برغم ضغط إدارة بايدن، ما من بوادر تذكر على تغيير حكومة نتانياهو من خطتها لتدمير حماس، مهما بلغت تكلفة الموت والدمار في غزة.

والخطر القريب ينصب على مدينة رفح التي تشن إسرائيل فيها غارات جوية كثيفة، وتخطط لهجوم بري كامل. ورفح ومحيطها المباشر يؤويان قرابة مليون ونصف المليون من البشر، وكثير منهم مقيمون في خيام واهية، والطعام والمياه النظيفة نادران والدعم الطبي في حده الأدنى.

وتحذيرًا من هجوم بري وصفه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بـ«المريع، في ضوء احتمال بأن عددًا كبيرًا للغاية من المدنيين، وأغلبهم مرة أخرى من النساء والأطفال، سوف يتعرضون على الأرجح للقتل والإصابة». وفي يوم الاثنين لقي ما لا يقل عن سبعة وستين فلسطينيا مصرعهم في ضربات جوية استهدفت رفح وتزامنت مع مهمة تحرير الرهائن الإسرائيلية.

من الممكن اجتناب مزيد من الأهوال في رفح في حال تدخل الولايات المتحدة. فإسرائيل تعتمد اعتمادا هائلا على الدعم العسكري الأمريكي ولا تستطيع مواصلة الحرب طويلا بغيره. وهذا يثير سؤالين جوهريين: لماذا تصر إسرائيل على مواصلة العملية العسكرية الكفيلة بإلحاق خسائر مروعة بين المدنيين؟ ولماذا لن ينزع جو بايدن القابس الأمريكي؟

السؤال الأول أيسر نسبيا. فهجمة حماس في السابع من أكتوبر هزت المجتمع الإسرائيلي هزة عميقة وهو ما قصدت إليه. وكانت إسرائيل في ما بعد الانتفاضة الثانية ـ بين عامي 2000 و2005 - قد حسبت أنها نالت السيطرة الكاملة على أمنها. لكن في السابع من أكتوبر، وقع الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات الإسرائيلية جميعا في خطأ فادح.

فقد خططت قوات حماس شبه العسكرية للهجوم على مدار شهور كثيرة وتوقعت رد فعل إسرائيلي هائل. وحدث ما توقعته، مسفرا عن أضرار لحقت بمساعي إسرائيل للعمل مع أنظمة الحكم الخليجية وعن دعم هائل للقضية الفلسطينية في سائر الشرق الأوسط وخارجه.

في الوقت نفسه، تقوم في إسرائيل أشد الحكومات صقورية منذ خمسة وسبعين عاما وقوامها تحالف مضطرب يعتمد على ثلاثة أحزاب أصولية. لكن في حال بقاء حماس على نشاطها، من المرجح أن أحزاب اليمين المتطرف سوف تسحب دعمها، وأن بنيامين نتانياهو لن ينجو من ذلك. ورغبة رئيس الوزراء في مواصلة دوره كافية لضمان الاستمرار في الهجوم الإسرائيلي.

وللجيش الإسرائيلي أيضا مصلحة في مواصلة هذه الحرب. ذلك أن إخفاقاته العسكرية نالت من مكانته في الشرق الأوسط كله، وتعلم قيادته أن أفضل سبيل إلى استرداد هذه المكانة هو تحقيق نصر ما. ومشكلة قادة الجيش ونتانياهو هي أن الحرب لا تزال غير مطابقة للخطة. فحصيلة موتى الجيش الإسرائيلي لا تزال بالمئات القليلة، لكن ثمة أكثر من ألف مصاب بإصابة بالغة بين القوات، وأغلب الإصابات تبلغ درجة تغيير الحياة.

وحتى في الوقت الراهن، تعيد حماس بناء وحداتها شبه العسكرية في منطقة شمال غزة التي يزعم الجيش الإسرائيلي منذ شهور أنه مسيطر عليها. في يوم الأحد تردد أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قصفت مواقع عسكرية إسرائيلية في شرق مدينة غزة، في حين أطلقت (حركة المجاهدين الفلسطينية) صواريخ على مواقع إسرائيلية في جنوب شرق المدينة. قد تكون هذه الهجمات أصغر كثيرًا مما كانت عليه في بداية الحرب، لكنها تظهر أن حماس لم تزل أشد مرونة بكثير مما هو متوقع. فحتى في الوقت الراهن، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من التعرف على أغلب شبكة أنفاق حماس، ولم يستطع تحرير أكثر من ثلاثة رهائن من جملة ما يزيد على مائة رهينة متبقين.

في الوقت نفسه، ماذا عن السؤال الآخر: موقف إدارة بايدن؟ قد تكون هناك رسائل متزايدة القوة موجهة إلى نتانياهو للحد من الخسائر الفلسطينية، لكنها لم تجد نفعا. فكأنما الإسرائيليون يعلمون أن بوسعهم تجاهل بايدن دونما عواقب تترتب على ذلك.

من المؤكد أن اللوبي الإسرائيلي شديد القوة في واشنطن، وصلات البنتاجون بإسرائيل عميقة. وقد قويت بشدة عند طلب نصيحة إسرائيل حينما ساءت حرب العراق بشدة في عام 2003، وحتى في الوقت الراهن ثمة قوات أمريكية مقيمة إقامة دائمة في إسرائيل لإدارة منشأة رئيسية للإنذار المبكر بالرادار. وقد ساعدت الولايات المتحدة في إقامة (بلدلة) وهي «بلدة» عربية دائمة للتدريب العسكري. وتدفُّق المعدات إلى إسرائيل في الوقت الراهن هائل الحجم، وعظيم الربح لآلة الصناعة العسكرية الأمريكية.

وجماعة الضغط الإسرائيلية الأساسية أي (لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية آيباك) شديدة الفعالية لكن هنا أيضا منظمات يهودية أمريكية من قبيل جماعة (جيه ستريت) في واشنطن، وهي شديدة السخط على الوجهة التي تمضي إليها الحرب. والغائب حقا من الفهم لموقف بايدن هو المنفعة التي تجنيها إسرائيل من دعم الصهاينة المسيحيين في الولايات المتحدة.

من بين قرابة مائة مليون مسيحي إنجيلي في الولايات المتحدة، ثمة أقلية قوية تتشبث بإيمان بأن إسرائيل جزء جوهري من خطة الرب المسيحي لنهاية الزمان. إذ يعتقد كثيرون أن أرض إسرائيل سوف تشهد المعركة النهائية بين الخير والشر، وأن جزءا من خطة الرب لإسرائيل هو أن تكون دولة يهودية. ومن المرجح أن يصوت المسيحيون الإنجيليون أكثر من غيرهم، والصهاينة المسيحيون أرجح تصويتا للجمهوريين. وهذا وحده لا يبشر بخير لإنهاء الحرب مبكرا، وهو ما يزيد من أهمية أن ينطق حلفاء الولايات المتحدة ببعض الحقيقة في وجه القوة.

وها نحن بدأنا نرى أول الغيث في هذا السبيل. فديفيد كاميرون يقول إن إسرائيل «يجب أن تتوقف لتفكر بجدية» قبل اتخاذ أي إجراء في رفح، وألمح منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تعيد التفكير في المساعدة العسكرية لإسرائيل. لكن لا يزال يلزمنا الكثير، وبسرعة، حتى يتسنى تفادي كارثة أشد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الوقت الراهن

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تشكل فريق عمل لملاحقة "حماس" وداعميها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعلنت وزارة العدل الأمريكية، الإثنين، تشكيل فريق عمل بالشراكة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، للتحقيق في هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023وانتهاكات الحقوق المدنية ومعاداة السامية من قبل أي شخص يدعم الحركة.

ويهدف عمل الفريق إلى "تحقيق العدالة لضحايا الهجوم الإرهابي الذي وقع في 7 أكتوبر 2023 في إسرائيل، ومعالجة التهديد المستمر الذي تشكله حماس والجماعات التابعة لها" كما جاء في بيان للوزارة.

وقالت وزيرة العدل الأمريكية باميلا بوندي إن الفريق سيعزز من عزم الوزارة على تحقيق العدالة للعائلات الذين تحتجز حماس ذويهم ومكافحة معاداة السامية بجميع أشكالها.

وذكرت وزارة العدل في بيان أن الفريق سيركز على استهداف منفذي هجوم السابع من أكتوبر المباشرين الذين كانوا متواجدين على الأرض يوم الهجوم وتوجيه الاتهامات إليهم ومحاكمتهم في الولايات المتحدة.

كما سيتولى الفريق التحقيقات في "أعمال الإرهاب وانتهاكات الحقوق المدنية التي يرتكبها أفراد وكيانات تُقدم الدعم والتمويل لحماس، ووكلائها الإيرانيين، والجهات التابعة لهم، بالإضافة إلى أعمال معاداة السامية التي ترتكبها هذه الجماعات".

وقال تود بلانش نائب وزيرة العدل، إن الوزارة "لن تسمح بعد الآن بالدعم غير القانوني لحماس في الجامعات الأمريكية وأي مكان آخر في الولايات المتحدة".

من جهته قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كاش باتيل، إن تشكيل الفريق يأتي لمواصلة جهود المكتب في التحقيق ومساعدة ضحايا الهجوم بالتعاون مع الشركاء الفيدراليين والدوليين.

وأشار بيان الوزارة إلى أن الفريق سيقوده مدعٍ عام رفيع المستوى لمكافحة الإرهاب من قسم الأمن القومي بوزارة العدل، وعميل خاص رفيع المستوى من مكتب التحقيقات الفيدرالي، ومحلل استخبارات من مكتب التحقيقات الفيدرالي، وجميعهم تحت إشراف مكتب نائب وزيرة العدل.

كما سيضم الفريق "محامين متخصصين من قسم الأمن القومي، وقسم الحقوق المدنية، وقسم غسل الأموال واسترداد الأصول في القسم الجنائي".

كما ذكر البيان أن مكتب التحقيقات الفيدرالي سينسق مع وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات الأخرى بشأن أنشطة الفريق، بالإضافة إلى نظرائهم الأجانب وسيتعاون مع المكتب الوطني الإسرائيلي لمكافحة تمويل الإرهاب.

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل في كل الظروف
  • الحرب الساخنة بين الولايات المتحدة والصين
  • إسرائيل: عودة العمليات العسكرية في غزة تجري بتنسيق كامل مع واشنطن
  • إسرائيل: عودة العمليات العسكرية في غزة تم بالتنسيق الكامل مع واشنطن
  • ليس استعادة الأسرى.. هآرتس تكشف عن هدف العملية العسكرية على غزة!
  • حماس: الولايات المتحدة شريكة في جرائم إسرائيل بغزة
  • أونروا: لجوء إسرائيل إلى القوة العسكرية يزيد معاناة الشعب الفلسطيني
  • عاجل | أكسيوس عن مكتب نتنياهو: إسرائيل استأنفت عملياتها العسكرية ضد حماس في غزة
  • الولايات المتحدة تشكل فريق عمل لملاحقة "حماس" وداعميها
  • إسرائيل تخفي تقارير عن تكلفة الحرب.. كم بلغت حتى نهاية العام الماضي؟