لجريدة عمان:
2024-07-04@15:32:17 GMT

دولـةُ الاحـتـلال وحصـاد الخيـبـة

تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT

قـد يكـون من المبكّـر أن يخـوض المرء في بحـث نـتـائـج الحـرب الصّـهـيـونيّـة على غـزّة، أو حتّى أن يـتوقّـع كيف يمكن أن تكون نهايتُـها؛ إذ ما مـن شيء في السّـياق العامّ الجاري يُـنْبِـئ - حـقّـا - بنهايـةٍ وشيكـة للـقـتال، أو بإمـكان رؤيـة المـؤشّـرات الـدّالـة عليها في الأفـق القريب. وراء استـصعـاب هـذا الإمكـان جملةٌ من الأسباب؛ تـبدأ بـرغبـة قـادة دولة الاحتـلال في إطالة أمـد الحرب سعيـا إلى تحـقيق انـتصـارٍ يكـرّسـهم في معادلـتهم السّـياسيّـة الـدّاخليّـة، أو يـمـدِّد إقـامتهم في السّلطـة هـربا من المساءلـة القـضائيّـة عـن الفساد (نـتانياهو).

.. من دون أن تـنـتهي برغبـة الإدارة الأمريكـيّـة في المزيد من إضـعاف «حمـاس»، عـسكريّـا وسياسـيّـا، لمنعها من إعـادة بنـاء قـواها وبسـط سيطرتها على قطـاع غـزّة. والحـقُّ أنّ القارئ في معطيـات هـذه الحـرب لا يمنـع نفسَـه من الانْـذهـال من مفارقـةٍ حادّة في مـوقـف قـادة دولة الاحتلال وقـادة البيت الأبيض والبـنـتاجون من هـذه المسألة بالـذّات (استـمرار الحرب)؛ ذلك أنّ رفْـع العقيـرة بالقـول إنّ الحـرب ستستمر، وستـنتـقل جنوبا إلى رفح، لا يتـناسب وما يـلقـاهُ العـدوان الصّـهـيـونيّ على غـزّة من تـعـثُّـرٍ وفـشل، وما تـتعـرّض له قـواهُ مـن استـنـزافٍ يـوميّ على أيـدي رجال المقاومة. إنّ الأمر ليكـاد يبـدو -أمام هذه المفارقـة الصّـارخة في السّـلوك السّـياسيّ لِـ «إسرائـيل» وأمريكا- وكـأنّـه تعبيـرٌ عـن مكابـرةٍ سياسيّـة أكـثر ممّا هـو موقـفٌ مبـنيّ على إصرارٍ محسوب على تحـقيـق هـدفٍ محسـوبٍ يـقع في دائـرة الممكّـنـات!

مع ذلك، يمـكن تبـيُّـن الكـثير من النّـتائج الأوليّـة من مـواجهـةٍ عسكـريّـة مـفتوحـة في غـزّة منذ أربعـة أشهـر ونصفِ الشّـهـر، وبنـاء استـنـتاجات عليها (في حـدود المعطيات التي تقـود إليها). يـعْـنيـنا من كـلّ تلك الاستـنـتاجات -وهي كـثيـرة- أَرْأَسُـها جميعُـها؛ وهـو فـشل دولـةِ الاحتـلال وجيـشِـها في الحـرب على غـزّة وعلى المقاومة فيها. والفـشل، في معايير العلم العسكريّ، يرقى إلى مرتبة الهزيمة إنْ كان ميزانُ القـوى بين المعـتـدي والمعـتـدَى عليه مخْـتـلا استراتيـجيّـًا لفائدة الأوّل، كما هو مختـلُّ التّـوازنُ بين جيش الاحتلال وفصائـل المقاومة في غـزّة. ومعلومٌ أنّ مقياس النّجاح أو الفـشل في أيّ حـرب هو مقدارُ ما تحقَّـق أو ما لم يتحقّـق من أهـدافٍ معلَنة من أجلها خيـضتِ الحـربُ، وعُـبِّـئ لها الجيشُ، ورُسِـمَـتْ لها الخُططُ، وهُـيِّـئـتْ لها الموارد. وهكذا كلّـما طابـقتِ النّـتائـجُ المتحقّـقةُ الأهـدافَ المتوخّـاة عُـدّتِ الحـربُ إنجـازًا ناجـحًا؛ أمّـا حين يتّـسع خـرْقُ الفجـوة بينهما فـتأتـي النّـتائـجُ دون الأهـداف المرتجـاة لا يَصِـحّ وصـفٌ لها -عـنـدها- سـوى وصـف الفـشـل.

هـذا عيْـنُ ما لقـيَـهُ العـدوان الصّـهيـونيّ على غـزّة من فـشلٍ لا سابق له في الحـدّة في الحروب التي خاضتها دولةُ الاغتصاب منذ قـيامها على أرض فـلسطين. وما مـن شـكٍّ لـدينا في أنّـه فـشلٌ نجـم من عـوامـل متـعـدّدة، من قبيـل سوء تـقـدير دولةِ الاحتلال وأجـهزتِـها الاستخـباريّـة والعسكريّـة والأمنـيّـة لـقـوّة «حـمـاس» وفصائـل المقاومـة، ولقدرتها على خـوض حـرب طويلة تـمـتـدّ لشهور؛ وهـو -استـطرادا- سوءُ تـقـديـرٍ متـولّـدٌ من نـزعة استـعلاءٍ صهيـونيّ تجاه الشّـعب الفلسطينيّ وقـواهُ الوطنـيّـة؛ أو مـن قـبيل الاطمئـنـان المَـرَضيّ إلى قـدرة العسكريّـة الصّـهيونيّـة على إحداث الرّعـب والرّوع وعلى إنجاز كـلّ ما يُـطـلَب منها. غير أنّ أهـمّ تلك العـوامـل، في نظـري، هو عامـل الفجـوة الكبيرة، التي أوقعـت فيها دولـةُ الاحتلال نفسَـها، بين ما طـرحتْـه لنفسها ولجيشها من أهـدافٍ في هذه الحـرب وقـدْراتها الـذّاتـيّـة المحـدودة على إنجازها! لقد رفعت إلى الأعلى أهـدافها -منذ اليـوم السّابع من أكـتوبر- من غير أن تحسب حساب ما ينـتظرها في حـربٍ ستـكون موسَّـعةً، هذه المـرّة، ولا تـشبه سابـقاتها على غـزّة من حيث الحـدّةُ والضّـراوة.

وَضَـع قـادةُ دولة الاحتلال لجيشـهم أهـدافـا ثلاثة يـنوء بحمْـل أعبائـها الثّـقـيلةِ الوطـأة وذاتِ الكلـفة العالية عليه: تـدميـرُ حركـة «حماس» عسـكريّـا وإنهاءُ سلطتها في غـزّة وقدرتِها على حكم القطاع مستـقبـلا؛ استعادة أسراهُ من غـزّة بالقـوّة العسكريّـة؛ السّـيطـرة على غـزّة بعـد الحـرب: إمّـا مباشرةً أو عبر سلطة متـعاونة لمنْـع المقاومة من تهديد أمن الاحتلال من قطاع غـزّة. إذا ما تـركنا هذا الهـدف الثّـالث، جـانبـا، لعـدم الاتّـفاق على صيـغـتـه (حيث الخـلاف يدور، داخل الكيـان، بين مَـن يُـطالب بالسّـيطرة الأمنيّـة المباشرة، التي تعني إعادة احتلاله؛ ومن يدعو إلى السّـيطرة الأمنيّـة من غير احتلال، أي من طريق نهـج طريق الاقـتحامات العسكريّـة على مثـال ما يجري في الضّـفة الغربيّـة؛ ومن يـدعو إلى إقامة سلطة فـلسطينيّـة متعاونة مع الاحتلال لا تكـون فـرعا من سلطة محمـود عبّـاس؛ فيما يدعو فريق رابعٌ إلى إعادة إطلاق الاستـيطان في غـزّة)، فإنّ الهدفين الأوّل والثّاني كانا مـوطـنَ إجماعٍ داخل الكيان. أمّـا إن قـيل إنّ بعـضا من قـادته في مجلس الحرب - غانـتس وأيـزنكـوت - تـفرَّدا بالقـول إنّ الأولـويّـة لاستعادة الأسرى قـبل تدميـر «حماس»، فليس في ذلك نقـضـاً منهما للأهـداف، بل هـو أتى يضع ترتـيبا جديدا يلْحـظ قـوّة الضّغـط الـدّاخليّ الجديدة التي مثّـلها حراك عائـلات الأسرى في كبـرى مـدن فلسطيـن المحتـلّـة، وحاجتهما إلى عـدم البُـدُوّ وكأنّهما مستـعـدّان للتّـضحيّـة بالأسرى من أجل إنقـاذ وجـود الكـيان: على نحو ما أوحت بذلك التّصـريحات المتعاقـبة لنـتانيـاهو، ووزير الحرب ورئـيس أركانها وجوقة المتطرّفين الموتورين من طـراز بن غـفـير وسموتريتـش.

لا واحـد من هـذه الأهـداف الثّـلاثـة تَـحقَّـق بعـد نيّـفٍ وأشهـرٍ أربعة على انطـلاق الحرب. إذا كان الهـدف الثّـالث وقْـفَ التّـحقُّـق على النّجـاح في تحصيل الهـدفيْـن الأوّليـن، فإنّ هـذين امْـتَـنَـعا عن جيش الاحتلال؛ إذْ ما برحت «كتائب عـزّ الـدّين القسّـام» وسواها من تشكيلات المقاومة تقاتـل ببطولةٍ في محاور القـتال كافّـة؛ وما زالت المناطق التي أعلن جيش الاحتلال عن إنجاز مهمّـاته فيها - في شمال القطاع ووسطِـه - مسرحا لـقـتالٍ يعود بها إلى لحظة الاشتباك الأولى قبل أشهر. أمّا أسرى الاحتلال فلا يعودون إلى ذويهم بـ «التّحرير العسكريّ»، بل بالتّـفاوض مع المقاومـة، وبشروطها. فأيّ نجاح هو، إذن، ذلك النّجـاح الذي حصدتْـه دولة الاحتلال من خيبتها المُـرّة في غـزّة في أن تـنجـز أيّ شيء؟

ليس الجيش المهـزوم في حـربٍ هـو الجيشُ المنكسـر المستسلم لعـدوّه، بل هو الذي لا يستطيع أن يحقّـق الأهداف التي وضعها لحربـه. بهذا المعنى، يكون المنـتصر في الحرب هو من أسقط أهـداف عـدوّه... أو هو شيءٌ بهـذه المثابـة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العسکری ـة على غـز ة غـز ة من فی غـز ة

إقرأ أيضاً:

الكويت تؤكد تواجدها الدائم والأبدي بالصفوف الأولى لمناصرة القضية الفلسطينية

أكدت دولة الكويت تواجدها الدائم والأبدي في الصفوف الأولى لمناصرة القضية الفلسطينية حتى ينال الشعب الفلسطيني كامل حقوقه وعدم توانيها عن مد يد العون له والاستمرار بدعمه في ظل ما يتعرض له من ظلم وعدوان من الاحتلال الإسرائيلي.

 

وأكدت مساعد وزير الخارجية الكويتي لشؤون حقوق الإنسان السفيرة الشيخة جواهر إبراهيم الدعيج الصباح - خلال الدورة العادية الـ23 للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان لمنظمة التعاون الإسلامي وحول (حكم محكمة العدل الدولية الخاصة بشأن غزة) وذلك بمقر المنظمة في جدة ووفقًا لوكالة الأنباء الكويتية اليوم الاثنين - على مواقف أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح وشعب الكويت، مبينة أن دولة الكويت رحبت "بشدة" بقرار محكمة العدل الدولية الأخير الذي يأمر الاحتلال الإسرائيلي بالإيقاف الفوري لعملياته العسكرية في مدينة (رفح) الفلسطينية.

 

وشددت على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (2720) والسماح بايصال المساعدات الإنسانية بطريقة آمنة دون عوائق وتهيئة الظروف اللازمة لإيقاف إطلاق النار في غزة مضيفة ان هذا القرار جاء ليؤكد أن العالم يشهد "فاجعة إنسانية" في الأراضي الفلسطينية لم يشهد مثلها من قبل.

 

وأشارت الى تقديم دولة الكويت في 27 يوليو 2023 و22 فبراير الماضي مرافعتان خطية وشفهية على التوالي أمام محكمة العدل الدولية في (لاهاي) لإصدار رأيها الاستشاري حول العواقب القانونية الناشئة عن انتهاكات الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة بموجب طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة من المحكمة.

 

ولفتت السفيرة إلى ترحيب دولة الكويت بالتأييد المتزايد للاعترافات الرسمية بدولة فلسطين وبالدعم المتعاظم الذي يحظى به مشروع عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، مشيرة إلى تقديمها عبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية حتى ابريل الماضي حوالي 200 مليون دولار تم تخصيصها لتمويل مشروعات حيوية في قطاع غزة.

 

ونوهت إلى مواصلة دولة الكويت دعمها جهود المنظمات الدولية في إطار الأوضاع المأساوية التي تعيشها غزة لاسيما من خلال دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بمبلغ 30 مليون دولار أمريكي للقيام بدورها الإنساني.

 

ولفتت الى إطلاق الكويت جسر جوي بلغ عدد طائراته أكثر من 50 طائرة وتقديمها أكثر من 100 قافلة إغاثية برية وبحرية محملة بمستلزمات إغاثية ومواد إيوائية موضحة ان دولة الكويت استضافت أيضا المؤتمر التاسع للشراكة الفعالة لأجل عمل إنساني أفضل بهدف رصد واقع الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة واقتراح الحلول المثلى لسد تلك الاحتياجات من خلال حشد جهود المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة لإدارة عملية تدخل إنساني فعال في القطاع.

 

وأشارت إلى أهمية النظر في عدد من التوصيات الرامية إلى تعزيز استجابة المجتمع الدولي للكارثة الإنسانية في قطاع غزة ومنها تشجيع دول العالم التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين سرعة اتخاذ هذا القرار لما فيه من مصلحة في نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة.ولفتت السفيرة إلى اهمية السعي لإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي ووزير الدفاع لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فمن الضروري محاسبة كل من ارتكب جرائم "باعتبار أن ذلك هو الطريقة الوحيدة لإيقاف تكرار دورات العنف التي تشمل الاعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني".

 

وناقش المشاركون في الحدث رفيع المستوى الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة معربين عن رفضهم لهذه الاوضاع والعمل على الايقاف الفوري لإطلاق النار وضمان المرور الآمن للمساعدات الكافية لدخول قطاع غزة وإعادة الإعمار وتهيئة المسار الموثوق للسلام العادل والمستدام بما يضمن منح الفلسطينيين الحق في حياة كريمة.

 

وأكد المشاركون في الحدث ضرورة البناء على "الحكم التاريخي" لمحكمة العدل الدولية بشأن غزة وحسن الاستفادة منه بهدف ممارسة أقصى الضغوط الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية الممكنة على الاحتلال الإسرائيلي لايقاف عدوانه غير المسبوق على الشعب الفلسطيني.

 

وانطلقت أعمال الدورة العادية ال23 للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان لمنظمة التعاون الإسلامي يوم أمس الاحد بمقر المنظمة في (جدة) بمشاركة دولة الكويت وستستمر أعمالها حتى الرابع من يوليو الحالي.

ويضم جدول أعمال الدورة حلقات نقاشية عادية ومغلقة لعدد من الموضوعات المختلفة في حين سيصدر التقرير الختامي يوم الخميس المقبل.

مقالات مشابهة

  • أمير قطر: نسعى لإنهاء الحرب في غزة من خلال التفاوض
  • قوى سياسية سودانية تناقش في جنيف مستقبل الإسلاميين والجيش والدعـم السريع
  • كيف حرّض مسؤول أمني إسرائيلي سابق على استهداف قادة حماس بالخارج؟
  • كيف حرّض مسؤول أمني إسرائيلي سابق استهداف قادة حماس بالخارج؟
  • "الجدار والاستيطان": الاحتلال يستولي على مساحات شاسعة من أراضي عقربا بنابلس
  • أردوغان: لغة التهديد الإسرائيلية ضد لبنان تقلقنا بشدة على مستقبل المنطقة
  • لحماية مصالحه السياسية.. هل يجر نتنياهو بايدن لحرب مدمرة مع حزب الله؟
  • تجار الموت.. صادرات الاحتلال من الأسلحة تغذي الصراعات الدموية في العالم
  • أولمرت: إسرائيل ستعاني من ألم لم تشهده مطلقا حال اندلاع حرب مع حزب الله
  • الكويت تؤكد تواجدها الدائم والأبدي بالصفوف الأولى لمناصرة القضية الفلسطينية