لا عباس ولا حماس.. دحلان يتحدث عن خطة سرية لغزة بعد الحرب
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
أعادت تصريحات محمد دحلان (62 عاما)، المستشار السابق لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الحديث عن فكرة أن يتولى مسؤولية قطاع غزة زعيم فلسطيني، وأن تلعب دول عربية دورا في حفظ الأمن في القطاع.
وتشير مقابلة، أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز من مقر إقامته في الإمارات، التي انتقل إليها بعد خلافه مع عباس، إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المسؤول الأول السابق عن الأمن في غزة، في أي مستقبل للقطاع الذي تحكمه حركة حماس.
وتحدث دحلان في المقابلة عن الخطط "السرية" التي يناقشها القادة العرب في ما يتعلق بغزة بعد الحرب في غزة، التي بموجبها، سيتولى زعيم فلسطيني جديد مسؤولية غزة، وأجزاء من الضفة الغربية التي تديرها حاليا السلطة الفلسطينية.
وقال دحلان إن هذا القائد الجديد سيحل محل عباس، الذي سيحتفظ بدور شرفي.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين فلسطينيين، تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما، أن مسؤولون من 6 حكومات عربية اجتمعوا في السعودية الأسبوع الماضي لمناقشة مستقبل غزة والحاجة إلى وقف إطلاق النار.
وقال دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق، الذي كان على خلاف مع عباس منذ فترة طويلة: "لا عباس، لا حماس... أشخاص جدد سيتولون في السلطة الفلسطينية".
وأضاف أن الإدارة الفلسطينية الجديدة يمكن أن تدعو الدول العربية الصديقة لإرسال قوات للمساعدة في حفظ النظام في غزة، مشيرا إلى أن دولا مثل الإمارات والسعودية ستكون مستعدة للمساعدة وتمويل إعادة الإعمار.
وتابع: "إذا كان هناك حل الدولتين، فالإجابة هي نعم كبيرة" وأضاف أن "الدول العربية الرئيسية حريصة جدا على تسوية هذا الصراع.. ليست الحرب، بل الصراع بأكمله".
ورفضت السعودية ومصر التعليق على الخطة التي وصفها دحلان.
ولم يتناول بيان إماراتي أرسل للصحيفة الخطة بشكل مباشر، لكنه قال إن "مساهمتنا في أي جهد لإعادة الإعمار في غزة ستكون مشروطة" بالالتزامات تجاه تحقيق "حل الدولتين".
لكن هذه الخطة سوف تواجه تحديات كبير، فرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أكد على الاحتفاظ بالسيطرة "الأمنية الشاملة" على غزة والضفة الغربية، رافضا قيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة.
وسيتطلب أي اقتراح بشان مستقبل القطاع أيضا موافقة حماس، التي لا تزال تسيطر على جزء من جنوب غزة.
وكانت الولايات المتحدة أعلنت أكثر من مرة، خلال زيارات مسؤولين أميركيين للضفة الغربية، بعد اندلاع الحرب، عن رغبتها في أن تلعب السلطة الفلسطينية دورا في غزة بعد الحرب.
وتوجه مسؤولون أميركيون بارزون إلى الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة للقاء عباس على أمل أن يتمكن الرئيس البالغ من العمر 88 عاما من إصلاح سلطته الفلسطينية التي لا تحظى بشعبية كافية لإدارة غزة.
وعباس الذي كان مهندس اتفاقات أوسلو للسلام مع إسرائيل عام 1993، التي أنعشت الآمال في إقامة دولة فلسطينية، شهد شرعيته تتقوض بشكل مطرد بسبب بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وفق رويترز.
ويعتبر العديد من الفلسطينيين الآن إدارته فاسدة وغير ديمقراطية وبعيدة عن الواقع.
وقال ثلاثة فلسطينيين ومسؤول إقليمي كبير للوكالة، الشهر الماضي، أن مقترحات واشنطن، خلف الأبواب المغلقة، تشمل تنازل عباس عن بعض سيطرته على السلطة، وإنه يمكن لعباس أن يعين نائبا له، ويسلم صلاحيات تنفيذية أوسع لرئيس وزرائه، ويدخل شخصيات جديدة في قيادة المنظمة.
وعن موقف الدول العربية، نقلت "سي أن أن"، الشهر الماضي، عن دبلوماسي غرب أن المسؤولين العرب أوضحوا في محادثات سابقة أنهم ليسوا متحمسين للمشاركة في قوة دولية لتوفير الأمن في غزة بعد الحرب.
وقال سفير عربي للشبكة الأميركية إن بلاده "لن تقوم على الإطلاق" بنشر أي من قواتها في غزة بعد الحرب.
في غضون ذلك، أوردت مجلة فورين بوليسي أن إدارة بايدن "تضع الأساس لصفقة كبيرة طموحة من شأنها أن تربط التقارب بين إسرائيل والسعودية بخطوات جوهرية نحو إقامة الدولة الفلسطينية"، وفقا لتسعة محللين ومسؤولين حكوميين أميركيين سابقين مطلعين على الخطط.
وتستند الخطة التي تعمل عليها الإدارة على فكرة إبرام اتفاق دفاعي أميركي سعودي في مقابل أن تطبع السعودية علاقتها مع إسرائيل، مع موافقة جميع الأطراف على صياغة خطوات نحو إقامة الدولة الفلسطينية.
هل يلعب دحلان دورا؟ومع تزايد الدعوات لوقف إطلاق النار في غزة، زادت التساؤلات عن الشخص الذي يتمتع بالمصداقية للمساعدة في التوسط في اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وكان دحلان ينظر إليه ذات يوم من قبل واشنطن والعالم العربي على أنه الوسيط بين تل أبيب وغزة.
وأمضى دحلان الجزء الأكبر من العقد الماضي في الإمارات من دون منصب رسمي في الحكومة الفلسطينية.
وفي مقابلة أجريت معه في 15 نوفمبر الماضي في دبي، قال دحلان إنه بينما يعتقد أن الولايات المتحدة وحدها القادرة على التوصل إلى اتفاق سلام دائم، فإن دور الرئيس بايدن في الصراع يخاطر بأن تستمر المقاومة الفلسطينية " إلى ما لا نهاية".
ونشأ دحلان في خان يونس، في جنوب غزة، المدينة ذاتها التي نشا فيها يحيى السنوار، زعيم حماس الذي أشرف على هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل.
وكان دحلان في الخارج حين سيطرت حماس على القطاع بالقوة عام 2007، وبعد انتقاله إلى الضفة الغربية تم طرده من حركة فتح عام 2011.
وتقول نيويورك تايمز إن شعبيته التي زادت والتكهنات بأنه سيكون خليفة عباس أدت إلى ظهور توترات مع الأخير.
وفي عام 2014، أدين دحلان غيابيا من قبل السلطة الفلسطينية بتهمة الاختلاس.
وفي الإمارات، التي انتقل إليها، عمل مستشارا لرئيس البلاد الحالي محمد بن زايد، وظل أيضا نشطا في السياسة الفلسطينية، فقد كان يشرف على حزب سياسي كان يُنظر إليه على أنه صانع ملوك محتمل خلال الحملة الانتخابية لعام 2021 في الضفة الغربية وقطاع غزة، قبل إلغاء التصويت.
وهو ينسق بانتظام مع زعماء المعارضة الفلسطينية الآخرين.
ويقول محللون إنه يمثل قوة كبيرة في السياسة الفلسطينية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مساعدته في توجيه الأموال الإماراتية إلى غزة.
وقال معين رباني، خبير السياسة الفلسطينية، عن دحلان الذي يتمتع بعلاقات وثيقة بأفراد الأسرة الحاكمة في الإمارات: "إنه رجل الرئيس الإماراتي في السياسة الفلسطينية"، وفق تصريحاته للصحيفة الأميركية.
وبنى دحلان علاقات وثيقة مع كبار مسؤولي حماس في السنوات الأخيرة، وفقا لغيث العمري، محلل الشؤون الفلسطينية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
وقال جهاد حرب، المحلل المقيم في رام الله بالضفة الغربية: "إنه سياسي فلسطيني بارز يتمتع بشبكة واسعة من الدعم في غزة. إن الملايين التي حولتها الإمارات إلى غزة من خلاله لم تؤد إلا إلى تعزيز مكانته هناك".
ورغم أن الإسرائيليين نظروا إلى دحلان على أنه شريك محتمل، فقد أظهر القليل من التعاطف مع المخاوف الإسرائيلية في المقابلة.
ورفض فكرة محاولته إقناع إسرائيل بالحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية. وقال: "ليست وظيفتي إقناع الإسرائيليين".
وتشير كتاباته على مواقع التواصل الاجتماعي إلى انتقادات لإسرائيل.
شعبنا العظيم..
في هذه الأيام نعيش أقسى أوقات حياتنا وأكثرها ألما على ما يتعرّض له أهلنا بقطاع غزة بعد أن قرر ذلك الاحتلال الوحشي تدمير القطاع، وتنفيذ مئات المجازر المروعة بحق أطفال شعبنا، وبحق أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا، بحق شيوخ غزة والعزّل من أهلنا.
قرارات جائرةٌ أصدرتها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وإيطاليا وأستراليا قضت بتعليق تمويل أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بحجة اشتراك بعض العاملين فيها في أنشطة حركة (حماس)، لأن مثل هذه القرارات تمسّ جوهر الخدمات التي تقدمها الوكالة للملايين من الشعب…
— Mohammad Dahlan محمد دحلان (@mohammad_dahlan) January 27, 2024المؤامرة الحقيقة الكبرى تحت دخان الحرب تتكشف لحظة بلحظة، فهدف الاحتلال النهائي هو التهجير القسري لشعبنا عن أرضه بقوة السلاح والتجويع والقتل الدموي، وما طلب الاحتلال من أهلنا في غزة التوجه الى جنوب القطاع المحاذي لحدود الشقيقة مصر إلا إعلان وقح عن ذلك المخطط الشرير وبداية تهجير…
— Mohammad Dahlan محمد دحلان (@mohammad_dahlan) October 13, 2023ورغم اعتباره خليفة محتملا لعباس. قال دحلان في المقابلة إنه غير مهتم بتولي دور قيادي رسمي.
ومن غير المرجح أن يكون دحلان في عجلة من أمره لمغادرة الإمارات، لكنه أنفق الكثير من الوقت والمال في إصلاح الشبكات التي على صلة بها في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يشير إلى أن لديه تطلعات سياسية طويلة المدى، وفق العمري.
ومثل غيره من كبار السياسيين الفلسطينيين، أحجم دحلان عن إدانة الهجوم الذي قادته حماس في السابع من أكتوبر، لكنه انتقد قادة الحركة قائلا إن سكان غزة يدفعون ثمن تصرفاتها.
وقال السياسي الفلسطيني: "الاعتماد على الأشخاص الذين يعانون ليس قيادة... الشعب الفلسطيني يريد أن يعيش".
وتتجنب حركة فتح ومسؤولون في السلطة الفلسطينية الإعلان عن موقف مؤيد للهجوم الذي نفذته حركة حماس، أو التضامن العملي معها، رغم التنديد بسقوط المدنيين نتيجة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: السیاسة الفلسطینیة السلطة الفلسطینیة الضفة الغربیة غزة بعد الحرب فی الإمارات محمد دحلان دحلان فی فی غزة
إقرأ أيضاً:
MEE: السلطة الفلسطينية تشترك مع الاحتلال في هدف القضاء على المقاومة
سلط تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني الضوء على عمليةالسلطة الفلسطينية الأمنية في مخيم جنين، وكذلك قرار حظر قناة الجزيرة، الذي جاء بعد فترة قصيرة من حظر "إسرائيل" لذات القناة.
وقال الموقع "إن حظر السلطة الفلسطينية لقناة الجزيرة، وما يرافق ذلك من عدوان تمارسه ضد الفلسطينيين في جنين، من شأنه أن يزيد من قناعة الفلسطينيين بأن دور السلطة الفلسطينية ليس الدفاع عن حقوقهم وإنما خدمة المصالح الإسرائيلية".
وأضاف إن "أحد الأهداف الأساسية لـ"إسرائيل" في غزة والضفة الغربية معاً هو القضاء على جميع أشكال المقاومة الفلسطينية، وهو خطوة بالغة الأهمية تمهيداً للتوجه نحو إقامة "إسرائيل الكبرى".
وتابع: "رغم أن السلطة الفلسطينية لا تشاطر "إسرائيل" رؤيتها فيما يتعلق بمشروع "إسرائيل الكبرى"، إلا أنها تشترك معها في هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية".
وفيما يلي نص التقرير مترجما:
قامت السلطة الفلسطينية في الأسبوع الماضي بحظر قناة الجزيرة، والتي هي واحدة من عدد قليل من المنصات الإخبارية العالمية التي توفر تغطية كبيرة وثابتة للاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ زمن طويل في المناطق الفلسطينية وكذلك لعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تنفذ حالياً في قطاع غزة.
وصف المراقبون إجراء السلطة بأنه "صادم".
فما الذي عساه يجبر كياناً يمثل الفلسطينيين فيما هو ظاهر على تقويض واحد من الأصوات الدولية القليلة المكرس لتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين؟
من أجل فهم ذلك، لابد من النظر في السياق الأوسع.
تقدم السلطة الفلسطينية، والتي هي جزء من مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، نفسها باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. رسمياً، تحكم السلطة أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
ولكن، ولسنين عديدة، لم يزل الغرض الأساسي للسلطة الفلسطينية هو دعم وخدمة الاحتلال الإسرائيلي.
شراكة "مقدسة"
ولدت السلطة الفلسطينية من رحم عملية أوسلو للسلام في تسعينيات القرن الماضي. يرى الخبراء أن تلك العملية كانت عبارة عن "خدعة" إنما حبكت من أجل الحفاظ على الوضع القائم، المتمثل بالاحتلال، وفي نفس الوقت توفير غطاء سياسي هام لكل من "إسرائيل" والولايات المتحدة.
كانت منظمة التحرير الفلسطينية حينذاك تسعى جاهدة للاحتفاظ بالهيمنة السياسية داخل المناطق الفلسطينية، وكانت في نفس الوقت بحاجة ماسة للمساعدة الاقتصادية.
من خلال سلسلة من اتفاقيات أوسلو، تم توقيعها ما بين عام 1993 وعام 1995، ألقت الولايات المتحدة و"إسرائيل" لمنظمة التحرير بحبال النجاة المالية والسياسية. ومقابل ذلك، وافقت السلطة الفلسطينية، التي كانت قد تشكلت حديثاً، على القيام بكثير من المهام القذرة للاحتلال.
تحت غطاء "التنسيق الأمني" تطورت السلطة الفلسطينية لتغدو "مقاولاً بالباطن ومتعاوناً" في خدمة الاحتلال الإسرائيلي.
كان الرئيس محمود عباس في عام 2014 قد وصف التنسيق الأمني بأنه "مقدس"، مؤكداً بذلك على عمق الشراكة بين الطرفين.
تاريخياً، تضمن هذا التنسيق إخماد كل صوت مخالف، بما في ذلك الصحافة، بالنيابة عن "إسرائيل".
فعلى سبيل المثال، أقدمت السلطة الفلسطينية ما بين كانون الثاني/ يناير 2018 وآذار/ مارس 2019، على اعتقال ما يزيد عن 1600 فلسطيني بسبب "التعبير السلمي" عن الرأي. وفي عامي 2020 و 2021، قمعت السلطة الفلسطينية عدداً من الاحتجاجات السلمية الفلسطينية. وفي عام 2022 حظرت السلطة الفلسطينية عشرات المواقع الإخبارية الفلسطينية التي تنتقد "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية.
سوف لن يرضي قرار السلطة الفلسطينية الأخير حظر قناة الجزيرة الفلسطينيين الذين ينظرون إلى هذه القناة بإيجابية.
الدليل على التنسيق
لطالما اعتبر الفلسطينيون السلطة الفلسطينية متعاونة مع "إسرائيل"، ولعل هذا ما يفسر لماذا تعكس استطلاعات الرأي باستمرار انطباعات سلبية عن السلطة الفلسطينية.
إلا أن التنسيق المفتوح للسلطة الفلسطينية مع "إسرائيل" لم يكن أبداً من قبل بهذا الوضوح.
يأتي حظر السلطة الفلسطينية لقناة الجزيرة فقط بعد شهور من قرار "إسرائيل" حظر الشبكة، ومن ثم مداهمة مكاتب الشبكة في رام الله وإغلاقها. من المستبعد ألا يلاحظ الفلسطينيون أن الإجراء الذي اتخذته السلطة الفلسطينية لم يكن سوى نسخة طبق الأصل عن الإجراء الإسرائيلي.
وكذلك جاءت إجراءات القمع التي مارستها السلطة الفلسطينية ضد مجموعات المقاومة في جنين لتبدو تقليداً سافراً للأفعال التي يقوم بها الإسرائيليون أنفسهم.
منذ الخامس من كانون الأول/ ديسمبر نفذت السلطة الفلسطينية مداهمات عنيفة، وقتلت ما مجموعه ثمانية فلسطينيين، بما في ذلك مدنيون عزل، وصحفية شابة.
تشبه هذه الأعمال التصعيد الذي تمارسه "إسرائيل" في أرجاء الضفة الغربية.
في شهر آب/ أغسطس 2024، شنت "إسرائيل" أضخم عملية عسكرية تنفذها هناك منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فقتلت مئات الفلسطينيين واعتقلت الآلاف منهم، ودمرت البنى التحتية الحيوية.
من الوارد أن يرى كثير من الفلسطينيين في إجراءات القمع الأخيرة التي مارستها السلطة الفلسطينية دليلاً على تعاونها مع "إسرائيل"، بل وعلى تبعيتها لها.
ولسوف يعزز من الانطباع بأن السلطة الفلسطينية تلتزم بما يمليه عليها الإسرائيليون مقاطع الفيديو المزعجة التي يظهر فيها ضباط فلسطينيون وهم يسيئون معاملة منتقدي السلطة الفلسطينية.
"إلقاء حماس تحت عجلات الحافلة"
لربما كانت الغاية من الإجراءات الأخيرة التي للسلطة الفلسطينية التقرب من "إسرائيل" والولايات المتحدة، سعياً لإثبات أنه يمكن الاعتماد عليها كلاعب أساسي في إدارة غزة ما بعد الحرب.
وما هو مهم أيضاً أن هذه الإجراءات قد تشير كذلك إلى أن السلطة الفلسطينية تسعى إلى إلقاء حماس، التي تحكم غزة، تحت عجلات الحافلة، كما يقال في المثل.
كانت حماس وفتح، وهي الحزب الذي يتحكم بالسلطة الفلسطينية، قد وقعتا في شهر حزيران/ يونيو في بكين على اتفاق حكومة وحدة.
كان الاتفاق تاريخياً، جزئياً لأن حماس مجموعة إسلامية بينما فتح حركة علمانية، ولكن أيضاً لأن الفصيلين خصمان لدودان.
ما تراكم من زخم باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية لربما بات الآن ميتاً.
فقد أدانت حركة حماس بقوة حظر السلطة الفلسطينية لقناة الجزيرة وعمليات المداهمة التي شنتها في جنين، باعتبار أن هذه الأفعال تمثل عدواناً على الإسلاميين، بما في ذلك حماس ذاتها.
لربما باتت السلطة الفلسطينية ترى بأن حماس ضعفت جداً، وأن السلطة غدت قادرة على فرض سيطرتها على قطاع غزة بدون المجموعة الإسلامية.
لن تكون هذه هي المرة الأولى التي تلقي بها السلطة الفلسطينية بحركة حماس تحت عجلات الحافلة.
ففي عام 2006 فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية، ولكن فتح والولايات المتحدة و"إسرائيل" رفضوا الاعتراف بالنتائج وحاولوا عمل انقلاب. إلا أن المحاولة الانقلابية أفضت إلى حرب أهلية وإلى انقسام المناطق الفلسطينية.
هدف للمقاومة
أحد الأهداف الأساسية لـ"إسرائيل" في غزة والضفة الغربية معاً هو القضاء على جميع أشكال المقاومة الفلسطينية، وهو خطوة بالغة الأهمية تمهيداً للتوجه نحو إقامة "إسرائيل الكبرى".
رغم أن السلطة الفلسطينية لا تشاطر "إسرائيل" رؤيتها فيما يتعلق بمشروع "إسرائيل الكبرى"، إلا أنها تشترك معها في هدف القضاء على المقاومة الفلسطينية.
ولكن الإبادة الجماعية التي تقوم بها "إسرائيل" حالياً لم تنجح في القضاء على حماس، ولن تفلح في القضاء على المقاومة الفلسطينية بعمومها.
بل على العكس من ذلك، قد تؤدي الإبادة الجماعية التي تمارسها "إسرائيل" وما تقوم به من توسع عدواني داخل الضفة الغربية إلى تكثيف المقاومة على المدى البعيد.
إن حظر السلطة الفلسطينية لقناة الجزيرة، وما يرافق ذلك من عدوان تمارسه ضد الفلسطينيين في جنين، من شأنه أن يزيد من قناعة الفلسطينيين بأن دور السلطة الفلسطينية ليس الدفاع عن حقوقهم وإنما خدمة المصالح الإسرائيلية.
وهذا بالنسبة لكثير من الفلسطينيين يجعل من السلطة الفلسطينية عقبة تعيق تحررهم بدلاً من أن تكون وسيلة لنيل الحرية.
ونتيجة لذلك قد تصبح السلطة الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى هدفاً للمقاومة.
وبالنظر إلى الأمام، قد يصبح حكم أجزاء من الضفة الغربية مهمة في غاية الصعوبة تقض مضاجع السلطة الفلسطينية ناهيك عن أن تتمكن من مد نفوذها إلى قطاع غزة.