مجزرة ساقية سيدي يوسف.. عقوبة فرنسا للتونسيين على دعمهم الثورة الجزائرية
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
هجوم جوي مباغت من الجيش الفرنسي على قرية ساقية سيدي يوسف، الواقعة في الحدود الجزائرية التونسية في الثامن من فبراير/شباط 1958 في إطار حربه على المقاومة الجزائرية، وجاء هذا الهجوم عقابا للتونسيين لدعمهم الثورة الجزائرية. وسقط في القصف الفرنسي 76 شهيدا من المدنيين الجزائريين والتونسيين، بينهم نساء وأطفال، وأصيب 148.
في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954 اندلعت شرارة ثورة التحرير الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي بقيادة جبهة التحرير الوطني.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1957 انسحب الوفد الفرنسي من مؤتمر حلف شمال الأطلسي (ناتو) احتجاجا على التصرف الأميركي البريطاني بتسليم شحنة من الأسلحة إلى تونس، حيث رأى الفرنسيون أن هذه الأسلحة ستصبح في متناول الثوار الجزائريين الموجودين فوق الأراضي التونسية.
لردع المقاومة الجزائرية لجأ الجيش الفرنسي إلى أساليب بشعة شملت التهجير القسري للسكان والإعدام والتعذيب والاغتصاب، وصولا إلى استعمال قذائف النابالم الحارقة، مما دفع بمئات العائلات للنزوح والاستقرار في مخيمات أُعدّت للاجئين في المغرب وتونس.
وفد رسمي يتفقد الجرحى بعد قصف الطيران الفرنسي ساقية سيدي يوسف في فبراير/شباط 1958 (غيتي)وعلى الرغم من محاولة الجيش الفرنسي إحكام السيطرة على المنافذ الحدودية بين الجزائر وتونس، فإن المناطق الجبلية الشمالية أفلتت من السيطرة الكاملة لقوات الاحتلال الفرنسية، وبدأ السكان الجزائريون يتدفقون سرا إلى الشمال الغربي التونسي، وخاصة قرية ساقية سيدي يوسف فرارا من التنكيل الفرنسي وأهوال الحرب.
اندمج الجزائريون في الحياة اليومية التونسية، حيث عملوا في التجارة وأشغال البناء، واستقر جزء منهم في مخيم أعدّته السلطات التونسية على مشارف القرية التي كانت فرنسا تعتبرها قاعدة عسكرية خلفية لجبهة التحرير الوطني الجزائرية، تقدم فيها العناية الطبية لجرحى العمليات العسكرية ضد القوات الفرنسية، وتؤوي عائلات المقاومين الجزائريين.
مارست فرنسا ضغوطا على تونس، على الرغم من استقلالها حديثا حينها في 20 مارس/آذار 1956، إذ انطلقت طلعات جوية من القواعد الفرنسية في الجزائر، ودخلت المجال الجوي التونسي لترهيب الحكومة التونسية المتهمة بدعم الثوار الجزائريين.
تتالت الضربات الموجعة التي تلقاها الجيش الفرنسي من طرف المقاومة الجزائرية، ومنها معركة "جبل واسطة" في 11 يناير/كانون الثاني 1958، حينما وقع الفصيل 23 التابع لقوات المشاة بقيادة النقيب "آلار" في كمين محكم، مما أدى إلى مقتل 17 جنديا وإصابة العشرات وأسر 4 جنود فرنسيين، فكان بمثابة إعلان فشل كل خطط ومناورات الجنرال شارل ديغول لإخماد لهيب الثورة الجزائرية، فأصدر قانونا يقضي بملاحقة عناصر جيش التحرير الوطني الجزائري أينما كانوا تمهيدا لضرب جيوب المقاومة ضد القوات الفرنسية.
قصفت فرنسا ساقية سيدي يوسف بالقنابل والرشاشات واستهدفت مباني حكومية ومدارس ابتدائية لجأ إليها الأطفال (غيتي) الهجوموأمام الدعم المتزايد للثورة الجزائرية من مختلف المكونات السياسية والمدنية في تونس، ومن عدد من المناطق الحدودية بين البلدين، كان لا بد للاحتلال الفرنسي من التخطيط لهجوم كبير يسبب القطيعة بين الشعبين، ويدفع التونسيين إلى التخلي عن دعم ثورة التحرير.
بدأت فرنسا في تنفيذ مخططها عن طريق هجمات تمهيدية لإرهاب التونسيين شعبا وحكومة، وكان أول هجوم مسلح تعرضت له الساقية في سياق ملاحقة عناصر جيش التحرير الوطني، يومي الأول والثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1957، ثم هجوم ثان في 30 يناير/كانون الثاني 1958، بعد أن تعرضت طائرة فرنسية لنيران جيش التحرير الوطني.
وبعد يوم واحد من زيارة روبر لاكوست، الحاكم العام للجزائر آنذاك، للشرق الجزائري، وفي صباح الثامن من فبراير/شباط 1958 أقلعت 25 طائرة منها 11 قاذفة قنابل من طراز "بي 26″، من قاعدة بون الجوية (عنابة حاليا) في اتجاه ساقية سيدي يوسف، وشنّت غارات وقصفا متواصلا على القرية استمر لأكثر من ساعة بين العاشرة والحادية عشرة صباحا.
وكانت نية الجيش الفرنسي إسقاط عدد كبير من الضحايا، وتجلّى ذلك في اختيار يوم الهجوم الذي يصادف السوق الأسبوعي في المدينة، حيث يحتشد عدد كبير من الناس، إضافة إلى توافد أعداد كبيرة من الجزائريين لتسلم المساعدات والمعونات الغذائية من المنظمات الإنسانية والخيرية مثل الهلال الأحمر التونسي والصليب الأحمر الدولي.
قُصفت ساقية سيدي يوسف بالقنابل والرشاشات، واستهدف القصف مباني حكومية ومدارس ابتدائية لجأ إليها الأطفال، وأكبرهم كان يبلغ من العمر 11 عاما، إضافة إلى عديد من المحلات والمنازل التي كان يشتبه في إيوائها عناصر جيش التحرير الوطني الجزائري.
تسبب القصف الفرنسي بسقوط 76 شهيدا من الجزائريين والتونسيين بينهم نساء وأطفال (غيتي) الخسائر البشريةاستشهد جرّاء الغارة الفرنسية على ساقية سيدي يوسف 76 شخصا، من بينهم 38 رجلا و11 امرأة و20 طفلا، سقطوا تحت القصف المباشر، ولفظ البقية أنفاسهم في المستشفى، في حين أصيب 148 شخصا بجروح خطيرة (86 رجلا و23 امرأة و19 فتى و16 فتاة).
الخسائر الماديةتمّ تسجيل كثير من الخسائر المادية جراء القصف الفرنسي ساقية سيدي يوسف، وتمثلت في تدمير شاحنات للصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر التونسي، وتحطيم مبان لمؤسسات عمومية مثل دار المندوبية ومركز الحرس الوطني ومركز الجمارك ومركز البريد والمدرسة الابتدائية وإدارة الغابات وإدارة المنجم، إضافة إلى تحطيم 43 دكانا و97 مسكنا.
النتائج السياسيةبعد القصف الفرنسي هدد التونسيون العائلات الفرنسية المقيمة في البلاد بالطرد، وطالبت الحكومة التونسية بإغلاق القنصليات الفرنسية الواقعة في مدن الشمال الغربي مثل مدينة الكاف وجندوبة ومجاز الباب. كما دعا الحزب الدستوري الجديد إلى مظاهرات وإضرابات كبيرة في جميع أنحاء البلاد.
واندلعت مظاهرات حاشدة بعدة مدن تونسية مثل تونس العاصمة وبنزرت ورأس الجبل وحمام الأنف وطبرقة وغار الدماء ومدن أخرى، وتوجهت الحشود إلى ثكنات الجيش الفرنسي -الذي لم تكن قد استكملت بعد عملية إجلائه من تونس- مطالبة برحيلها.
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة نت (@aljazeera.net)
وفي مساء يوم القصف أقامت الدولة التونسية حواجز على الطرق، ومنعت وصول الإمدادات إلى القاعدة العسكرية الفرنسية في بنزرت، كما مُنعت السفن الفرنسية من دخول بحيرة بنزرت.
وطردت الحكومة التونسية 5 قناصلة فرنسيين كانوا يعملون بأهم المدن التونسية، وأرسل الرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة احتجاجا رسميا إلى مجلس الأمن الدولي طالب فيه بإجراء تحقيق حول تلك الأحداث الدموية.
كان العدوان الفرنسي على تونس حافزا للإدارة الأميركية للتدخل طرفا هاما في أزمة شمال أفريقيا، إذ عينت الولايات المتحدة وبريطانيا في 17 فبراير/شباط 1958 لجنة للمساعي الحميدة لمراقبة الأزمة التونسية الفرنسية.
في خضم هذه الأحداث بدأت تتحرك الدبلوماسية الأميركية والبريطانية، واقترحت على فرنسا وتونس وساطة بقيادة أميركية وبريطانية، وقد حددت الحكومة الفرنسية منذ البداية مهمة الوساطة الأميركية البريطانية في 3 نقاط أساسية:
وضعية الجنود الفرنسيين المتمركزين بتونس. مراقبة الحدود الجزائرية التونسية. استئناف المفاوضات الثنائية حول النزاع الفرنسي التونسي، وخاصة فيما يتعلق بالقوات الفرنسية الموجودة على التراب التونسي.كما أبلغت الإدارة الأميركية كل الأطراف رغبتها في التدخل لحل القضية الجزائرية. ووجدت فرنسا نفسها تواجه أزمة سياسية كبيرة أدّت إلى سقوط جمهوريتها الرابعة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جیش التحریر الوطنی القصف الفرنسی الجیش الفرنسی
إقرأ أيضاً:
"الإليزيه": الرئيس الفرنسي يقوم بزيارة للسعودية في ديسمبر المقبل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت الرئاسة الفرنسية "الإليزيه" اليوم الجمعة، أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، سيقوم بزيارة دولة إلى المملكة العربية السعودية في الفترة بين 2 و4 ديسمبر المقبل، بدعوة من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
وقالت الرئاسة الفرنسية -في بيان لها اليوم- "ستكون زيارة الدولة للرئيس ماكرون هذه، فرصة لتعزيز الشراكة بين فرنسا والمملكة العربية السعودية".
وأضافت أن ماكرون والأمير محمد بن سلمان، يعتزمان بشكل خاص "تعميق التعاون في المجالات الإستراتيجية" مثل الدفاع والأمن ونقل الطاقة والاتصال.
وأشارت إلى أن "المناقشات ستركز أيضا على مجالات الاستثمار المستقبلي، مثل التكنولوجيا المالية والسيبرانية والذكاء الاصطناعي، في وقت ستنظم فيه فرنسا قمة العمل بشأن الذكاء الاصطناعي، في فبراير عام 2025".
وخلال هذه الزيارة، سيشارك ماكرون أيضا في قمة "مياه واحدة" التي ستعقد في الرياض في 3 ديسمبر المقبل، على هامش مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP-16).
كما أوضحت الرئاسة الفرنسية أن هذه القمة التي ترأسها فرنسا وكازاخستان، ينبغي أن تتيح التفكير في حلول مستدامة ومبتكرة في إدارة الموارد المائية، في سياق يتسم بتزايد التحديات المناخية.