تقدير أمريكي: الأزمة المالية تهديد لاستقرار مصر.. وقد تعيد المتطرفين للواجهة
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
سلط الزميل في معهد "هوفر" الأمريكي، راسل بيرمان، الضوء على الأزمة المالية الخانقة في مصر، التي تفاقمت جراء التداعيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن هذه الأزمة "من الممكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي".
وذكر بيرمان، في تحليل نشره موقع "ناشيونال إنترست" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الاستقرار في الشرق الأوسط أمر حيوي للمصالح الأمريكية، إذ تظل المنطقة مصدرا حاسما للطاقة وتقع على مفترق طرق التجارة العالمية، كما أنها حاضنة الحركات الإرهابية التي تمكنت من الوصول إلى الغرب والولايات المتحدة.
وفي هذه الساحة، تشكل مصر، التي يبلغ عدد سكانها 109 ملايين نسمة، محوراً للاستقرار، إذ تساعد علاقاتها الأمنية مع إسرائيل والولايات المتحدة في صد "التهديدات الإسلامية المتطرفة الخطيرة داخل المنطقة"، كما تعيق التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، بحسب تعبير بيرمان.
غزة وإثيوبيا
ولذا، فمن المهم للسياسة الخارجية الأمريكية أن تعترف بالتحديات التي تواجه الاستقرار المصري، خاصة بعد الحرب المستمرة في قطاع غزة، إذ بينما تواصل إسرائيل حملتها ضد المقاومة الفلسطينية، يمكن النظر إلى التطورات على طول حدود سيناء بالقرب من رفح على أنها انتهاك للسيادة المصرية، بما يمثله ذلك من عواقب سياسية في القاهرة.
وفي الوقت نفسه، هناك صراع آخر يختمر بالجنوب، ففي الوقت الذي تواجه فيه مصر ندرة متزايدة في المياه بسبب سد النهضة الإثيوبي الجديد، تتزايد التوترات مع إثيوبيا بعد أن وصلت المفاوضات بشأن ملء وتشغيل السد إلى "طريق مسدود" في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويزيد من تعقيد هذا الصراع اتجاه إثيوبيا مؤخرًا للاعتراف بأرض الصومال كدولة، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في الصومال، ذات نزعة انفصالية، وإزاء ذلك استضاف الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الرئيس الصومالي في القاهرة، وهدد صراحة، في مؤتمر صحفي مشترك، بدعم سيادة الصومال بالمساعدة العسكرية.
وامتد هذا الصراع إلى الكونجرس الأمريكي بعد أن تعهدت النائبة الديمقراطية، إلهان عمر، تعهدت بدعم مطالب الحكومة الصومالية.
اقرأ أيضاً
رئيس الوزراء المصري: نحتاج ما لا يقل عن 6 سنوات لتجاوز الأزمة الاقتصادية
وبالإضافة إلى هذه الصراعات الدولية المحتملة في غزة ومع إثيوبيا، هناك تهديد أكثر خطورة للاستقرار المصري على الجبهة الاقتصادية، إذ كان لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر تأثير هائل على سلاسل التوريد العالمية، إذ انخفض مرور سفن الحاويات العالمية عبر قناة السويس بنسبة 30%، وفقًا لصندوق النقد الدولي، وأوقفت شركات الشحن الكبرى، مثل ميرسك، مساراتها عبر القناة إلى أجل غير مسمى.
ويبلغ الدين الخارجي لمصر نحو 164.5 مليار دولار، ويعني العجز التجاري للبلاد أن مصر متعطشة للدولار، بحيث لم تعد الحكومة قادرة على الحفاظ على ربط الجنيه المصري عند 31 جنيهًا مصريًا لكل دولار (سعر الصرف الحكومي الرسمي).
وتقدر قيمة السوق الموازية في مصر الدولار الواحد بحوالي 60 جنيهًا، وهو مستوى لم يكن المصريون يتخيلونه في يوم من الأيام.
ويشير بيرمان، في هذا الصدد، إلى أن تحويل حركة المرور من قناة السويس إلى طرق بحرية أخرى يضر بأحد أكبر مصادر الدخل الدولاري في مصر، ويهدد ما يقرب من 40% من إيرادات القناة.
مشروعات ضخمة
ويضيف الزميل في معهد هوفر أن الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر تخفي أزمة مالية أوسع، إذ جرى تمويل اقتراض عام هائل على مدى العقد الماضي من خلال طباعة البنك المركزي للعملة، مع استخدام غالبية القروض لتمويل المشاريع الضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
ورغم الإشادة بهذه المشروعات باعتبارها تعزيز للاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، إلا أنها فشلت في جذب شهية كبيرة للمستثمرين الأجانب، وبدلاً من إلغائها قررت الحكومة ببساطة تمويلها، والآن حان موعد سداد الفاتورة، ومصر بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة التزاماتها من أجل تجنب العجز عن السداد.
اقرأ أيضاً
تصريحات السيسي حول الأزمة الاقتصادية والكهرباء تثير غضب المصريين.. ماذا قال؟
وفي تحديث لتوقعاته الإقليمية، قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط إن "السياسات الكلية التقييدية تظل ضرورية لخفض الديون المرتفعة والتضخم في بعض البلدان".
ويلفت بيرمان إلى أن هذا التحديث، الذي أعلنه الصندوق في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، يسبق اتفاق صندوق النقد الدولي الجديد، قيد التفاوض، لتقديم المزيد من القروض لمصر، في صفقة تتضمن تخفيضًا عاجلًا لقيمة الجنيه المصري.
وإلى جانب التدابير التقشفية المستمرة التي تتخذها الحكومة، قد يؤدي ذلك إلى إغراق المستهلك المصري المنهك بالفعل في مزيد من الفقر.
عودة للصدارة
وقد يؤدي أي زعزعة استقرار اقتصادي محتملة إلى تهديد الاستقرار الداخلي، ما يوفر فرصة للجهات الفاعلة المتطرفة للعودة إلى الصدارة، بحسب بيرمان، مشيرا إلى أن حكومة الرئيس، عبدالفتاح السيسي، قمعت البنية التحتية لجماعة الإخوان المسلمين في أعقاب إطاحة الجيش بالرئيس السابق، محمد مرسي، في عام 2013، ومع ذلك، "سيكون من الحماقة التقليل من شأن العودة المحتملة للأحزاب المتطرفة في سياق التدهور الاقتصادي الحاد" على حد تعبيره.
ويخلص بيرمان إلى أن تطورات غزة وإثيوبيا والتخفيض الوشيك لقيمة الجنيه عوامل تشكل "عاصفة كاملة" لمصر في عام 2024، ما يمثل "فرصة وأزمة" محتملة للسياسة الخارجية الأمريكية.
فالتقرب من مصر الآن، من خلال المساعدات الاقتصادية والعسكرية، يمكن أن يؤدي إلى تأثير أمريكي أكثر فعالية على السياسات المصرية وربما يوفر ثقلًا موازنًا للوجود الروسي المتزايد في أماكن أخرى في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
ومن ناحية أخرى، فإن عدم استقرار مصر قد يمثل مشكلة كبيرة للعالم الغربي، إذ أن أزمة الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في الشرق الأوسط تعني موجة من اللاجئين لأسباب اقتصادية.
ويخلص بيرمان إلى أن "مصالح الولايات المتحدة في استقرار أوروبا والشرق الأوسط أصبحت متشابكة، ومن المفيد لواشنطن أن تتحرك بسرعة وتعرب عن دعمها لمصر من أجل منع الفوضى، وهو ما لن يفيد إلا خصوم أمريكا، سواء إيران أو روسيا أو الصين أو المتطرفين الإسلاميين" حسب تعبيره.
اقرأ أيضاً
مركز حكومي مصري يرصد تداعيات الأزمة الاقتصادية على شح فرص العمل
المصدر | راسل بيرمان/ناشيونال إنترست - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر الأزمة الاقتصادية الجنيه إثيوبيا غزة عبدالفتاح السيسي الإخوان المسلمين الأزمة الاقتصادیة فی الشرق الأوسط إلى أن
إقرأ أيضاً:
الشرق الأوسط الجديد: لا شيء يـبقى .. لا أرض تُـستثنى
التي يسعى إليها العدوُ الإسرائيلي بدعم وشراكة من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو هدف الصهيونية العالمية ضمن مخططاتها في المنطقة العربية، يهدف هذا المشروع إلى توسيع نفوذ الكيان الصهيوني وتعزيز وجوده في المنطقة بما يفضي إلى تسيّده المطلق، واستباحته الكاملة لسيادة ومقدرات دول المنطقة، ومصادرتها كليا، قرارات وحقوق شعوبها وهويتهم، وهو في الوقت ذاته يجسّد جوهر أطماع السياسة الغربية المتبعة في العالم العربي.
لم يكن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” فكرة مستجدة؛ بقدر ما هو تحديث لأهداف قديمة وضعها وصاغها المحتل، وهي موجودة في متن وهوامش استراتيجيته الانتهازية الإمبريالية، وبالتالي فإن “الشرق الأوسط الجديد” مفهوم حديث لمخطط قديم ، يعيد اليوم المستعمرُ الغربي قولبته وصياغته ليحقق أهداف المحتل وفق متغيرات المرحلة في المنطقة التي شهدت أحداثاً كبرى من بينها ثورات “الربيع العربي” التي تزامنت مع الترويج لمشروع “الشرق الأوسط الجديد” قبل عقد من الزمن، وأعلن للمرة حينها على لسان كوندليزا رايز، وزيرة خارجية الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، كحصاد لمسرحية “أحداث” 11 سبتمبر، ضمن ترتيبات عالمية واسعة.
واعتمدت الولايات المتحدة في ذلك على خلق “فوضى خلاّقة” في الدول العربية، مستغلة الفروق الجغرافية والسياسية الناشئة أصلا عن اتفاقية “سايكس بيكو”، بالإضافة إلى تعزيز وتكريس الصراعات الداخلية التي أدت إلى تفكك الدول العربية وتمزيق مجتمعاتها.
استنزاف قدرات الأمةوفعلياً أدت السياسات الأمريكية إلى إضعاف القدرات البشرية والاقتصادية للدول العربية إثر سلسلة أحداث وفتن عصفت بالمنطقة، واستنزفت الثروات على حروب وصراعات داخلية، بينما تراجعت القضية الفلسطينية إلى مؤخرة الأولويات، في لحظة تراجع عربي وإسلامي غير مسبوق وفق تصنيف الكثير من الكٌتاب والنخب العربية، وهو ما مهّد لطرح مشاريع تطبيعية يقدمها كل وافد أمريكي جديد على البيت الأبيض ضمن مشاريعه الانتخابية في مضمار سباق الفوز برضا اللوبي اليهودي في أمريكا.
ورغم خطورة وانكشاف هذه المخططات مثل “صفقة القرن واتفاقية إبراهام” أمام الرأي العام والنخب في عالمنا العربي على ما تمثله من انقلاب واضح على القضية المحورية للأمة، شعوباً وأنظمة إلا أنها توضع على سكة التنفيذ، وتجد رواجاً وقابلية، وكان طرح مثل هذه الأفكار قبل سنوات يُعدُ خيانة تستوجب المحاكمة، وتلحق العار بدعاتها، لكنها اليوم وفي مؤشر على نجاح سياسة الترويض الأمريكية الإسرائيلية تُطرح بجرأة وتُقدم كحقيقة لا جدال فيها، وكقضية أساسية لتحقيق ما يصفه الأمريكي وأدواته الخيانية بـ”فرص خلق أمن واستقرار لشعوب المنطقة”!!.
بالعودة إلى الوراء قليلاً إلى مطلع القرن العشرين مع بداية الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين وما أعقبها من تفريط عربي بالأرض، نجد أن الصهيونية إنما تُعيد تدوير العناوين وتحديث الشعارات لتحريك عجلة مشروعها القديم ليس إلا.
ومع ذلك، بدأت تظهر بوادر صحوة تجاه القضية الفلسطينية، رغم التحديات التي فرضتها الحروب الأهلية والانقسامات الطائفية.
“الشرق الأوسط” من التخطيط إلى التنفيذيُعتبر الاحتلال الإسرائيلي حجر الزاوية في مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، حيث تسعى الولايات المتحدة لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يتناسب مع مصالحها ومصالح “إسرائيل”. على الرغم من محاولات بعض الأنظمة العربية للتعاون مع العدو الإسرائيلي، إلا أن الشعوب تظل متشبثة بقضيتها المركزية: فلسطين.
تشير التصريحات الأخيرة من المجرمين القادة الإسرائيليين، مثل “بتسلئيل سموتريتش”، إلى نوايا إسرائيلية واضحة للتوسع والضم، متجاوزةً الاتفاقيات السابقة مثل أوسلو.
ومع اقتراب ترامب من البيت الأبيض، يُتوقع أن تتصاعد هذه التوجهات، خاصة مع دعم ترامب العلني لإسرائيل، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في فترة ترمب الرئاسية الأولى، ولاحقاً الاعتراف بالجولان السوري كجزء من “إسرائيل” وهو ما أعاد التأكيد عليه اليوم مجرم الحرب نتنياهو وحكومته التي صادقت على “خطة نتنياهو” لتعزيز النمو الديمغرافي بهضبة الجولان ومدينة “كتسرين”.
وجاء في تصريحات المجرم نتنياهو: “سنواصل التمسك بالجولان من أجل ازدهاره والاستيطان فيه”، مضيفاً أن “تعزيز الاستيطان في الجولان يعني تعزيز “دولة إسرائيل” وهو أمر بالغ الأهمية في هذه الفترة” حد وصفه.
وهكذا تدريجياً تتوسع مظاهر “الشرق الأوسط” الجديد لتشمل ضم الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن، بالإضافة إلى التمدد نحو سوريا، تتجاوز هذه السياسات حدود الاتفاقيات الدولية، فضلاً عن تجاهلها التام لسيادة الدول العربية، حتى أنه يبدو أن ما يمنع العدو الإسرائيلي من التوسع في هذه المرحلة هو فقط اعتبارات صهيونية داخلية لا أكثر.
ومع تسارع مشاريع الاستيطان وتوسعها خارج حدود الأراضي الفلسطينية يبدو مشروع “الشرق الأوسط الجديد” خطر لا يهدد وجود الدولة الفلسطينية وحسب بل يضع دول الطوق الفلسطيني أمام تهديد وجودي يعيد رسم الخارطة وفق الأجندات الصهيونية، ويُلغي تماماً هوية شعوبها ويصادر حقوقها، ولا يفهم اليوم سبب التغافل عن هكذا خطر بهذا الحجم لن يبقي ولا يذر.