الحريري مهّد طريق العودة… فماذا عن التوقيت؟!
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
تعمل القوى السياسية اللبنانية في المرحلة الراهنة على قاعدة تهيئة الظروف للتسوية، ولعلّ الظرف مناسب اليوم لاستدراج رئيس الحكومة السابق سعد الحريري نحو العودة الى الحياة السياسية التي انسحب منها في السنوات القليلة الماضية ولهذا الأمر دلالات ونتائج كثيرة.
من وجهة نظر القوى السياسية الأساسية في لبنان، فإنّ عودة الحريري الى العمل السياسي تعني بالضرورة ان المملكة العربية السعودية باتت اكثر اهتماماً بالساحة اللبنانية، وأنّ عودة الحريري ستكون بحد ذاتها عودة، وإن بشكل نسبي ومحدود، للمملكة الى الساحة اللبنانية وزواريبها الداخلية، وهذا الامر يرضي طرفي الصراع الداخلي في لبنان.
فحلفاء السعودية يجدون في عودتها الى لبنان حبل خلاص لهم وضماناً لوجودهم في ظلّ التذبذب الحالي للولايات المتحدة الاميركية والتركيز على التفاوض مع "حزب الله" من اجل ايجاد حلول للمشكلات الحدودية بشكلٍ أساسي، اما خصوم المملكة فيجدون بعودتها باباً جديدًا للحل الاقتصادي اولاً وللحل السياسي ثانياً باعتبارها ستجد حصتها ونفوذها محفوظين في البلد.
لكن عودة الحريري دونها عوائق كثيرة؛ اولها ان السعودية لم "تأذن" بعد بهذه العودة بشكل نهائي كما هو واضح، أما ثانيًا فإنّ الحريري نفسه يحتاج الى اثبات قدرته وقوته مجدداً عبر تشكيل كتلة وازنة من النواب السنّة الحاليين او بانتظار الانتخابات النيابة المقبلة والتي قد يخوضها بشكلٍ قوي.
بغضّ النظر عن كل هذه الوقائع يبدو أن الرئيس سعد الحريري قد خطا نصف خطوة للعودة الى لبنان سياسيًا، وهو اليوم يمهّد الطريق لهذه العودة التي لن تكون بعيدة لكنها لن تكون خلال هذه الزيارة، وإن عمل على تظهير قوته واستعراضها على المستوى الشعبي وعلى مستوى القيادات السنيّة التي يتحالف معها و على رأسها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي زاره الحريري في السراي في خطوة لها الكثير من الدلالات السياسية وداخل الطائفة السنيّة نفسها.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
رئيس يعيد الدولة اللبنانية إلى رشدها
في كل العالم يعتبر انتخاب رئيس جمهورية حدثاً عادياً، بعض الأحيان يمر ذلك الحدث بشكل عابر. هناك مَن لا يسمع به. إلا في لبنان فإنه حدث استثنائي هو أشبه بالمعجزة.
بعد سنتين من المماطلة والصراع والمناكدة واللعب والممانعة والهروب من الاستحقاق الدستوري ومحاولات الإرغام والتسويف صوت مجلس النواب اللبناني على اختيار قائد الجيش اللبناني جوزيف عون رئيسا للجمهورية.يكاد ذلك الحدث أن يختصر الواقع اللبناني بكل ملفاته التي سيكون الرئيس الجديد ملزما بمواجهتها لا لإنقاذ منصبه حسب، بل وقبل ذلك إنقاذ الدولة التي وضعه الدستور على رأسها. وهي ليست دولة بالمفهوم الحقيقي للدولة الحديثة بقدر ما هي حطام دولة، صنعت الطبقة السياسية من هياكلها الفارغة ملعبا لفسادها.
ما يدعو إلى الأسى والأسف أن حدثا عاديا مثل انتخاب رئيس جمهورية ما كان يمكن له أن يتم لولا أن إسرائيل كانت قد أجهزت على حزب الله وقد كان بمثابة العقبة التي لا يمكن تجاوزها من أجل انجاز ذلك الاستحقاق الدستوري.
لو لم تُمحَ قوة حزب الله ويُنسف الوجود الإيراني لما كان هناك رئيس للجمهورية اللبنانية ولظل لبنان يدور في متاهة الشروط الإيرانية وتأوهات المعارضين التي هي الوجه الآخر لخلو الحياة السياسية في لبنان من الإرادة الوطنية.
غير أن معطيات حرب إسرائيل على حزب الله كان من الممكن تحييدها والقفز عليها من خلال غض النظر عنها وتأجيل التفاعل معها لو أن الأمر ظل رهين قرار تتخذه الطبقة السياسية اللبنانية. لكن تلك الحرب بما انتهت إليه من نتائج وضعت لبنان مرة أخرى على مائدة اجتمعت حولها دول عالمية وإقليمية مهمة هي التي اتخذت القرار بأن يبدأ لبنان حياة جديدة، حياة صحية خارج مخزن البارود الذي تم تفجيره.
بمعنى أن النواب كانوا مجبرين على الكف عن الاستمرار في لعبتهم المجنونة التي دفع الشعب ثمنها بعد أن تحول لبنان إلى دولة فاشلة.
"لقد انتهى زمن السلاح المنفلت" قائد الجيش هو الأكثر دراية بمعنى أن يكون هناك سلاح إلى جوار سلاح الدولة. بمعنى أن تكون هناك قوة غير خاضعة للدولة هي التي تمسك بزمام قرار الحرب والسلم. بمعنى أن يتم الزج بلبنان في حرب لم يقرر خوضها وليست له مصلحة فيها ولم يكن معنيا بها.
يعرف جوزيف عون أن اللبنانيين ينتظرون منه الكثير. غير أن ذلك الكثير لا يمكن الوصول إليه إلا بعد أن تتم تلبية الشروط العالمية والإقليمية التي تقف في مقدمتها إعادة الهيبة للدولة اللبنانية والعمل على إنهاء تلك الدولة التي أقامها حزب الله داخل الدولة وصارت فيما بعد بمثابة دولة أكبر من الدولة اللبنانية.
لقد صغرت دولة لبنان أمام دولة حزب الله التي هي عبارة عن محمية إيرانية. ذلك ليس افتراء، بل هو الواقع الذي كان زعيم حزب الله السابق حسن نصرالله يقر به بلسانه. وهو الوهم الذي لا يزال متمكنا من أذهان عدد ليس بالقليل من اللبنانيين الذين لا يصدقون أن زمن تصفية الحسابات على أساس طائفي من خلال الاستعانة بالأجنبي قد ولى وأن عليهم أن يستعيدوا رشدهم على أساس الإيمان بوطنهم.
لا اعتقد أن عون سعيد بمنصبه، وهو يعرف أن التحديات التي سيواجهها أكبر من منصبه وصلاحياته. غير أن تربيته العسكرية يمكن أن تشد إزره. هناك حرب حقيقية يجب عليه أن يقودها على جبهات متعددة. جبهة السلاح المنفلت وجبهة الفساد الذي دمر الاقتصاد اللبناني وهبط بفئات من اللبنانيين إلى قاع الفقر وجبهة القضاء الذي كان مقيدا بخيارات تقع كلها خارج القانون وجبهة علاقة لبنان بمحيطه العربي التي ينبغي أن يُعاد ترميمها من أجل إنعاش الإقتصاد اللبناني على الأقل.
عبر ربع قرن وهو عمر الهيمنة الإيرانية من خلال مندوبها حزب الله فقد لبنان الكثير من صفاته التي كانت تؤهله أن يكون دولة شرق أوسطية بعمق عربي. ليست استعادة تلك الصفات بالأمر اليسير. ذلك ما جعلني استبعد أن يكون الرئيس عون سعيداً بمنصبه. ولكنني من جانب آخر على يقين من أن قائد الجيش السابق سيعيد الدولة اللبنانية إلى رشدها. فلبنان في زمنه العصيب هو في أمس الحاجة إلى قوة تنتشله من قاع البئر التي سقط فيها.