلك، ولديهم متابعين بمئات الآلاف وعملاء يعملون معهم، وأشخاص يحاولون التحدث إليهم أو التقرب منهم، في حين أنهم غير موجودين في الحقيقة.
تجسس وابتزاز و"خطف وهمي".. كيف جعل الذكاء الاصطناعي عالم الجريمة "أكثر خطرا وقربا" من الناس؟ رغم أن التطور المستمر في التكنولوجيا يسهل من حياة الإنسان ويمكن أن يقدم خدمات جليلة للبشرية، إلا أن ذلك يبقى سلاحا ذو حدين. التزييف العميق الآني.. أمر واقعوما عاد التزييف يقتصر فقط على المحتوى المنتج مسبقاً، إذ باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي تتيح التزييف المباشر أو الآني، الذي يتم في الوقت الحقيقي، حيث يمكن تزييف اتصالات صوتية أو فيديو في لحظة إجراء المكالمة، مما يفرض مزيداً من التحديات والتهديدات، ويزيد من فرص استفادة المجرمين والمحتالين.
وبينما كانت هذه التقنية أقرب إلى قصص أفلام الخيال العلمي، فإن إمكانية تنفيذها تقنيا اليوم أصبحت أمرا واقعاً، بحسب ما يؤكد الخبراء.
ولفت زغبي إلى أن التزييف العميق الآني لا يزال صعب التنفيذ، لكنه أكد أنه أصبح قابلاً تقنيا للتحقيق،" فيحتاج إلى تقنيات متقدمة ومكلفة وجهد كبير لاستنساخ الصوت والصورة وملاءمتها مع الحركات خلال إجراء الاتصال أو البث، ولكن تقنياً الأمر مقدور عليه".
وفي مثال على ذلك، يستشهد أبي نجم ببرامج وتطبيقات "الفلتر" للصور والفيديوهات، مؤكداً أنها نوع من أنواع التزييف الآني للوجوه وأشكالها، لافتاً إلى أن إصدار شركة آبل من النظارات الذكية تحمل دليلاً أيضاً على القدرة التقنية على التزييف العميق الآني، حيث تتيح تلك النظارات تبديل صورة وجه الشخص الذي تتحدث إليه على أرض الواقع في اللحظة نفسها.
وفي هذا السياق، قالت وكالة بلومبيرغ إنه "يكاد يكون يقيناً أن عملية الاحتيال التي وقعت في هونغ كونغ، استخدمت التزييف العميق الآني، مما يعني أن المدير المزيف كان يماشي حركات المحتال في إنصاته وحديثه وإيماءاته خلال الاجتماع".
وفي هذا الصدد، قال أستاذ علم الجريمة في جامعة ولاية جورجيا، ديفيد مايمون، إن المحتالين عبر الإنترنت "يستخدمون التزييف العميق الآني في مكالمات الفيديو منذ العام الماضي على الأقل، في عمليات احتيال أصغر، ومنها الخداع العاطفي".
عجز عن المواجهةوأمام التطور التقني الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي لعمليات التزييف، لا يبدو أن الأدوات المتاحة حالياً وفي المدى المنظور قادرة على كشف ذلك التزييف أو المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي بصورة حاسمة، وفقاً للخبراء.
ويجزم الزغبي بعدم وجود قدرة تقنية على كشف التزييف المولد بالذكاء الاصطناعي، إذ لا يزال من الصعب مكافحة هذه الأدوات أو كشفها، "خاصة أن هذه التقنيات في طور التقدم والتحسن يوماً بعد يوم، مما يجعل كشفها أصعب، وبالتالي ما من حل تقني متاح حالياً للاستخدامات السلبية لهذه الأدوات".
وتابع: "فيسبوك حاولت قبل عام تقريباً إجراء منافسة من أجل تدريب الذكاء الاصطناعي لكشف التزييف المولد عبر الذكاء الاصطناعي، لكنهم لم يصلوا إلى نتيجة بفعالية عالية، وبالتالي لا يزال الاعتماد الأكبر على التدقيق البشري الأكثر جدوى في رصد التزييف العميق والهفوات التي قد تظهر فيه".
ويتأسف الخبير بالذكاء الاصطناعي لكون "أغلب الجمهور غير مدرب أو قادر أو مستعد لتدقيق كل ما يتلقاه في العالم الرقمي من معلومات ومحتوى، وثمة فئات لا تعلم بأمر التزييف وتقنياته من أصلها.. وسيتابع هؤلاء حياتهم دون التوقف عند صحة ما يتلقونه، وهنا ستكمن المشكلة".
وبدوره، أكد أبي نجم أن الناس لن تكون قادرة على تمييز ما ينتج عبر الذكاء الاصطناعي وما هو حقيقي في العالم الرقمي، مضيفاً "اليوم وصلنا إلى مرحلة نحتاج فيها إلى روبوتات الذكاء الاصطناعي لكشف إنتاجات الذكاء الاصطناعي".
وتابع: "كل ذلك ولم نصل بعد إلى مرحلة الكوانتوم كومبيوتر، الأسرع بملايين المرات عما لدينا اليوم، حينها سيكون الذكاء الاصطناعي مرعب، وسيكون من الاستحالة التمييز بين الحقيقة والتزييف، وهنا التأثير الكارثي".
أما عن سبل المواجهة المتاحة، فهي ببساطة غير موجودة، بحسب ما يؤكد أبي نجم، مضيفاً أن اتجاه الجرائم الإلكترونية على مدى أكثر من 30 عاماً من عمر الإنترنت "كان تصاعدياً واستمر دون تراجع حتى اليوم، بالرغم من محاولات أطراف عدة لوضع تنظيمات وتشريعات وقوانين تضبط تلك الجرائم "دون جدوى، فليس للجرائم الإلكترونية حدود جغرافية معينة لضبطها".
وتابع: "فلنتفرض أن الاتحاد الأوروبي أتم تشريعاته المرتبطة بضبط استخدام الذكاء الاصطناعي، ماذا عن باقي الدول؟ ماذا عن الصين مثلاً أو كوريا الشمالية؟ كيف سينجح فرض تلك القوانين عليهم أو التحكم بما ينتج هناك؟.. يمكن وضع القوانين لكن تطبيقها ليس بالسهولة نفسها".
ورأى زغبي أن الناس بحاجة لهذا النوع من التشريعات لكي يتم ضبط استخدامات هذه الأدوات المتاحة اليوم أمام الجميع، من قبل جهات موثوقة لدى الناس.
في المقابل، اعتبر أبي نجم أن سرعة التشريع "لا تناسب السرعة التي تتطور بها تلك التقنيات، فما يتم تشريعه اليوم، يختلف واقعه غداً".
ويخلص الخبراء إلى أن السبيل الوحيد لمواجهة مخاطر وتأثيرات هذه التقنيات هو "الوعي التام، وعدم الثقة بكل ما يتلقونه من محتوى رقمي عبر الإنترنت"، داعين الناس إلى عدم تصديق كل ما لا يرونه مباشرة بالعين، وليس بالصوت والصورة أو عبر الإنترنت.
وأردف أبي نجم: "حتى بالجانب الشخصي، مثل اتصالات مع ارقام نعرفها أو فيديوهات أو مقاطع صوتية لأشخاص نعرفهم، ما عاد بالإمكان الثقة بكل ما هو رقمي".
واعتبر أنه أصبح مطلوباً اليوم من كل شخص أن يكون مدقق معلومات وحقائق، "وهذا يحتاج إلى تثقيف وتدريب".
نصائح عامةوكانت وكالة "بلومبيرغ" قد نشرت في تقرير عدداً من النصائح التي من شأنها أن تساعد في كشف التزييف العميق الآني على وجه الخصوص، الذي قد يكون الأكثر استخداماً في عمليات الاحتيال في الفترة المقبلة، أبرزها:
استخدام الإشارات البصرية للتحقق من هوية المتحدث، إذ أن التزييف العميق الآني لا يزال عاجزاً عن تمثيل حركات معقدة، لذا يمكن في حالة الشك الطلب من الطرف الآخر، خلال مكالمة الفيديو، أن يلتقط كتاباً على مقربة منه، أو أن يؤدي حركة ليست معتادة في هذه المكالمات. مراقبة حركة الفم، حيث من الممكن أن يظهر عدم التناغم في تزامن حركة الشفاه مع الكلمات أو في تعبيرات الوجه الغريبة التي ليست ناجمةً عن خللٍ اعتيادي في الاتصال. استخدام مصادقة متعددة المصادر، خاصة في الاجتماعات ذات الطبيعة الحساسة، ولا بأس بالتأكد من هوية المحدث عبر محادثة جانبية عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو تطبيق مصادقة بغرض التثبت من هوية المشاركين. استخدام قنوات آمنة أخرى لتأكيد القرارات وتبادل المعلومات الحساسة، مثل تطبيقات الرسائل المشفرة. التحديث الدائم للبرامج والتطبيقات، لاسيما تلك الخاصة بمكالمات الفيديو لضمان توفر أحدث الخصائص الأمنية المدرجة للكشف عن التزييف العميق. تجنب منصات مكالمات الفيديو غير المعروفة، حيث يفضل اختيار منصات معروفة تتمتع بإجراءات أمنية قوية نسبياً، خصوصاً في الاجتماعات التي تتسم بالحساسية. الانتباه للتصرفات والأنشطة المثيرة للريبة، مثل الانتباه إلى الطلبات العاجلة لتحويل الأموال، والاجتماعات التي تُعقد فجأة وتشمل قرارات مهمة، وتغير نبرة شخص ما أو لغته أو أسلوبه في الكلام. كما يستخدم المحتالون عادةً أساليب ضغط، لذا يجب الحذر أيضاً من أي محاولة لتسريع التوصل إلى قرار.المصدر: الحرة
كلمات دلالية: تقنیات الذکاء الاصطناعی بواسطة الذکاء الاصطناعی بالذکاء الاصطناعی المکالمات الآلیة عملیات الاحتیال عبر الإنترنت فی عملیات لا یزال بحسب ما من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
مترجمون يناقشون مستقبل الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي
في ظل الثورة التكنولوجية المتسارعة، أصبحت الترجمة عبر الذكاء الاصطناعي موضوعا يثير جدلا واسعا بين المتخصصين. بينما يُنظر إلى هذه التقنيات كأدوات تُسهّل العمل وتسهم في تسريع العملية، يبرز التساؤل: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينقل الروح الإنسانية للنصوص كما يفعل المترجم البشري؟
في هذا الاستطلاع، نتحدث مع مجموعة من المترجمين من مختلف الخلفيات الثقافية حول رؤيتهم لهذه القضية. يناقشون معنا طبيعة العلاقة بين النص الأصلي والمترجم، وكيفية تفاعل الذكاء الاصطناعي مع هذا الدور. هل الذكاء الاصطناعي وسيلة لتطوير الترجمة أم تهديد لإنسانيتها؟ وهل سيظل الإنسان قادرًا على الحفاظ على مكانته في هذا المجال؟
بين دفاعهم عن قيمة الإبداع البشري وإدراكهم لأهمية التكنولوجيا كوسيلة مساعدة، يقدّم لنا مترجمون ومختصون رؤى مؤثرة تُبرز تحديات الحاضر وآفاق المستقبل.
بين التهديد والاستفادة
بداية يستعرض المترجم النيجيري الأستاذ الدكتور مشهود محمود جمبا (الفائز بجائزة حمد للترجمة عن ترجمته من لغة اليوربا إلى اللغة العربية)، رؤيته حول حدود الذكاء الاصطناعي في الترجمة فيقول: في الحقيقة، لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى بخصوصياته وقدراته الفريدة، العقل البشري يتميز بالانفعال، والشعور، والطبيعة الإنسانية التي تفتقر إليها الآلات. الذكاء الاصطناعي، مهما تطور، يظل أداة من صنع الإنسان، ولن يصل إلى مستوى الإبداع الإنساني الطبيعي الذي أودعه الله فينا.
ويشير مشهود محمود إلى أن الذكاء الاصطناعي يُعَد مجرد أداة لتسريع العمليات الحسابية والمعالجة اللغوية، لكنه يفتقر إلى العمق الإنساني، حيث يقول: الذكاء الاصطناعي هو بوت تُدخل إليه البيانات، وهو يُعيدها إليك بسرعة، الحصيلة سريعة، لكنها لا تضاهي ما يمكن أن يقدمه الإنسان بعقله وانفعالاته، الذكاء الاصطناعي قد يهدد دور الإنسان لفترة قصيرة، لكنه يظل محدودًا بطبيعته كمنتج بشري، وبالتالي لن يستطيع أن يكون بديلًا حقيقيًّا.
وعند الحديث عن تأثير التكنولوجيا على المترجم، يضيف «جمبا»: مثلما جاء الحاسوب في وقت مضى وأحدث تغييرًا، الذكاء الاصطناعي سيأخذ مكانه في مرحلة ما. لكن، كما لم يستطع الحاسوب أن يستبدل الإنسان بالكامل، كذلك الذكاء الاصطناعي. التكنولوجيا قد تؤثر إلى حد ما، لكنها لن تلغي الدور البشري. المترجم الحقيقي، بذكائه الطبيعي، سيظل أساسيًّا، وسيبقى هو من يدير هذه الأدوات ويستفيد منها.
ويرى «جمبا» أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة مفيدة إذا تم استخدامه بحكمة، قائلًا: اليوم نرى كيف يستفيد الإنسان من أدوات مثل محركات البحث وجوجل، وكذلك يمكنه الاستفادة من الذكاء الاصطناعي. ولكن، هذه الأدوات تظل ذات فوائد محدودة. الإنسان، بطبيعته وقدرته على الإبداع والانفعال، سيظل متفوقًا، التكنولوجيا الحديثة تفتقر إلى هذه الانفعالات، ولهذا لن تتمكن من أخذ مكان الإنسان بشكل كامل. الإنسان سيبقى دائمًا هو المبدع، والمتحكم، والقائد».
ويختم المترجم النيجيري الأستاذ الدكتور مشهود محمود جمبا حديثه بتأكيده على أن الذكاء الاصطناعي سيظل تحت سيطرة الإنسان، قائلا: الإنسان هو من يصنع الذكاء الاصطناعي، وبالتالي سيبقى دائمًا تحت إمرته وإدارته، فمهما تطورت التكنولوجيا، فإنها تبقى أداة لا يمكن أن تتجاوز حدودها كمجرد صناعة بشرية.
أبعاد الترجمة
وحول رؤيته للعلاقة المعقدة بين المترجم والنص الأصلي يقول الباحث الكويتي الدكتور عثمان الصفي أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة الكويت: عندما نتحدث عن المترجم، علينا أن نبدأ من نقطة أساسية، وهي كونه قارئًا للنص الأصلي قبل أن يكون مترجمًا. هذه الخطوة (القراءة) هي في حد ذاتها فعل مهم للغاية. النص لا يتفاعل فقط مع القارئ وكأنه عنصر جامد، بل إن القارئ يشارك في عملية بناء النص بشكل أو بآخر. إذا رجعنا إلى النظرية البنيوية، نجد أن القارئ ليس منفعلًا بل فاعل، وهناك مفاهيم مثل ‹موت المؤلف› التي تدعم هذه الفكرة. بمعنى آخر، القارئ، أثناء قراءته للنص، يُدخل إليه ثقافته وفهمه الخاص وتجربته الحياتية، ليعيد معالجته على مستوى شخصي، وهذا الدور يتعاظم عندما يتحول القارئ إلى مترجم. المترجم هنا لا ينقل النص فقط، بل يُعيد تشكيله بما يتناسب مع اللغة والثقافة التي يترجم إليها. النص الأصلي يتأثر، لا محالة، بعقل المترجم وثقافته وفهمه الخاص. هذا التأثير ليس عيبًا، بل هو جزء من جوهر الترجمة. في النهاية، النص المترجم يصبح مزيجًا بين اللغة الأصلية واللغة المستهدفة، وبين الفهم الثقافي للكاتب الأصلي والفهم الثقافي للمترجم، وهنا تظهر نقطة في غاية الأهمية: لا يمكن للترجمة أن تكون مجرد فعل آلي. صحيح أن الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم قادرًا على ترجمة النصوص بطريقة حرفية إلى حد كبير، لكنه يفتقر إلى تلك اللمسة الإنسانية التي تتطلبها عملية الترجمة الحقيقية. الذكاء الاصطناعي يعمل على مستوى الكلمات والمعاني الحرفية، ولكنه لا يمتلك الأدوات العقلية أو العاطفية التي تمكنه من إسقاط النص الأصلي على اللغة المستهدفة بشكل يعكس جميع أبعاده. الترجمة عملية معقدة تحتاج إلى إنسان يمتلك ثقافة وخبرة وحسًا لغويًّا عميقًا.
ويضيف «الصفي»: إذا نظرنا إلى التخصصات المختلفة في الترجمة، نجد أن الفرق بين الترجمة البشرية والترجمة بالذكاء الاصطناعي يبرز بوضوح في بعض المجالات دون غيرها. في المجالات التقنية والعلمية، حيث النصوص عادةً مباشرة وموضوعية، قد يكون من الصعب أحيانًا التمييز بين ترجمة الإنسان وترجمة الآلة. لكن الوضع مختلف تمامًا في العلوم الإنسانية والفنون. هذه المجالات تحتاج إلى تفاعل عاطفي وروحي مع النصوص، وهو أمر لا يمكن للآلة أن تقوم به... فعلى سبيل المثال، إذا نظرنا إلى ترجمة الأفلام أو النصوص الأدبية، سنجد أن النصوص في هذه المجالات تحتوي على تفاصيل إنسانية دقيقة، مثل المشاعر والرمزية الثقافية واللغة التصويرية. هذه الجوانب لا يمكن للذكاء الاصطناعي معالجتها بنفس العمق الذي يقدمه المترجم البشري. الترجمة هنا ليست مجرد نقل للمعنى، بل هي نقل للروح التي تقف وراء النص الأصلي.
وفي الختام يؤكد الدكتور عثمان الصفي، أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة الكويت أن الذكاء الاصطناعي سيظل متأخرًا في التعامل مع النصوص الإنسانية والفنية ويقول: هذه النصوص تتطلب مستويات متعددة من الفهم والمعالجة، وهي أمور تتصل بشكل مباشر بروح الإنسان وتجربته الفردية. الذكاء الاصطناعي قد يُسهم في تسهيل بعض جوانب الترجمة، لكنه لن يستطيع أبدًا أن يحل محل الإنسان عندما يتعلق الأمر بالنصوص التي تحتاج إلى لمسة إنسانية حقيقية.
تحديات مستقبلية
من جانبه يقول المترجم المغربي الدكتور الحسين بنوهاشم (الفائز مؤخرا بالمركز الثاني في جائزة حمد للترجمة عن ترجمته من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، كتاب «الإمبراطورية الخطابية» لشاييم بيرلمان): لا شك أن الذكاء الاصطناعي يقدم أدوات مفيدة يمكن أن تساهم في عملية الترجمة، ولكن لا يمكن بأي حال أن تحل هذه الأدوات محل الإنسان في الترجمة؛ فالنصوص المترجمة بواسطة الذكاء الاصطناعي، برأيي، تفتقر إلى البُعد الإنساني الذي يُضيفه المترجم من خلال فهمه العميق للنص، وتفاعله معه على مستوى عاطفي وثقافي، ولكني في المقابل لا أرفض استخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة مساعدة، ولكن لا ينبغي أن يكون هو البديل. الترجمة ليست مجرد نقل للمعاني، بل هي عملية إنسانية تحتاج إلى مفسر يضيف روحه وفهمه للنص، وهذا ما لا يمكن أن يقوم به الذكاء الاصطناعي، مهما بلغت دقته.
وحول المخاطر التي قد يسببها الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، عبّر «بنوهاشم» عن قلقه قائلا: نعم، هناك مخاطر حقيقية، والمستقبل قد يحمل توجهًا يجعل المترجمين مجرد أشخاص يعتمدون على التكنولوجيا فقط، وقد يتراجع دورهم الأساسي في العمل. السؤال هنا: من الذي يملك النص؟ من هو صاحب الترجمة؟ إذا كان النص مترجمًا بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، فهل يمكن نسبه إلى الإنسان؟ هذا يطرح إشكالية أخلاقية ومهنية كبيرة.
ويضيف الحسين بنوهاشم أن المترجم يجب أن يبقى عنصرًا أساسيًّا في عملية الترجمة، مهما تطورت أدوات الذكاء الاصطناعي، فأنا أؤمن بأن الدور الحاسم ينبغي أن يكون دائمًا للمترجم البشري، الذكاء الاصطناعي قد يُستعان به لتحسين الكفاءة وسرعة العمل، لكنه لا يمكن أن يعوض المترجم بالكامل، علينا أن نحافظ على هذا التوازن، بحيث تبقى إنسانية النصوص محفوظة ولا تُختزل في معالجة تقنية جافة.
ويختتم المترجم المغربي الدكتور الحسين بنوهاشم حديثه بالتأكيد على أهمية الترجمة كفعل إنساني حيث يقول: الترجمة ليست مجرد كلمات تُنقل من لغة إلى أخرى؛ إنها تعبير عن الروح والثقافة والإنسانية، فالنصوص بحاجة إلى لمسة المترجم، إلى رؤيته وخبرته، إلى حسه الخاص الذي لا يمكن للآلة أن تمتلكه.
وسيلة لا غاية
عن أهمية تقدير المترجمين وتحدياتهم في ظل التطورات التكنولوجية قال المترجم المغربي الدكتور إلياس أمحرار (الفائز بالمركز الثالث في فئة الترجمة من العربية إلى الفرنسية عن كتاب لأبو بكر ابن العربي): عند الحديث عن التطورات المتسارعة في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فإن هذه الأدوات يمكن أن تكون مفيدة إذا استُخدمت بحكمة؛ فالذكاء الاصطناعي وسيلة وليس غاية.. فالطريقة التي نتعامل بها مع هذه التكنولوجيا هي ما يحدد تأثيرها، فإذا استخدمناها كأداة صناعية تُعيننا وتُسهل علينا بعض الجوانب، فهذا أمر جيد، لكن إذا اعتمدنا عليها اعتمادًا كليًّا، فقد يُشكل ذلك خطرًا حقيقيًّا، خاصةً على المعجم العربي؛ فالاقتصار على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تكرار نفس الكلمات والمفردات، مما يُفقّر لغتنا بمرور الوقت».
«أمحرار» يؤكد أن المترجم عليه دور محوري في تحسين أدوات الذكاء الاصطناعي من خلال تزويدها بالمعلومات اللازمة.. يوضح قائلًا: الذكاء الاصطناعي أشبه بدابة تتغذى مما نمنحها، إذا أطعمتها محتوى جيدًا ودقيقًا، ستصبح أكثر كفاءة ودقة، وعلى المترجم أن يساهم في تدريب هذه الأدوات وإثرائها بالمعلومات الصحيحة، لضمان أنها تُنتج محتوى ذا جودة عالية.
وحول الخشية من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل المترجمين، أجاب إلياس أمحرار: العقل البشري هو شيء فريد وجميل.. الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة فعالة، لكنه لا يمكن أن يحل محل الإنسان، فالمترجم هو العقل الذي يُضيف للترجمة روحها ومعناها العميق.. نعم التقنية يمكن أن تساعد، لكنها لا تستطيع أن تحل محل الإبداع الإنساني.
ويختتم المترجم المغربي إلياس أمحرار حديثه بالتأكيد على أهمية الموازنة بين التكنولوجيا ودور المترجم الإنساني، قائلا: أنا مع استخدام الذكاء الاصطناعي، ولكن بدقة.. على المترجم أن يبقى في الصدارة، وأن يكون هو العقل الذي يُدير العملية، فالمترجم سيظل دائمًا هو من يُضيف القيمة الإنسانية للنصوص، وهو ما لا يمكن لأي آلة تحقيقه.
مراحل للنشأة الأولى
يقول المترجم المغربي حسن حلمي، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الحسن الثاني سابقًا، إن الترجمة الآلية تعتمد بنسب متفاوتة على الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي، في مقابل الذكاء الفطري آلة؛ فإن أنت أطعمتها لحم البقر، أطعمتك نقانق البقر، وإن أنت أطعمتها لحم الخنزير، أطعمتك نقانق الخنزير، وما هند إلا مهرة عربية.
وأشار «حلمي» إلى ما أوضحه الدكتور غسان مراد، في تقديمه لأحد المؤتمرات، الصلات المعقدة بين الترجمة والذكاء الاصطناعي. وكان من أهم القضايا التي نبّه إليها أولا، أن المترجم يستخدم التطبيقات ولا يصنعها، وثانيا، أن معطيات الذكاء الاصطناعي ثابتة، لكن معطيات اللغة متحركة تبعا لحركة الفكر، ثالثا، أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على التكرار، لكن الذكاء البشري يعتمد على الابتكار، ورابعا، أن من مشكلات الذكاء الاصطناعي، بحكم ثبات معطياته، أن الحاجة دائمة إلى نقض ما قد تؤسسه التطبيقات، فلا بد من التدخل لحملها على أن تنسى ما تم تخزينه في ذاكرتها حتى تواكب حركة الفكر.
وأضاف «حلمي»: لئن كان ما يسمى بالترجمة الآلية العصبية، والترجمة الآلية التي تعتمد على الإحصائيات وتحليلها قصد تقييم المنتج وتجويده، من الأدوات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، فإن لمسات الذكاء البشري ﻻ يمكن الاستغناء عنها. ومن ضمن الأدوات المستجدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي الأداة التي تقوم بالترجمة الفورية للنصوص مكتوبة كانت أو منطوقة، وكذلك ما يسمى بـالأداة التي تعتمد على أنظمة لتخزين/ حفظ محتوى سبق أن تمت ترجمته قصد الاستعانة به في التدوير، وفي تحقيق الاتساق في النتاج الترجمي، وثمة وجه آخر لتوظيف الذكاء الاصطناعي في الترجمة يقوم على تحرير المترجم من المهام الروتينية البسيطة، وتمكينه من التركيز على الأمور التي تتسم بالتعقيد، ويفترض أن هذا يساعد المترجم في السعي إلى تجويد إنجازه، وتوفر صناعة الذكاء أيضا أداة للتدقيق تستعمل لضمان الجودة في المنتوج المترجم، وذلك بأن تتيح الفرصة للمترجم ليتعرف على الأخطاء النحوية وعلى الأخطاء في التركيب وفي استعمال المصطلح.
ويختتم المترجم المغربي حسن حلمي، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الحسن الثاني سابقًا حديثه بالقول: لا شك في أن لاستعمال الذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة مزايا من بينها السرعة في الإنجاز والاقتصاد في الإنفاق، غير أن هذه المزايا غالبا ما تؤثر سلبا في جودة الترجمة ودقتها، ولئن كانت هذه المزايا مفيدة في المواقف اليومية البرجماتية، التي يتداول فيها العامة اللغة في حدودها الدنيا بنية تحقيق ما يعتقدون أنه تواصل، فإنها تظل، على الأرجح، عقيمة في المستويات الفكرية التي تنطوي على قدر من التجريد والتعقيد، أو في المستويات الأدبية التي لا ينفصل فيها المحتوى عن الأسلوب. وعلاوة على هذا، فإن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحل نشأته الأولى، وربما يمر وقت طويل قبل أن يكون مؤهلا لمواجهات تحديات الترجمة، وحتى إن أفلح، على المدى الطويل، في التصدي لبعض مصاعب الترجمة فإنه، حسب توقع المتشائمين من أمثالي، لن يقوم أبدا مقام الذكاء الفطري.