الجيش الباكستاني اللاعب السياسي الأكبر في البلاد
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
باكستان دولة توصف بالديمقراطية، وتتم فيها الانتخابات لاختيار البرلمان الاتحادي والبرلمانات الإقليمية التي تؤدي دورها في تشكيل الحكومات، ومع كل ذلك فإن العسكر دائما حاضرون في أي معترك سياسي باكستاني، أو تحدّ خارجي أو داخلي. فما الدور المنوط بالجيش في الدولة الباكستانية؟
أدلى الباكستانيون الأسبوع الماضي بأصواتهم في الانتخابات العامة، وأسفرت النتائج شبه النهائية عن فوز واضح لأنصار رئيس الوزراء السابق المعتقل عمران خان بأكثر من 93 صوتا من أصل 266 صوتا جرى عليها الاقتراع، وحل حزب الرابطة الإسلامية الذي يقوده نواز شريف ثانيا بالحصول على 75 صوتا، ثم وحزب الشعب بزعامة آصف علي زرداري ثالثا بـ54 صوتا، وتوزعت الأصوات المتبقية على أحزاب صغيرة ومستقلين.
وراج مؤخرا بأن نواز شريف أو شقيقه شهباز شريف سيكون رئيس الوزراء المقبل مرة أخرى؛ لأن الجيش يريد ذلك.
ومثل عمران الآن، أدين نواز شريف سابقا بالفساد، مما أدى إلى تنحيه عن منصب رئيس الوزراء في 2017 وغادر البلاد بعد ذلك.
ويعتقد في باكستان وعلى نطاق واسع أن الجيش هو الذي ضمن وصول شريف إلى السلطة وخسارة السلطة في وقت سابق؛ وهو الذي دفع إلى صعود عمران خان -أيضا- في 2018 ثم إسقاطه في 2022.
قوة من الجيش الباكستاني خلال دورية سابقة في أحد شوارع بيشاور (الفرنسية) الجيش منذ إنشاء باكستانومنذ إنشاء باكستان في 1947 لم يتمكن أي رئيس وزراء حتى الآن من إكمال فترة كاملة تمتد 5 سنوات حسب الدستور، كما نُفّذت 3 انقلابات عسكرية.
وفي أول حكومة باكستانية خصص رئيس الوزراء لياقت علي خان 75% من الميزانية الأولى لعام 1948 للدفاع، ولتغطية رواتب وتكاليف إعداد القوات.
وكان الجيش دائما مدفوعا بالتهديد من الهند، ليحفز على عسكرة الدولة، وهو ما وفّر السياق للجنرالات لزيادة نفوذهم في السياسة الداخلية وسياسة الأمن.
ثلاثة انقلاباتالانقلاب الأول في 1958، في ظل أزمة اقتصادية وسياسية عاشتها البلاد، نحّى الجنرال محمد أيوب خان الحكومة جانبا، وعلّق النشاطات السياسية. وكان هناك شعور بدعم الناس للجيش، وهو ما أضفى الشرعية على الاستيلاء على السلطة.
الانقلاب الثاني في 1977، عاشت باكستان حالة من الانتكاسة بعد هزيمتها بالحرب أمام الهند، وتقسيم البلاد إلى باكستان وبنغلادش في 1971.
وأثارت نتائج انتخابات 1977 مزاعم بالتزوير ضد حزب الشعب الباكستاني الذي يتزعمه ذو الفقار علي بوتو من التحالف الوطني الباكستاني المعارض، ما دفع لفرض الأحكام العرفية حيث استولى قائد الجيش الجنرال ضياء الحق على السلطة في انقلاب 1977، وأُعدم بوتو في 1979 بعد محاكمته.
الانقلاب الثالث، في 1999، حيث نحّى قائد الجيش الجنرال برويز مشرف رئيس الوزراء نواز شريف.
لودهي: الجيش اضطر للتدخل في الحياة السياسية حرصا على المصلحة العليا للبلاد (الجزيرة) الجيش مضطر للتدخلوإزاء ذلك يقر وزير الدفاع السابق الجنرال المتقاعد نعيم خالد لودهي بتدخل الجيش في الحياة السياسية في باكستان، مشيرا إلى أنه كان مضطرا لذلك حرصا على المصلحة العليا للبلاد، وللحفاظ على الأمن وحمايتها من المتربصين بها خارج الحدود.
وفي حديث للجزيرة نت بين لودهي أن سوء الإدارة من بعض رؤساء الحكومة والقادة السياسيين وفساد بعضهم، دفع الجيش لتوسيع سلطاته والتدخل في الحكم بهدف حماية مصالح ووحدة البلاد.
وعدّ لودهي أن لباكستان خصوصية تحتم عليها أن يكون للجيش مكانة عُليا، فهناك عدو عملاق بجوارها (الهند) يتربص بها، كما أن هناك تحديات أمنية خاصة على الحدود مع أفغانستان وإيران.
وعن الشخصية التي يرى أنها جديرة بقيادة البلاد من السياسيين، قال إنه رغم احترامه لكل من نواز شريف وآصف زرداي، فإن حزبيهما حكما البلاد في فترات سابقة عدة، وفي كل مرة يتهمون بالفساد وسوء الإدارة إضافة إلى التوريث العائلي في حزبيهما، معدّا أن عمران خان هو الشخصية الأفضل في المرحلة الحالية لقيادة البلاد، خاصة أنه مشهود له بالنزاهة رغم الاتهامات التي تلاحقه.
ورغم إقراره بأن الجيش وراء الإطاحة بعمران خان في 2022 وأن الجهاز العسكري غير راغب بعودته للسلطة، فإنه صوّت في الانتخابات الأخيرة لصالح أنصار عمران خان.
عبد الكريم شاه: الحكومات الباكستانية منذ نشأت البلاد لم تكمل فترة السنوات الخمس من الحكم التي يقرها الدستور. (الجزيرة) مرهون برضا الجيشمن جهته عدَّ مدير مركز إسلام أباد للدراسات السياسية عبد الكريم شاه، أنه منذ 1985 كل الذين تولوا منصب رئاسة الوزراء يأتون برضا الجيش، وعندما يرى الجيش أن هذا المسؤول بدأ يخرج عن طوعهم يطيحون به.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن هذا ما يفسر أن أيا من الحكومات الباكستانية منذ نشأت البلاد لم تكمل فترة السنوات الخمس من الحكم التي يقرها الدستور.
واستدرك بالقول إن الحزبين الرئيسين في البلاد (حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية) أساءا خلال تناوبهما على السلطة في البلاد على مر السنوات، وزادا من الأوضاع السيئة في البلاد، وهو ما أتاح المجال لحزب حركة إنصاف بقيادة عمران خان للفوز بشكل بارز في انتخابات 2018، وكان السبب الرئيس في ذلك كرهه للحزبين التقليديين اللذين كانا متهمين بالفساد دائما، بالإضافة لوعود عمران بمحاربة الفساد وتحسين أوضاع البلاد.
وعن الانتخابات الأخيرة، ورغم القيود الكثيرة والكيد الكبير ضد عمران خان، فإن أنصاره حققوا فوزا واضحا فيها، وهو ما جاء محرجا للجيش الذي أطاح به، فدعا لتحالف بين حزبي الشعب والرابطة الإسلامية إلى جانب أحزاب صغيرة لتشكيل الحكومة المقبلة.
عاصمة ودود: الجيش كان دائما يتدخل بالسياسة وهو ما حد من مستوى الديمقراطية في البلاد (الجزيرة) الجيش حد من الديمقراطيةأما الكاتبة والمحللة السياسية عاصمة ودود فترى أن الجيش كان دائما يتدخل بالسياسة، وهو ما حد من مستوى الديمقراطية في البلاد بشكل ملحوظ، وأضعف المؤسسات الحكومية.
ورأت في حديث للجزيرة نت أن حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف استغل الخلافات بين عمران خان والجيش، للسعي للعودة إلى السلطة من خلال الانتخابات التي جرت مؤخرا، مقرا بالتبعية.
وأضافت أنه ورغم المحاولات الحثيثة من الجيش وخصوم عمران لخسارة الأخير في الانتخابات، فإن أنصاره فازوا بشكل ملحوظ، وحققوا أعلى تصويت بين الأحزاب المتنافسة، رغم عمليات التزوير التي جرت.
وقالت عاصمة إن الشعب الباكستاني في الانتخابات الأخيرة صوّت ضد الأحزاب العائلية التوارثية، في إشارة إلى حزبي الشعب والرابطة الإسلامية، والمشاركة غير الدستورية للجيش في السياسة.
وأعربت عن أسفها بأنه بدلا من الإقرار باختيار الشعب، دفع الجيش الأحزاب التي تعدّ تاريخيا في حالة نزاع فيما بينها لتشكيل حكومة ائتلافية، معدّة أنها مرفوضة شعبيا.
وواصلت القول إنه مع جلوس الأغلبية في المعارضة، سيكون من المستحيل على الحكومة إصدار تشريعات أو تعديلات دستورية دون دعم المؤسسة العسكرية، وهو ما سيفرغ البرلمان من مضمونه ويهدد الاستقرار السياسي في البلاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی الانتخابات رئیس الوزراء عمران خان نواز شریف فی البلاد أن الجیش وهو ما
إقرأ أيضاً:
الجيش والمستقبل السياسي في السودان
يعتبر عقدي السبعينات و التسعينات في القرن الماضي الأكثر تأثيرا في التغييرات التي طرأت على القوى السياسية في السودان، و غيرت المعادلات السياسية التي ما تزال مؤثرة في السياسة حتى الآن.. عقد السبعينات شهد توقيع "اتفاق بورتسودان" 1977م بين الرئيس نميري و الصادق المهدي رئيس الجبهة الوطنية، و الاتفاق ليس أتفاقا بين متحاربين فقط بالسلاح و أرادا الاحتكام للعقل بالتوافق على التبادل السلمي للسلطة.. و لكن الاتفاق في جوهره يعد أعترافا من القوى السياسية خاصة " حزب الأمة و الحركة الإسلامية" بقبولهم بفكرة " دولة الحزب الواحد" و كان من قبلهم " أعتراف الحزب الشيوعي و القوميين العرب" الذان نفذا انقلاب مايو 1969م، و المجموعة الماركسية التي ذهبت مساندة لنميري دون حزبها بقيادة عبد الخالق محجوب هي التي هندست فكرة " دولة الحزب الواحد" مع المجموعة العروبية.. أن سيادة فكرة " دولة الحزب الواحد" أضعفت الدفع بتصورات حول قضية الديمقراطية، و مادام الكل كان محصورا في محور " دولة الحزب الواحد" التي تأسس عليه أتفاق بورتسودان1977م، يصبح الكل يعمل من أجل ذلك بالأدوات التي تستطيع أن تحقق له ذلك..
ساعد اتفاق بورتسودان 1977م، الحركة الإسلامية أن تتحول من حركة صفوية محصورة في قطاع النخب الصفوية إلي قوى سياسية تتمدد في القطاع الشعبي، باعتبار أن قيادتها السياسية استطاعت أن تستثمر حالة الهدنة في تشييد صروحها المالية التي ساعدتها على اتساع حركتها السياسية.. في هذه الفترة ضعفت القوى السياسية الفاعلة في القطاع الطلابي حيث ظهر تنظيم " الطلاب المستقلين" الذي أثر تأثيرا مباشرا في الحراك السياسي الطلابي و تنمية قدراته، خاصة أن الحزب الشيوعي كان يعاني من تأثير الانقسام عليه و ما تزال قياداته تعمل تحت الأرض، و كانت الحركة الإسلامية تشعبت أهتماماته في ذلك الوقت.. كان الاتحاديون الذين رفضوا الاتفاق قل عطأهم السياسي بعد موت الشريف حسين الهندي، الذي كان يراهن على قطاعين الطلاب و العمال.. الأمر الذي اعتمد التغيير في إبريل 1985م على نقابات القوى المهنية " التجمع النقابي " و ليس على القوى السياسية، هذه التغيير غيب فكرة رؤية كيفية تتم عملية التحول الديمقراطي..
عقد التسعينات فقدت فيها بعض القوى السياسية أهم دعائمها في ذلك الوقت، إضعاف نظام صدام حسين الذي كان داعما لحزب البعث العربي الاشتراكي في السودان له أثر في ضعف حزب البعث في السودان، و اكان نظام صدام يوفر للحزب في السودان التمويل المالي للحركة، و مئات الفرص التعليمية في الجامعات العراقية كواحدة من أهم أداة للحزب في الاستقطاب وسط الشباب.. الثاني سقوط حائط برلين و سقوط الاتحاد السوفيتي، حيث كانوا يفروا للحزب الشيوعي التمويل المالي و مئات المنح الدراسية الي تتيح للحزب الاستقطاب وسط الشباب و النخب المثقفة، الأمر الذي أثر سلبا على أحداث تغييرات جوهرية داخل الحزب من الناحيتين التنظيمية و الفكرية، الأمر الذي أدى إلي تراجع كبير لدوره وسط القوى الجديدة في المجتمع.. هذه التأثيرات بالضرورة لها انعكاساتها على العمل السياسي في السودان.. و في هذه الفترة استطاعت الطائفية أن تقبض على مفاصل الحزب الاتحادي الديمقراطي، و هي طائفة محافظة منكفئة على مصالحها الذاتية، فقط تريد أن تجعل من الحزب أداة حماية لتلك المصالح، فهي لا تهتم بعملية تطوير الحزب من الناحيتين التنظيمية و الفكرية لأنها تعتقد أن ذلك ضد مصالحها.. لذلك هي تعتمد على عناصر الولاء للطائفة و هذه الفئة ذات قدرات محدودة و متواضعة، همها أن تكون متواجدة صوريا في المسرح السياسي دون التأثير فيه، لأنها لا تملك الأفكار التي تؤهلها أن تدفع بها في الساحة..
هذه التحولات التي حدثت في عقدي السبعينات و التسعينات لها أثر مباشر في إضعاف القوى السياسية، و حتى القوى الجديدة التي ظهرت بعد ثورة ديسمبر 2018م ، هي قوى سياسية مصنوعة صناعة، حيث استطاع الخارج أن يصنعها من خلال الورش و الندوات التي كانت تقام في كل من كمبالا و نيروبي منذ عام 2004م، و هي ليست قوى سياسية ذات تأسيس فرضته ظروف أجتماعية، و تأسست على أفكار يمكن محاكمتها عليها، هي قوى ذات طبيعة ظرفية لحالة الضعف التي تعاني منها القوى السياسية التقليدية الأربعة.. لذلك تجدها رمت حملها على الخارج، في اعتقاد أن الخارج سوف يشكل لها رافعة للسلطة في مقابل أن تكون أداته لتنفيذ الأجندة المطلوبة، و لإنها ولدت خارج رحم المجتمع لا تثق فيه و توليه أية أهمية..
أن وقف الحرب حتى بعد انتصار الجيش لا يعني أن القوى السياسية قادرة على إدارة الأزمة، بل هي تحتاج إلي معالجات مطلوبة من خلال قوانين خاصة قانون الأحزاب الذي يجب أن يفرض بشكل صارم على الأحزاب قيام مؤتمراتها بشكل دوري، و تحدد فترة زمنية للقيادة أن لا يمكث أي قيادي لأكثر من دورتين بهدف التغيير في القيادات بصورة مستمرة الأمر الذي يدفع الأجيال الجديدة أن تنتمي للأحزاب.. أن التجديد و تعاقب الأجيال في الأحزاب بصورة مستمرة هو الذي يضخ الدم في هذه الأحزاب و يحدث فيها التغيير.. و هذا يقع عبء على القوات المسلحة التي يجب أن تخلق البيئة الصالحة لعملية تبادل السلطة سلميا، و الحرب أظهرت حالة الوهن و الضعف التي تعاني منها القوى السياسية.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com