لا توجد دولة فى العالم، وأكرر، لا توجد دولة فى العالم، تمتلك ما تمتلكه مصر من ثروات سياحية، وليست الثروة المالية والموارد الطبيعية هى الأهم، ولكن امتلاك مصر لثقل حراك سياسى واقتصادى رائع ومذهل صعب أن يتكرر هو الأهم، وهذا الحراك الذى أرساه الرئيس عبدالفتاح السيسى بجولاته وعلاقاته وإدخال مصر فى محيط من التشابكات والتوازنات والمصالح الراقية مع الدول الكبرى قبل الصغرى، لتعود لمصر ريادتها وهيبتها ومكانتها ومحبتها فى قلوب العالم، هذا الحراك لا بد من استغلاله والاستثمار عليه، ونحن نرى إخواننا من دولة الإمارات العربية المتحدة، زايد الكرم، ومن السعودية، ومن الكويت، يضخون مليارات الدولارات فى الاستثمار السياحى والصناعى والتجارى فى مصر، ليس فقط إيماناً منهم بانطلاق الجمهورية الجديدة، ولكن لرؤية مصر وهى تقود معارك التنمية وتغير المناخ وتقود قارة مثل أفريقيا نحو التنمية المستدامة من خلال مبادرات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى ودائرة العمل معه من أصحاب الفكر الراقى، لتشبيك أفريقيا مع دول الاتحاد الأوروبى والدول الصناعية والصين، وفتح أسواق جديدة، فكم رأينا من مبادرات مصرية ومؤتمرات ربطت أفريقيا ببرلين وأفريقيا بباريس وأفريقيا بموسكو وأفريقيا باليابان، وأفريقيا بالدول العربية، وأيضاً أفريقيا بالمؤسسات الدولية، هذا كله إن دل على شىء، فإنما يدل على الثقل السياسى والاقتصادى والتاريخى بعودة واستغلال مصر لـ«قوتها الناعمة»، تلك القوة التى تحدث عنها مراراً وتكراراً السيد رئيس الجمهورية ودعا وزراء الحكومة إلى استغلالها واعتبارها كنز مصر فى القرن الواحد والعشرين.
وإن كنت أجزم بشكل قطعى أن حكومة دولة رئيس الوزراء الدؤوب، الدكتور مصطفى مدبولى، تعمل بتناغم ولا تدخر جهداً فى التخطيط للتنمية المستدامة فى مصر، إلا أننى أعتقد أن مصر يمكن أن تستغل بشكل أفضل وأكبر بكثير وأسرع قوتها الناعمة، وبالتحديد فى مجال السياحة، التى ارتفع إليها عدد السياح الوافدين إلى مستوى قياسى بنحو ١٥ مليون زائر فى العام الماضى، ولم تشهد مصر هذا الرقم من قبل فى تاريخها، بل خططت مصر لمضاعفة خمس مرات إيرادات المجلس الأعلى للآثار، ومضاعفة طاقة الطيران المصرية لتصل إلى 3 أمثالها حتى عام 2028، وهى جهود أدت إلى زيادة أعداد مقاعد الطيران المحفزة والوافدة من ٥٦٠ ألف مقعد تقريباً فى أواخر العام 2022 إلى نحو ٧٨٠ ألف مقعد قبل نهاية العام 2032.
جهود جبارة تبذلها الحكومة المصرية لكى تزيد من الحصيلة الدولارية التى تضخ فى الاقتصاد المصرى من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية السياحية، ولكننى مؤمن بأن إمكانيات مصر أكبر بكثير، ولا أريد أن تقارن مصر ببعض الدول الآسيوية المجاورة أو العربية حديثة النشأة والقريبة جداً منا، والتى تقريباً لها ضعف هذا الرقم، رغم أنها لا تمتلك فقط إلا الشواطئ وبعضاً من أعلى مبانى العالم الحديثة، فمصر العظيمة يمكن فى رأيى الشخصى أن تصل إلى ٢٠ مليون سائح خلال عامين فقط، نعم عامان فقط، ومن خبرتى كمستشار دولى مع بعض الحكومات العربية والدولية، ومن خلال العمل مع البنك الدولى وصندوق النقد الدولى، مؤمن تماماً بأن مصر يمكن أن تخلق «جزراً سياحية» خارج إطار الشرق الأوسط وما يدور فيه من صراع وحروب، بحيث تخلق صورة ذهنية للسائح العالمى لا ترتبط إطلاقاً بالشرق الأوسط أو الصراع العربى - الإسرائيلى، ولكن كل ما علينا فعله هو فى رأيى الشخصى الآتى:
١- خلق «جزر مصرية سياحية» ومناطق سياحية خارج إطار الصراع الشرق أوسطى.
٢- الاستثمار على جولات ومؤتمرات ومبادرات مصر الدولية، والأهم استغلال والاستثمار على شخصية السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى المحبوبة عربياً وعالمياً، لخلق بطل سياحى يبنى عليه المشروع المصرى السياحى، ونستغل معها مكاسب مصر السياسية خلال الأعوام العشرة الماضية.
٣- إشراك مؤسسات التمويل الدولية وبصورة مباشرة فى الاستثمار السياحى وليس فقط الدول الصديقة والشقيقة.
٤- جعل الدولة محركاً ونترك للقطاع الخاص مهمة التجديف بالمركب، لأنه صاحب المصلحة، وإذا لم يقم بما يجب أن يقوم به، فهذا هو أهم امتحان له فى التنمية السياحية، ولكنه قادر بالفعل معنا على هذه المهمة.
٥- الاستفادة من القوة والسلطة والخبرة والرؤية لبعض الجهات السيادية فى مصر لتطوير بنى تحتية عملاقة لصالح قطاع السياحة من خلال ما تمتلكه من أذرع استراتيجية، وهى صاحبة أكبر مصلحة فى بناء هذا الوطن.
٦- جعل الآثار فى خدمة السياحة وليس العكس، وهو المفهوم الذى يجب أن يتغير فى «صناعة السياحة المصرية» بإدخال لغات وأفكار دولية للآثار لقطاع السياحة المصرية، فأين أفريقيا مثلاً أو الدول الآسيوية التى زارها السيد الرئيس خلال السنوات العشر الماضية من السوق السياحية المصرية؟
هذه الأفكار والمقترحات لا تعنى أن الوزارات المتعاقبة لم تؤدِّ واجبها، إنما تعنى ببساطة الإيمان والمعرفة والخبرة الأكيدة والتأكيد أيضاً أن مصر قادرة وتستطيع أن تضيف لهذه الأرقام أضعافاً من خلال عمل مبتكر خارج إطار الصندوق، ولكن الأهم أن نبنى على المكتسبات المصرية السياسية والاقتصادية التى حققتها الدولة فى عهد السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وساندته فيها الأجهزة الوطنية والسيادية المصرية خلال رحلة السنوات العشر الماضية، منذ الوقوع فى وهم الثورة وحتى الصعود الشامخ إلى قمة الجبل بجهد وعرق وتضحيات ورؤية مصرية خالصة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: قطاع السياحة السياحة السياح اقتصاد مصر الرئیس عبدالفتاح السیسى السید الرئیس من خلال
إقرأ أيضاً:
السياحة الداخلية وتنافسية المحافظات
تشهد السياحة الداخلية في سلطنة عُمان حراكا نشطا في فترة الإجازات والعطل الرسمية؛ لوجود بنى أساسية متطورة وحديثة، وتنوّع الفعاليات والمناشط والمهرجانات المقامة في مختلف المحافظات، وتميّز سلطنة عُمان بأجواء معتدلة باردة نسبيا طيلة العام في مواقع عدة خاصة على الشريط الساحلي المطل على بحر العرب، وتميّزت المحافظات خلال هذا العام تحديدا من خلال تنظيم العديد من المهرجانات الشتوية بإضفاء فعاليات نوعية على المهرجانات المقامة من حيث الاستفادة من الميزة التنافسية لكل محافظة، واستقطاب بعض الشخصيات الفنية واستخدام أساليب جديدة في الترويج والتسويق للمهرجانات، إضافة إلى اشتغال مكاتب المحافظين جيدا على الوقت المناسب لإقامة المهرجانات. خلال إجازة عيد الفطر السعيد زرنا عدة مواقع سياحية في مختلف المحافظات، ورصدنا من خلال الزيارة مستوى التقدم والإنجاز في بعض المواقع السياحية واستعدادها لاستقبال الزوّار والسيّاح والانطباع الإيجابي من قبل أفراد المجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي عن الخدمات السياحية المقدمة المبتكرة والنوعية التي ستسهم بلا شك في إنعاش السياحة الداخلية في ظل التجديد الذي تشهده المواقع السياحية باستمرار، وهي فرصة لمؤسسات المجتمع المدني والفرق التطوعية، ومؤسسات القطاع الخاص، وأفراد المجتمع عامة لتعزيز حضورهم في المشهد السياحي الداخلي من خلال الاستفادة من الممكنات والحوافز الاستثمارية لتنمية مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة في المواقع السياحية المختلفة بالتعاون مع مكاتب المحافظين مع الاستعانة بالخبرات في المجالات الاستثمارية عبر تكوين شراكات حقيقية تسهم في تنمية المحافظات سياحيا واستثماريا، فالممكنات والصلاحيات التي أعطيت المحافظات هي مرتكز للنهوض بها سياحيا واقتصاديا بدءًا من مرحلة التخطيط المتقن والأداء المنجز والكفاءة في تقديم الخدمات السياحية وصولا إلى تقييم التجربة باستمرار وبالتالي شراكات واعدة لتنمية المحافظات وتعزيز حضورها السياحي والاقتصادي عبر المساهمة الفاعلة في التنمية الشاملة لسلطنة عُمان ورفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي؛ ولضمان نجاح هذه التجارب في المحافظات لا بد من تعزيز المشاركة المجتمعية في اتخاذ القرار عبر إيجاد منصات مستدامة للحوار مع مختلف فئات المجتمع؛ لدورها في رفع كفاءة العمل الحكومي عموما والاستفادة من الآراء والمقترحات التي تساعد على التنمية الاقتصادية في المحافظات وتشجع على توظيف الابتكار في تنمية المحافظات شريطة أن ينعكس ذلك إيجابا على تنمية قطاع السياحة في سلطنة عُمان من خلال رصد التحسن في مؤشر مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي؛ كونه أحد القطاعات الاقتصادية الواعدة والمعول عليها كثيرا في التنويع الاقتصادي، بحيث تستمر الفعاليات والمناشط الترفيهية والجاذبة للسياح والزوّار في المحافظات على مدار العام بالاستفادة من الميزة التنافسية لكل محافظة في تنشيط السياحة الداخلية من خلال ابتكار الفعاليات التي تجمع بين الحداثة والهوية العُمانية، وفي رأيي أننا بحاجة إلى مزيد من الجهد في الترويج السياحي لبعض المواقع التي تشهد ارتيادا كبيرا من قبل أهالي المحافظة دون غيرهم؛ بسبب عدم الاستفادة من التسويق الرقمي في تشجيع أهالي المحافظات الأخرى على زيارة بعض المواقع السياحية؛ خاصة وأن سلطنة عُمان تتميّز عن غيرها من دول الجوار بطقس معتدل على مدار العام في بعض المواقع السياحية وأعني هنا ولاية الجبل الأخضر والمواقع المطلة على بحر العرب التي تتميز في هذه الفترة بأجواء معتدلة في فترة الصيف مثل نيابة الأشخرة بولاية جعلان بني بوعلي في محافظة جنوب الشرقية، وهنا لا بد من وضع خطة للسياحة الداخلية في موسمي الربيع والصيف؛ لضمان تعظيم الاستفادة من السياحة الداخلية على مدار العام، وإشراك مؤسسات المجتمع المدني والفرق التطوعية في تعزيز السياحة الداخلية، إضافة إلى تقديم مزيد من التسهيلات والحوافز للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المواقع السياحية بالمحافظات وتمكينها لتساهم في تنشيط السياحة الداخلية وأيضا تنميتها لرفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي؛ بحيث ألا يقتصر دورها على بيع السلع والمنتجات أو الأطباق المنزلية، بل تساهم في تقديم خدمات لوجستية للزوار والسياح مثل التسويق والترويج للمواقع السياحية وتبتكر طرقا وأساليب جديدة لاستدامتها من خلال الاشتغال على تنظيم المعارض والمهرجانات الشتوية والصيفية بالتعاون مع مكاتب المحافظين أو الاستفادة من الأراضي على الشريط الساحلي لإقامة مشاريع استثمارية مثل الشاليهات والاستراحات والفنادق بالشراكة مع القطاع الخاص ويتم تخصيص مواقع للأسر المنتجة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة مثل تخصيص أكشاك لعرض بعض المنتجات والسلع المنزلية.
إن تنشيط السياحة الداخلية هدف سامٍ لن يتحقق إلا بتكاتف جميع الأطراف؛ فالحكومة تقوم بدورها في تهيئة البنى الأساسية وتسخير كافة الإمكانيات والممكنات لتنمية القطاع السياحي، وتقدّم الدعم للمؤسسات السياحية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المواقع السياحية، آملين أن تستفيد المؤسسات بشقيها المدني والتجاري في المساهمة بفاعلية لتنمية القطاع السياحي مع توظيف الابتكار في تقديم المنتجات والخدمات من خلال الاستفادة من الميزة التنافسية لكل محافظة من محافظات سلطنة عُمان التي بلا شك ستنعش السياحة الداخلية وستسهم في تعظيم الاستفادة من الصناعات العُمانية في تعزيز المحتوى المحلي بسلطنة عُمان.
راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي