في عصر يتسم بتصاعد الصراعات والتجاهل الواضح لحقوق الإنسان، تبرز تجارة الأسلحة الدولية كعامل حاسم يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من اللوائح والأطر القانونية التي تهدف إلى تنظيم تدفق الأسلحة، تشير الأدلة إلى وجود فجوة مستمرة بين الخطاب والواقع، لا سيما في حالة صادرات الأسلحة إلى إسرائيل أثناء حرب إبادتها الجماعية ضد سكان قطاع غزة.

تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على الديناميكيات المعقدة لصادرات الأسلحة، وتوضيح تأثيرها الضار على الأوضاع الإنسانية، وتحديد الدور المحوري الذي يجب أن يلعبه المجتمع المدني في الدعوة إلى التغيير.

إن تأكيدات الحكومة الإسبانية، التي عبّر عنها وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريز، بشأن "الحظر الشامل" على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، تتناقض بشكل صارخ مع البيانات الواقعية الصادرة عن بوابة التجارة الخارجية الإسبانية "كومكس". يكشف البحث الذي أجراه أليخاندرو بوزو من مركز "DELAS" ونشرته صحيفة "elDiario.es" أن إسبانيا تنشط بتصدير الذخيرة، بما في ذلك القنابل والقنابل اليدوية، إلى إسرائيل بقيمة إجمالية قدرها 987 ألف يورو. وقد ساهمت هذه الصادرات بشكل مباشر في العمليات العسكرية في قطاع غزة، مما أثار مخاوف جدية بشأن التزام إسبانيا بالسلام وتواطئها في دعم إسرائيل.

حالة تصدير الأسلحة إلى إسرائيل خلال عملياتها العسكرية في غزة توضح بشكل صارخ انتهاك معاهدة تجارة الأسلحة، حيث تحظر المادة السادسة من معاهدة تجارة الأسلحة صراحة تصدير الأسلحة التي يمكن أن تسهل انتهاكات القانون الدولي، بما في ذلك الإبادة الجماعية. وبالتالي فإن الصادرات المستمرة من قبل مختلف الدول لا تتعارض مع هذه الاتفاقية الدولية فحسب، بل تورط هذه الدول أيضا في ارتكاب جرائم دولية خطيرة
وبالمثل، فإن تورط البوسنة والهرسك في تجارة الأسلحة مع إسرائيل يجسد جانبا آخر مثيرا للقلق في العلاقات الدولية. ولم تتضاعف الصادرات العسكرية إلى إسرائيل (التي تقدر قيمتها بنحو 1.2 مليون مارك أي 6 ملايين يورو) في أعقاب تصاعد العنف في غزة فحسب، بل لعبت أيضا دورا في تهجير المسلمين الفلسطينيين. وتؤكد السلع المصدرة، بما في ذلك المتفجرات والصواعق، على العلاقة المباشرة بين صادرات الأسلحة وتفاقم الأزمات الإنسانية، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لإعادة تقييم سياسات تجارة الأسلحة العالمية.

من جهتها، فإن النهج الذي تتبعه فرنسا في التعامل مع صادرات الأسلحة يزيد من تعقيد المشهد الأخلاقي. ففي حين تدعي فرنسا رسميا عدم بيع الأسلحة، فإنها تسهل تعزيز القدرات العسكرية من خلال تصدير المكونات "ذات الاستخدام المزدوج" إلى إسرائيل. إن التعاون التاريخي والمستمر في تطوير التقنيات العسكرية، بما في ذلك تقنيات المركبات ذاتية القيادة من قبل شركة داسو مع الشركات الإسرائيلية الناشئة، يوضح الشراكة العميقة التي تغذي اعتداء إسرائيل على غزة بشكل غير مباشر. ولا يؤكد هذا التعاون على تأثير المجمع الصناعي العسكري على العلاقات الدولية فحسب، بل يثير أيضا تساؤلات حول تواطؤ الدول في الصراعات التي تؤدي إلى نزوح السكان المدنيين في غزة وحرمانهم من حقوقهم.

ويبدو أن الولايات المتحدة، التي لا تُفوّت فرصة إلا وتؤكد فيها على أنها ملتزمة بدعم القانون الدولي وحقوق الإنسان، تنتهك "قانون ليهي" الأمريكي من خلال الاستمرار في توريد الأسلحة إلى الكيانات الإسرائلية المتورطة في انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي؛ ليس فقط في غزة بل وفي الضفة الغربية والقدس المحتلة. ولا يشكك هذا الانتهاك في الموقف الأخلاقي للولايات المتحدة على المسرح العالمي فحسب، بل يسلط الضوء أيضا على التناقضات في تطبيق أطرها القانونية الخاصة المصممة لمنع مثل هذه الصادرات.

إن حالة تصدير الأسلحة إلى إسرائيل خلال عملياتها العسكرية في غزة توضح بشكل صارخ انتهاك معاهدة تجارة الأسلحة، حيث تحظر المادة السادسة من معاهدة تجارة الأسلحة صراحة تصدير الأسلحة التي يمكن أن تسهل انتهاكات القانون الدولي، بما في ذلك الإبادة الجماعية. وبالتالي فإن الصادرات المستمرة من قبل مختلف الدول لا تتعارض مع هذه الاتفاقية الدولية فحسب، بل تورط هذه الدول أيضا في ارتكاب جرائم دولية خطيرة؛ أهمها هي المشاركة في عمليات الإبادة الجماعية في قطاع غزة. ولا يجب أن ننسى بأن إصدار محكمة العدل الدولية لقرار التاريخي في القضية المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا ضد إسرائيل تؤكد على منع أي تدخل دولي، وتصدير الأسلحة إلى إسرائيل ذلك يعزز من حالة الإبادة الجماعية هناك، وكل أعمال تتنافى مع الأوامر القضائية الصادرة عن محكمة العدل الدولية تعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي ومشاركة فعّالة في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة.

وترسم هذه الحالات مجتمعة صورة قاتمة لدور تجارة الأسلحة العالمية في تفاقم الأزمات الإنسانية، فهي تكشف عن فشل منهجي في الالتزام بالمعايير والمعاهدات الدولية، مدفوعا بالمصالح الجيوسياسية والمكاسب الاقتصادية. وهذا التنافر بين القيم المعلنة والممارسات الفعلية لا يؤدي إلى إدامة الصراع فحسب، بل يقوّض أيضا الجهود العالمية الرامية إلى تحقيق السلام والأمن وحماية حقوق الإنسان.

وفي هذا السياق، يصبح دور المجتمع المدني بالغ الأهمية، ومع تعثر الحكومات والمؤسسات الدولية في الوفاء بالتزاماتها، يجب على منظمات المجتمع المدني والناشطين والمواطنين المعنيين في جميع أنحاء العالم أن يرقوا إلى مستوى التحدي. ويتطلب الطريق إلى الأمام اتباع نهج متعدد الأوجه، يشمل رفع مستوى الوعي، والدعوة، والإجراءات القانونية، والتعاون الدولي.

وتكتسي مبادرات التوعية أهمية حاسمة في وضع حقائق تجارة الأسلحة في مقدمة الوعي العام. ومن خلال الحملات التثقيفية، والمشاركة الإعلامية، والنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، يستطيع المجتمع المدني تسليط الضوء على الروابط بين صادرات الأسلحة والأزمات الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة وفلسطين، وحشد الرأي العام وتعزيز خطاب أكثر استنارة حول سياسات تجارة الأسلحة الدولية.

وتمثل جهود المناصرة التي تهدف إلى التأثير على السياسات وعمليات صنع القرار وسيلة حاسمة أخرى لمشاركة المجتمع المدني، ومن خلال الضغط على الحكومات، والتعامل مع المشرعين، والمشاركة في المنتديات الدولية، يستطيع المجتمع المدني الدعوة إلى وضع أنظمة صارمة بشأن صادرات الأسلحة، وإنفاذ القوانين والمعاهدات القائمة، وتعزيز الشفافية والمساءلة في تجارة الأسلحة مع دولة محتلة مثل إسرائيل.

تمثل جهود المناصرة التي تهدف إلى التأثير على السياسات وعمليات صنع القرار وسيلة حاسمة أخرى لمشاركة المجتمع المدني، ومن خلال الضغط على الحكومات، والتعامل مع المشرعين، والمشاركة في المنتديات الدولية، يستطيع المجتمع المدني الدعوة إلى وضع أنظمة صارمة بشأن صادرات الأسلحة
كما يشكل الإجراء القانوني أداة قوية في السعي لتحقيق المساءلة والعدالة. يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تبدأ أو تدعم الطعون القانونية ضد الحكومات والشركات التي تنتهك القوانين والمعاهدات الدولية التي تحكم تجارة الأسلحة. ومن خلال التقاضي الاستراتيجي، من الممكن ليس فقط محاسبة المخالفين، بل أيضا وضع سوابق يمكن أن تردع الانتهاكات المستقبلية للمعايير الدولية.

وأخيرا، يعد التعاون الدولي بين منظمات المجتمع المدني أمرا ضروريا لتضخيم تأثير جهود المناصرة والتوعية والجهود القانونية. ومن خلال تجميع الموارد وتبادل المعرفة وتنسيق الإجراءات، يستطيع المجتمع المدني أن يشكل جبهة موحدة ضد تجارة الأسلحة غير الأخلاقية مع إسرائيل، وتعزيز حركة عالمية ملتزمة بالسلام وحقوق الإنسان.

وفي الختام، فإن الدور الذي تلعبه تجارة الأسلحة مع إسرائيل والدعم الغربي لها يسلط الضوء على التناقض الصارخ في التزام المجتمع الدولي بالسلام وحقوق الإنسان، ومع استمرار الحكومات في إعطاء الأولوية للمصالح الجيوسياسية والمكاسب الاقتصادية على الاعتبارات الأخلاقية، يقع العبء على المجتمع المدني للمطالبة بالتغيير. ومن خلال الجهود المتضافرة في رفع مستوى الوعي، والدعوة، والإجراءات القانونية، والتعاون الدولي، من الممكن تحدي الوضع الراهن، وتعزيز السلوك الأخلاقي في الشؤون الدولية، وتمهيد الطريق لنظام عالمي أكثر سلمية وعدالة.

لقد حان وقت العمل الآن، وتقع المسؤولية على عاتق كل واحد منا للمساهمة في تسليط الضوء على دور صادارت الأسلحة إلى إسرائيل بتفاقم الوضع الإنساني في غزة، ووضع الغرب أمام مسؤولياته في المشاركة بمثل هذه الجرائم.

twitter.com/fatimaaljubour

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة القانون الدولي الإبادة الجماعية غزة القانون الدولي الإبادة الجماعية الاسلحة مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأسلحة إلى إسرائیل الإبادة الجماعیة صادرات الأسلحة تصدیر الأسلحة فی قطاع غزة بما فی ذلک الضوء على ومن خلال من خلال من قبل فی غزة

إقرأ أيضاً:

عن المساواة الزائفة بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية

ترجمة: أحمد شافعي

في اليوم المائتين والثالث والثلاثين للإبادة الجماعية في غزة، وبينما كان الفلسطينيون يبحثون عن أشلاء متفحمة من أجساد أطفالهم الذين احترقوا أحياء في خيامهم بفعل ضربة جوية إسرائيلية، نشرت صحيفة نيويورك تايمز نصا آخر ينتمي إلى جنس شهير من المقالات يساوي أي نقد لإسرائيل بمعاداة السامية. وشأن بقية المقالات فإن مقال جيمس كيرتشيك هذا مسهب في البلاغة شحيح في الأدلة. مجمل المصادر التي يستعين بها اثنان مجهَّلان، كلاهما يصف مشاعره لا أكثر، لطرح الزعم المنذر الذي ينطوي عليه العنوان: «فتور يحل على اليهود في عالم النشر».

يكرس كيرتشيك جانبا كبيرا من مقالته هذه للانتقادات واسعة النطاق لقيادة نادي القلم الأمريكي، وهو منظمة أدبية لحرية التعبير تواجه غضبا مستمرا بسبب صمتها النسبي إزاء غزة. ومقالة كيرتشيك هذه هي الثالثة على الأقل التي يستعمل فيها المدافعون عن نادي القلم الأمريكي شبح معاداة السامية لتفادي مناقشة الانتقادات الفعلية المطروحة، فلم يحتو أي من هذه المقالات على أي أمثلة فعلية أو حتى أي تعريف عملي لماهية معاداة السامية، وإنما يفترض كل منها أن الكلمة بحد ذاتها، دونما استناد إلى وقائع، كافية لإخراس الناس.

في مجلة (ذي أطلنطيك)، التي أعلنت في يوم مجزرة الخيمة أن «من الممكن قانونا قتل الأطفال»، كتب جال بيكرمان في أبريل أنه يتفهم السبب الذي يجعل البعض «يتساءلون عما لو أن العداوة الشخصية لسوزان نوسيل [الرئيسة التنفيذية لنادي القلم الأمريكي] لا ترجع فقط إلى كونها رئيسة المنظمة بل أيضا إلى أنها يهودية». نشر نادي القلم المقالة كاملة تقريبا على موقع إكس [تويتر سابقا]، ونقلها حرفيا دون أن يكتفي بالرابط، أي أنها جوهريا تقر بما فيها، فيبدو الأمر وكأن المقالة خرجت مباشرة من إدارة العلاقات العامة في المنظمة. وفي الشهر الماضي قال عضو مجلس إدارة نادي القلم أندرو سولومون لنيويورك تايمز، وبلا دليل أيضا، إن «قدرا هائلا من معاداة السامية موجه إلى سوزان».

وفي مقالة أخرى نشرتها ذي أطلنطيك، اتهم عضو مجلس إدارة النادي جورج باكر من يعترضون منا بالاستبداديين الذين «يخرسون الكتاب الآخرين» وقارننا بمثيري الشغب في السادس من يناير. ووفقا للمنطق الأعوج الذي يتبعه أعضاء مجلس إدارة النادي، فإن محض الامتناع عن حضور مهرجان أدبي بسبب الاعتراض يصبح استقواء كريها يوازي الرقابة الفعلية التي يفترض أن المنظمة قائمة من أجل مكافحتها. وبدلا من مناقشة انتقاداتنا حسنة النية، يرموننا بكلمات من قبيل «معاداة السامية» و«الاستبدادية» لتفادي الانخراط في نقاش حقيقي لإخفاقاتهم.

وبوصفي أحد الكتّاب الذين انتقدوا نادي القلم الأمريكي علانية، فقد أغضبتني هذه المزاعم بمعاداة السامية، وليس ذلك لأنني يهودي، فهذا يجعل الأمر شخصيا. إنما ينبع غضبي من أن سعيهم المحموم إلى إلهائنا عن الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين يلهيهم هم عن الاكتراث بأن يعقلوا الأمر.

يضع بيكرمان وسولومون مزاعمهما بمعاداة السامية في سياق من خلال تقريبها من تصريحات أدلى بها كتاب معارضون حول حماسة نوسيل للصهيونية. ولكن هذا ليس بالرأي أو الأمر الخلافي، فنوسيل ـ الموظفة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية ـ واضحة في دعمها لإسرائيل منذ عقود. ففي عام 2011 الذي شهد صعودا حادا في وفيات المدنيين الفلسطينيين، عندما ذهب متشددون مناصرون لإسرائيل إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تقاطع مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لتنزع عنها الشرعية بعدما تجاسرت وانتقدت معاملة إسرائيل الدنيئة للفلسطينيين، إذا بمسؤولة الخارجية الأمريكية آنذاك سوزان نوسيل تطمئنهم بقولها: إن النهج الأفضل هو «عدم التنازل عن الأرض لأولئك الذين يعملون ضد مصالحنا ومصالح إسرائيل». ومضت الولايات المتحدة فاستعملت حق «الفيتو» ضد أي إجراء فيه إدانة لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي. كما أن نوسيل واضحة إزاء أنها شخصيا تعد انتقاد إسرائيل معاداة للسامية.

ودونما أي أمثلة فعلية لمعاداة السامية التي يستحضرونها، لا يبقى لنا إلا أن نفهم أن محض الإشارة إلى صهيونيتها هي كل ما هنالك من معاداة السامية. فالديانة اليهودية بطبيعة الحال قائمة منذ آلاف السنين قبل ظهور الصهيونية بوصفها أيديولوجية كولونيالية أوروبية، ويرجى أن تبقى الديانة اليهودية لآلاف السنين بعد انتهاء هذه الأيديولوجية. وملايين من اليهود ليسوا صهاينة، بل إن الغالبية العظمى من الصهاينة هم من المسيحيين الإنجيليين.

ولا يقتصر الأمر على أن اليهودية والصهيونية ليستا مترادفتين، بل إن الخلط بينهما يخدم الغرض الاستراتيجي المتمثل في إمداد إسرائيل بغطاء لجرائم الحرب الموثقة التي ارتكبتها. وفي وقت يشهد صعودا لمعاداة السامية الحقيقية من عناصر اليمين الفاشية في أرجاء العالم، يكون من المفارقات الساخرة والضارة استحضار هذا المصطلح تهربا من المحاسبة وتشويشا على حوار غير مستحب.

ونادي القلم والمدافعون عنه أشد حرارة على الكتاب الذين ينتقدونهم منهم على شبكة فوكس الإخبارية التي تفتح أبوابها فعليا للأصوات المعادية للسامية وتواصل استعمال منصتها الإعلامية الجماهيرية للتحريض على كل حظر لكتاب يفترض بنادي القلم أن يكافحه. وكانت الشركة الإخبارية المملوكة لروبرت مردوخ والمالكة لفوكس هي الراعي الأول لحفل نادي القلم الأخير الذي كرم صحيفة وول ستريت جورنال، وهي الأخرى من ممتلكات الشركة الإخبارية. وجميع منصات مردوخ، من وول ستريت جورنال إلى فوكس إلى نيويورك بوست عززت تغطيتها المؤيدة للإبادة الجماعية خلال الأسابيع الأخيرة.

في ليلة حفل ربطات العنق السوداء، وفيما كان المتظاهرون خارج أبواب الحفل يقيمون تأبينا للكتاب الفلسطينيين المذبوحين، أعلنت رئيسة نادي القلم سوزان نوسيل في فخر أن المنظمة تساند «أمَّهات من أجل الحرية»، وهي جماعة يصفها مركز (قانون الفقر الجنوبي) بالجماعة اليمينية المتطرفة المرتبطة بجماعة (براود بويز) العنيفة العنصرية البيضاء وهي التي ناصرت حظر الكتب في أرجاء البلاد باستعمال التحرش والتخويف ورهاب المثليين والعنصرية. لكن نادي القلم الأمريكي في ما يبدو أكثر انشغالا بالكتاب الذين ينسحبون من المشاركة في مهرجانهم منه بالمنظمات التي تروج الكراهية.

من الردود الشائعة على انتقاداتنا لنادي القلم الأمريكي أن يشار إلى أهمية عمل النادي لمناهضة حظر الكتب، وهي كتب تعلي إتاحة الكتب في الولايات المتحدة على حياة الفلسطينيين. يتساءل جال بيكرمان في مقالته التي نشرتها ذي أطلنطيك عما «لو أنه من المنطقي التخلي عن كيان كهذا دون التفكير أولا في ما قد يعنيه غيابه، وفي العالم بغير نادي القلم، بغير دفاع عن التعبير، مهما يكن قالب ذلك التعبير، وفي الشكل الذي سيكون عليه». ولو أنه كان قد ناقش أيًّا من الأشياء الكثيرة التي كتبناها في هذا الموضوع، بدلا من بحثه المجدب عن أي شيء يمكن أن ينعته بمعاداة السامية، فربما كان قد عرف أنه ليس بيننا من يدعو إلى تدمير نادي القلم الأمريكي. ولعل بيكرمان يربط أكثر مما ينبغي بين الرئيسة التنفيذية الحالية وبين المنظمة ذاتها لدرجة أن يعجز عن التمييز بين الاثنين. فما نطالب به بلا لبس هو تغيير القيادة ليستطيع نادي القلم أن ينهض لتحقيق أهدافه المعلنة.

عندما أطلق رؤساء الكليات العنان لفرق التدخل العسكرية وقوات مكافحة الشغب لمهاجمة متظاهرين سلميين الشهر الماضي، كرر نادي القلم ببغائيا مزاعم معاداة السامية لمسؤولي الجامعة ورجال الشرطة والرئيس بايدن ونقاد التلفزيون المزعجين. وفي هذه المرة، بدلا من الاختباء وراء ذي أطلنطيك، حاكوها ببيان عبروا فيه عن تخوف جبان من الهجمات على حرية التعبير. لكن استعمال نادي القلم لمعاداة السامية أجهز على كل شيء آخر مما يدّعون أنهم يهتمون لأمره. ولم ترد في موضع من ذلك البيان الصحفي إشارة منهم إلى تخوف ولو بسيط من العنف ضد الفلسطينيين، وتفشي رهاب الإسلام، وجرائم الكراهية ضد العرب، وجميع ذلك موثق بدقة ومنشور عبر وسائل الإعلام الاجتماعي.

الإبادة الجماعية هي الخطر الأهم والأشد عجلة على حرية التعبير في هذا الكوكب. والإبادة الجماعية الممولة المدعومة من حكومة الولايات المتحدة هي مسؤولية مباشرة على عاتقنا جميعا، ومنا نادي القلم الأمريكي. لكن نادي القلم تراجع وراوغ، ومارس ألاعيب لغوية، ووضع على المنصات أصواتا مناصرة للإبادة الجماعية، وأبعد بعنف الكاتبة الفلسطينية رندة جرار لاحتجاجها عليهم، ثم روج اتهامات آثمة ضد كل من يجرؤ على مخالفتهم الرأي.

ويزعم نادي القلم أنه يترفع عن السياسة. والمعنى الضمني هنا هو أن وصف الإبادة الجماعية بالإبادة الجماعية هو العمل السياسي الوحيد، بينما اجتناب هذه الكلمة الرهيبة يقع في منطقة غامضة محايدة يمكن لمن ينصِّبون أنفسهم أنصارا لحرية التعبير أن يتجاهلوا فيها قتل أكثر من ثلاثين ألف فلسطيني. وشأن كثير للغاية من المنظمات الفنية والإنسانية التي ترغب فجأة في إعلان الحياد في مواجهة حملة إبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة، لم يشعر نادي القلم الأمريكي برغبته في أن يترفع على السياسية حينما قامت روسيا بغزو أوكرانيا. بل إنهم في واقع الأمر قادوا الهجوم، ونظموا مظاهرات الشوارع دعما للكتاب الأوكرانيين الذين لقوا مصرعهم على يد روسيا أو انتهوا إلى سجونها، وبعثوا وفدا من الكتاب الأوكرانيين لمقابلة أعضاء في الكونجرس الأمريكي، وقاموا بحملة ضغط كبيرة مستمرة ـ هي نفسها التي يصفونها بمعاداة السامية ـ من أجل أن يتمكن نادي القلم الأمريكي من تخصيص منشور كامل عبر انستجرام للكتاب الفلسطينيين القتلى.

والحقيقة أنه ليس من ذلك كله ما له علاقة بالديانة اليهودية. فنادي القلم الأمريكي لا يكترث بمواجهة معاداة السامية، وإن كان يكترث حقا لذلك لكان قد واجه معاداة السامية الفعلية بدلا من خيالات المآتة، ومن الواضح تماما أنه لا يبالي البتة بحياة الفلسطينيين. فقد تحتم دفعه دفعا لكي ينطق كلمة «وقف إطلاق النار» وكان ذلك بعد ستة أشهر على الإبادة الجماعية وبعد وقت طويل من سبق المنظمة الأم لهم، أي نادي القلم الدولي، والكثير من فروع المنظمة في العالم إلى ذلك.

ليس انتماؤنا إلى اليهودية درعا. ففي وقت تستغل فيه الدولة اليهودية مصطلح «معاداة السامية» باسم استمرارها في ارتكاب جرائم لا يمكن الدفاع عنها، يستعمل أنصار نادي القلم بطاقة من مجموعة اللعب نفسها. وفي لهفة إلى الحديث عن أي شيء عدا الأعمال الوحشية الجارية، والمجازر اليومية، والتجويع الجماعي الذي نشهده جميعا في وقت حدوثه، فإنهم يستعملون آلية إلهاء حقيقية للغاية.

وبوصفنا كتابا مهمومين بحرية التعبير، لا بد أن ندفع إلى قيادة لنادي القلم الأمريكي تعالج هذه الأزمة الأخلاقية. وبوصفنا يهودا، لا بد أن ننحي ذواتنا، ونتوقف عن إعلاء راحتنا على حياة الفلسطينيين. وإن مهمتنا بوصفنا يهودا غير صهاينة ـ مثلما كتب كليم حوا أخيرا ـ ليست «تحقيق الخلاص لليهودية...وإنما الحرية لفلسطين».

دانيال جوزيه أولدر قائد فرقة ومخطِّط كتاب «حرب النجوم: الجمهورية العليا» وله رواية تصدرت قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر رواجا بعنوان «كتاب القديسين الضائعين» وغيرها، وقد حصل على عدد كبير من الجوائز.

عن موقع ليت هب

مقالات مشابهة

  • حقوقيون: حملة «حياة كريمة» لترشيد استهلاك الكهرباء تتكامل مع خطط الحكومة
  • هيومن رايتس ووتش تتهم الحوثيين باحتجاز عشرات من موظفي المجتمع المدني
  • برلماني: المجتمع المدني شريك أساسي في إنجاح حملة ترشيد استهلاك الطاقة
  • «القومي لحقوق الإنسان» يثمن مشاركة المجتمع المدني في حملات ترشيد الطاقة
  • الـPPS يعلق على رسو باخرة إسرائيلية: لا تستقيم أي علاقات مع كيان صهيوني يرتكب جرائم الإبادة الجماعية
  • زاخاروفا: نظام كييف يمارس الإبادة الجماعية بحق شعبه ولا يهتم بمصير البلاد
  • عن المساواة الزائفة بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية
  • وقفتان في جنين وطولكرم دعماً للأسرى في معتقلات الاحتلال
  • جيش الاحتلال يدفن سيارات الإسعاف في خانيونس / فيديو
  • إحراق وتجريف معبر رفح تأكيد على نية الاحتلال الإبادة الجماعية