غادة عقيل: الاحتلال يريد الانتقام من كل شيء في غزة.. لم يتبق سوى أنقاض وذكريات
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
قالت الأستاذة الزائرة في قسم العلوم السياسية في جامعة ألبرتا، غادة عقيل، وهي لاجئة فلسطينية عملت مترجمة في صحيفة الغارديان في غزة، إن لا شيء بقي لها في القطاع المدمر بفعل الحرب سوى "الأنقاض والذكريات".
ولفتت عقيل في مقالها في الغارديان، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يشعر برغبة في الانتقام من جميع سكان القطاع، "على سبيل المثال ادعاء رامي إغرا، رئيس الموساد السابق، بأن جميع سكان غزة الفلسطينيين يمكن اعتبارهم مقاتلين"، ونقل الإعلام الغربي التصريحات دون أي اعتراض.
ونقلت عقيل في مقالها بعض الصور الإنسانية المؤلمة لواقع القطاع بعد أكثر من أربعة أشهر على حرب مدمرة طالت كل شيء في غزة.
وتاليا المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":
لكل بيت فلسطيني موقدان: الحيز الذي تجتمع فيه العائلة على الطعام والمطبخ الذي يتم فيه إعداد ذلك الطعام. إنهما الغرفتان اللتان تشتعل فيهما نيران الحياة والسخاء، وفيهما تكونان أكثر توقداً.
عندما أزور خانيونس، أحد الأطباق العائلية الشهيرة التي نستمتع بتناولها معاً هي المقلوبة، وهي أشبه ما تكون بكعكة شهية مكوناتها الأرز والخضروات والدجاج، تطهى معاً في قدر كبير. عندما تصبح الأكلة جاهزة، يقلب القدر رأساً على عقب، وتجتمع العائلة حول المائدة بانتظار الكشف عما تحتها، وعندما يرفع القدر يتجلى الأرز بمحتوياته من طماطم حمراء وباذنجان بني. كل أكلة مقلوبة عبارة عن احتفال عائلي.
أما اليوم، وبعد الدمار الذي حل بخانيونس وبمنزل عائلتي هناك، يبدو أن حياتي نفسها تحولت إلى مقلوبة. ليس بإمكان ابني الأصغر عزيز استيعاب كيف يمكن لمنزل أن يختفي. مازال يحمل جميع المشاعر والذكريات الجميلة لقبلات خالته. يسألني باستمرار: "أمي! من سوف يبقى عندما نزور هذا الصيف؟ ما الذي سيظل موجوداً؟"
ما تزال ابنة عمي هبة موجودة في خانيونس، رغم أنها نزحت إلى منطقة المواسي، حيث تقيم الآن في خيمة. كتبت في تدوينة عبر الفيسبوك تقول إن المنزل "امتداد لروحنا". ولذلك فإن تدمير منزل ما ليس مجرد عمل من أعمال العنف المادي، وإنما هو عنف ضد الروح كذلك. إنه عنف ضد الذكريات من "همسات، ونفحات، وممتلكات، وضحكات أطفالنا". لقد حفز التدمير المتعمد لمئات الآلاف من المنازل الفلسطينية البعض على اعتبار الأفعال الإسرائيلية "قتلاً للمساكن"، والذي يعرفه الباحثان جيه دوغلاس بورتياس وساندرا إي سميث بالقول إنه "يتضمن عمليات ضخمة مخطط لها، يتم تنفيذها بشكل متقطع زمنياً، ولكن تطال من حيث التأثير مناطق شاسعة وتغير حياة أعداد ضخمة من البشر."
إن الرغبة في الانتقام واضحة. خذ على سبيل المثال ادعاء رامي إغرا، رئيس الموساد السابق، بأن جميع سكان غزة الفلسطينيين يمكن اعتبارهم مقاتلين. مثل هذه الادعاءات بثتها وسائل الإعلام، مثل السي إن إن، دونما اعتراض عليها أو توقف عندها.
وكان من تداعيات هذه المزاعم إجبار ما يقرب من 1.9 مليون إنسان على النزوح، من بينهم مئات الآلاف من الأفراد الذين تعرضت منازلهم لدمار عابث لا يمكن تبريره بأي ضرورات عسكرية. هذا هو الجيل الخامس من الفلسطينيين الذين تتعرض منازلهم للتدمير منذ النكبة التي ارتكبتها إسرائيل ونجم عنها تهشيم المجتمع الفلسطيني في عام 1948. وعلى الرغم من هذا الفتك بالمساكن، يستمر العالم الغربي في غض الطرف عما يجري، ممتنعاً عن فعل شيء أو عن الإقرار بما يتعرض له شعبنا من معاناة.
تجسد حكاية هبة الرواية الفلسطينية الأشمل. وُلد أبوها، جواد، في بيت دراس، وهي قرية مسحت تماماً من وجه الأرض ولم يعد لها وجود في خارطة العالم الحالية. في عام 1948، واجه جواد، الذي كان له من العمر سنة واحدة، هو ووالدي الذي كان في الثالثة من عمره، وجدتي خديجة، الترحيل القسري من بيت دراس. وبعد أن حيل بينهم وبين العودة إليها، بحثوا عن ملاذ لهم داخل مخيم خانيونس، وهو واحد من عدة مخيمات أقامتها وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) لإيواء اللاجئين بشكل مؤقت. زرت هبة في الصيف الماضي، وكان بيتها أشبه بالواحة في وسط مجموعة من الأبراج السكنية الرمادية الكئيبة داخل غزة. كان الدفء والجمال يعبق في كل زاوية منه. وكانت تصفه قائلة "إنه الجنة على الأرض."
أما الآن فقد غدا بيتها الجنة الضائعة. ففي الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) ضربت عدة صواريخ منزل ابنة عم هبة في القلب من مخيم خانيونس. قتلت في الهجوم ابنة عمها، المدرسة التي كانت في الشهور الأخيرة من حملها، وقتل معها طفلاها، أحدهما ابن ثلاث سنين والآخر ابن سنة واحدة، بالإضافة إلى تسعة من الجيران وغيرهم من النساء والأطفال الذين كانوا يتخذون من منزلها ملاذاً لهم. ثم في السادس والعشرين من أكتوبر، دمرت ثلاث منازل مكونة من عدة طوابق، يعيش داخلها ستة وثلاثون من أفراد العائلة، بما في ذلك عمها وعمتها، وأبناء عمومتها، وجميع أبنائهم، وأحفادهم. وبعد أسبوع واحد دمر منزل ابن عم آخر لها. استمر تدمير منازل الأقارب والجيران طوال شهري نوفمبر وديسمبر (تشرين الثاني وكانون الأول). ويوم عيد الميلاد، صدر الأمر بإخلاء المخيم عن بكرة أبيه. وبحلول يناير (كانون الثاني) كان المخيم قد تحول إلى أنقاض. تم تدمير المخيم وكل البنى التحتية فيه إما بقذائف الدبابات، أو بالقصف الجوي، أو عبر القصف السجادي.
تهزني رسائل هبة الخام، بعمقها وألمها: "بيوتنا منسوجة من لحمنا، من كدنا، ومن تطلعاتنا. قد نبني بيوتاً جديدة، ولكنها أبداً لن تعوض البيوت التي كانت يوماً ملاذ أحلامنا. البيت ليس كماً من المال، إنه حرم، إنه حضن مريح، عبق مركب يعز على التكرار. إن شوقنا لاحتضان بيوتنا يعكس الألم داخلنا، إنه صدى ديارنا الحبيبة."
ردي على صرخات هبة ينبعث من الأحشاء. في أكتوبر (تشرين الأول) دُمر منزلي في الزهراء. دمرت البلدة في غمضة عين. غدت كل ذكريات حياتي السابقة تحت الأنقاض: كل حافظات الصور العزيزة على نفسي، صور تخرجي، وصور أطفالي وهم يخطون لأول مرة على الأرض، وصور الابتسامات من أيام زواجي الأولى. أشعر وكأن قنبلة أسقطت على ذكرياتي نفسها. واليوم، أشعر وكأنني وابنة عمي هبة نمضي في نفس منوال التقليد العائلي الحالك.
في منتصف الثمانينيات، زارت جدتي قريتنا القديمة بيت دراس. هالها ما حل بها من دمار، وراحت تجول في أطلال ما كان ذات يوم قرية مزدهرة. طلبت من ابنها (النازح حالياً في رفح)، وهي في حالة من الصدمة، أن يتركها وحدها لبعض الوقت. وفي النهاية وصلت إلى بعض من بقايا منزلها – جدار وحيد مازال واقفاً بين الأطلال، متمسكاً بما يحمله على عاتقه من ذكريات، باتت خراباً من حوله. بالنسبة لي ولهبة، لن نجد عزاءنا في هكذا أطلال.
فعلى النقيض من جدتنا، لم تبق لنا جدران نعانقها. والجواب الوحيد على سؤال ابني البريء هو أننا عندما نزور غزة هذا الصيف، كل ما سوف نجده هو أشلاء ذكرياتنا، وقد تناثرت بين حطام ما كانت ذات يوم ديارنا الحبيبة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة الاحتلال رفح احتلال غزة رفح طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
عيد الفطر في غزة.. فرحة سرقتها نيران الحرب- صور فيديو
القاهرة- مصراوي:
يحلّ عيد الفطر على سكان غزة هذا العام وسط واحدة من أشد المآسي التي شهدها القطاع، مع استمرار القصف الإسرائيلي الذي حصد أرواح عشرات الآلاف، وحوّل أحياء كاملة إلى أنقاض، بينما تتزايد آمال الفلسطينيين في أن تضع الوساطات الدولية حدًا لهذه الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023.
مع بزوغ شمس العيد، توجه الفلسطينيون لأداء صلاة العيد بين أنقاض المساجد التي لم تسلم من القصف، حاملين في قلوبهم ذكرى شهدائهم الذين غيّبتهم الحرب، ولم يتمكن كثيرون حتى من دفنهم بسبب استمرار القتال وصعوبة انتشال الجثث من تحت الركام.
وأدى أهالي قطاع غزة صلاة عيد الفطر ، على ركام المساجد وفي أطراف الخيام وداخل مدارس النزوح، لإحياء شعيرة العيد تحت أزيز القصف والموت.
#شاهد | أطفال غزة في صباح عيد الفطر المبارك. pic.twitter.com/PhsDaaDpep
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) March 30, 2025وفق المركز الفلسطيني للإعلام، "صدحت تكبيرات العيد من أفواه الصغار والكبار، في جميع مناطق قطاع غزة المكلوم، مُحيين شعيرة عيد الفطر المبارك، في أماكن النزوح وعلى أنقاض المدينة المدمرة".
وأدى الغزيون صلاة عيد الفطر داخل المسجد العمري الكبير بمدينة غزة، والذي تعرض للتدمير الجزئي بفعل استهدافه خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو تجمع مئات المواطنين في أماكن سُكناهم، لأداء صلاة العيد، بينما استقبلت عائلات القطاع العيد بـ الفقد والشهداء الذين ارتفع عددهم إلى 10 صبيحة اليوم".
ففي مخيم البريج وسط قطاع غزة، اصطف مئات المواطنين في الطرقات، لأداء صلاة العيد، بينما وقف المصلون في مدينة خان يونس جنوب القطاع على أنقاض المساجد المدمرة.
وعلى أصوات تكبيرات العيد في خان يونس، استهدف قصف مدفعي إسرائيلي وإطلاق نار على بلدة عبسان الكبيرة شرق المدينة.
وفي ظل الحصار الخانق والنقص الشديد في المواد الغذائية والوقود، حاولت الأمهات منح أطفالهن فرحة بسيطة عبر إعداد بعض الحلويات والمخبوزات بإمكانات متواضعة، مستخدمات الحطب بدلًا من الغاز، في ظل غياب أي إمدادات وقود.
ورغم محاولات بعض التجار إعادة فتح متاجرهم استعدادًا للعيد، فإن الحركة التجارية في غزة شبه مشلولة، مع نقص البضائع وارتفاع الأسعار، فضلًا عن تدهور القدرة الشرائية للسكان، ومعظمهم ممن فقدوا منازلهم وأجبروا على النزوح عدة مرات هربًا من القصف.
وفي الوقت ذاته واصل الجيش الإسرائيلي تصعيده العسكري، حيث استشهد نحو 14 فلسطينيًا في قصف ليلي استهدف مناطق متفرقة في القطاع، فيما أعلنت إسرائيل عن توسيع عمليتها البرية في رفح جنوب غزة، قرب الحدود مع مصر.
وبحسب وزارة الصحة في غزة، فإن الغارات الإسرائيلية المتواصلة منذ استئناف العمليات العسكرية قبل نحو أسبوعين أسفرت عن استشهاد 921 فلسطينيًا، ما يرفع عدد الضحايا الإجمالي منذ بدء الحرب إلى أكثر من 50 ألف شهيد.
فيما تتواصل المأساة على الأرض، تسعى الوساطات الدولية، بقيادة مصر وقطر والولايات المتحدة، إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن المفاوضات تصطدم بخلافات بين إسرائيل وحماس، خاصة حول مدة التهدئة وعدد الأسرى والمحتجزين الذين سيتم الإفراج عنهم.
وبينما وافقت حماس على مقترح جديد قدمته القاهرة والدوحة، قالت إسرائيل إنها قدمت "اقتراحًا مضادًا" بالتنسيق مع واشنطن، مع إصرارها على أن أي اتفاق يجب أن يركز فقط على وقف مؤقت لإطلاق النار مقابل الإفراج عن الرهائن، في حين تطالب حماس بوقف شامل للحرب.
وفي ظل هذا الجمود السياسي، لا يزال الفلسطينيون في غزة يعيشون عيدًا آخر من الألم والحرمان، في انتظار يومٍ قد تحلّ فيه فرحة العيد الحقيقية، بعيدًا عن أصوات المدافع والدمار.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
عيد الفطر في غزة حرب غزة القصف الإسرائيليتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة وفق المركز الفلسطيني للإعلام، "صدحت تكبيرات العيد من أفواه الصغار والكبار، في جميع مناطق قطاع غزة المكلوم، مُحيين شعيرة عيد الفطر المبارك، في أماكن النزوح وعلى أنقاض المدينة المدمرة".