وصل الجواسيس إلى الهند
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
آخر تحديث: 15 فبراير 2024 - 9:59 صبقلم: فاروق يوسف ما من أحد شكك باستقلالية القضاء القطري ونزاهته حين أصدر حكم الإعدام في حق ثمانية ضباط هنود سابقين بتهمة التجسس لصالح إسرائيل. الهند نفسها لم ترفع الصوت عاليا تنديدا بالقرار. وبالرغم من أن كل المعطيات الواقعية تؤكد أن القرار لن يُنفذ لأسباب تتعلق بطريقة تعامل الإنسان الخليجي مع فكرة الموت فإن الحكومة الهندية بذلت جهودا كبيرة من أجل التوصل إلى تفاهمات مع الحكومة القطرية أدت أخيرا إلى أن يُصدر أمير قطر قرارا بالعفو عن المحكومين.
وهو ما كان متوقعا لا استجابة مباشرة لجهود الحكومة الهندية التي عبرت عن حرصها على سلامة مواطنيها من غير أن تستخف بالأمن والقضاء القطريين بل لأن هناك ظرفا إقليميا ساعد على إنقاذ الهنود الثمانية الذين سبق لهم وأن عملوا في شركة استشارية تعاونت مع السلطات القطرية في ما يتعلق بمشروع إنتاج غواصات في إيطاليا. حرب غزة هي التي صنعت ذلك الظرف الملتبس. منذ أن بدأت حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي ودولة قطر تحتل مكانا محوريا في الوساطات التي بُذلت من أجل إيقاف تلك الحرب. كانت الولايات المتحدة التي ترتبط مع قطر بعلاقات إستراتيجية على اطّلاع على كل تفاصيل تلك الوساطات ولم تعترض لأنها تدرك جيدا أن الدوحة تملك ما يؤهلها للتفاهم مع طرفي الصراع. فهي وإن لم تطبع مع إسرائيل على مستوى افتتاح سفارات غير أنها لم تمانع في فتح مكتب تجاري إسرائيلي يديره دبلوماسيان منذ عام 1996 كما أن شمعون بيريز كان قد زار الدوحة في العام نفسه لافتتاح ذلك المكتب. وفي عام 2007 استقبل الأمير الأب بيريز وطلب منه فتح الاتصالات مع حركة حماس التي كانت قد استولت على السلطة في غزة وطردت ممثلي السلطة الفلسطينية منها. علاقة قطر بحركة حماس مكشوفة بالنسبة لإسرائيل. عن طريق إسرائيل تحول قطر الأموال التي تمول من خلالها الحركة الإسلامية. كانت هناك صفقة شعرت الحكومات الإسرائيلية وبالأخص حكومة بنيامين نتنياهو أنها تخدم أهدافها في تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني وإضعاف السلطة الفلسطينية في رام الله. ما الذي حدث لكي يعلن نتنياهو أن قطر ليست طرفا محايدا لكي تكون مؤهلة للوساطة بين حكومته وحركة حماس؟ تلك الشكوك استفاد منها ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي الذي سبق له وأن عبر عن مواقف متضامنة مع إسرائيل بالرغم من أنه يعرف جيدا أن الملايين من مواطني دولته يحفظون كرامتهم في العيش من خلال الأموال التي تحول إليهم من أقربائهم العاملين في دول الخليج العربي. يشعر المرء أن مودي قد اتفق مع نتنياهو في الضغط غير المباشر على قطر من أجل إطلاق الجواسيس الثمانية الذين صار مشروع الغواصات القطرية السري بعد اعتقالهم مفضوحا. وهو ما يذكرنا بالمشروع النووي العراقي الذي لم تكن فرنسا نزيهة في الالتزام بشروطه بحيث استطاعت إسرائيل أن تغتال عددا من علمائه وتجهضه حين قصفت مفاعل تموز عام 1981 والذي كان قيد الإنشاء. ربحت الهند في إنقاذ أرواح مواطنيها الثمانية. في الوقت نفسه لعبت إسرائيل دورا إيحائيا في عملية الإنقاذ تلك. فهل كانت إسرائيل تسعى إلى إنقاذ جواسيسها من خلال محاولتها إزاحة قطر من مكانها في عملية الوساطة ما بينها وبين حماس؟ ولأن قطر حريصة على إنقاذ حماس فإنها يمكن أن تتخلى عن عدالة قضائها ونزاهته من أجل أن ترضي نتنياهو ومودي معا. لعبة يخرج منها العرب خاسرين. فبعد أن تم الإيقاع بقطر في الفخ لم تملك إلا التسليم. ولكنه قرار مر لن ينفع أحدا بعد أن افتضح مشروع غواصاتها السرية. صار الحوار اليوم على قدر واضح من الشفافية. ليست قطر في منجاة ممّن يتجسس عليها ولا تزال إسرائيل مهتمة بالتجسس على مَن تتعامل معه. نوع من الملاكمة تحت الخصر أو إذا أردنا استعمال الجمل السياسية يمكننا أن نقول إن هناك حوارا يجري تحت الطاولة من أجل إفراغ كل ما يحدث على السطح من معناه. قطر ستستمر في الدفاع عن قضيتها في غزة. بالقوة نفسها ستندفع إسرائيل لكي تملي حقها على الآخرين في الدفاع عن نفسها. أما الهنود الثمانية فقد وصلوا إلى بيوتهم.ليت غزة ترتاح وتريح بعد كل هذه الخسائر.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: من أجل
إقرأ أيضاً:
بنيامين نتنياهو مطلوب للعدالة
ترجمة: بدر بن خميس الظّفري
بفضل بنيامين نتنياهو، أصبحت إسرائيل أقرب إلى أن تصبح منبوذة من دول العالم، فقد أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع الذي أقاله قبل أسبوعين، يوآف جالانت، الآن مطلوبين للعدالة، بسبب مذكرات اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، متهمة إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. ومن الآن فصاعداً، أصبحت نحو 124 دولة مغلقة فعلياً في وجههما، فإذا وطأت أقدام نتنياهو أو جالانت أي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، والتي تشمل بريطانيا ومعظم دول أوروبا، فإنهما يواجهان خطر الاعتقال. وقد أعلنت حكومة المملكة المتحدة بالفعل أنها ستطبق القانون، والذي يبدو وكأنه التزام باعتقال الرجلين إذا أتيا إلى هنا. يجب منعهما من الدخول استجابة للقانون الدولي.
إن الوزراء الإسرائيليين وحلفاءهم يهاجمون المحكمة الجنائية الدولية، ويتهمونها بالتحيز والمعايير المزدوجة في توجيه اتهامات إلى إسرائيل لم توجهها قط إلى زعماء أي دولة ديمقراطية غربية أخرى. ولكن اللوم يقع على عاتق نتنياهو نفسه. لأن هذه الخطوة، التي تشير إلى عزلة جديدة لإسرائيل، كان من الممكن تجنبها بالكليّة.
دعنا نبدأ بمناقشة المسألة من الناحية القانونية. لماذا لم تلاحق المحكمة الجنائية الدولية، على سبيل المثال، بريطانيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب مشتبه بها في العراق، أو الولايات المتحدة بتهمة مماثلة في أفغانستان؟ والجواب هو أن المحكمة الجنائية الدولية تظل بعيدة عن البلدان التي لديها أنظمتها الخاصة والموثوقة للعدالة. يُطلق على هذا المبدأ القانوني «التكامل»، حيث تحيل المحكمة الجنائية الدولية الأمر إلى محاكم الدولة المتهمة، طالما أن المحكمة مقتنعة بأن أي جرائم سيتم التحقيق فيها بشكل صحيح.
بالنسبة لإسرائيل، كان الحل الأبسط هو إنشاء لجنة تحقيق حكومية في هجمات 7 أكتوبر 2023 وكل ما تلا ذلك. وكان هذا مطلبًا ملحا داخل إسرائيل منذ 13 شهرًا. ولكن نتنياهو رفض ذلك، فهو يخشى أن يشير التحقيق بأصابع الاتهام إليه لترك إسرائيل عُرضة لأشد الهجمات دموية في تاريخها. ومن شأن التحقيق أن ينسف ادعاءه بأنه، على الرغم من أنه كان في منصب رئيس الوزراء طيلة أغلب السنوات الخمس عشرة الماضية، كان بريئاً من ذلك الفشل المروع، رغم أنه كان مسؤولاً في الوقت نفسه عن كل النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل. وعلى هذا، وفي مخالفة مع جميع السياسات الإسرائيلية السابقة، لم يُجرَ أي تحقيق في أحداث السابع من أكتوبر أو في سلوك الحرب في غزة. وهذا، بموجب مبدأ التكامل، فتح الباب أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وبطبيعة الحال، فإن مسؤولية نتنياهو أعمق كثيراً. ويوضح بيان المحكمة الجنائية الدولية أن جوهر قضيتها ضد زعماء إسرائيل يتعلق بالمساعدات الإنسانية إلى غزة. تقول المحكمة الجنائية الدولية إن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت «حرما السكان المدنيين في غزة عن عمد وعن علم من المواد الأساسية اللازمة للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والأدوية والإمدادات الطبية، فضلاً عن الوقود والكهرباء».
يقول نتنياهو والمدافعون عنه إن أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ليست عادلة لأنها تتجاهل وحشية حماس عدو إسرائيل، وتسعى إلى تقييد أيدي إسرائيل في الدفاع عن نفسها. لكن الطريقة التي هاجمت بها إسرائيل حماس ليست في صميم قضية المحكمة الجنائية الدولية. بدلاً من ذلك، فإن التركيز في لائحة الاتهام هو منع وصول المساعدات الإنسانية.
الآن، من الواضح أن السبب الرئيسي الذي كان على إسرائيل من خلاله ضمان وصول إمدادات كافية من الأساسيات هو سبب أخلاقي. فمن غير المقبول استخدام «التجويع كأسلوب للحرب»، كما تقول المحكمة الجنائية الدولية. والسبب الثاني هو استراتيجي. وكما كتبت في وقت مبكر من الحرب، حاول كبار الشخصيات العسكرية الأميركية المتعاطفة مع إسرائيل إقناع القيادة الإسرائيلية بأنه من الحكمة أن توضح بشكل لا لبس فيه أن حربها كانت مع حماس، وليس مع الفلسطينيين في غزة. وكان ينبغي لها أن تزود المدنيين في غزة بكل الغذاء والدواء الذي يحتاجون إليه، من أجل دق إسفين بين حماس والشعب في غزة. ولكن بدلاً من ذلك، جعلت الحياة القاسية أكثر قسوة وزرعت الكراهية في قلوب جيل جديد. إنه فشل استراتيجي. أما الأسباب القانونية فتتمثل في أنه كان ينبغي لنتنياهو وحلفائه أن يدركوا بوضوح أنه في حين يصعب إثبات التهم المتعلقة بالسلوك العسكري في الحرب من الناحية القانونية، فإن المساعدات تشكل إدانة واضحة وقابلة للقياس. إن غياب لجنة تحقيق إسرائيلية محلية مكلفة على وجه التحديد بمراقبة سياسة المساعدات، إلى جانب التصريحات المتهورة حول فرض «حصار شامل»، وهو التهديد الذي لم ينفذ أبدًا ولكنه كان عنوان عملية غزة على الفور بـ «أساليب غير قانونية ومفرطة»، كما قال لي عالم القانون الدولي الإسرائيلي البروفيسور يوفال شاني، هو ما جعل كل من نتنياهو وجالانت يكتبان مذكرات الاعتقال الخاصة بهم.
ستزعم إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، أن المحكمة الجنائية الدولية تصرفت بشكل غير عادل. وسوف يقولون إنه في حين تراجعت المحكمة عن التحقيق مع أمثال المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة أو حتى فنزويلا، وساعدتهم على تجاوز حاجز التكامل، إلا أنها لم تمنح إسرائيل مثل هذا المجال. وإن إرسال المساعدات إلى غزة ليس بالمهمة السهلة، ليس عندما تكون حماس أو رجال مسلحون آخرون على استعداد لسرقتها. وسوف يقول الإسرائيليون إن إدراج قائد حماس في نفس مذكرة الاعتقال التي أدرجت نتنياهو وجالانت أمر مروع، رغم أنهم كانوا سيهاجمون المحكمة الجنائية الدولية بنفس القدر من الشدة لو تغاضت عما فعلته حماس. وسوف يقولون إن المحكمة الجنائية الدولية لم تمنح إسرائيل الوقت الكافي أو الإخطار، وأن المدعي العام الرئيسي كريم خان ألغى رحلة مقررة إلى إسرائيل في مايو في اللحظة الأخيرة، مفضلا الإعلان عن طلبه للحصول على مذكرات اعتقال على شبكة سي إن إن. وسوف يقولون إن خان متورط هو نفسه في موضوع تحقيق داخلي في سوء السلوك الجنسي المزعوم. وسوف يكون هناك الكثير من المؤيدين لهذه الحجج، وخاصة تلك التي تروج للمعايير المزدوجة. وربما تسعى الولايات المتحدة، بدعم من دولة المجر وغيرها، إلى ترهيب المحكمة، والتهديد بقطع التمويل أو فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية. وقد شجبت إدارة بايدن المنتهية ولايتها بالفعل مذكرات الاعتقال، وسيكون دونالد ترامب أكثر صرامة بهذا الخصوص.
ولكن الاتهامات لن تتلاشى. لقد تحدثت إلى أربعة متخصصين مختلفين في القانون الدولي حول حرب غزة، ويعتقد الأربعة أنه من المرجح أن تكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت بالفعل. ويعتقد هؤلاء الأربعة أنفسهم أن أخطر الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل، ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، لا يمكن إثباتها قانونيا. وقد تأكد هذا الرأي، بقرار المحكمة الجنائية الدولية نفسها برفض إحدى التهم التي سعى المدعي العام إلى توجيهها ضد الثنائي الإسرائيلي، وهي جريمة «الإبادة».
الكثير من الناس لا يتوقعون رؤية نتنياهو في قفص الاتهام في لاهاي في أي وقت قريب. بل على العكس من ذلك، فإن هذه الخطوة لن تؤدي إلا إلى تعزيز موقفه سياسيا، تماما كما ساعدت الاتهامات المحلية المتسلسلة ضد ترامب في فوزه بالرئاسة. وسوف يقول نتنياهو إنه ضحية لأجانب مملوءين بالكراهية، وإن إسرائيل في مواجهة العالم وإنه وحده يقف كمدافع حقيقي عنها، وعلى استعداد للتضحية بحريته من أجلها.
ولكن مع ذلك سيكون لهذه المذكرات تأثير كبير، فسوف تقوي الدعوات إلى فرض حظر تزويد الأسلحة لإسرائيل وإجراء تحقيقات جنائية مع شخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية من المستوى الأدنى، وهذا من شأنه أن يُسرّع من مسار إسرائيل نحو العزلة الدولية. وتذكروا أن هذا هو بالضبط ما كانت حماس تأمله في السابع من أكتوبر، وهو أن تدفع إسرائيل إلى الجنون بالحزن والغضب إلى الحد الذي يجعلها تشن هجوماً من شأنه أن يدمر شرعيتها الدولية. لقد أعطاهم نتنياهو بالضبط ما أرادوه. لقد نصبت حماس الفخ لإسرائيل، ووقعت فيه مباشرة.
جوناثان فريدلاند كاتب عمود رأي في صحيفة الجارديان.
عن الجارديان البريطانية