صحيفة الاتحاد:
2024-11-18@07:26:03 GMT

غواية الغرب.. تفكيك أسطورة

تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT

د. عز الدين عناية
قلّة في عالم الجنوب ظلّت في مأمن مما يمكن تسميته «غواية الغرب»، ولو رُمنا توصيف هذه الغواية، لقلنا إنها وصفة محكمة من «الاستلاب الثقافي». وقد تنبّهَ عدد من المفكرين الكبار، ممّن عملوا على تفكيك هذه الظاهرة في حدود الموضوعية العلمية، إلى ضرورة فهمها واحتواء آثارها. ومن هؤلاء المفكر العربي د.

حسن حنفي، والمفكر نعوم تشومسكي، وعالم الاجتماع شموئيل نوح إيزنستادت. وفي كتاب من تأليف الكاتب الإيطالي ماسيمو كامبانيني حوْل المفكر المصري حسن حنفي، اعتبر أنّ علاقة العرب المضطربة بالغرب، تعود في شقّ واسع منها إلى ما سمّاه عدم التناصُت. لاختلاف «الطبقات الفهمية» على غرار تنافر «الطبقات الصوتية»، وكأنّ هناك تفاوتاً في التسامُع يصدّ عن الإصغاء العادي. وأنّ العرب ليس أمامهم سوى تطوير نظر علمي، بحسب ما دعا إليه حنفي في «مقدمة في علم الاستغراب»، لتحقيق تخاطب سوي مع الغرب، والخروج من ثنائية الغواية المفرطة والكره الأعمى.

الحداثات المتعدِّدة
أمّا مع نعوم تشومسكي، الذي قضى ردحاً من حياته ولا يزال في مقارعة ما يعتبره سطوة الغرب الثقافية على العالم، فهو يدعو إلى تحرير الوعي الجمعي من أوهامه، ولهذا عدَّ نزع تلك الغشاوة بمثابة العمل العلمي الموازي لاهتماماته ودراساته الألسنية. فكلاهما يسير قدماً لترسيخ منظور موضوعي مجرّد لما يحيط بالإنسان من ظواهر. هذا في حين جاءت النظرة مع عالم الاجتماع شموئيل إيزنستادت من باب مراجعة مفهوم الحداثة الغربية المحوري، بهدف التحرر من ذلك الإغواء الآسر! فلطالما ساد النظر إلى الحداثة على أنها بمثابة «الحاوِية المعبَّأة» ببعض الخصوصيات الثقافية، وأن المجتمعات التوّاقة إلى هذا المغنم، لا مناص لها من القبول بالحمولة كلّها. وهو ادّعاء ساد على مدى عقود طويلة في النظر إلى هذا المنجَز البشري، وخلّفَ أنواعاً شتى من الاستلاب. وقد كشف إيزنستادت زيف هذا الفهم الأحادي للحداثة، وما ينطوي عليه من تجنٍّ بصهْرِ الحضارات في بوتقة الحضارة الغربية، ولذا فقد عمِل على إدراج تحوير جذريٍّ بطرح مقولةِ «الحداثات المتعدِّدة»، في مقابل الحداثة الوحيدة. فعالَم متعدِّدٌ هو أحوج ما يكون إلى فهْمٍ متعدِّدٍ، وهكذا راعى إيزنستادت ديناميات التعدّد، ومن ثَمّ إمكان أن تبنيَ تكتلات حضارية جنوبية حداثتها من داخل أنماطها الخاصة، بعيداً عن الخيارات «الإلزامية» الواحدة.

المعايشة والتجربة
والحال أن الإشكال الذي نعيشه مع «غواية الغرب» وجاذبيته، أن الأمر يتمكّن من شرائح واسعة في مراحل مبكرة، وقد يطمس إحساسها الفطري ويؤثر في مقدّراتها الذهنية، لفقدان «المضادات الحيوية» الثقافية التي تحدّ من انتشار بريقه. فالانبهار داء مستفحل أحياناً، في الشارع والجامعة، وفي اللغة والفرجة، ولدى المثقفين والأمّيين على حد سواء، بشكل يدعو للدهشة. 
ومن واقع التجربة، قبل مغادرتي البلاد العربية، أي منذ زهاء ثلاثة عقود، لما كنت أتّقد حماساً للتغيير والتجديد، لا أزعم أنني كنت معافًى من هذه الغواية. فقد كانت البوصلة متجهة صوب الغرب، وكان الآخر -أقصد الغرب- هو «النعيم» بالنسبة إليّ، وكان يصعب أن أرى بعين الشاب الغضّ ما أراه اليوم بعين تطلّ على الستين. والمسألة ليست أن يصير المرء طاعناً في السن حتى يصحو، بل هي المعايشة والتجربة لمن تيسّر له ذلك والعلموية في النظر للأشياء لمن عازه التواصل المباشر. فعملية الصحو، تشبه الدخول إلى مغطس، فيه التداوي بالذي كان هو الداء، أي بالغرب ذاته، بالانغماس فيه بحلوه ومرّه، والعيش في تجاويفه وفهم روحه.
فما معنى أن يزحف ألوف البشر نحو الغرب وهم يمنّون النفس بما يشبه «الجنة» يدفعهم الإغراء والإغواء؟ ليجدوا أنفسهم يتكدّسون في الشوارع والمحطات، وحول الكنائس ودور المساعدات كالسردين. كأنها غواية الفراشات حول النار التي تغدو جزءاً من تكوينها الغريزي. 

أخبار ذات صلة محمد الشرقي يلتقي مدير «السياحة والآثار» بالفجيرة «أوبنهايمر».. صراع العلم والضمير

قطع طريق التواصل
في كتاب مهمّ للأنثروبولوجي الفرنسي جان-لو آمسال بعنوان «إسلام الأفارقة.. الخيار الصوفي» (2018)، يرصد فيه مساعي حازمة من قِبل أطراف أكاديمية غربية لإبعاد شعوب جنوب الصحراء عن حاضنتهم المغاربية، وفك أواصر الصلة بين تومبكتو وفاس والقيروان والزيتونة. ومحاولة قطع طريق التواصل الضارب في عمق التاريخ بين تلك الحواضر، وذلك بالعمل على اختلاق ما يُشْبه الهوية «الإفريقية الزنجية» في مقابل الهوية «الإفريقية المغاربية». 
وكما يشرح جان-لو آمسال عادة ما يُعرَض «المخزون الحضاري الأسود» في مقابل «المخزون المغاربي» و«المخزون الشرق أوسطي» و«المخزون الخليجي»، وهي محاولة لفصل المخزون الإفريقي عن مجاله الطبيعي. ويبيّن آمسال أن مدرسة مرسال غريول الأنثروبولوجية قد لعبت دوراً حاسماً في هذا الشرخ، إلى حدّ أنها سعت لتحويل اللّغةَ العربية في غرب أفريقيا إلى «بلوى حضارية»، أضحى معها الحرف العربي، في لغات بعض بلدان ما وراء الصحراء، حرفاً لكتابة التمائم والطلاسم والتعاويذ، في مسعى للإيحاء ضمناً بأن العربية عنوان «التخلّف» و«الجمود».

الهشيم الثقافي
لماذا أوردنا هذا الحديث بشأن محاولات زعزعة المكون الحضاري الأفريقي؟ نقول ذلك لأن غواية الغرب قد بدأت مع تفكيك إيمان الأفارقة بذواتهم وأن لهم رصيداً جامعاً، يستظلون بظلّه في الأيام العصيبة. في حين مع غياب ذلك الرصيد، أو في حال طمسه، قد يصبح من السهل تمرير الأساطير والأخاييل في الوعي الجمعي والثقافة الهشة، فتمسي المعيارية الغربية الأكثر حضوراً في الهشيم الثقافي.
والسؤال المطروح هو: ما العمل أمام غواية الغرب؟ الملاحظ أن جملة من الأوهام تسري أحياناً في عالم الجنوب، بأن الغرب حاضن المثقفين والدارسين والمبدعين الوافدين من عالم الجنوب! فكم من فلاسفة جاءوا إلى الغرب من شرق أوروبا، مع انهيار جدار برلين، صاروا عمال حظائر وصنّاع بيتزا؟ وكم من شعراء وفدوا من المشرق قضوا حياتهم حراساً في العمارات السكنية، لتُقبَر معهم أحلام الفكر والثقافة إلى الأبد؟ ليس لأن الغرب يسدّ الأبواب أمامهم، ولكن لأن هناك بنية ثقافية حضارية تعليمية ينبغي على الوافد امتلاكها وهي ليست بالأمر الهيّن.
«سيرة الامتنان»!
الشاعر الإريتري الإيطالي حميد بارولي عبدو في كتاب بعنوان «سيرة الامتنان» (2023)، وهو عبارة عن سيرة ذاتية، أو لنقل خلاصة تجربة في العمل في مجال الهجرة والمهاجرين في إيطاليا، اعتبر أن المتاجرة بالمهاجرين في بلد الرحيل وبلد النزول هي ظاهرة استرقاق جديدة. ومن ضمن ما يورده في الكتاب حديث حول ما يعرف اليوم بـ«النسوية الإسلامية» والتحمس المفرط لها في إيطاليا -وكأن المرأة الإيطالية التي نالت حق الطلاق (1970) وحق الإجهاض (1978) سباقة في هذا المجال! ويكشف أن الجمعيات النسوية «المدافعة» عن المرأة العربية، ضحية «الذكورية المفرطة»، كما تصوَّر، تجني من كل حالة تفكيك أسري (طلاق) 2000 يورو، وفي الوجه الآخر من الميدالية -على ما يورد بارولي عبدو- تجد المرأة العربية المهاجرة الأكثر تهميشاً في سوق الشغل ومعاناة من البطالة القسرية.
وهكذا يتبين جلياً أننا كثيراً ما نصنع أساطير ثقافية حول الغرب ونقع ضحية لها، والحل يكمن في تفكيك الأساطير والنظر للأمور بواقعية.

المصدر: صحيفة الاتحاد

إقرأ أيضاً:

الاستدعاء السادس.. أسطورة تسلا «سايبر تراك» تثير الجدل من جديد

استدعت تسلا نحو 2400 نسخة من السيارة سايبرتراك، يرجع ذلك في مكون معيوب قد يتسبب في خسارة القوة، ويعمل على زيادة مخاطر الحوادث، ويعد هذا هو الاستدعاء السادس لشاحنات سايبر تراك الكهربائية الشهيرة.

الوحش الأمريكي يستعد للانطلاق .. أحدث سيارة رياضية من "كاديلاك" | صور بقوة 325 حصانا ..  كيا تكشف عن EV6 الجديدة "بشكل رياضي" على قد الايد .. سيارة BYD F3 بأرخص سعر للمستعمل 24 نسخة فقط .. أستون مارتن تقدم إصدار خاص من VANTAGE | صور أسطورة تسلا "سايبر تراك" تثير الجدل من جديد

كشفت شركة تسلا عن السبب وهو خلل في مغيرات التردد، والذي قد يتسبب في تعطيل عزم الدوران عند الضغط على دواسة التسارع، ويؤدي ذلك إلى فقدان السرعة وزيادة مخاطر الحوادث، وفقًا للتفاصيل المسجلة لدى إدارة سلامة الطرق السريعة.

وأوضحت الشركة أنها تلقت عددًا من الشكاوى المتعلقة بهذه المشكلة، دون تسجيل أي حوادث أو إصابات حتى وقته، وتعتزم تسلا استبدال المكون التسبب في تلك المشكلة في مراكز الصيانة التابعة لها في أقرب وقت.

يذكرأن تسلا استدعت الشهر الماضي أكثر من 27 ألف وحدة من شاحنة سايبرتراك بسبب خلل يؤخر عرض صورة كاميرا الرؤية الخلفية، ما يزيد من احتمالية وقوع الحوادث.

كما شهدت الشاحنة استدعاءات متعددة في الأشهر السابقة، منها استدعاء في أبريل لمعالجة مشكلة في بطانة دواسة التسارع التي قد تتحرك من مكانها، بالإضافة إلى خلل في عمل مساحات الزجاج الأمامي بعد استدعاء اخر في يونيو الماضي.

وتعتمد السيارة تسلا سايبر تراك على قدرات فنية متنوعة منها، محرك بقوة 845 حصانا، يجعلها تتسارع من 0 لـ 100 كم/ساعة في 2.6 ثانية، بالإضافة إلى نسخة أخرى مدعومة بمحرك 600 حصانا، بقدرة على التسارع في 4.1 ثانية وصولاً من 0 إلى 100 كم/س.

مقالات مشابهة

  • الطائر العملاق.. «أرجنتافيز» أسطورة سيطرت على سماء الأرجنتين منذ 8 ملايين عام
  • أسطورة كأس العالم يتجه لاحتراف التنس
  • السنوار.. أسطورة غزة الخالدة
  • تلمسان: تفكيك شبكة إجرامية لترويج المؤثرات العقلية
  • موقف بريطانيا
  • تفكيك شبكة لتبييض الأموال يقودها جزائري بمراكش
  • إحذروا ..تنفيذ أجندة الغرب بأياد مصرية
  • الاستدعاء السادس.. أسطورة تسلا «سايبر تراك» تثير الجدل من جديد
  • جولات الجياد العربية: جولة الرياض علامة فارقة في عالم عروض الخيل العربية الأصيلة
  • أسطورة إغراء التسعينيات باميلا آنديرسون تعود في فيلم جديد