#الطريق_الطويل
د. #هاشم_غرايبة
لا يختلف إثنان على أن واقع أمتنا الحالي في جميع أقطارها مرير، وأن الحاجة ماسة الى الخروج من هذا الكابوس الطويل، لكن الإختلاف يقع دائما عند البحث عن الأسباب وطرح الحلول الأنجح.
الصعوبة في الحل هو أن أمتنا الآن تقبع في ذيل الأمم، لأن قوى الشد العكسي، وهي قوى الاستعمار الغربي وأعوانه من بني جلدتنا، كانوا يسيرون بأمتنا بعكس اتجاه السير، ففيما تغذ كل الأمم الأخرى الخطى بالتقدم الى الأمام.
ولأن هؤلاء المتآمرين هم الذين يملكون زمام الأمور، نجحوا بإعادة أمتنا الى ما دون الصفر.
لكن ما ساعدهم بعض الحمقى في الأمة ممن يطلقون على أنفسهم مسمى (تقدميين)، اعتقدوا أن المشكلة في طبيعتنا ومكوننا الثقافي، وهذه الفئة عدمية سوداوية منهم من يحيل السبب في تخلفنا الى مكوننا الموروث جينيا (العربي)، ومنهم من يحيله الى مكوننا الثقافي (الإسلامي)، لذلك يرون العلاج في قطع صلتنا بماضينا تماماً، لذلك بات الجهد للوصول الى النهضة التي تعيد أمتنا مصاف الأمم الأخرى مضاعفا، فعلينا أولا العودة الى الصفر، أي النقطة التي بدأت فيها أمتنا الارتقاء قبل خمسة عشر قرنا، ثم ننطلق منها صعودا.
الأغلبية موقنة أن سبب المشكلة هي هيمنة الأمم المتقدمة علينا ومنعها لنا من التقدم، وهذه الفئة متفائلة بأن الحل يكمن في إزالة تلك الهيمنة والتحرر من قبضتها، والبديل عن ذلك استنهاض وسائل التقدم ذاتيا، مرتكزين الى التجربة التاريخية الأولى، التي نجحت في ذلك الى أبعد الحدود.
صحيح أن رأي الفئة الثانية مقنع أكثر بكثير، لكنه غير موحد حول الآلية، وليس لديهم قيادات تضع برنامج التغيير.
بالنظر الى غلبة التقاعس والميل الى البحث عن الحلول السهلة والتي لا يترتب عليها تضحيات، يعتقد كثيرون بأن النهضة ستتحقق بمعجزة إلهية، وأن ماعلينا إلا استنساخ نمط ممارسات وعبادات السلف الصالح، فيرضى الله علينا فيرسل على أعداءنا جندا من عنده يهلكونهم.
المخلصون وذوي الأباب من الدعاة يعلمون شروط نصر الله، ويعرفون أنها لا تتوقف عند مجرد الصلاح الفردي والإستغراق في العبادة والتقرب بالنوافل، ولا هي بمحاكاة مظاهر السلف الصالح، بل بتغيير اجتماعي ثقافي سياسي شامل، وفق أسس ومتطلبات النهضة، وموائمة أحوال هذا الزمان واحتياجاته.
ساهم شيوخ السلاطين في توسع نطاق فئة منتظري المعجزة من غير عمل، والذين يتحملون أكبر وزر في ما نحن فيه، لأنهم أغرقوا الناس في أوهام أن النصر لا يلزمه سوى الطاعة المطلقة لولي الأمر، وأن الدعاء له بطول البقاء واجب شرعي.
هؤلاء يبعدون عيون الناس عن مراقبة أفعال الحكام الفاسدين، عن طريق إيهامهم أن حل المشكلة الوحيد هو الصلاح الفردي، والتدين المظهري.
ويلجأ بعضهم الى الكتب الصفراء في البحث عما يعزز دعواه، ومن أعجب ما سمعته من بعض هؤلاء، قصة من قصص يوم القيامة، وهي أن فتاة لم تكن تلبس الجلباب حكم الله عليها بدخول جهنم، فقالت: يارب لا أدخلها حتى تدخل أبي قبلي فهو لم يجبرني على لبسه.
ألم يفكر من ابتكر هذه القصة أن تنفيذ حكم الله على شخص بالجنة أو النار ليس خاضعا لقناعة المحكوم أو موافقته؟، وهل يجوز لتلك الفتاة أن تشترط على الله تعالى شروطا ويستجيب لها، وهل هي تصحح عدالة الله (سبحانه عما يصفون)، التي كانت غافلة عن إشراك الأب فيتذكر ويستجيب؟.
لقد سمعت هذه القصة أكثر من مرة، من الذين لا يرون مشكلة في حياة الناس غير لباس المرأة، والغريب أن من يرددها لا يفكر بمدى تناقضها وتهافتها، فهل تبرر نواياه الطيبة في الإصلاح، أن يأتي بمثل هذه القصص التي تصادم المنطق وتنفّر من الدين؟
لا يمكن أن نبدأ بالرحلة الطويلة الى النهضة، قبل أن يتوقف طوفان التجهيل واستغلال الدين الذي ينتهجه صنفان من الدعاة: أولهم من يعانون من عقد نفسية تجاه المرأة، ينفسون عنها بأفكار يسوقونها على أنها متطلبات شرعية، وثانيهم من يغطون على فساد الأنظمة واستبدادها الذي هو السبب الحقيقي لإبقائنا متخلفين… باعتبار أن تقبّل جلدهم لظهرك أو سلبهم مالك متطلب إيماني. مقالات ذات صلة هل ستكون هناك تغييرات في الأردن؟ 2024/02/15
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الطريق الطويل
إقرأ أيضاً:
كيفية تمجيد الله والثناء عليه .. علي جمعة يوضح
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الحمد قد يكون باللسان، وقد يكون بالجنان، وقد يكون بالأركان.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن َمِنْ حمد اللسان: الذكر بصريح الحمد (الحمد لله).
وَمِنْ حمد اللسان: أن تنزهه، وأن تطهره، كما طهرته بالماء في الوضوء؛ استعدادًا لمناجاة الله، وكما طهرته بالسواك، تطييبًا له؛ استعدادًا لملاقاة الله في الصلاة. وكان النبي ﷺ يحب السواك، حتى إنه طلبه من السيدة عائشة عندما دخل أخوها في حالة انتقاله ﷺ إلى الرفيق الأعلى، فنظر إليه، فعرفت أنه يريد السواك ﷺ، فبللته بريقها وأعطته لسيدنا رسول الله ﷺ فاستاك.
وكانت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تفتخر بأن الله تعالى جعل ريقها مع ريقه الشريف آخر شيء، فقد فاضت روحه الكريمة الشريفة إلى ربها بعد هذا.
فاللهم صَلِّ وسلم على سيدنا محمد، الذي علمنا الأدب مع الله، والحمد قد يكون أيضًا بالجنان؛ فالقلب يشكر ربه.
ومن وسائل هذا الشكر أن يتعلق قلبك بالمسجد؛ شوقًا إلى الصلاة:
«ورجلٌ قد تعلق قلبه بالمساجد». والمساجد هنا هي مواطن السجود، وليست فقط الجوامع.
فقلبه معلقٌ بصلاة الظهر، ينتظرها ليصليها في وقتها، فإن انتهت تعلق قلبه بالعصر، ثم تعلق قلبه بالمغرب، تعلق قلبه بمواطن السجود؛ شوقًا لله.
وكان النبي ﷺ إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، ضاقت به الحال، ضاقت به نفسه من نكد الدنيا، فإنه يفزع إلى الصلاة، فيجد راحته فيها. وكان يقول لبلال: «أرحنا بها يا بلال».
بعض الناس يصلي على نمط: (أرحنا منها)، يؤدي الواجب فقط، ويصلي ولكنه يريد أن ينتهي من الفرض.
لابد أن تأتي العبادة بشوق، وهذا نوعٌ من أنواع الحمد: تعلق القلب بالله، تعلق القلب بالمساجد للقاء الله، تعلق القلب بلقاء الله عن طريق الصلاة، وهكذا، تعلق القلب بالله هو حقيقة الحمد بالقلب.
والحمد قد يكون بالأركان، وفي ذلك يقول سيدنا رسول الله ﷺ شيئًا غريبًا، يقول: «مَنْ لم يشكر الناس، لا يشكر الله».
وكأنه يأمرك أن تشكر الناس على ما قدموه من معروف؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا أجرى المعروف على يد أخيك إليك، فكأنه أمرك أن تقول له: "جزاك الله خيرًا".
«وَمَنْ قال لأخيه: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ له في الثناء».
فإذا أنكرت عليه المعروف، فكأنك أنكرت على الله سبحانه وتعالى إجراء ذلك المعروف على يديه. ولذلك لا تشكر الله هكذا، عندما تنكر إجراء المعروف على يد أخيك إليك، كأنك تكذب. عدم الاعتراف هنا كأنه كذب. بل يجب عليك أن تشكر مَنْ أجرى الله المعروف على يديه؛ اعترافًا بفضل الله أنه خَصَّهُ بذلك.
فإن أنكرت، فأنت تتكلم عن حسد، عن حقد، عن غيرة، وهي قلة ديانة.
ولذلك الحديث واضح: «مَنْ لم يشكر الناس، لا يشكر الله».
إذن، فالحامدون لا يتم حمدهم لله رب العالمين إِلَّا إذا شكروا أهل المعروف من البشر؛ حيث ساق الله المعروف إليهم، فهو نعمةٌ مسداة من قبل الرحمن على يد هذا الذي أصبح واسطةً للخير. و«الدال على الخير كفاعله».
لا يَكْمُل الحامد، ولا يبلغ مبلغ الكمال، إِلَّا إذا شكر الناس.