نصرالله يردّ على الراعي... الهوّة عميقة
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
يقول بعض الذين يرفضون ربط الأزمة اللبنانية بالحرب الدائرة رحاها في قطاع غزة عبر فتح الجبهة الجنوبية ضد إسرائيل إن خطاب الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله في "يوم الجريح" يذكرّ الكثيرين من اللبنانيين بكلام مشابه لرئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" الحاج محمد رعد يوم نصح الذين أعلنوا تمسّكهم بـ "اتفاق بعبدا" بأن يبّلوه ويشربوا من ميتو"، مع العلم أن "الحزب"، الذي شارك في طاولات الحوار، التي دعا إليها الرئيس السابق ميشال سليمان كان وافق على هذا الاتفاق.
ما يمكن قوله، وفق أوساط ما تبقّى من 14 آذار، إن كلام السيد نصرالله جاء عشية إحياء الذكرى التاسعة عشر لاغتيال الرئيس رفيق الحريري بطريقة مختلفة هذه السنة بعدما كثر الحديث عن خلفيات الحشد الشعبي لمهرجان المطالبة بعودة دائمة للرئيس سعد الحريري، وهو تزامن أيضًا مع ما رافق حديث البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي المقتبس من بعض أهل الجنوب عن "الانتصارات الوهمية" من حملات تخوينية على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع أنه لم يسمِّ الكاردينال الراعي بالاسم فإن نصرالله ركزّ في كلمته العالية النبرة على الافرقاء والقوى المناهضين للحرب التي يخوضها الحزب في الجنوب تضامنًا ومساندة لأهل غزة، وبأن "ما نقوم به في جبهتنا اللبنانية هو مسؤولية وطنية، ومنسجمون مع انسانيتنا ومع قيمنا الأخلاقية ومع مسؤوليتنا الشرعية والدينية".
وفي هجومه على خصوم الحزب لم تغب عن باله صورة البطريرك الراعي الذين كان يقتبس عن بعض أهل الجنوب ما يعانونه نتيجة هذه الحرب، وقال إن "المشكلة هي في اعتبار البعض أن لا جدوى مما نقوم به في الجبهة اللبنانية وهذا أمر كارثي. وهناك أطراف لها أحكام مسبقة أيًّا تكن الإنجازات والانتصارات وتصف ما يتحقق بأنه إنجاز وهمي". وأضاف: "في الجلسات الداخلية هؤلاء الذين لديهم مواقف مسبقة يعترفون بالإنجازات لكن علناً لا يقرون. ورغم هزيمة المقاومة لجيش الاحتلال الذي لا يقهر فان البعض يجادل بجدوى المقاومة. هذه الفئة التي تدعي أن "القانون الدولي يحمينا" وتجادل في جدوى المقاومة "ميؤوس منها". وتحدث عن "جو كبير من التهويل في لبنان يشارك فيه سياسيون وشخصيات يرقى إلى مستوى الانحطاط الأخلاقي والسفالة وهناك أطراف في لبنان تهوّل على أهل الجنوب ببدء الحرب". وشدد على "وجوب ان نحرص ألا يؤدي هذا السجال إلى نزاعات طائفية وهذا الأمر من مصلحة اسرائيل وليس من مصلحة الوطن والكرامة الوطنية".
فهذا السجال في رأي بعض الأوساط المراقبة لتفاعل الحركة الداخلية مع حركة الموفدين الدوليين قد يقود اللبنانيين إلى المزيد من الانقسامات الحادّة، والتي ليست في الأساس وليدة اللحظة الآنية، بل تعود بالأخصّ إلى التناقض الذي كان قائمًا بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري و"حزب الله" بالنسبة إلى نظرة كل منهما إلى لبنان. فبينما كان الرئيس الشهيد يتطلع إلى جعل لبنان "هونكونغ" الشرق كان "الحزب" يصرّ ويعمل على تحويل لبنان إلى ما يشبه "هانوي".
فهذا التناقض بين نظرتين مختلفتين عن دور لبنان لا يزال قائمًا، ولكن من دون أفق لإمكانية الخروج من دوامة إثبات أحقّية أي من هاتين النظرتين. وهذا الأمر ينعكس على كل مفاصل حياة اللبنانيين في يومياتهم السياسية والمعيشية. والدليل أن الجمهورية باقية من دون رئيس حتى إشعار آخر، وأن أزمة وجود ما يقارب مليوني نازح سوري على مختلف الأراضي اللبنانية لا تزال تتفاعل اقتصاديًا وماليًا واجتماعيًا وديموغرافيًا وحتى أمنيًا.
في خلاصة الحديث الذي لا نهاية وشيكة له بين ردّ وردّ على الردّ فإن الخاسر الأكبر هو لبنان بمفهومه الرسالي والتعايشي، وأن الهوة السحيقة التي تفصل بين اللبنانيين تزداد يومًا بعد يوم عمقًا واتساعًا.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
هل بدأت إسرائيل بمخطط تقسيم دول المنطقة؟
إذا أمعن الرائي في الخلفيات الظاهرة والخفية لإصرار إسرائيل على إبقاء احتلالها لمواقع في الجنوب اللبناني تعتبرها "استراتيجية" لأمن مستوطناتها الشمالية لتبيّن له أن هذا الإصرار يرتبط في جزء كبير منه بما تقوم به تل أبيب في الجنوب السوري، وامتدادًا ما له علاقة بما يجري على الساحل السوري، وبالأخص في المدن، التي كانت تُعتبر معقل نظام البعث، أو بتعبير أوضح "النظام العلوي" بما له من دلالات تقسيمية قد بدأت تتبلور معالمها. ولا يخطئ المرء كثيرًا إذا ذهب في تحليلاته إلى أبعد مما يطفو على سطح الأحداث المتسارعة في سوريا، بدءًا بـ "السقوط الكارتوني" لنظام الأسد، مرورًا بالتحرّك التركي شمالًا، ووصولًا إلى عودة تحريك الملف الكردي، وذلك بالتزامن مع ما يبدو اتفاقًا "ناعمًا" بين الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا لمصلحة موسكو بعد عملية "التطويع" القسري للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، التي مورست عليه في لقاء "البيت الأبيض"، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى تسليمه بالشروط الأميركية لاتفاقية المعادن.
وقد يكون لهذا الاتفاق الأميركي – الروسي "الناعم" أوكرانيًا تداعيات شرق أوسطية بفعل وجودهما القوي في المنطقة، وبالأخصّ في سوريا المعرّضين لمزيد من التفاعل في مناطق تقاسم النفوذ، حيث لكل من واشنطن وموسكو مصالح حيوية تمتد حتمًا، ومع التطورات السريعة على الساحل السوري الغربي وما يمكن توقعه في المناطق الشمالية، إلى خارج الحدود السورية في اتجاه العراق ولبنان كونهما البلدين الأكثر تأثرًّا بما يجري في الداخل السوري، غربًا وشرقًا وجنوبًا.
فإذا بدأت معالم تقسيم سوريا تتوضح مع تفاعل التطورات العسكرية، التي لم تفاجئ الكثير من المحللين الاستراتيجيين، فإن كلًا من العراق ولبنان ستلحق بهم حتمًا "طرطوشة" هذه الجرثومة، التي لا بدّ منها كحال مكمّلة للمخطط التفتيتي لدول المنطقة، الذي سعت إليه تل أبيب من خلال تدميرها شبه الكامل لقطاع غزة، واستكمال ما بدأت به في القطاع من مخطّط تهجيري في القطاع ونقله إلى الضفة الغربية. ولأن الشيء بالشيء يُذكر أذكر ردّة فعل الرئيس الراحل كميل شمعون عندما سئل سنة 1976، أي بعد اندلاع الحرب في لبنان بسنة تقريبًا عن مشروع تقسيم لبنان، فكان جوابه صادمًا لجميع الصحافيين، وقال بما معناه إن لبنان لن يُقسّم قبل أن يُقسّم العراق، الذي كان يومها بعيدًا كل البعد عن نظرية التقسيم، حيث كان الرئيس صدام حسين يمسك بزمام الأمور بقبضة من حديد.
فما قامت به إسرائيل منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد في سوريا من ضربات موجعة استهدفت القدرات العسكرية للدولة السورية بما تبقّى لها من قدرات المواجهة لم يكن مجرد حدث ظرفي له علاقة مباشرة بالتطورات السورية حصرًا، بل تمتد مفاعليه، وهذا ما بدأ يظهر جليًا، إلى لبنان والعراق لاحقًا، مع إمكانية توجيه ضربة عسكرية خاطفة للمفاعل النووي في إيران.
وما مكّن تل أبيب من القيام بما كانت تحلم به حتى قبل مشروع هنري كيسنجر بالنسبة إلى خلق كيانات ضعيفة ومتصارعة في المنطقة هو سقوط النظام السوري السابق بهذه الطريقة الكاريكاتورية وفرض واقع سياسي وأمني جديد. وهذا ما ساعد إسرائيل على تحقيق ما كانت تحتاج إليه في ظروف أخرى لكي تشّن حربًا واسعة النطاق بدأت في القطاع وامتدّت إلى لبنان فسوريا. فإضعاف ما كان لسوريا من قدرات وإمكانات سابقة من شأنه أن يبعدها عن دائرة التأثير على مسرى الأحداث في المنطقة كلاعبة أساسية، وهذا ما قد يمكّن تل أبيب من توسيع نطاق نفوذها خارج حدودها الجغرافية بعدما أصبحت تشكّل خطرًا حقيقيًا على كل من فلسطين، بقطاعها وضفتها، ولبنان وسوريا، وذلك بعدما أنهكت كلًا من حركة "حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان، وبعد سقوط النظام السوري، ولاحقًا في كسر شوكة النفوذ الإيراني في المنطقة. كذلك فإن للبعد الإسرائيلي في أهدافه المعلنة قطع الممر ربما الوحيد للسلاح الآتي إلى "حزب الله" من إيران عبر الأراضي السورية.
فالمخاطر المستجدّة في سوريا في ضوء التوسع الإسرائيلي في جنوبها وفرض منطقة عازلة، يشكلان التفافًا مدروسًا أيضًا على لبنان، بحيث يتحوّل جزء من الحدود السورية إلى خاصرة رخوة للبنان. وهذا ما تشهده الحدود الشرقية من حين إلى آخر من مناوشات غير بريئة .
وما شهده الجنوب قبل أيام من استهداف إسرائيل لعدد من مواقع تدّعي تل أبيب بأنها مخازن أسلحة لـ "حزب الله" خارج الحدود الجنوبية لنهر الليطاني سوى حلقة في سلسلة طويلة لن تنتهي قبل أن تكتمل كل حلقاتها المتواصلة من إيران ومرورًا بالعراق وسوريا ولبنان وصولًا إلى قطاع غزة والضفة الغربية. المصدر: خاص "لبنان 24"