منذ متى بدأ الإنسان بمحاربة الإنسان؟
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
هناك مقولة لعالم الفلك الأمريكي المشهور «كارل ساجان» يقول فيها: «عليك أن تعرف الماضي لكي تفهم الواقع»، وانطلاقًا من مقولته، فهل من الممكن أن نعرف حقًا تاريخ أصل البشر بشكل عميق وواسع لنفهم الأسباب التي تجعلنا كبشر نشن حروبًا وحشيةً ومفزعةً واسعة النطاق ضد أفراد آخرين من نفس الجنس البشري؟!
خلال الشهر الماضي من هذا العام، قدمت أكاديمية «جينيف» دراسة رصدت من خلالها ما لا يقل عن 110 حروب مسلحة على مستوى العالم، وهذه الحروب التي تم رصدها في الدراسة لم تصل بشكل كاف إلى وسائل إعلامية كبيرة ومعروفة، ولكن كل من تلك الحروب على نفس القدر من الوحشية والعنف والقسوة مارسها بشر على بشر آخرين.
من المعروف لدينا أن «الشمبانزي»، الكائن القريب من البشر، يقوم بمناوشات عنيفة على المستوى الضيق الذي يعيش فيه، ويقوم بذلك عادة من أجل الوصول إلى السيطرة على القطيع والطعام، وقد يرد على من يحاول انتهاك سيطرته، ولكن البشر يقودون حروبهم على ذات المنطق ولكن بشكل واسع!
هنا أسأل، هل تتوافق مبادئ الحروب البشرية الجماعية في النطاق الداخلي أو الخارجي مع النظرة «الدارونية» المبنية على العوامل الطبيعية؟ أم تحدث هذه الحروب نتيجة لعملية تنافسية بهدف السيطرة على أقاليم أكبر لنخرج من ضغط العيش وإيجاد فسحة للتجمعات السكانية الكبيرة؟
أعتقد أنه لكي نفهم هذه الأسباب لا بد لنا من أن نعود إلى الوراء في محاولة لنساعد أنفسنا على الإجابة عن هذه التساؤلات.
ومن الممكن أن ترشدنا الدراسات الأثرية على الظروف الأولية التي كانت من مسببات السلوك الحربي في الماضي، ويمكننا من خلال الاستدلال بالماضي التوصل إلى فرضيات قد تُطبق اليوم لنفهم أنفسنا في هذا العالم.
ويقوم العلماء المعنيون بالآثار اليوم بتكثيف الدراسات الأحفورية لاكتشاف أدلة جديدة، وبشكل موازن يجمعون من خلالها الحكايات البشرية، لأنها ترتبط بالنتائج التي يحصلون عليها من خلال أعداد كبيرة من «الأنواع البشرية» التي عاشت قبل عشرات الآلاف من السنين، أي قبل وجود جنسنا البشري المعروف بـ«الإنسان العاقل».
وتوصل العلماء إلى تصنيف أكثر من عشرة أنواع بشرية، وهي منقرضة الآن، عاشت لآلاف السنين، ولكن تلك المجموعات كانت تتقاسم الموارد الطبيعية، بل وتتزاوج من بعضها البعض في أحيان كثيرة، من تلك الأنواع خرجنا نحن البشر الحاليين، حيث تشير الدراسات الجينية إلى ذلك. ما تشير إليه الدراسات لا تعطينا مؤشرا دقيقا كيف عاشت تلك المجموعات القديمة، ولكن هناك مع التطور التكنولوجي وسائل قد تساعد علماء الآثار على إيجاد إجابات على الألغاز الكثيرة حول العلاقات الإنسانية التي ربطت تلك المجموعات البشرية في الماضي البعيد، والتي كانت السبب في وجودنا اليوم على ما نحن عليه الآن، ورغم ذلك لا يزال السجل الأحفوري مشتتًا بشكل كبير، خاصة حينما نتحدث عن مراحل التطور البشري.
قمنا أولا بالنظر إلى «الإنسان الماهر»، وهو الإنسان الذي عاش في فترات طويلة سابقة وأسهم بصناعة أدوات كثيرة من الحجر، وقد ظهر هذا الإنسان قبل حوالي 2.8 مليون سنة في الشرق الإفريقي، وهذا الإنسان يعتبر متحولا بشكل كبير عن سابقه، ولكن الدراسات غير موجودة نسبيا حول كيفية حدوث هذا التحول «التكنولوجي».
وبعد هذه المرحلة أصبحت هذه الأدوات الحجرية القديمة «أولدو وان» متوفرة بشكل كبير منذ ذلك الوقت، بداية بقارة أفريقيا، ثم بدأ ظهورها في «أوراسيا» منذ حوالي 1.8 مليون سنة، وخلال الفترتين قامت الأجناس البشرية بابتكار أدوات حجرية كثيرة، بل وصارت تلك الأدوات جزءا من سلوكهم الطبيعي ونقلوا تلك المهارات إلى أطفالهم وتحولت إلى استراتيجية البقاء على قيد الحياة.
وهذا يعطيني مؤشرًا إيجابيًا واضحًا عن وجود تقدم كبير في التاريخ البشري بل وانتشاره جغرافيا، وإن كان بشكل غير متساوٍ عبر الزمن، وبدأت الكثير من المواقع حول العالم بزيادة إنتاج الأدوات القديمة «أولدو وان»، مما يؤكد وجود تبادل في المهارات بين الإنسان القديم، ويمنح الدراسات الديموغرافية مزيدًا من المعلومات حول «الإنسان الماهر».
في تلك المرحلة كانت صناعة الأدوات الحجرية استراتيجية للتكيف مع الطبيعة، وهي استراتيجية فعالة كثيرا قد سمحت لأنواع «الهومو» البشرية المبكرة مثل «إتش انتيسيسور» و«إتش جييورجيسس» بوضع سياقات متعددة منها محاربة الحيوانات الكبيرة آكلة اللحوم للاستحواذ على طعامها.
وهكذا استخدم البشر الأوائل تلك الأدوات الحجرية للحصول على الغذاء الغني بالبروتين، والاستفادة من أحشاء الحيوانات، وجماجم الحيوانات الكبيرة آكلة الأعشاب، لحماية جماجمهم مركز الطاقة، وقد ظهرت الجماجم كذلك بشكل كبير في الدراسات الأثرية المرتبطة بهذه الأنواع البشرية.
ويُعتقد أن هؤلاء البشر القديمين كانوا يتنافسون فيما بينهم كذلك، ولكن حتى هذه اللحظة -آخذين في الاعتبار أن بقايا الهياكل العظمية في تلك الفترة نادرة للغاية- لم يتم الكشف في السجلات «الأنثروبولوجية» عن أدلة تشير إلى وجود ضحايا العنف البشري بين أفراد «الإنسان الماهر». حتى أن الأدوات التي استخدمها «الإنسان الماهر» المصنوعة من الحجارة لا تشير إلى استخدمها كأسلحة للقتال بين البشر، مع ذلك لا يعني أنهم لم يتقاتلوا فيما بينهم، فعدم وجود الدليل ليس دليلا بحد ذاته، ومن خلال التقديرات الحديثة في علم الحفريات القديمة المدعومة بالمحاكاة الرقمية المتطورة، إضافة إلى المعلومات الجينية الكثيرة التي تشير إلى أن هناك عددا قليلا من البشر في عصر «الإنسان الماهر»، وكانوا أشبه بعشائر موزعة على نطاقات جغرافية بعيدة، تتميز تلك النطاقات بأنها ذات موارد طبيعية، وقد استثمر هؤلاء البشر قدرتهم على التكيف وصناعة الأدوات البسيطة من خلال المزيد من الابتكارات وتكون العلاقات الاجتماعية فيما بين أبناء العشيرة الواحدة، بل وتعاونوا مع بعضهم البعض لمجابهة التحديات الطبيعية والبيئة المتغيرة التي تميز بها بداية «العصر الرباعي» منذ 2.5 مليون سنة تقريبا.
تلك القدرة التي تمتع بها «الإنسان الماهر» صنعت منه كائنًا متميزًا عن غيره وذلك من خلال استخدام عقله في الصناعة، فتميز عن باقي الكائنات، فأصبح الإنسان يملك تكنولوجيا ترتبط به وبحركته وحياته بشكل لا ينفصل عنه وعن التقدم المعرفي والاجتماعي مما ساهم في عملية التكافلية. ولكن قبل حوالي مليون سنة، بدأ «الإنسان الماهر» بالاختفاء تدريجيًا، وحل محله نوع بشري يعرف بـ «الأشوليين»، وهم أكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية، وينسبون علميا إلى «إيريكتوس سينسو لاتو»، وتميز «الأشوليون» بثورات تكنولوجية كبيرة وبدا سلوكهم مثيرًا للاهتمام، هم يندرجون إلى أفريقيا وعاشوا حوالي 1.5 مليون سنة، ومما أبدعوا فيه طريقة إشعال النار واستخدامها، بل وتميزوا بالصناعات الحجرية التي تتطلب مقاسات محددة وتخطيطا دقيقا، فصنعوا أدوات متشابهة بالأحجام بشكل متقن، ومهارات أخرى لم يشهدها «الإنسان الماهر». وهذا يشير إلى وجود التنوع الثقافي على نطاق جغرافي أوسع، وهذا بدوره ساهم في إنشاء أول تقاليد تكنولوجية مرتبطة في الأرض، وهذا الأمر تطلب علاقات اجتماعية متزايدة ليتعلم ذلك المجتمع التقنيات ويتناقلها ويستفيد منها ويطورها، فأصبحت الصناعاتُ ثقافةً، والكفاءاتُ الفنيةُ إبداعًا.
ومع مرور هذه العصور، وزيادة اكتشافات البقع الجغرافية التي يعيشون بها، وكثافة القطع الأثرية التي عثر عليها في كافة أنحاء العصر «الجليدي الأوسط»، كان من النادر جدا الحصول على أدلة تشير إلى وجود ضحايا العنف البشري على البشر، بالتالي لم يتم رصد دليل على وجود هذا العنف حتى الآن!
السؤال، هل كانت الصناعات «الأشولية» مناسبة ولو بعضها في أن تستعمل في الصراعات البشرية؟ وقد أظهرت الدراسات أن هناك أدوات حجرية مبددة عليها نقوش فنية، وهناك رماح حجرية مصنوعة من الخشب وذلك في المراحل اللاحقة من العصر «الأشولي» عُثر عليها في بعض المواقع، فهل كانت تلك الأدوات فقط لأغراض الصيد أم أن لها استخدامات أخرى؟
يمكن القول إن الثقافات تتطور من خلال عملية أُفَضِّلُ أن أطلق عليها «الاختيار التكنولوجي»، وهو ما يكمن تشبيهه بالانتقاء الطبيعي البيولوجي من خلال قياسه بالعديد من الجوانب.
في عصور ما قبل التاريخ، كانت الأنظمة التكنولوجية تتميز بأنها شكل من أشكال معينة من الكفاءة المعرفية وتعكس مرحلة ما، ولكن ليس بشكل مطلق، بل هناك حالات شاذة تكون فيها التطورات المعرفية أكثر بكثير من المرحلة نفسها، كأن يسابق الإنسان الزمن، وهذا ما يعرف بالابتكار الإبداعي في ذلك العصر، ومع الأيام يمكن تطوير تلك الابتكارات لتتواصل من جيل إلى آخر أو مرحلة أخرى لاحقة، هي حالات تكون في بداية الأمر شاذة إلى أن تصبح متطورة وشائعة في مراحل أخرى، وبطبيعة الحال إذا أثبتت كفاءتها وفائدتها، وبذلك تنتشر وتتوسع حتى تصبح على نطاق واسع، وهذا الأمر يحيلنا إلى قاعدة أن الثقافة المادية التأسيسية موجودة منذ العصور الأولى، ثم يتم البناء عليها في المرحلة المقبلة بشكل تراكمي متسارع.
وفي مشاركة لي في أحد المؤتمرات قلت إن المرحلة المتقدمة من الثقافة البشرية التي وصل إليها «الأشوليون» المتأخرون وخاصة طرق إشعال النار، مكنت من بعدهم بشكل واسع على التكيف مع النار وتوظيفها في أنماط الحياة البدوية. وفي مسألة التنقل، فقد أظهرت دراسة أجريت في كهوف «أوراسيا» أن الإنسان الأولي كان كذلك كثير التنقل في مرحلة ما من عصور ما قبل التاريخ، واعتمد تنقلهم على موسم الصيد وتغير المناخ ومسارات هجرة الحيوانات التي كانوا يأكلونها، وقد أثبت ذلك أن البشر كانوا يتجولون في نطاقات واسعة، ما أدى إلى انتشار ثقافات محددة وتوسع لأبناء العشيرة الواحدة، فقد أقامت بعض العشائر الكبيرة مجتمعات خاصة بها مختلفة عن المجتمعات الأخرى المجاورة، ومن هنا بدأت تتضاعف الهويات الثقافية بين إنسان العصور القديمة، ومن هذا المنطلق أصبح البشر مختلفين، وانقسمت المجتمعات البشرية إلى «نحن»، وإلى «هم».
ومن المهم الذكر أن هناك مراحل مهمة من تطور فكر الإنسان الأول، مثلا من مرحلة صناعة الأدوات البسيطة، إلى مرحلة الدقة والإبداع والفن، وهذا ما لم يكن موجودًا أبدًا مثلا عند «الإنسان الماهر»، بل وجدت عند «الأشوليين».
ومنذ حوالي 400 ألف سنة في «أوراسيا» كان إنسان ما قبل «النياندرتال» وإنسان ما بعده يمنحون موتاهم معاملة خاصة جدا، بل كانوا في بعض الأحيان يضعون مع موتاهم أدوات لطقوس روحانية كانت جديدة حينها، وبعد ذلك تطورت هذه المعتقدات إلى طقوس وأعراف مجتمعية، ونشأت حينها الطقوس العبودية والمحظورات.
وهذا ما عزز الاختلافات بين إنسان ما قبل التاريخ وولد مجتمعات مختلفة تميز بعضها عن بعضها الآخر.
ومنذ حوالي 300 ألف سنة ظهر الإنسان الحديث -من الناحية التشريحية- المعروف باسم «اتش ساباينس» وذلك في إفريقيا، ثم انتشر الإنسان الحديث في أقاليم أخرى كانت مشغولة ببشر آخرين بثقافات مختلفة عقديًا ودينيًا وثقافيًا، كان الإنسان الحديث يخضع إلى تيارات ديموغرافية تحويلية صنعت الاعتراضات ثم المواجهة مع الآخر.
هذا العامل، بالاقتران مع التنوع المتزايد في الثقافة، والمتجلي في التشكيلات المادية والسلوكية -كما يظهر في تعدد الأدوات- كان مصدرًا للتباين بين مجموعات الإنسان الأول. في الوقت نفسه، تزايد أهمية السلوك الرمزي في تنظيم أساليب حياة الإنسان الأول، وأسهم في تعزيز التباين الحقيقي من حيث البنية الجسدية، ومن حيث الثقافة على حد سواء. كما أن لقاءات بين المجموعات تشجع على التبادل الثقافي، مما يحفز الابتكار ويزيد من التعقيد التكنولوجي والاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه اللقاءات فرصًا للتبادل الجنسي الذي يسهم في تنويع مجموعة الجينات وتجنب الزواج من الأقارب. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي ازدياد عدد الأفراد داخل كل مجموعة إلى تشكيل هرم اجتماعي، كاستراتيجية لضمان بقاء كل مجموعة.
وعلى الرغم من كثرة ما كتب عن كيف كانت اللقاءات بين الأنواع في الفترة العصر الحجري القديم الأوسط، وخاصة بين «النياندرتال» و «الإنسان العاقل»، إلا أن الأدلة غير كافية عن وجود العنف بين البشر في ذلك الوقت وأن هناك إبادة بشرية.
في الوقت الحالي، هذه النظريات تتراجع، حيث تظهر التطورات الأثرية أننا لم نكن فقط نتزاوج مع «النياندرتال»، بل كانت أساليب حياتهم وعملياتهم العقلية متقدمة بدرجة مقارنة بالبشر الحديثين الذين التقوا بهم.
واليوم، بخلاف التوثيق القليل للمواجهات العنيفة الفردية، لا توجد أدلة على أن العنف على نطاق واسع سبب انقراض «النياندرتال» أو أنواع أخرى من الإنسان الأول الذين عاشوا في نفس الفترة مع البشر الحديثين.
ومع ذلك، تم ملاحظة أن انتشار البشر الحديثين في أراضٍ لم تُستكشف من قبل، مثل أستراليا والأمريكتين، تزامن مع انقراض الكائنات الضخمة الحيوانية.
في الختام، يمكن القول إن النمط الحياتي الثابت وترويض النباتات والحيوانات - السمات المميزة في أماكن مثل أفريقيا والهند - قد غيّر القيم الاجتماعية والثقافية للمجتمعات الصيادة-الجامعة. وربما كان تجميع السلع وتخزينها سببًا في تشكيل نماذج تفاعلية جديدة، حيث يؤدي الأفراد أدوارًا مختلفة وفقًا لقدراتهم على الفائدة للمجموعة التي ينتمون إليها.
إذا كان من الصعب تحديد العنف البشري واسع النطاق في سجل العصر الحجري القديم، إنه شائع في الأيقونات اللاحقة للتاريخ البدائي. وتُظهر الأدلة على السلوك الحربي (تراكم الجثث التي تحمل علامات الصدمة التي يسببها الإنسان) في نهاية العصر الجليدي وبعد بداية العصر الحجري الحديث (منذ ما يقرب من 12000 سنة مضت) في أجزاء مختلفة من العالم، ربما فيما يتعلق بالضغوط الجديدة الناجمة عن ذلك.
يمكن القول إن أنماط الحياة المستقرة وتدجين النباتات والحيوانات -وهي السمات المميزة للعصر الحجري الحديث- تعيد صياغة المعايير الاجتماعية والثقافية لمجتمعات الصيد والمزارعين. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون تكديس وتخزين البضائع سببا في ظهور نماذج جديدة متداخلة، حيث يؤدي الأفراد أدوارًا مختلفةً فيما يتعلق بقدراتهم على إفادة المجموعة التي ينتمون إليها.
إن القدرة على صياغة رؤية مجردة ورمزية للعالم حولت الأرض والموارد إلى ممتلكات وسلع «تنتمي» إلى وحدة اجتماعية أو أخرى، فيما يتعلق بالمطالبات بالأراضي التي عاشوا عليها والتي جنوا منها الفوائد.
الوثائق التي كتَبَتَها أولى الحضارات القادرة على الكتابة، والتي ترتبط أساسًا بتقدير السلع، تكشف عن تأثيرات هذه الفترة التحولية المتمثلة في زيادة الإنتاج، وتخزين السلع، والتبادل.
الفروق الواضحة بين أنواع الموارد المتوفرة في أجزاء متنوعة من العالم، شكلت توزيعا غير متساوٍ على السلع ذات القيمة من قبل الحضارات المتقدمة، وحددت طبيعة التكنولوجيا التي سيتم تطويرها لاستخدامها.
تأسست شبكات التجارة وتشجعت الترابطات بينها، مما ساعد على تحسين التكنولوجيا وتوسيع شبكات الاتصال، وهو ما زاد من المنافسة للحصول على المزيد والأفضل وبشكل أسرع.
يمكننا الآن من هذه النظرة العامة أن نفهم بشكل أوضح كيف أن ظهور مفهوم «الآخرين»، الذي نشأ في المراحل اللاحقة من العصر الحجري القديم، كان مفتاحًا لتشجيع الاتجاهات السلوكية التي تحافظ على عقلية الإنتاج والاستهلاك التي ظهرت بعد العصر الحجري الحديث، والتي لا تزال سائدة في العالم الرأسمالي المتزاحم في الوقت الحالي.
التطور ليس عملية خطية والثقافة هي ظاهرة معقدة، ولكن الفارق الرئيسي هو في التكنولوجيا التي جعلتنا مميزين عن جميع الكائنات الأخرى على الكوكب.
الحرب ليست مُبرمجة في نوعنا، وليست مصيرًا في الحياة الحديثة المُعولمة، الآثار القديمة تُعلمنا أن الحرب هي سلوك يستند إلى تصوراتنا المصنعة حول «الاختلاف» بين الشعوب التي تعيش في مناطق مختلفة من العالم مع وصول غير متساوٍ إلى الموارد. الحلول للقضاء على الحروب الكبيرة تبدأ بتحقيق المساواة بين جميع الشعوب، باستخدام تكنولوجياتنا لتحقيق ذلك، بدلاً من تطوير أسلحة الدمار الشامل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإنسان الأول العصر الحجری ملیون سنة بشکل کبیر تشیر إلى فی الوقت أن هناک من خلال ما قبل
إقرأ أيضاً:
السيد عبدالملك الحوثي: الغرب أكثر توحشا من الوحوش في الغابات ورصيده الإجرامي هو القتل للملايين من البشر
يمانيون/ خاص
لفت قائد الثورة إلى أن سيطرة الأشرار تشكل خطرا حقيقيا على المجتمع البشري في كل شيء، في أمنه واستقراره وحياته وإنسانيته
وأكد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، كلمة له اليوم الخميس، حول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والمستجدات الإقليمية والدولية، أن القيم والتعليمات التي قدمها الله للعباد هي لمصلحة الناس ولاستقرارهم، وإذا غابت فالبديل عن ذلك هم الأشرار.. مشيراً إلى أن النموذج الذي يمثل الشر والإجرام والنموذج الظلامي المفسد هو نموذج يستخدم العناوين الجذابة لمجرد الخداع.
وأوضح السيد القائد أن فئة الشر والإجرام تتمثل في زمننا بالنموذج الغربي وعلى رأسه أمريكا و”إسرائيل” ومن يدور في فلكهم من أتباع الصهيونية وغيرها، وأن هناك الكثير من أبناء أمتنا من النخب والمثقفين والأكاديميين والسياسيين يُعجَبُون بما يقوله الغرب وأمريكا والصهيونية.
ونوه السيد إلى أن ما يقوله أتباع الصهيونية المتوحشة الإجرامية عن الحرية وحقوق الإنسان والحضارة هي عناوين براقة ومخادعة، مؤكداً أنهم يروجون للعناوين المخادعة على المستوى التنظيري ويقدمونها في جوانب فكرية وتثقيفية وإعلامية، بل والبعض يتتلمذ عليها.
لافتاً إلى أن من يتحدثون بالعناوين البراقة هم من أفعالهم وسيرتهم وتصرفاتهم وتوجهاتهم في منتهى الإجرام والوحشية والطغيان والإفساد.
وأضاف السيد القائد” “البعض ينسى أن الرصيد التاريخي للأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني هو رصيد إجرامي مهول ومُفجع وكارثي وفظيع للغاية”.. مؤكداً أن الغرب أكثر توحشا من الوحوش المتواجدة في الغابات، ورصيده الإجرامي هو القتل للملايين من البشر بأسوأ الأساليب.
وقال السيد أن الأمريكي منذ يومه الأول بنى كيانه على الإجرام بإبادة الهنود الحمر السكان الأصليين لتلك المنطقة التي سميت أمريكا.. مشيراً إلى أن المستعمرون الغزاة الأوروبيون أبادوا الملايين من الأطفال والنساء والكبار والصغار من الهنود الحمر، وأنهم اتجهوا إلى احتلال ما يعرف بأمريكا بإبادة سكانها من الوجود.
ولفت قائد الثورة إلى أن من يقرأ الممارسات الإجرامية لإبادة الهنود الحمر يستغرب ويندهش كيف يمكن لإنسان بقي فيه ذرة من الإنسانية أن يتصرف بتلك الوحشية والإجرام والطغيان والعدوانية.
وأضاف السيد مستغرباً: “لا أحد في العالم يتحدث عن السلام بقدر ما يتحدث عنه الأمريكي وهو الذي أباد في غضون دقائق مئات الآلاف من البشر في اليابان بقنابل نووية وأحرق مئات الآلاف في فيتنام بالنار وبالقنابل وبالقتل”.
وأشار السيد القائد إلى أن الأمريكي أباد في العراق مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي ظلما وعدوانا وفعل ذلك بمئات الآلاف من أبناء الشعب الأفغاني المسلم، مؤكداً أن السجل الإجرامي للأمريكي واسع جدا وليس لغيره مثله.