لجريدة عمان:
2025-02-23@20:24:53 GMT

عبء الصمود

تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT

بطريقتين مختلفتين تمامًا تلقّى الناس الصورة -التي نشرها الجندي الإسرائيلي يوسي غامزو- لفلسطيني تحت التعذيب. جاءت صورة الرجل -جالسا على كرسي في إحدى مدارس مدينة غزة، وهو مقيد اليدين ومجرد من ثيابه باستثناء ملابسه الداخلية- كتوثيق آخر للانتهاكات المستمرة في القطاع. بشكل خاص لأن الحساب نفسه كان قد نشر قبلها مقطع فيديو للرجل وهو يسير بمرافقة الجند مقيدا لكن سليمًا، مما عنى أن جراحه تسبب بها تعرضه للتعذيب من قِبل آسريه.

حتى الرئاسة الأمريكية وجدتها -كما تجد «أحيانا» أمورا تحدث هذه الأيام في غزة- مزعجة للغاية!

أعادت هذه الصورة، وصور أخرى لأسرى فلسطينيين إلى الذاكرة فضيحة أبو غريب. الصور المنشورة للسجناء مثّلت بالطبع أدلة إدانة. الأوضاع المهينة التي ظهروا بها، جعل من يتناقلونها، أو من ينظرون إليها يحسون بالعار وبانقباض القلب. العار قادم من تماهٍ مع الضحية، خصوصا بالنسبة لمن يشتركون مع الضحايا في اللون والملامح، ومن يعتقدون أنه من غير المستبعد أن يكونوا محلهم يوما ما، ما دامت مصائرهم مرتبطة بأهواء أقوياء العالم المتنمرين. لكن العار أيضا قادم من الفرجة. من كون المرء يرى شخصًا ما يُهان، دون أن يدفعه ذلك لأن يتحرك، فيما يُشبه التواطؤ. والمُنكر الذي استعصى تغييره باليد واللسان، يُستنكر بالقلب، ويُصبح أضعف الإيمان أن يعمل جهده لئلا تُدوّر الصور.

حين نُفكر بمنطقية، نعرف أن العار يُفترض أن يلتصق بأولئك الذين يقفون -في الحقيقة- برأس مرفوع، بثقة وفخر في أزيائهم العسكرية الناصعة، حاملين أدوات التعذيب الصقيلة. لكنه لا يفعل. ما يحدث في الواقع هو أن الضحية تُعيّر بالجوع والإنهاك واليتم وقلة الحيلة في المعادلة غير المنصفة للعالم المتهكم. والمراقب المتعاطف، الذي يشعر أن هذه الصور تصرخ في وجهه لأن يفعل شيئا، يبحث عن وسيط يمرر عبره خزيه، هوانه، وانعدام حيلته. فتراه يتبنى مرة خطاب التباكي، من نوع «اعذروا تهاوننا وجبننا»، أو خطاب الأمثلة «يا لكم من أمثلة للبطولة والصمود».

عندما يُشاد بالصمود أو يُشجع على التحلي به من أفراد لا ينتمون للمجموعة التي يقع عليها الظلم -ليس بشكل مباشر على أي حال- ففي هذا إزاحة للمسؤولية من المتفرج إلى الضحية. يطلب المتفرج من الضحية أن تكون صبورة، وأن تتصرف وفق التصور الذي بناه المتفرجون عنها. «الصورة الخالدة للنضال» تتحول بشكل ما عائقًا أمام تغيير ظروف المُنتهكة حقوقهم، إذ إن ردة الفعل (الصمود) متسقة مع الفعل (الاحتلال، القتل، الأسر، التعذيب والإهانة)، ولا يُوجد بعد أي خَرق يستفز المتفرج للتحرك، أو يستلزم تدخله. والتعود على رؤية الضحية في وضع غير إنساني، رؤيتها كجثة، كجسد منتهك، يُرسخ صورة نمطية، تستديم عدم أنسنتها، وتُؤبد معاناتها. فالأم الفلسطينية سوپر-ماما، والطبيبة باسلة، والأسير لا يُمكن تقويضه.

الموت أهون من الإهانة - هذا ما نؤمن به. الجوع شيء يُمكن احتماله - نتخيل، البرد لدرجة ما، أما أن يُنال منك، أما انتهاك حرمة جسدك، فهذا يفوق الاحتمال. خطاب الصمود، خطابٌ يُطالب الآخرين باحتمال ما لا يُحتمل، ويضع عليهم وزرًا جديدا، فهم إن ضعفوا لوهلة، يأكلهم التخييب. ليس أصعب من رؤية طفلة تقول «أنا خايفة»، إلا سماعها تقول «أنا ما أخاف».

لنحتفظ بالفكرة المجردة «الموت أهون من الإهانة» الآن في بالنا، ولنُفكر بالواقعين تحت التعذيب والتهديد والإنهاك. إنهم يُفكرون على الأغلب: حسنًا سأموت وينتهي كل هذا. أو إذا كانت الفكرة أكثر تفاؤلا: سينتهي هذا، سأنجو، ويكون كأنه لم يحصل أبدا (لا أظن -بعد كل ما رأيناه ونراه يحدث ويشتد شراسة- أن فكرة القصاص تخطر ببالهم حتى). أقول إن المتعرضين للإهانة يُفكرون بهذا، دون أن يُدركوا على الأغلب أن ثمة متفرجا على تجربته، أن ثمة تذكارا وحشيا سيبقى حيّا إلى الأبد (أعني الصورة الملتقطة)، أن أمهاتهم -إن كان قد بقي لهم أمهات وأُخوة- سيتعرفن عليهم، فقط لتُفطر قلوبهن.

مع هذا، ثمة فارق في الصورة التي نتحدث عنها اليوم، مقارنة بصور أبو غريب مثلا. إذ لا ملمح لهذا العار (الذي قُلنا أنه لا يخضع للمنطق). إن ملامحه -على العكس- مرتاحة، وفي حين أن تأملات المتفرجين على صور أبو غريب لا تذهب أبعد من «أرجو ألا أكون مكان الضحايا»، تفتح هذه الصورة أُفقًا جديدا «لا أُريد أن أكون محلّه، لكني إذا ما حدث وكنت، فأُريد أن أكون مثله»، فتُغيّب الخيالات الجديدة الانفعال التلقائي، فلا يرى المتفرجون فيه بعد جسدًا مُهانًا، ويمضون متغنين بالصمود الذي لم يروا مثله.

لنا بالطبع أن نتأمل في أخلاقيات ذلك، لكن هذا يقع خارج إطار اهتمام هذا المقال. ما حاولتُ رصده هو فرادة هذه الصورة، والاستثناء الذي تصنعه بالرغم من تشككي الدائم -بشكل عام- حول خطاب الصمود.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

لم ينوي بيع المنزل الخاص به.. أسرة الضحية الثالثة لسفاح الإسكندرية تكشف و وقائع جديدة في القضية

مازلنا نكشف كل ماهو جديد من مفاجآت التي تتعلق بالقضية التي لاقت اهتماماً واسعاً من قبل الرأي العام، والمعروفة إعلامياً بقضية سفاح الإسكندرية حيث كشفت أسرة محمد إبراهيم عدس، الضحية الثالثة للمتهم نصر الدين السيد إسماعيل، تفاصيل جديدة في واقعة اختفائه منذ 3 سنوات وعن بيع منزله من عدمه.

و من جانبها قالت دينا جمال إبنة شقيقة المهندس أن جميع الأدلة الجديدة توضح تورط المتهم الجديد و هو رجل الأعمال و صاحب معرض السيارات في القضية بالتعاون مع السفاح في واقعة خالها موضحه أن خالها لم يكن ينوي بيع المنزل الذي جرى استدراجه من خلاله، بل إن السفاح قد أغره بسيارة جديدة.

واكدت في تصريحات خاصة لموقع الأسبوع بأن خالها لم يعرض منزله للبيع و أن الأمر يتعلق بإقناع نصر الدين له ببيع المنزل بمبلغ مبالغ فيه يتجاوز قيمته الحقيقية، حيث تم التفاوض على استبدال السيارة بسيارة أخرى مشيراه إلى أن خالها بدأ يشعر بالقلق والريبة نتيجة إصرار المحامي على إقناعه ببيع المنزل، مما أثار لديه مخاوف من الاحتيال.

و أشارت شقيقة المجني عليه في حديثها للأسبوع أن شقيقي رغم تعرضه للإغراءات، وافق على الالتقاء به أكثر من مرة وقد شعر نوعاً ما بالأمان خلال هذه اللقاءات مع المحامي، حتى أنه قرر الذهاب لإنهاء إجراءات شراء المنزل في اللقاء الأخير. ومنذ ذلك الحين، لم يعد من يوم إختفئه منذ أكثر من ثلاث سنوات، ومعه السيارة التي كانت من نوع جيلي أم جراند.

طالبت شقيقة المجني عليه كافة الجهات الأمنية بضرورة القصاص لشقيقها الذي كان يتمتع بخلوقه العالية، وكان محط محبة جميع من عرفه مشيره أن المحامي قد استغل ثقة شقيقها وأوهمه بأنه سيتزوج من امرأة أوكرانية، ثم ضغط عليه لتقديم معلومات مضللة لنا حول سفره إلى شرم الشيخ وقد قدم لنا تسجيلاً صوتياً يفيد بذلك، ثم اختفى بعد ذلك وقد قمنا بتقديم بلاغ بخصوص اختفائه، حتى تبيّن لنا أن نصر هو القاتل، وتأكدنا من ضلوعه في جريمة قتله.

وكانت الأجهزة الأمنية قد ألقت القبض على رجل أعمال يُدعى “بسيوني.ح”، مالك معرض سيارات بالإسكندرية، بتهمة الاشتراك مع “نصر الدين.أ”، المعروف إعلاميًا بـ"سفاح الإسكندرية"، في عدد من الجرائم.

صرحت مصادر مطلعة على سير التحقيقات بأن الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على رجل الأعمال بعد الاشتباه في علاقته الوثيقة بالمتهم الرئيسي يُعتبر هذا الرجل من الأشخاص الذين أسهموا في استقباله عند وصوله إلى الإسكندرية، و قد كان مقرباً منه خلال الفترة الماضية و ظهر معه في أكثر من للقاء آخرهم كان في أحدي المقاهي و هم يتناولون الطعام بصحبة آخرين كما أوضحت المعلومات أن التحقيقات قد كشفت عن تورط رجل الأعمال في عدة قضايا، من بينها قضايا نصب واحتيال واستيلاء على أموال المواطنين، بالتعاون مع المتهم الرئيسي.

ويذكر أن الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الإسكندرية، تلقت بلاغاً من قسم شرطة منتزة ثان يوم 8 فبراير من الشهر الجاري من أحد الساكن بمنطقة معمورة البلد بسماع مشاجرة بين المتهم و7 آخرين من بينهم سيدتين.

و علي الفور انتقلت قوات الأمن الي مكان البلاغ كشفت بقيام المتهم نصر الدين السيد اسماعيل و يعمل محامي، باستئجار شقة بالطابق الأرضى بمنطقة المعمورة البلد، لتكون مقرا له ومقابلة موكليه، إلا أن تلك الشقة اتخذها لملذاته وعلاقاته النسائية، وتعرف على المجنى عليها الأولى وتزوجها عرفيا، وبعد أن نشبت بينهما خلافات قرر التخلص منها، ووضع جثمانها داخل أكياس المشمع ولفها بمادة لاصقة بطريقة محكمة حتى لا تفوح رائحة المجنى عليها من تلك الأكياس، وأن تركها لمدة شهور داخل صندوق.

وعقب ارتكاب المتهم الواقعة الثانية وقتل المجنى عليها الثانية إحدى الموكلين، وخلاف على مبالغ مالية قرر التخلص منها ودفنها مع المجنى عليها الثانية، وقام بحفر داخل منتصف إحدى غرف الشقة محل الواقعة، حتى اكتشاف الواقعة، كما عثرت الأجهزة الأمنية فى الإسكندرية على جثمان رجل داخل شقة بشارع 45 منطقة العصافرة شرق المحافظة، يشتبه أن يكون ثالث ضحايا المتهم بقتل سيدتين والمعروف بـ سفاح المعمورة فى الإسكندرية.

وقد قرر قاضى التجديد الوقتى بمحكمة جنح المنتزه الجزئية فى الإسكندرية، تجديد حبس المحامى لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيقات فى واقعة العثور على جثتى سيدتين مدفونتين بأرضية شقة يستأجرها فى منطقة المعمورة البلد وجثة أخرى لرجل متغيب منذ 3 سنوات من دائرة قسم رمل ثان.

و مازالت التحقيقات مستمرة مع المتهم وعدد من الأطراف الأخرى المرتبطة بالقضية، مع توقعات بظهور مفاجآت جديدة قد تكشف عن أبعاد أوسع للجرائم التي تم ارتكابها.

مقالات مشابهة

  • شهيد الإسلام والإنسانية.. فصل جديد من الصمود والتحدي
  • تراجع ترامب عن خطاب التهجير.. ما الذي حدث؟
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • بعدما نعاها محمد بن راشد.. من هي هالة الميداني التي أحبها الجميع في دبي؟
  • تفاصيل جديدة تكشفها أسرة الضحية الثالثة لسفاح الإسكندرية بعد العثور على سيارته التي كان يمتلكها
  • سايحي: مجهودات الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج
  • مبادرة «أيادي مصر» تدعم إعمار قطاع غزة: «دايما في ضهرهم»
  • رغم تبرئة الأمن الأردني لزوج آية عادل.. صديقات الضحية: “ظهر في الفيديو.. واتحرمنا من ابتسامتها”
  • صحفي يمني يروي تفاصيل ثمان سنوات من التعذيب في سجن الحوثيين
  • لم ينوي بيع المنزل الخاص به.. أسرة الضحية الثالثة لسفاح الإسكندرية تكشف و وقائع جديدة في القضية