أمريكا.. بين غطرسة القوة وقوة الحق..!
تاريخ النشر: 15th, February 2024 GMT
عام 1938م بدأ العالم يتجهز لحرب كونية مدمرة، حرب توفرت لها عوامل ذاتية وموضوعية لدى أطرافها، ألمانيا بقيادة هتلر التي أرادت الثأر لنفسها من إهانة أوروبا لها في الحرب الكونية الأولى من خلال اتفاقية (فرساي) التي أذلت الألمان وأهانت مكانتهم وتاريخهم وحجمت أحلامهم، وبريطانيا وبقية دول الترويكا الغربية التي سعت لتجريد ألمانيا من قدراتها ونقل مركز الثقل الاقتصادي والصناعي الي الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الرأسمالية الصاعدة والوريث الشرعي لدول الاستعمار القديم، امريكا التي جاءات بنظرية استعمارية حديثة مغايرة لتلك الطرق التقليدية التي اعتمدتها دول الاستعمار القديم التي اتخذت من الاستعمار المباشر لشعوب العالم وسيلة لتطويع مستعمراتها، وهذا ما عارضته أمريكا الرأسمالية الإمبراطورية الاقتصادية والصناعية وعاصمة الليبرالية والدينقراطبة والحقوق والحريات، كانت بريطانيا والغرب يعملون بكل قوة على منع ألمانيا من امتلاك عوامل القوة لعوامل تاريخية وثقافية وعرقية نظرا لاختلاف الكثير من المفاهيم والمعتقدات بين الجنس (الجرماني) وبقية العرقيات الأوروبية التي تكاد تكون متشابهة.
فجرت ألمانيا الحرب العالمية الثانية فتصدت لها بريطانيا التي كانت عظمى حتى ذلك الوقت 1939م، تحالفت اليابان وإيطاليا مع ألمانيا الهتلرية في مواجهة بريطانيا وأمريكا وبقية دول الترويكا الأوروبية، وخلال عامين وبضعة أشهر، ظلت أمريكا مطمئنة خلف المحيط بعيدة عن اوزار الحرب، إلى أن وقع خطآن إثنان في مسار تلك الحرب أولهما خطأ ألماني بالهجوم على الاتحاد السوفييتي والثاني خطأ ياباني في الهجوم على ميناء هاربر الأمريكي، الهجوم الألماني على الاتحاد السوفييتي أدى إلى دخول هذا الأخير الحرب وهو من انتصر بها وحسم المعركة، وقدم الاتحاد السوفييتي 60مليون قتيل، وأمريكا تترقب مسار المعركة وتقدم دعما لوجستيا، وفي اللحظة التي حسم فيها السوفييت المعركة تقدمت بجانبه نحو ألمانيا لتتقاسم معه النفوذ والسيطرة، وفيما كانت فيالق الجيش الياباني تستسلم للجيوش السوفيتية ألقت أمريكا قنابلها النووية على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين، ولم تكن أمريكا بحاجة لارتكاب هذه الجريمة عسكريا ومنطقيا، لأن الحرب صارت محسومة وهزيمة هتلر وحلفائه صارت حتمية ومؤكدة، لكن أمريكا كانت بحاجة لارتكاب هذه الجريمة بحق البشرية لدوافع استراتيجية وأبرز دوافعها كان ردع وترهيب الاتحاد السوفيتي الذي كان مصنفاً أمريكيا وغربيا بالعدو التالي بعد (النازية)، رغم دوره في إنقاذ أوروبا وأمريكا من قوة هتلر وطموحه، حين ألقت أمريكا قنابلها على مدن اليابان كانت تعلم أن الجيش الياباني يستسلم في الجانب الآخر للجيش السوفيتي لكنها كانت أنها أمام فرصة تاريخية لتقليص طموح موسكو، ليأتي لقاء طهران الذي جمع ستالين وتشرشل وايزنهاور ليعطي واشنطن امتيازات دولية واسعة، ثم جاء (اتفاق مالطا) ليعزز مكاسب وامتيازات واشنطن التي وظفتها لتقوم بدورها الاستعماري _الأكثر تحضرا _وهو الاستعمار بطرق حديثة من خلال احتواء الدول عبر التحالفات السياسة والعسكرية والتبعية الاقتصادية والثقافية، موظفة قضايا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، وحرية التعبير والإعلام والانفتاح الاقتصادي إلى آخر المصطلحات التي وظفتها أمريكا لتفرض هيمنتها على دول وأنظمة العالم..!
بعد انتهاء الحرب، وبعد إبرام اتفاق (مالطا) الذي من بنوده اعتماد الدولار كعملة دولية وإقرار بقاء المنظمات الدولية الأمم المتحدة والجمعية العامة ومجلس الأمن وبقية المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة في أمريكا وأيضا بقاء البنك والصندوق الدوليين فيها، بعد هذه الاتفاقيات وإقرارها دوليا وموافقة جميع الأطراف المنتصرة في الحرب على هذا الاتفاق، بعدها بثلاثة أشهر فقط وضعت أمريكا وبريطانيا والدول الغربية وحلفاؤها من دول وأنظمة العالم، الاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الاشتراكي العدو الأول لهم بذريعة (الشيوعية) وأنهم أعداء الأديان (اليهودية “ والمسيحية، والإسلام،) فقدمت أمريكا نفسها كحامية الأديان السماوية وحارسة لحقوق وحريات سكان الأرض..!
لهذا لم تقف في وجه حركة التحرر والثورات التي شهدتها خارطة العالم ضد الأنظمة المترهلة إلا تلك التي ارتبطت معها بعلاقة ( كاثيوليكية مقدسة)..!
لكن بالمقابل ذهبت واشنطن إلى ممارسة سياسة المحتوى لأنظمة صاعدة حلت بديلا عن أنظمة سابقة في أكثر من بلد، سياسة مارستها تحت ذريعة إما مناهضة الشيوعية أو تحقيق الديمقراطية وكفالة الحريات.!
وعمليا لم تكن أمريكا يوما مكترثة بالأديان أو بحقوق وحريات الشعوب بقدر ما كانت تركز على مصالحها الجيوسياسية في ظل حرب باردة استعرت بينها وبين القطب الآخر في المعادلة الدولية الاتحاد السوفييتي الذي بدوره لم يكن بعيدا عن تأثير (حكومة العالم الخفية) التي هي الحاكم الفعلي للعالم بدوله وتعدد معتقداته وأنظمته ومسمياته..!
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الاتحاد السوفییتی
إقرأ أيضاً:
غزة… شخصية عام 2024
جرت العادة في نهاية كل عام أن تختار مجلة «تايم» الأمريكية ومطبوعات أخرى مثل «الفايننشال تايمز» البريطانية، ما يطلق عليه «شخصية العام»، على أساس عمق وانتشار تأثير هذه الشخصية في العالم، سواء بالخير أو بالشر. وكثيرا ما اختارت مجلة «تايم» منذ عام 1927 شخصية العام بما يتفق مع قيمة إنسانية عليا، وعطاء إنساني لفائدة البشرية.
ومع أنها اختارت في معظم الأحيان شخصيات أمريكية وغربية، فإنها في عدة مرات اختارت شخصيات تعبر عن تحولات في تاريخ المجتمعات، أو تاريخ الحضارة البشرية. المرة الأخيرة التي احتفلت فيها مجلة «تايم» بالتغيير في العالم كانت عام 2011 عندما اختارت صورة «المُحتَج» ليتصدر غلافها، تعبيرا عن انحيازها لحركة الاحتجاج التي اجتاحت العالم، من الربيع العربي في الشرق الأوسط إلى حركة «احتلوا وول ستريت» في الولايات المتحدة.
في العام الحالي جرى الاختيار من قائمة قصيرة ضمت ثلاثة أسماء هي كامالا هاريس، التي خسرت سباق الرئاسة الأمريكية، ودونالد ترامب الذي فاز بالسباق، وكان الثالث هو اسم مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، المتهم بقيادة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة.
وفي التصويت النهائي فاز دونالد ترامب، الذي لم يقدم للعالم خلال فترة رئاسته السابقة (2017 – 2021) غير صب الزيت على نيران الشعبوية القومية المتطرفة التي تهدد العالم، والاستهتار بالقانون، والعمل على تقويض النظام العالمي المتعدد الأطراف.
كما إنه في نهاية فترة رئاسته السابقة (يناير 2021) قاد عن بُعد محاولة بربرية قام بها أنصاره لاقتحام الكونغرس بالقوة، ومنع تنصيب الرئيس المنتخب.
وقال سام جاكوبز رئيس تحرير مجلة «تايم»، إن ترامب «سيعود إلى المكتب البيضاوي بنوايا واضحة: فرض الرسوم الجمركية على الواردات، وترحيل الملايين، وتهديد الصحافة. ووضع روبرت كينيدي الإبن المعادي للقاحات، مسؤولاً عن اللقاحات. وحرب محتملة مع إيران. أي شيء يمكن أن يحدث».
لم يقدم ترامب للعالم ولا يبشر في فترة رئاسته الجديدة بما يمكن الاحتفال به وتخليده، بل إن المكان الذي يليق به هو مزبلة السياسة والتاريخ. الأغرب من ذلك كان وجود اسم بنيامين نتنياهو، المتهم مع وزير دفاعه يوآف غالانت من قبل المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت أمرا بالقبض عليه الشهر الماضي.
كما قررت محكمة العدل الدولية أن سياساته ضد الفلسطينيين تمثل جرائم حرب، وطالبت بسحب قواته من غزة والضفة والقدس الشرقية، ووقف إقامة المستوطنات على الأرض المحتلة بعد 1967 باعتبارها غير قانونية.
عندما نتحدث عن غزة فإننا نتحدث عن أبرز وأهم تجليات المقاومة الفلسطينية في القرن الحالي، وهناك على أطلال غزة حيث قتلت إسرائيل في حرب إبادة الفلسطينيين أكثر من 50 ألفا من أهلها، وأصابت ما يقرب من 10 أضعاف هذا العدد، وهدمت أكثر من ثلاثة أرباع بناياتها، سينحني التاريخ إجلالا واحتراما لأرواح الشهداء، الذين تجاوزوا مرتبة الشهادة كما نعرفها. كما سينحني التاريخ أمام صمود الأحياء الذين لم تهزم إرادتهم القوة الوحشية الإسرائيلية.
غزة بصمودها تستحق أن تكون شخصية عام 2024
غزة بصمودها تستحق أن تكون شخصية عام 2024 بكل ما قدمته وما تزال تقدمه. غزة أسقطت قدرة إسرائيل على الردع، ونقلت الحرب إلى داخلها للمرة الأولى، وأعادت القضية الفلسطينية على المسار السياسي الهادف إلى إقامة دولة مستقلة غير منقوصة السيادة للشعب الفلسطيني.
صمود غزة هو أحد تجليات صمود الشعب الفلسطيني. هذا الصمود أكبر بكثير من الخلاف السياسي أو الأيديولوجي مع «حماس»، أو غيرها من منظمات المقاومة؛ فالدم الفلسطيني واحد لا يتجزأ، ولا يقبل التصنيفات السياسية والأيديولوجية. والأرض الفلسطينية المحتلة واحدة، يشارك في مسؤولية حمايتها وضمان السيادة عليها كل فلسطيني على قيد الحياة.
الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، قدم نموذجا ملهما لكل شعوب العالم، في الدفاع عن الحق والحرية والتضحية بأغلى ما يملك، من أجل إعلاء القيم الإنسانية النبيلة في التحرر، وتأكيد حق تقرير المصير والنضال من أجل إقامة دولة مستقلة غير منقوصة السيادة.
إن الموت في سبيل الحرية ليس غاية، وإنما تحقيق الحرية هو الغاية. والموت نتيجة التشبث بالأرض ليس غاية، وإنما الغاية هي تحرير الأرض وتطهيرها من الدنس.
إن ما تجسده المقاومة الفلسطينية يتجاوز حدود الانحيازات السياسية والأيديولوجية، ويسمو فوقها إلى تجسيد القيم الإنسانية العظمى التي قامت على أساسها وتطورت الحضارة البشرية. وتحاول أجهزة الدعاية الإسرائيلية بكل قوة تشويه السردية التاريخية التي تجسدها المقاومة في غزة، وتقديم سردية مزيفة تمهد الطريق إلى «شيطنة» الصمود الفلسطيني منذ أدرك الفلسطينيون حقيقة مخطط سلب وطنهم وإبادة هويتهم.
وتنطلق سردية إسرائيل لتزييف الحقائق من خمس فرضيات، يتم طرحها كمسلمات لا تخضع للمناقشة. الفرضية الأولى هي اعتبار أن تاريخ الصراع بدأ في 7 أكتوبر 2023، وتجاهل كل ما كان قبل ذلك، بما فيه حرب إسرائيل على المخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية في صيف العام نفسه. الفرضية الثانية تزعم أن إسرائيل ليست قوة احتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة بعد يونيو 1967، وأن هذه الأرض هي مناطق متنازع عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتزعم أن «أرض إسرائيل» هي منحة تاريخية من «الرب» لكل يهود العالم.
الفرضية الثالثة تزعم أن إسرائيل تشن حربها على الفلسطينيين دفاعا عن النفس، وتعتبر أن ذلك حقها القانوني. الفرضية الرابعة تزعم أن الفلسطينيين إرهابيون، تعمل إسرائيل على التخلص من شرورهم التي تهدد العالم كله، وأن إسرائيل تتحمل ما تتحمله من أعباء الحرب نيابة عن العالم، وأنها تستحق الشكر على ذلك، وليس المساءلة أو المطاردة بقرارات دولية، مثل أمر القبض على رئيس الوزراء ووزير دفاعه السابق.
أما الفرضية الخامسة والأخيرة فتزعم أن إسرائيل تواجه ظلما تاريخيا بسبب تجذر ثقافة «معاداة السامية» في العالم. وعليه فإنها تتهم كل من لا يؤيدون سياسة العدوان على الفلسطينيين بأنهم معادون للسامية، وتطاردهم في كل مكان، حتى يتم فصلهم من وظائفهم أو طردهم من مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات.
عندما انفجرت الحرب عبر السور الذي يفصل غزة عن نقب فلسطين، عمدت إسرائيل إلى فصل هذه الحرب عن سياقها التاريخي، بما في ذلك حربها على الفلسطينيين التي تهدف إلى تهويد الضفة الغربية والقدس الشرقية، وزعمت أن يوم 7 أكتوبر 2023 هو تاريخ بداية الصراع في الشرق الأوسط، واعتبرها نتنياهو حربا ضد محور الشر والهمجية البربرية لصالح البشرية المتحضرة.
وشاع في الخطاب السياسي الإسرائيلي وصف «الحيوانات البشرية» على الفلسطينيين! ومع أن الرأي العام العالمي، خصوصا «الجيل زد» في عواصم العالم المختلفة وقف إلى جانب الفلسطينيين، فإن الإعلام الغربي الرسمي باستثناءات محدودة تبنى مفردات ومضمون الخطاب السياسي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وكأن الذئب هو الضحية والجلاد هو الحمل.
وراحت الولايات المتحدة وحلفاؤها والمتواطئون معها يعملون ليلا ونهارا على ترويج فكرة مفادها، أن إسرائيل هي الضحية، وأن من حقها أن تدافع عن نفسها، حتى إن كان ذلك خارج نطاق القانون الدولي، وانتهاكا لقواعده وأحكامه. الأكثر من ذلك أن أجهزة الإعلام الرسمي في الدول الغربية خضعت لقيود شديدة في تغطية الحرب على الجانب الفلسطيني.
لم تكن إسرائيل تسمح إلا بالتغطية من داخلها، ومنعت دخول الصحافيين الأجانب إلى غزة. وبعد أسابيع تم منع التغطية من الضفة الغربية المحتلة. وبعدما اتسع نطاق الحرب خارج غزة، تحولت أجهزة الإعلام عن أخبار الحرب الوحشية في غزة إلى أخبار الحرب على بيروت وجنوب لبنان. وانتقلت أخبار غزة إلى ذيل نشرات الأخبار.
كما تحولت تغطية ما يحدث في غزة للتركيز على إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، مع تجاهل ربط ذلك مع وقف الحرب. وكأن حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني قد طويت. وبعدما هرب الطاغية بشار الأسد من سوريا، أصبحت قصة سقوط الحكم في دمشق هي مركز الخطاب الإعلامي، الذي يتناول شؤون الشرق الأوسط.
وكأن حرب غزة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء لم تقع. هذا التجاهل من جانب أجهزة الإعلام الرسمي الخاضعة للنفوذ المباشر وغير المباشر للصهيونية الدينية المتطرفة في العالم، يخفي وراءه هلع الخوف من غزة العزة، التي ما تزال صامدة حتى اليوم، رغم عمق الجراح، ويتجلى في هذا الصمود إصرار شعب مظلوم على القتال من أجل حريته وحقه في تقرير المصير، الذي حرمته منه قوى الاستعمار والصهيونية العالمية منذ أكثر من 100 عام.
المقاومة واجب حتى يزول الاحتلال، ويحصل الشعب الفلسطيني على حقه في حريته وتقرير مصيره. وفي هذا فإن غزة تستحق لقب «شخصية العام».
القدس العربي