تأجيل الانتخابات الرئاسية بالسنغال.. قراءة في الأسباب والمآلات
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
بعد 60 عاما من الممارسة الديمقراطية والتبادل السلمي على السلطة بين الزعماء المنتخبين، فاجأ الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي سال مواطنيه والعالم بإصدار مرسوم يقضي بتأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة يوم 25 فبراير/ شباط الجاري.
ولاحقا مدد البرلمان السنغالي ولاية الرئيس سال 10 أشهر، بعد أن كان مقررا أن يغادر السلطة في أبريل/نيسان المقبل.
إعلان تأجيل الانتخابات الذي جاء قبل انطلاق الحملات الانتخابات بساعات معدودة، أثار موجة من الاحتجاجات في الداخل، واستياء العديد من الدول والمنظمات المهتمة بالديمقراطية والتعددية السياسية في أفريقيا.
ومنذ 3 سنوات عاشت السنغال على وقع أزمة انتخابية سابقة لأوانها بدأت بمواجهات ميدانية راح ضحيتها عدد من القتلى وكثير من الخسائر المادية، وانتهت بانسداد سياسي فتح الأبواب أمام جميع الاحتمالات.
الرئيس السنغالي ماكي سال تنتهي ولايته في أبريل/نيسان المقبل لكنه يحاول الاحتفاظ بالسلطة حتى نهاية العام (الفرنسية) جذور الأزمةترجع الأزمة السياسية في السنغال إلى نتائج التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها عام 2016، وبموجبها تم تقليص الولاية الرئاسية إلى ولايتين فقط.
وقد جاءت التعديلات الدستورية بعد أن دخل الرئيس ماكي سال في ولايته الأولى التي بدأت عام 2012.
وقد نصّ الدستور السنغالي المعدل على أنه "لا يمكن لأحد أن يحكم البلاد أكثر من فترتين متتاليتين"، لكن الرئيس سال في سنة 2021 قال إنه ينوي الترشح لولاية ثالثة، معتبرا أن هذه المادة لا تنطبق عليه إذ إن ولايته الأولى كانت قبل الإصلاحات الدستورية.
وردا على عزم الرئيس الترشح لولاية ثالثة وتفسير الدستور لصالحه، دعت القوى السياسية المعارِضة وعلى رأسها رئيس حزب "باستيف" عثمان سونكو إلى النزول للشارع للوقوف أمام طموحات سال في الاستمرار بالحكم.
وشهدت البلاد حينها مظاهرات عنيفة شملت دكار وتييس وكبريات المدن في السنغال، وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى، ثم تدخلت دبلوماسية المشيخة الصوفية وهيئات العلماء ولعبت دورا في إنهائها، ليعلن الرئيس سال تخليه عن الطموح لولاية ثالثة.
بيد أن الأزمة استفحلت من جديد عند ما أصدر المجلس الدستوري في السنغال القائمة النهائية التي ضمت 20 مرشحا رئاسيا ليس من بينهم كريم واد زعيم الحزب الديمقراطي السنغالي ونجل الرئيس السابق عبد الله واد، بحجة أنه ثنائي الجنسية، في حين أن اللائحة ضمت مرشحة مزدوجة الجنسية وهي زور ورديني.
وفي الأول من فبراير/شباط طالب نواب من الحزب الديمقراطي السنغالي بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق مع عضوين في المجلس الدستوري لاتهامها بأخذ الرشوة من أجل إبعاد كريم واد.
وفي السياق، صوّتت الأغلبية على طلب الكتلة البرلمانية المحسوبة على كريم واد بتشكيل لجنة تحقيق مع قاضيين من المجلس الدستوري وتأجيل الانتخابات الرئاسية، لكن رئاسة المجلس رفضت التعامل مع اللجنة البرلمانية بحجة أن البرلمان هيئة تشريعية لا قضائية، ولا يمكن أن يتهم أو يحاكم أعلى هيئة قضائية لرقابة القوانين.
وبالتزامن مع هذه الأزمة، أعلن الرئيس سال -الذي تشهد أغلبيته خلافات- يوم الثالث من فبراير/شباط الجاري تأجيل الانتخابات عبر مرسوم رئاسي.
قوات مكافحة الشغب في أحد شوارع العاصمة السنغالية دكار (الفرنسية) خروج على القانونوفي حديث للجزيرة نت، قال الخبير القانوني سيدي المختار ولد سيدي إن مبادئ الدستور السنغالي والقوانين المنظمة لا تقبل تأجيل الانتخابات لهذه الأسباب، لأن الآجال القانونية المنظمة للانتخابات آجال قاطعة، والمرسوم الذي وقّعه الرئيس يتعارض مع النصوص الدستورية والتشريعية الصريحة، ويمكن أن يعرّضه للمساءلة بعد الخروج من السلطة، لأن المساس بالدستور وتعطيله جريمة جنائية.
وأضاف ولد سيدي أن البرلمان أيضا لا يمكنه أن يتدخل في هذا الميدان، لأن الانتخابات ينظمها قانون قاطع، والبرلمان لا يتدخل في القوانين إلا بعد المصادقة والرقابة القبلية من المجلس الدستوري.
ويرى الخبير القانوني أن صناعة القوانين على نحو يخالف أصولها من أسباب المسؤولية الجنائية التي تعرض النائب للمساءلة.
وفي سياق الحرص على المكتسبات الديمقراطية والقانونية، وقّع عدد من الأكاديميين والمحامين في السنغال عريضة تطالب الرئيس بالرجوع عن قراره والانسياق للقوانين التي لم يسبق لأي رئيس في تاريخ السنغال الخروج عليها.
وفي السياق نفسه، طالب الاتحاد الأوروبي بإجراء الانتخابات في أقرب فرصة والابتعاد عن الغموض الذي يشوب العملية السياسية.
وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا قالت فيه إن تصويت البرلمان على تأجيل الانتخابات لا يمكن أن يكون شرعيا، نظرا للظروف التي جرت فيها عملية التصويت.
وحثت الولايات المتحدة في بيانها الحكومة السنغالية على المضي قدما في الانتخابات الرئاسية وفقا للدستور والقوانين الانتخابية.
أما منظمة إيكواس التي طالما جعل منها ماكي سال منبرا للمطالبة بالديمقراطية في دول أفريقية تشهد انقلابات، فقد أعربت عن أسفها لما تمر به دكار من "خروج على مبادئ الديمقراطية"، وطالبت بالإسراع في الخروج من حالة الانسداد السياسي الذي يؤدي للفوضى.
عثمان سونكو زعيم المعارضة في السنغال يقبع حاليا في السجن ويوصف بأنه سياسي ثوري وملهم للشباب (الفرنسية) ما وراء التأجيلووفقا لمجلة جون أفريك الفرنسية، فإن المحيط السياسي للرئيس سال أقنعوه بضرورة تأجيل الانتخابات الرئاسية حتى يتمكنوا من إيجاد وريث يكون قادرا على جمع الطيف السياسي من حوله.
وأضافت المجلة أن الرئيس يريد أن يعرف كيف تمكّن المجلس الدستوري من المصادقة على ترشيح باسيرو ديوماي فاي (بديل عثمان سونكو) الذي تدعمه الحركات الشبابية والنقابية.
وقد تحدثت تقارير إعلامية عن وجود أزمة داخل معسكر النظام، حيث تباينت مواقفه حول مرشح الرئيس آمادو باه.
كما تحدثت تقارير إعلامية محلية عن اقتناع الرئيس بأن مرشحه لن يكون قادرا على حسم السباق الرئاسي، واقتنع بضرورة التنسيق مع كريم واد المقرب من فرنسا والذي يحظى بقبول كبير داخل دوائر الدولة العميقة.
ويواجه باه مرشحيْن منشقين عن النظام الحاكم، هما الوزير الأول السابق محمد عبد الله ديون، ووزير الداخلية السابق علي نغوي ندياي.
وبالتزامن مع إعلان الرئيس سال تأجيل الانتخابات، أعلن الوزير الأمين العام للحكومة عبد اللطيف كوليبالي استقالته من منصبه في الثالث من فبراير/شباط الحالي، وهو ما يعني أن خلافات الأغلبية الحاكمة برزت للعلن.
وبعد أن تحدثت الصحافة في السنغال عن وجود خلافات بين الرئيس ومرشحه أمادو باه، أجرى الأخير مقابلة مع صحيفة جون أفريك في التاسع من فبراير/شباط الجاري شرح فيها موقفه من الأحداث الجارية، وقال "المشكلة الوحيدة بيني مع الرئيس سال هي أنه لا مشكلة بيننا".
وفي حديث للجزيرة نت، قال الإعلامي والمحلل السياسي الحسين ولد حمود إن قراءة كواليس الأحداث في السنغال تشير إلى محاولة لترتيب الأوضاع أكثر داخل صف النظام من أجل انتقال سياسي في صالحهم.
المعارضة والمرشحة للرئاسة السنغالية أنتا بابكر نجوم (الفرنسية) مآلات الأزمةورغم أن السنغال كانت أنموذجا في غرب أفريقيا ولها تراكمات من القيم الديمقراطية، فإن أزمة تأجيل الانتخابات تجعل كل الاحتمالات واردة.
ويقول ولد حمود إن قرار تأجيل الانتخابات الذي بدا أنه خيار المرحلة السياسي الذي تتبناه الأغلبية الحاكمة قد يفجّر الصراع في الشارع ويؤدي إلى ما هو أسوأ، خاصة مع انعدام الثقة بين الأطراف السياسية التي سبق لها أن عاشت صراعات صعبة أفضت إلى ثني الرئيس الحالي عن الترشح لولاية ثالثة.
وأضاف ولد حمود أن الرئيس سال غير قادر على الاستمرار سياسيا، وإذا حاول فرض قراراته بالقوة فإن ذلك ربما يشكل المنعرج الذي قد يؤدي إلى تدخل الجيش وحسم الأمور.
ويرى أن السيناريو الأرجح هو أن تجرى الانتخابات في موعد أقرب من الموعد الذي حدده الرئيس ماكي سال في ديسمبر/كانون الأول المقبل، ويكون في ذلك حل يعطي قليلا من هامش المناورة السياسية للنظام مع التخفيف من مخاوف المعارضة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: تأجیل الانتخابات الرئاسیة المجلس الدستوری لولایة ثالثة الرئیس سال فی السنغال ماکی سال سال فی
إقرأ أيضاً:
زخم دبلوماسي عربي تجاه إدارة سوريا الجديدة فما الدلالات والمآلات؟
في ظل زخم دبلوماسي إقليمي ودولي تجاه سوريا، شهدت العاصمة السورية حراكا عربيا ملحوظا خلال الأيام الأخيرة، تميز بتوافد مسؤولين لإجراء مباحثات مع القيادة السورية الجديدة، في أعقاب تفاعل دولي تضمن زيارات وفود أوروبية وأميركية.
وفي زيارة هي الأولى لمسؤول أردني منذ سقوط الأسد، التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بالقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، حيث دعا عقب اللقاء إلى منح الإدارة الجديدة فرصة لإعادة بناء البلاد، مشددًا على أهمية استقرار سوريا كعامل أساسي لأمن الأردن والمنطقة.
كما أجرى وزير الدولة بالخارجية القطرية محمد الخليفي لقاء مع الشرع، بحث خلاله العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون، إضافة إلى تقديم دعم قطري لتشغيل مطار دمشق الدولي، وجاء ذلك غداة لقاء وفد حكومي سعودي بالشرع في أول تواصل بين الإدارة الجديدة والرياض بعد سقوط الأسد.
لكن الدكتور لقاء مكي، الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث" يرى أن التحركات العربية تجاه سوريا جاءت متأخرة نسبيا مقارنة بالتحركات الدولية التي سبقتها.
وأوضح أن العرب، باستثناءات محدودة مثل قطر التي رحبت منذ البداية، اتسموا بالحذر في التعامل مع القيادة الجديدة، لافتا إلى أن هذا التوجس لم يكن فقط بسبب ماضي القيادة الجديدة وتصنيفها على قائمة الإرهاب الأميركية، بل أيضا نتيجة رهانات بعض الدول العربية على نظام الأسد الذي بقيت آمال البعض معلقة عليه حتى لحظاته الأخيرة.
إعلان نضج سياسيويبدو أن "النضج السياسي والقدرة على التصرف بعقلية الدولة لا الثورة" التي أظهرتها القيادة الجديدة في دمشق -بحسب مكي- خلال الفترة الماضية، شجعا العديد من الدول على إعادة النظر في مواقفها.
كما أن زيارة باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركي إلى دمشق وما تبعها من تصريحات إيجابية تجاه القيادة السورية فتحت الباب أمام قبول دولي واسع لمن تولى زمام الأمور هناك، وفقا للمتحدث ذاته.
أما مسألة رفع هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب فـ"قد باتت مسألة وقت" كما يقول مكي، وأن هذا الأمر دفع بعض الدول العربية للإسراع في التعاطي مع القيادة الجديدة لتأمين مصالحها السياسية والاقتصادية في سوريا المستقبلية، مثل الأردن والخليج ولبنان.
لكنه في ذات الوقت حذر من رهان بعض الأطراف الإقليمية والدولية على فشل التجربة الجديدة في سوريا، سواء من خلال التأثير على الاستقرار الداخلي أو دعم أطراف متضررة مثل قوات قسد.
مفهوم الوصاية
ويرى مكي أن مفهوم الوصاية الذي كان حاضرا في السابق أثبت فشله في التعامل مع سوريا، لافتا إلى أن التجربة الديمقراطية في هذا البلد تمتد تاريخيًا إلى فترات بعيدة، وأن الشعب السوري -بما لديه من وعي- قادر على التكيف مع المرحلة الجديدة بعيدًا عن التطرف.
وعن الحضور التركي في سوريا، أوضح الباحث بمركز الجزيرة للدراسات أن تركيا كانت في طليعة المتفاعلين مع الثورة السورية منذ عام 2011، مما جعل حضورها في الانتصار الحالي أمرًا طبيعيًا.
بدوره، يرى الكاتب والباحث السياسي الدكتور مؤيد غزلان قبلاوي أن سوريا تحتاج إلى وقت للتعامل مع المعطيات الجديدة، لكنه أكد أن المبادرات الآنية التي قامت بها حكومة الإنقاذ كانت مطمئنة للوسط الإقليمي والدولي.
وأشار قبلاوي إلى أن القوى الدولية لاحظت استقرارا غير متوقع في دمشق، حيث كان هناك تخوف من الفوضى وغياب الأمن، لكن حكومة الإنقاذ أثبتت عكس ذلك.
إعلانوأضاف أن الأرضية الأمنية والرؤية السياسية المتعاضدة مع دول الإقليم أسهمت بهذا الاستقرار، إلى جانب المكاسب التي حققتها الثورة السورية، مثل قطع تجارة الكبتاغون العالمية التي أرهقت دول الجوار، وتأمين الأمن الإقليمي بإنهاء الهلال الشيعي وتحويله إلى "رماد أمني".
مكاسب عاجلةوأوضح الدكتور قبلاوي أن هذه المكاسب امتدت إلى لبنان الذي عاد إلى ساحة تنافسية بعيدا عن سيطرة حزب الله، وكذلك تركيا التي استفادت من تقليل سطوة "قسد" معتبرا أن هذه الإنجازات فشلت القوى الدولية في تحقيقها على مدار 15 عامًا.
ولفت إلى أن دول المشرق العربي كانت أسرع في الاعتراف بالتطورات الجديدة مقارنة بدول المغرب العربي التي لا تزال مترددة، مضيفا بأن من يتأخر عن الاعتراف بالسياسة الجديدة في دمشق سيتأخر عن الركب الدبلوماسي العالمي.
واعتبر قبلاوي أن هذا التردد يعود إلى حرص بعض الدول المغاربية، مثل الجزائر وبعض الأطراف الليبية، على استكشاف المرحلة القادمة، مرجحا أن تكون علاقاتها مع روسيا أثرت على تسريع هذا الاعتراف.
ورأى أن دول أوروبا، مثل فرنسا، أبدت رسائل إيجابية تجاه التطورات في دمشق، متوقعا أن تلحق الدول المغاربية بالركب الأوروبي قريبا، خاصة مع إدراكها أهمية المسار الاقتصادي والمصالحة الوطنية.
وأكد قبلاوي أن الوضع في سوريا يتجه نحو الأفضل، مع ملاحظة التعايش بين المكونات المختلفة وإجراءات تقاربية مع الدول العربية. وأعرب عن أمله في إعادة تعريف الإرهاب في المنطقة، مشيرًا إلى أن حتى الموالين للنظام السوري السابق لا يرغبون في عودة فلوله إلى المشهد.