عائشة الحرة والدة آخر ملوك غرناطة
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
عائشة الحُرة، آخر أميرة عربية في تاريخ الأندلس، كانت زوجة الملك علي أبي الحسن، وابنة عمه الملك الأيسر، ووالدة ابنه أبي عبد الله الصغير آخر ملك لغرناطة. قادت المقاومة ضد التهديد المسيحي، وقاتلت لضمان شرعيتها زوجة للملك وأما لوريث عرشه، عاصرت احتضار غرناطة ونهايتها، كانت شخصية قوية ناضلت من أجل إعادة المملكة إلى سابق مجدها، ولعبت دورا كبيرا في مُجريات الأحداث السياسية بها.
على الرغم من قلة المصادر والوثائق حول حياتها، فهي معروفة في التراث الإسباني باسم "عايشة" و"مادري بوعبديل" وهو اسم فيه تحوير لاسم ابنها أبو عبد الله، وتحظى بالتقدير لدى الإسبان، حتى إنهم أبقوا على منزلها في حي البيازين في غرناطة، المعروف اليوم بـ"دار الحرة".
المولد والنشأةولدت عائشة الحُرة في غرناطة، لعائلة ملكية ترجع أصولها إلى يوسف بن نصر الشهير بابن الأحمر، المنحدر من قبيلة الخزرج القحطانية العربية، والذي جاء أجداده إلى منطقة جيان شمال بلنسية، مع سقوط دولة الموحدين في الأندلس.
كانت عائشة إحدى البنات الثلاث للسلطان محمد الثامن "الأيسر"، وهو الحاكم الـ15 لغرناطة، على 3 فترات متفرقة بين عامي 1419-1453. وقد نشأت في دار الملك بقصر الحمراء، ونهلت من الموروث الحضاري الذي نشأ في أحضان مملكة النصريين ورعاية حكامها، ويرجح أنها عاشت في المغرب خلال فترة نفي والدها.
تأثرت الحُرة بأجواء الفتن الداخلية التي هزت بيت الملك في المرحلة الثالثة والأخيرة من حكم بني نصر في الفترة ما بين 1391م و1492م، وكانت تعمه حينئذ المكائد والدسائس، والصراع والنزاع على السلطة.
كانت سليلة البيت الملكي قد واجهت مواقف واضطرابات دراماتيكية شكلت حياتها، وجعلت منها شخصية قائدة نادرة اقتحمت مجالات مختلفة كالحكم والسلطة والمفاوضات.
وتجمع المصادر التاريخية على الطبيعة القوية والشجاعة لشخصيتها وتدبيرها الحازم وذكائها الفريد وحكمتها وسداد رأيها، في حين تثبت الوثائق الإسبانية أنها كانت نشطة في الشؤون السياسية للمملكة ومحبوبة من قبل الغرناطيين، حتى إن المراجع وصفتها بأنها إحدى الشخصيات "النبيلة والساحرة في تاريخنا".
الاسم واللقباختلفت الروايات التاريخية حول اسم السلطانة الأندلسية الحقيقي واسم والدها، ويرى المستشرق الإسباني سيكو دي لوسينا على ضوء نص وثيقتين "عقد بيع ملكي عام 1448، وآخر في 1492″، أن والدة أبي عبد الله كانت تسمى فاطمة، وتوصف "بالسيدة الحرة"، ووفقا لنسبها المدون في النص، فهي ابنة السلطان محمد العاشر "الأحنف".
لكن مؤرخين عربا يخالفون هذا الرأي لأسباب أهمها أن تشابه الأسماء، بل تعددها كان في الأسرة الواحدة، فالسلطان الأحنف كانت له ابنة تسمى عائشة، ولأبي الحسن علي ابنة بالاسم نفسه، وهذا لم يمنع من أن يكون للسلطان محمد الثامن الأيسر ابنة تسمى عائشة أيضا، وهي والدة آخر ملوك غرناطة، حسب رأيهم.
كانت وجهة النظر الأكثر قبولا لدى المؤرخين، أن اسم عائشة المعروف في التراث الإسباني هو الاسم الحقيقي لابنة "الأيسر" وليس "الأحنف"، وذلك استنادا إلى صورة رسمية للمعاهدة السرية، التي كان قد أصدرها الملكان الكاثوليكيان لأبو عبد الله الصغير عند تسليم غرناطة، وفيها يذكر اسم "الملكة عائشة والدته"، ثم جرت التواريخ اللاحقة على تسميتها بهذا الاسم.
كما قيل إن الأميرة الأندلسية، التي عرفت بـ"عائشة الحرة الأمينة والشريفة"، اشتهرت أيضا لدى المسلمين، باسم فاطمة الحرة تكريما وتيمنا بنسبها الذي يقال إنه يرتقي إلى الصحابي سعد بن عبادة الأنصاري.
وذكر المؤرخون أن لقب الحُرة أضيف إلى اسم عائشة، وهو عنوان يُترجم إلى "امرأة ذات سيادة"، فأصبح جزءا من اسمها، إذ يرى صاحب كتاب "نهاية الأندلس" أن اللقب أطلق تمييزا لها عن الجارية الإسبانية التي تزوجها السلطان أبو الحسن، أو كان إشادة بطهرها ورفيع صفاتها أو لمواقفها القوية.
سيدة القصروفي عام 1453، تزوجت عائشة الحُرة في سن صغيرة من ابن عمها محمد علي أبو الحسن، الذي انتزع الملك من والده، ولقب بـ"الغالب بالله"، وأنجبت ولدين هما أبو عبد الله وأبو الحجاج يوسف، وابنة سميت عائشة.
وكانت الأميرة الحُرة سيدة القصر على مدى 20 عاما، إلى أن دخلته جارية نصرانية، أصبحت زوجة ثانية لأبي الحسن في أواخر أيامه في جناح الحمراء الكبير أو قصر قمارش، واصطفاها على زوجته عائشة، التي كانت تقيم مع أولادها في جناح بهو السباع.
وأضحت الزوجة الأجنبية الملقبة بـ"ثريا الرومية" سيدة المملكة الحقيقة، وشكّل وجودها عاملا جديدا في إذكاء الصراع والتنافس بين امرأتين تمثلان ثقافتين متعاديتين.
ويذكر المؤرخون أن تصدي الزوجة العربية لمؤامرات خصيمتها النصرانية، كان له بعد أكبر من مجرد تنافس بين امرأتين، إذ أصبح مخططا من مسيحية أرادت أن تستأثر لأحد أبنائها بولاية العهد من بعد أبيه، وكان ذلك محل قلق لأشراف غرناطة، الذين كانوا يؤثرون ابن سليلة البيت الملكي العربي.
وفي خضم هذه الصراعات، سجن أبو الحسن زوجته عائشة وولديها في "قمارش" إحدى قلاع قصر الحمراء "وقيل في دار الحُرة" وعاملهم بقسوة، فأثار هذا الأمر غضب كبراء المملكة، واشتد السخط عليه، وعلى وزوجته النصرانية التي هزت عرش المملكة.
وفي جمادى الآخرة سنة 1482، استطاعت الأميرة عائشة الفرار من سجنها مع ولديها، بمساندة بني سراج، وتصف مراجع التاريخ ذلك، فتقول إن بعض الخدم المخلصين، كان ينتظر مع الجياد على مقربة من الحمراء على ضفة نهر حدرة، مما يلي برج قمارش، وإن الأميرة استعانت بأغطية الفراش على الهبوط من نوافذ البرج الشاهق في جوف الليل، وأنها هبطت بعد أن أدلت ولديها، ثم اختفى الجميع تحت جنح الظلام. وظهروا بعد حين في وادي آش حيث أعلن ابنها أبو عبد الله محمد العصيان على والده.
والدة آخر ملككان للأميرة عائشة دور كبير في تثبيت ابنها محمد الثاني عشر حاكما بعد سلسة من الخلافات على عرش غرناطة، إذ أعلنت الثورة على زوجها أبي الحسن الذي حكم غرناطة قبل سقوطها بحوالي 26 سنة، وهزمته ففرَّ إلى مالقة، ونجحت في تولية ابنه مكانه، في الخامس من يونيو/حزيران 1482، وعمره 25 سنة، قبل سقوط غرناطة بـ10 أعوام.
وقد أعلن أبو عبد الله رغم صغر سنه، الجهاد ضد الصليبيين بتشجيع من والدته الحُرة، واستطاع أن يحرر عدة حصون وقلاع في أبريل/نيسان 1483، وهزم النصارى في عدة معارك محلية، لكن الثورات والاضطرابات الداخلية هزت عرش الأمير الصغير، فانهزم في حربه الأخيرة مع الصليبيين في لوسينا "ظاهر قلعة اللّسانة" ووقع أسيرا لديهم بعد محاولته الفاشلة لغزو قشتالة.
ذكرت كتب التاريخ، أن عائشة استقبلت الخبر برباطة جأش، حتى إنها قالت لزوجة ابنها "إن الدموع لا تليق بابنة مجاهد ولا بزوج ملك، وإن الخطر لأشد على ملك يمتنع بقصره منه حين يأوي إلى خيمته، وإنه لواجب على زوجك أن يشتري سلام عرشه بمخاطر الميدان".
عادت عائشة مرة أخرى إلى حماية عرش ابنها، فخاضت مفاوضات تحرير الأمير الصغير القابع في الأسر، وبعد ذلك، دعمه لانتزاع الإمارة من عمه وأبيه عام 1486.
وقد حاولت تجميع الجيش مرة أخرى، ورفع معنويات ابنها لمواصلة الجهاد ضد الصليبيين، لكنه لم يستطع أن يقاوم أمام ضغطهم المتزايد على مملكته، وكان قد وقع وثيقة سرية، عصفت بمملكته بعد أقل من 10 سنوات على تحريره، فخرج نهائيا من الأندلس سنة 1492.
الوفاةتذكر مدونات التاريخ أن عائشة الحرة التي قُدّر لها أن تعيش الفصل الأخير من سقوط غرناطة، غادرت مع أسرتها إلى المغرب عام 1493. ويرجح أنها توفيت في مدينة فاس قبل وفاة ابنها بوقت طويل، ولم يُعرف تاريخ وفاتها ولا مكان قبرها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أبو عبد الله أبی الحسن
إقرأ أيضاً:
عبدالرحيم علي ينعى والدة النائب أحمد بدوي الرئيس التنفيذي للشركة المصرية للاتصالات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نعى الدكتور عبدالرحيم علي، رئيس مجلس إدارة وتحرير مؤسسة «البوابة نيوز»، ببالغ الحزن والأسى، والدة الرئيس التنفيذي للشركة المصرية للاتصالات النائب أحمد بدوي، التي وافتها المنية اليوم
قدم "علي" خالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيدة، سائلًا المولى عز وجل أن يغفر لها ويرحمها ويسكنها فسيح جناته، وأن يلهم عائلتها وذويها الصبر والسلوان.