فيما تسير البشرية بخطى سريعة في مختلف المجالات وترصد عيونها ومركباتها الفضائية الكواكب البعيدة، ظهر فجأة في عام 2007 أفراد من قبيلة بدائية لأول مرة بمنطقة بحوض الأمازون في بيرو.
إقرأ المزيد الطريق إلى "جزيرة الشيطان"!شوهد لأول مرة أفراد من هذه المجموعة المجهولة التي كانت تعيش داخل أدخال الأمازون في عزلة تامة، على ضفة نهر "مادري دي ديوس"، الواقع في حوض الأمازون بالقرب من بلدة "شيبيتياري" في جنوب شرق بيرو.
أفراد هذه القبيلة البدائية التي سميت "ماشكو بيرو"، كانوا عراة برجالهم ونسائهم وأطفالهم، وكان الرجال يحملون أسلحة بدائية تتمثل في أقواس وسهام ورماح.
الاكتشاف تم حين كانت منظمة أهلية معنية بحماية البيئة تقوم في ذلك الوقت بعملية مراقبة بواسطة طائرة مروحية في حوض الأمازون بحثا عن قاطعي أشجار الغابات بطريقة غير قانونية.
الحكومة في بيرو سارعت بعد انتشار التقارير المؤكدة عن ظهور متكرر لأفراد من هذه القبيلة المجهولة، بفرض حظر على اتصال السكان المحليين من الهنود الذين يسكنون المنطقة بهم، وذلك خوفا من تعرضهم للأمراض والاوبئة، وذلك لأن انعزالهم التام يجعل مناعتهم الطبيعية ضعيفة في مواجهة الأمراض المعروفة التي اكتسبت المجموعات العرقية الأخرى من السكان الاصليين مناعة منها وخاصة الالتهابات الفيروسية وأمراض الجهاز التنفسي الشائعة بما في ذلك الإنفلونزا.
الدرس تمثل في قبيلة أخرى في بيرو كانت منعزلة تدعى "موروناهوا"، تعرض معظم أفرادها الذين اتصلوا بقاطعي أشجار الغابات في منتصف تسعينيات القرن الماضي، للانقراض.
في تلك المناطق النائية من بيرو شاهد عدد قليل من السكان الأصليين أفرادا من قبيلة "ماشكو بيرو" البدائية، ويفيد هؤلاء بأن هذه المجموعة يعيش أفرادها في عالمهم الخاص منقطعين عما حولهم، وأنهم عدائيون ولا يثقون بالسكان المحليين الذين يرتدون الملابس ولديهم أدوات مختلفة تماما.
أفراد هذه القبيلة يعيشون ملتصقين بالطبيعة في حوض الأمازون، وييقتاتون على الصيد البري والبحري وجمع ما يتوفر من الثمار، ويحاولون حتى بعد ظهورهم، عدم الاختلاط بالسكان الآخرين.
سُجلت في المنطقة التي ظهرت فيها هذه القبيلة المنعزلة التي لا يعرف حتى الآن عدد أفرادها بالضبط، ويقدرهم أحد التقارير بحوالي 600 شخص، هجمات وعمليات سطو على قرى السكان الأصليين، وقتل بعض الأشخاص، حتى أن الحكومة في بيرو اضطرت على خلفية ذلك، إلى إجلاء سكان إحدى القرى في الأنديز.
أفراد هذه القبيلة البدائية أثناء عمليات السطو على قرى السكان المحليين كانوا يحملون معهم ما يجدون من أدوات إضافة إلى الحيوانات الأليفة ما تسبب في انتشار حالة من الخوف في تلك المنطقة على الرغم من ندرة مثل هذه الهجمات التي تقول الصحافة المحلية إنها تحدث مرة كل بضع سنوات.
عالم الأنثروبولوجيا غلين شيبارد يرى أن سبب هجمات أفراد هذه القبيلة البدائية والمنعزلة يعود إلى بالخوف من العالم الخارجي، فيما يتهم النشطاء المعنيين بحقوق السكان الهنود الأصليين، الشركات العاملة في مجال استخراج النفط والغاز في المنطقة، وتلك التي تقوم بإزالة الغابات بشكل غير قانوني، بإجبار مثل هذه القبائل المنعزلة على البحث عن أماكن إقامة جديدة بسبب أنشطتها المدمرة للطبيعة.
زاد ظهور أفراد هذه القبيلة من البدائيين العراة على ضفة النهر، وتم في عام 2014 رصد أفراد من هؤلاء أكثر من 100 مرة بالقرب من مناطق مأهولة في جنوب شرق بيرو.
بمرور الوقت توقف أفراد هذه القبيلة البدائية المكتشفة حديثا عن إطلاق السهام النارية على قوارب السكان المبحرة في النهر، وبدأ عدد منهم يلوح من الضفة الأخرى طالبا تزويده بالطعام، وخاصة الموز.
وزارة الثقافة في بيرو أقامت مركزا دائما على نهر "ألتو مادري دي ديوس" بالقرب من بلدة "شيبيتياري" لدراسة هذه القبيلة والتواصل مع أفرادها حين يظهرون على ضفة النهر.
يقترب الموظفون الحكوميون على متن قارب من أفراد هذه القبيلة عند ظهورهم ويستعينون بمترجمين من السكان الهنود المحليين القادرين على التفاهم لتشابه لغة الطرفين.
يطلب أفراد القبيلة البدائية في العادة من "الغرباء" أن يعطوهم الموز، وأدوات مثل المناجل، وأحيانا يعجبون بملابس المتخصصين الحكوميين ويطلبونها. في بعض الحالات يفعلون ذلك وهم يلوحون برماحهم وسهامهم مهددين، الأمر الذي يعزوه خبراء إلى أرث طويل من الملاحقة والإبادة التي تعرض لها سكان الأمازون الأصليون منذ أن وطأ الأوروبيون المنطقة.
سكان الأرض الذين يتجاوز تعدادهم الآن الثمانية مليارات نسمة، يعيشون حياتهم المعتادة في مدن وأرياف وصحاري وغابات الأرض، إلا أن هذا العدد حتما لا يضم أفراد هذه القبيلة البدائية التي يظهر أفرادها على ضفة النهر في جنوب شرق بيرو، يطلبون الموز، وما أن يحصلوا على غايتهم يسارعون إلى الاختفاء في أعماق الأدغال.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف أمريكا اللاتينية أفراد من فی بیرو على ضفة
إقرأ أيضاً:
بائع السميت.. قصة تركية تتحدى الزمن
إسطنبول ـ هذه المدينة التاريخية التي تجمع بين حضارات الشرق والغرب، تعيش كل يوم على إيقاع حياة مليئة بالحركة والجمال، في خضم هذا الحراك، يظهر بائع السميت، المعروف باسم "فارس الشارع"، الذي يجوب شوارع المدينة حاملا معه عبق الماضي العريق ونكهة الحاضر المفعم بالحياة، فالسميت بالنسبة للأتراك ليس مجرد خبز، بل هو أحد أبرز رموز الحياة اليومية.
قديما، كان بائع السميت يبدأ يومه مع الفجر، حيث يُحضّر العجين بحبٍ وإتقان، ويزين عربته بألوان زاهية، ويرتدي طاقيته التقليدية، وبحلول الصباح الباكر، تنتشر رائحة السميط الطازج في الهواء، لتصبح دعوة لا تُقاوم للمارة، ومع نغمة صوته المميزة حين ينادي "سميت! سميت!" يصبح البائع جزءًا لا يتجزأ من الموسيقى اليومية في شوارع إسطنبول الصاخبة.
أما حاليا، ونظرا للطلب الكبير والصعوبة في الإنتاج، لا يقوم معظم بائعي السميت في إسطنبول بتحضيره بأنفسهم، بل يحصلون عليه من المخابز التي تقوم بإنتاجه بكميات كبيرة خلال ساعات الصباح الباكر.
عربة بائع السميت تجذب السياح الراغبين في تذوق نكهته الإسطنبولية المميزة (الجزيرة) عبق العثمانيين في كل لقمةيعود تاريخ السميت إلى زمن الإمبراطورية العثمانية، فقد كان جزءا من المأكولات الشعبية التي تتزين بها الأسواق القديمة، ويتميز بشكله الدائري المغطى بالسمسم المحمص، ويُحضّر من دقيق القمح والدبس، ليحصل على لونه الذهبي المميز.
وقد وثق الرحالة العثماني الشهير أوليا جلبي (1611-1682م) ذكر السميت وباعته الجائلين في كتابه الشهير "سياحت نامه" أو "كتاب الرحلات" خلال تجوله في إسطنبول في القرن السابع عشر الميلادي.
وأشار جلبي إلى وجود 70 مخبزًا متخصصًا في إنتاج السميت في المدينة، وكان هؤلاء الباعة جزءا أصيلا من مشهد الشارع اليومي، إذ يتنقلون بين الأحياء حاملين صواني السميت على رؤوسهم، يغطونها بمفارش ذي ألوان مبهجة للحفاظ على نظافته، وحمايته من أتربة الطرقات.
اشتهر باعة السميت بقدرتهم على تلبية حاجات العامة في وقت كانت الظروف الاقتصادية تتطلب توفير مأكولات سريعة وفي متناول الأيدي، ولا يزال السميط يحتفظ بمكانته كرمزٍ للأصالة والذكريات لدى الأتراك إلى يومنا هذا.
ومع مرور الزمن، تطورت طرق تحضير السميت، فظهرت نكهات جديدة كإضافة الجبن أو الزيتون، أو حتى الشوكولاتة. ورغم انتشار المحال المتخصصة في بيع أنواع السميت المختلفة، ظل البائع المتجول يحمل نكهة الماضي ويقدمها بحب للزبائن الذين يبحثون عن الأصالة في كل قطمة.
معدل التضخم أثر على سعر السميط (غيتي إيميجز) الأتراك والسميت.. عشقٌ لا ينتهييستهلك الأتراك ما يزيد عن 2.5 مليون قطعة سميت يوميًا في مدينة إسطنبول وحدها، مما يجعله أكثر المأكولات شعبية في البلاد. وينتشر آلاف الباعة الجائلين في عموم المدينة وأحيائها وأزقتها الضيقة، فهذا الخبز بالنسبة للأتراك أكثر من مجرد طعام.
كما أن باعته الجائلين يشكلون جزءًا من تاريخ المدينة العتيق، ونسيج الحياة الاجتماعية والاقتصادية بها، في رمزية بسيطة تصل الماضي بالحاضر في سيمفونية تعزف على طرقاتها بصورة يومية، حينما يتجمع المارة عند عربات السميت، الذي يتناولونه في الغالب مع كوب من الشاي الساخن، كأحد الطقوس اليومية التي لا غنى لهم عنها.
بائع السميط.. حنين إلى الماضي بكل تفاصيله (الجزيرة) عقبات وهمومووفقا لآخر الإحصاءات، فهناك نحو مليون بائع متجول في شوارع مدينة إسطنبول وحدها، من بينهم نحو 8 آلاف يعملون في بيع السميت، إلا أن هناك من أشار إلى أن العدد المذكور يعود إلى المسجلين قانونا لدى البلدية، وأن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير.
ورغم بساطته، إلا أن هذا الخبز التركي الدائري يعد من بين السلع التي أثرت عليها زيادة معدلات التضخم، وباتت القطعة التي كانت تباع إلى وقت قريب بنحو ليرة تركية واحدة، يتراوح سعرها اليوم بين 10 إلى 15 ليرة، ويختلف السعر حسب المنطقة وطريقة البيع.
وقفت إلى جانب أحد باعة السميت الذي يضع عربته المميزة بلونها الأحمر في ميدان إسكودار العتيق، عرفني على اسمه على أنه محمد أو "ميهمت" كما يلفظها الأتراك، قال إن هناك العديد من المشاكل التي تواجه الباعة الجائلين، ومن بينهم باعة السميت، أقلها صعوبة الطقس خاصة في فصل الشتاء، حيث يعملون في طقس مكشوف لساعات طويلة تصل أحيانا إلى 12 ساعة يومية، في ظروف جوية بالغة البرودة.
وعندما أشرت إلى الزيادة الملحوظة في سعر القطعة الواحدة، تكلم عن الزيادة في تكلفة المكونات الأساسية مثل الطحين والسمسم، الأمر الذي زاد من الضغوط على بائعي السميت المستقلين بالتبعية.
ورغم ما سبق، إلا أن المرونة التي يعمل بها بائع هذا الخبز الشهير، حيث يتنقل بعربته المميزة بين المناطق المزدحمة، جعلته يضمن أكبر قدر من المبيعات، كما أن الدولة أتاحت لهم استخدام المساحات العامة في الميادين والأسواق والشوارع الحيوية، كأحد المشاهد التراثية التي تجذب أنظار السائحين وزوار المدينة.
السميت موجدود بشوارع إسطنبول في كل الأوقات والظروف (رويترز-أرشيف) تجربة لا تنسىومهما ذكرنا من هموم ومشاكل، يبقى تناول السميت من بائع الشارع تجربة فريدة، تحمل نكهة الأصالة والتاريخ في كل لقمة، وقد بلغ من عشق الأتراك لهذا الخبز أن خلدوا بائعه فصنعوا له تمثالا شهيرا، يتمركز في أحد ميادين المنطقة التاريخية في حي إمينونو، بالقرب من السوق المصري، في ملمح جلي على أن بائع السميت، يحمل في جعبته حنينا إلى الماضي وذكرياته الخالدة.