لجريدة عمان:
2025-02-01@19:57:57 GMT

دولـةُ الاحـتـلال وحصـاد الخيـبـة

تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT

قـد يكـون من المبكّـر أن يخـوض المرء في بحـث نـتـائـج الحـرب الصّـهـيـونيّـة على غـزّة، أو حتّى أن يـتوقّـع كيف يمكن أن تكون نهايتُـها؛ إذ ما مـن شيء في السّـياق العامّ الجاري يُـنْبِـئ - حـقّـا - بنهايـةٍ وشيكـة للـقـتال، أو بإمـكان رؤيـة المـؤشّـرات الـدّالـة عليها في الأفـق القريب. وراء استـصعـاب هـذا الإمكـان جملةٌ من الأسباب؛ تـبدأ بـرغبـة قـادة دولة الاحتـلال في إطالة أمـد الحرب سعيـا إلى تحـقيق انـتصـارٍ يكـرّسـهم في معادلـتهم السّـياسيّـة الـدّاخليّـة، أو يـمـدِّد إقـامتهم في السّلطـة هـربا من المساءلـة القـضائيّـة عـن الفساد (نـتانياهو).

.. من دون أن تـنـتهي برغبـة الإدارة الأمريكـيّـة في المزيد من إضـعاف «حمـاس»، عـسكريّـا وسياسـيّـا، لمنعها من إعـادة بنـاء قـواها وبسـط سيطرتها على قطـاع غـزّة. والحـقُّ أنّ القارئ في معطيـات هـذه الحـرب لا يمنـع نفسَـه من الانْـذهـال من مفارقـةٍ حادّة في مـوقـف قـادة دولة الاحتلال وقـادة البيت الأبيض والبـنـتاجون من هـذه المسألة بالـذّات (استـمرار الحرب)؛ ذلك أنّ رفْـع العقيـرة بالقـول إنّ الحـرب ستستمر، وستـنتـقل جنوبا إلى رفح، لا يتـناسب وما يـلقـاهُ العـدوان الصّـهـيـونيّ على غـزّة من تـعـثُّـرٍ وفـشل، وما تـتعـرّض له قـواهُ مـن استـنـزافٍ يـوميّ على أيـدي رجال المقاومة. إنّ الأمر ليكـاد يبـدو -أمام هذه المفارقـة الصّـارخة في السّـلوك السّـياسيّ لِـ «إسرائـيل» وأمريكا- وكـأنّـه تعبيـرٌ عـن مكابـرةٍ سياسيّـة أكـثر ممّا هـو موقـفٌ مبـنيّ على إصرارٍ محسوب على تحـقيـق هـدفٍ محسـوبٍ يـقع في دائـرة الممكّـنـات!

مع ذلك، يمـكن تبـيُّـن الكـثير من النّـتائج الأوليّـة من مـواجهـةٍ عسكـريّـة مـفتوحـة في غـزّة منذ أربعـة أشهـر ونصفِ الشّـهـر، وبنـاء استـنـتاجات عليها (في حـدود المعطيات التي تقـود إليها). يـعْـنيـنا من كـلّ تلك الاستـنـتاجات -وهي كـثيـرة- أَرْأَسُـها جميعُـها؛ وهـو فـشل دولـةِ الاحتـلال وجيـشِـها في الحـرب على غـزّة وعلى المقاومة فيها. والفـشل، في معايير العلم العسكريّ، يرقى إلى مرتبة الهزيمة إنْ كان ميزانُ القـوى بين المعـتـدي والمعـتـدَى عليه مخْـتـلا استراتيـجيّـًا لفائدة الأوّل، كما هو مختـلُّ التّـوازنُ بين جيش الاحتلال وفصائـل المقاومة في غـزّة. ومعلومٌ أنّ مقياس النّجاح أو الفـشل في أيّ حـرب هو مقدارُ ما تحقَّـق أو ما لم يتحقّـق من أهـدافٍ معلَنة من أجلها خيـضتِ الحـربُ، وعُـبِّـئ لها الجيشُ، ورُسِـمَـتْ لها الخُططُ، وهُـيِّـئـتْ لها الموارد. وهكذا كلّـما طابـقتِ النّـتائـجُ المتحقّـقةُ الأهـدافَ المتوخّـاة عُـدّتِ الحـربُ إنجـازًا ناجـحًا؛ أمّـا حين يتّـسع خـرْقُ الفجـوة بينهما فـتأتـي النّـتائـجُ دون الأهـداف المرتجـاة لا يَصِـحّ وصـفٌ لها -عـنـدها- سـوى وصـف الفـشـل.

هـذا عيْـنُ ما لقـيَـهُ العـدوان الصّـهيـونيّ على غـزّة من فـشلٍ لا سابق له في الحـدّة في الحروب التي خاضتها دولةُ الاغتصاب منذ قـيامها على أرض فـلسطين. وما مـن شـكٍّ لـدينا في أنّـه فـشلٌ نجـم من عـوامـل متـعـدّدة، من قبيـل سوء تـقـدير دولةِ الاحتلال وأجـهزتِـها الاستخـباريّـة والعسكريّـة والأمنـيّـة لـقـوّة «حـمـاس» وفصائـل المقاومـة، ولقدرتها على خـوض حـرب طويلة تـمـتـدّ لشهور؛ وهـو -استـطرادا- سوءُ تـقـديـرٍ متـولّـدٌ من نـزعة استـعلاءٍ صهيـونيّ تجاه الشّـعب الفلسطينيّ وقـواهُ الوطنـيّـة؛ أو مـن قـبيل الاطمئـنـان المَـرَضيّ إلى قـدرة العسكريّـة الصّـهيونيّـة على إحداث الرّعـب والرّوع وعلى إنجاز كـلّ ما يُـطـلَب منها. غير أنّ أهـمّ تلك العـوامـل، في نظـري، هو عامـل الفجـوة الكبيرة، التي أوقعـت فيها دولـةُ الاحتلال نفسَـها، بين ما طـرحتْـه لنفسها ولجيشها من أهـدافٍ في هذه الحـرب وقـدْراتها الـذّاتـيّـة المحـدودة على إنجازها! لقد رفعت إلى الأعلى أهـدافها -منذ اليـوم السّابع من أكـتوبر- من غير أن تحسب حساب ما ينـتظرها في حـربٍ ستـكون موسَّـعةً، هذه المـرّة، ولا تـشبه سابـقاتها على غـزّة من حيث الحـدّةُ والضّـراوة.

وَضَـع قـادةُ دولة الاحتلال لجيشـهم أهـدافـا ثلاثة يـنوء بحمْـل أعبائـها الثّـقـيلةِ الوطـأة وذاتِ الكلـفة العالية عليه: تـدميـرُ حركـة «حماس» عسـكريّـا وإنهاءُ سلطتها في غـزّة وقدرتِها على حكم القطاع مستـقبـلا؛ استعادة أسراهُ من غـزّة بالقـوّة العسكريّـة؛ السّـيطـرة على غـزّة بعـد الحـرب: إمّـا مباشرةً أو عبر سلطة متـعاونة لمنْـع المقاومة من تهديد أمن الاحتلال من قطاع غـزّة. إذا ما تـركنا هذا الهـدف الثّـالث، جـانبـا، لعـدم الاتّـفاق على صيـغـتـه (حيث الخـلاف يدور، داخل الكيـان، بين مَـن يُـطالب بالسّـيطرة الأمنيّـة المباشرة، التي تعني إعادة احتلاله؛ ومن يدعو إلى السّـيطرة الأمنيّـة من غير احتلال، أي من طريق نهـج طريق الاقـتحامات العسكريّـة على مثـال ما يجري في الضّـفة الغربيّـة؛ ومن يـدعو إلى إقامة سلطة فـلسطينيّـة متعاونة مع الاحتلال لا تكـون فـرعا من سلطة محمـود عبّـاس؛ فيما يدعو فريق رابعٌ إلى إعادة إطلاق الاستـيطان في غـزّة)، فإنّ الهدفين الأوّل والثّاني كانا مـوطـنَ إجماعٍ داخل الكيان. أمّـا إن قـيل إنّ بعـضا من قـادته في مجلس الحرب - غانـتس وأيـزنكـوت - تـفرَّدا بالقـول إنّ الأولـويّـة لاستعادة الأسرى قـبل تدميـر «حماس»، فليس في ذلك نقـضـاً منهما للأهـداف، بل هـو أتى يضع ترتـيبا جديدا يلْحـظ قـوّة الضّغـط الـدّاخليّ الجديدة التي مثّـلها حراك عائـلات الأسرى في كبـرى مـدن فلسطيـن المحتـلّـة، وحاجتهما إلى عـدم البُـدُوّ وكأنّهما مستـعـدّان للتّـضحيّـة بالأسرى من أجل إنقـاذ وجـود الكـيان: على نحو ما أوحت بذلك التّصـريحات المتعاقـبة لنـتانيـاهو، ووزير الحرب ورئـيس أركانها وجوقة المتطرّفين الموتورين من طـراز بن غـفـير وسموتريتـش.

لا واحـد من هـذه الأهـداف الثّـلاثـة تَـحقَّـق بعـد نيّـفٍ وأشهـرٍ أربعة على انطـلاق الحرب. إذا كان الهـدف الثّـالث وقْـفَ التّـحقُّـق على النّجـاح في تحصيل الهـدفيْـن الأوّليـن، فإنّ هـذين امْـتَـنَـعا عن جيش الاحتلال؛ إذْ ما برحت «كتائب عـزّ الـدّين القسّـام» وسواها من تشكيلات المقاومة تقاتـل ببطولةٍ في محاور القـتال كافّـة؛ وما زالت المناطق التي أعلن جيش الاحتلال عن إنجاز مهمّـاته فيها - في شمال القطاع ووسطِـه - مسرحا لـقـتالٍ يعود بها إلى لحظة الاشتباك الأولى قبل أشهر. أمّا أسرى الاحتلال فلا يعودون إلى ذويهم بـ «التّحرير العسكريّ»، بل بالتّـفاوض مع المقاومـة، وبشروطها. فأيّ نجاح هو، إذن، ذلك النّجـاح الذي حصدتْـه دولة الاحتلال من خيبتها المُـرّة في غـزّة في أن تـنجـز أيّ شيء؟

ليس الجيش المهـزوم في حـربٍ هـو الجيشُ المنكسـر المستسلم لعـدوّه، بل هو الذي لا يستطيع أن يحقّـق الأهداف التي وضعها لحربـه. بهذا المعنى، يكون المنـتصر في الحرب هو من أسقط أهـداف عـدوّه... أو هو شيءٌ بهـذه المثابـة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العسکری ـة على غـز ة غـز ة من فی غـز ة

إقرأ أيضاً:

سفير الصين لدى الاحتلال يكشف أوجه التوافق والاختلاف معه في المجالات كافة

مع مرور 33 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولة الاحتلال والصين، يرصد العديد من الخبراء ما يعدونها نموّا مطّردا في علاقاتهما، رغم المخاوف الأمريكية منها، والتقارب الصيني مع الدول العربية، الأمر الذي يشكل فرصة لتسليط الضوء على أبرز محاور هذه العلاقات وأثرها، من منظور استراتيجي وطويل الأمد على الطرفين. 

شياو جيون تشنغ، السفير الصيني لدى دولة الاحتلال، ذكر أنه "في 24 كانون الثاني، يناير 1992، أقامت بكين وتل أبيب علاقات دبلوماسية على مستوى السفراء، مما فتح فصلا جديدا في تاريخ علاقاتهما الثنائية، وفي آذار/ مارس 2017، أعلنتا عن إقامة شراكة ابتكارية شاملة، مما يمثل معلما تاريخيا جديدا في العلاقات الثنائية، وعلى مدى السنوات الـ33 الماضية، شهدت صعودا وهبوطا". 

وأضاف في مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، وترجمته "عربي21"، أن "الصين أصبحت اليوم أكبر شريك تجاري لدولة الاحتلال في آسيا، وثاني أكبر شريك تجاري في العالم، فضلا عن كونها أكبر مصدر للسلع المستوردة إليها، حيث تحظى السيارات الكهربائية المصنوعة في الصين برواج كبير لدى الإسرائيليين، وتمثل ما يقرب من 70 في المائة من سوقهم المحلية". 

إظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أن "التعاون في مجال الابتكار في العلاقات الصينية الإسرائيلية، يزداد مع مرور الوقت، حيث يوجد 300 شركة إسرائيلية ومشاريع مشتركة صينية إسرائيلية، و60 مشروعا للتعاون التكنولوجي الثنائي، إضافة لعشرات الخبراء الإسرائيليين، وهناك 208 شركات صينية إسرائيلية في مجموعة متنوعة من القطاعات، مع 867 حق ملكية فكرية من أنواع مختلفة يتم استخدامها، مما يخلق مجموعة صناعية في مجالات الصحة الطبية والذكاء الاصطناعي والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات".  

ولفت إلى أن "التحديات التي تواجه العلاقات الثنائية بين بكين وتل أبيب تتمثل في التغيرات الإقليمية، وكيفية التعامل معها، فمنذ أكتوبر 2023، واجه تطور علاقاتهما تحديات معينة، ويرجع ذلك أساسا للصراعات الإقليمية المستمرة، ورغم اندلاع حرب غزة، فقد اختار 20 ألف عامل صيني البقاء في وظائفهم في دولة الاحتلال، فيما تواصل شركة "هاينان" للطيران تسيير رحلات مباشرة بينهما، وتخطط لزيادة وتيرتها".  

وأكد أن "دولة الاحتلال تشهد العديد من مشاريع البنية الأساسية التي بنتها وتديرها شركات صينية، أهمها ميناء حيفا الجديد، مما خلق العديد من الوظائف المحلية، ويشكل الإسرائيليون أكثر من 80 في المائة من موظفي المشاريع الصينية، بجانب مشروع القطار الخفيف، الأول من نوعه في تل أبيب، ويعمل بشكل آمن منذ 500 يوم، وخلال هذه الفترة، ارتفع معدل استخدام وسائل النقل العام خلال ساعات الذروة في تل أبيب من 25% إلى 40%، وتم تقليص وقت السفر بنحو 10%". 

وأوضح أنه "منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، نشأ سوء الفهم في الرأي العام الإسرائيلي فيما يتصل بسياسة الصين في الشرق الأوسط، ومزاعم بتصاعد معاداة السامية في الصين، رغم وجود وجهات نظر مختلفة بشأن القضية الفلسطينية، وقد التقى المبعوث الصيني لشؤون الشرق الأوسط، جيه جون، بعائلات المختطفين". 

إظهار أخبار متعلقة


وكشف أنه "خلال الحرب العالمية الثانية، كانت المدن الصينية بما فيها هاربين وشانغهاي وتيانجين وهونج كونج ملاذا آمنا للاجئين اليهود، ويوثق متحف شنغهاي حياة 20 ألف لاجئ يهودي فروا إليها خلال الحرب، زاره عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو". 

وأشار إلى أن "بكين وتل أبيب تسعيان لتعميق التعاون في المستقبل، حيث اقترح الرئيس شي جين بينج في 2013 مبادرة الحزام والطريق، وعلى مدى العقد الماضي، عززت المبادرة التكامل الاقتصادي والترابط التنموي والمنافع المشتركة بينهما، مما مهد الطريق للازدهار والتنمية وتحقيق نتائج مربحة للجميع في الأوقات المتغيرة والمضطربة، وخلقت مستقبلا واعدا للتعاون الثنائي والثلاثي والمتعدد الأطراف بين الصين وإسرائيل ودول أخرى". 

وأكد أن "الصين تمتلك سوقا استهلاكية ضخمة ونظامًا صناعيًا كاملا، فيما تحوز دولة الاحتلال التكنولوجيا المتقدمة والأساسية، مما يزيد من ضمان استمرار التعاون عالي الجودة في إطار الحزام والطريق لفترة طويلة". 

مقالات مشابهة

  • ما هي وحدة نيلي التي تأسست بعد 7 أكتوبر.. تفاخرت بإنجازات كاذبة
  • زراعة 2000 فدان بالأقطان قصيرة التيلة وحصاد نصف المحصول بـ شرق العوينات
  • صور.. إعلام أمريكي: رعب في إسرائيل من قوة تسليح الجيش المصري
  • «فتح» تشدد على ضرورة دعم الدول العربية للموقف المصري الرافض للتهجير
  • مجموعة لاهاي.. 9 دول تشكل تكتلا لدعم إقامة دولة فلسطينية
  • أبرز المساجد والكنائس التي دمرها الاحتلال في غزة
  • أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
  • قوانين «الاحتلال الإسرائيلي» تعرقل عملية إعادة إعمار قطاع غزة
  • سفير الصين لدى الاحتلال يكشف أوجه التوافق والاختلاف معه في المجالات كافة
  • 4% فقط من الإسرائيليين يعتقدون أن دولة الاحتلال حققت أهداف الحرب على غزة