تدفق المهاجرين الأفارقة.. هل موريتانيا مهددة بتحول ديمغرافي؟
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
نواكشوط- بعد أن ظل يكافح سنوات لإقناع مختلف دول المغربي العربي لكبح جماح الهجرة غير النظامية إلى أراضيه، يرمي الاتحاد الأوروبي اليوم بثقله على موريتانيا التي تعاني من تدفق متواصل للمهاجرين واللاجئين نحو أراضيها.
وفي الوقت الذي كانت تتجاهل فيه أغلب هذه الدول الضغوط الأوروبية وظلت ترفض أي إجراء لإعادة اللاجئين غير النظاميين إليها، يبدو أن موريتانيا بدأت -مؤخرا- تتخلى عن تحفظها لتساوم القارة العجوز في قضية المهاجرين المؤرقة لها.
وفي آخر زيارة لهما إلى البلاد، أكد كل من رئيسي الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، والحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز -أمام الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني- أن الاتحاد وإسبانيا سيخصصان أكثر من 500 مليون يورو لنواكشوط لتعزيز قدراتها في مجال التنمية الاقتصادية والتصدي للهجرة غير النظامية ومساعدة اللاجئين الموجودين داخل أراضي البلاد.
وأيقظت هذه الزيارة هواجس أمنية واجتماعية قديمة لدى موريتانيا التي تمتاز بتنوع عرقي يعكسه موقعها الجغرافي الرابط بين المنطقة المغاربية وغرب أفريقيا وجنوب الصحراء.
الرئيس الموريتاني (وسط) يستقبل رئيس الوزراء الإسباني ورئيسة الاتحاد الأوروبي (الجزيرة) قلق وجدللذلك خلفت زيارة المسؤولين الأوروبيين قلقا وجدلا واسعين بين الموريتانيين الذين لم يرتاحوا لظاهرة الهجرة التي تخترق بلدهم الهش، أو لفكرة التوطين والاندماج التي قد تكون بداية استقرار نهائي للهاربين من جحيم المحيط المتوتر، تخوفا من تغير ديمغرافي قد يكون محتملا.
ويضم المجتمع الموريتاني تركيبة فسيفسائية معقدة، حيث يتكون من مجموعتين ثقافيتين:
فئة البيضان المتألفة من العرب والبربر الناطقين بالحسانية، وهي الفئة الغالبة سياسيا وتمثل قرابة 80%. غير أن ما يميّز موريتانيا هو أن الفئة الموازية، للأغلبيّة العربية، زنجية وتمثل ما يزيد على 20% من السكان.وخلال السنوات العشر الأخيرة استقبلت موريتانيا مئات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين أصبحوا يمارسون أنشطة اقتصادية مختلفة، ولأن أغلبهم من الأفارقة أصبح من الصعب التفريق بينهم وبين الموريتانيين من فئة الزنوج في ظل غياب إستراتيجية تضبط حركة الهجرة بدقة.
وخلال احتجاجات شهدتها البلاد السنة الماضية، ضبطت الشرطة عشرات الأجانب من المهاجرين والمقيمين الذين شاركوا في مظاهرات وأعمال شغب خطيرة بالعاصمة نواكشوط ومدن داخلية، على أنهم مواطنون، ورحّلتهم السلطات إلى بلادهم.
وتحول هذا الإشكال إلى تحدّ مصيري في ظل التدفق المتزايد للمهاجرين الذي بلغ عدد المقيمين منهم حاليا بشكل قانوني 140 ألف نسمة، حسب الحملة الوطنية لتسجيل وضبط وتنظيم حركة المهاجرين داخل البلد.
وهذا بالإضافة إلى نحو 150 ألف لاجئ في مواقع متفرقة من البلاد، أغلبهم في مخيم "امبرة" بولاية الحوض الشرقي، ومئات آلاف المهاجرين غير النظاميين الذين لم يتم إحصاؤهم حتى الآن، وفق توقعات مراقبين كُثر.
وأكد الأمين العام لوزارة الداخلية واللامركزية محمد محفوظ ولد إبراهيم أن موريتانيا لن تكون وطنا بديلا للمهاجرين غير النظاميين، وأن الشركاء الأوروبيين لا يجرؤون على طرح هذا الطلب.
وأضاف أن نجاح مقاربة موريتانيا في مجال ضبط تدفق المهاجرين النظاميين واللاجئين داخل البلد، ومحاربة كافة أشكال الهجرة غير النظامية، هو السبب وراء دعم الاتحاد الأوروبي لها.
اجتماع القمة الأوروبية الموريتانية الأسبوع الماضي وإعلان تخصيص أكثر من 500 مليون يورو (الجزيرة) اتفاقيات مبهمةفي حديثه للجزيرة نت، يقول المحلل السياسي والناشط المدني ضد الهجرة محمد خالد أحمد سالم أتيف إن الاتفاقيات المبهمة والفضفاضة، في الكثير من بنودها مع الاتحاد الأوروبي، ستجعل من موريتانيا محطة لمئات الآلاف -وربما الملايين- من المهاجرين الأفارقة الذين يؤرقون المسؤولين الأوروبيين.
وأضاف أحمد سالم أن موريتانيا -في ظل بنية اقتصادية وأمنية وخدماتية وصحية هشة- غالبا لن تحتمل هذا العبء الثقيل من الوافدين والعائدين من أعالي البحار.
ويرى أن المسار الساعي لإدماج المهاجرين قد يؤدي -على المدى القريب- إلى عجز تام وتوقف الخدمات العمومية، أو شلل اقتصادي ومشكل أمني يعصف باستقرار البلد. وعلى المدى البعيد، ومع هجرة شبابية معاكسة تشهدها موريتانيا نحو أميركا، قد تكون له تبعات أخرى تتعلق بتغير ديمغرافي في التركيبة السكانية السنوات المقبلة.
ويتخوف المواطن محمد أحمد (التاجر بالسوق المركزي في نواكشوط) -في حديثه للجزيرة نت- من أزمة اجتماعية واقتصادية جراء عملية توطين المهاجرين الأفارقة وإدماجهم.
ويقول "ستكون لها عواقب وخيمة على البلد أمنيا واقتصاديا بالنظر إلى أن أغلب المشغلين في السوق يفضلون العمالة المهاجرة لأنها تطلب أجورا زهيدة لا يستطيع المواطن العادي العمل بها مطلقا".
ولهذا السبب يحذر أحمد سالم من تفريط موريتانيا في استقرارها النسبي الملاَحَظ، الذي جعلها بؤرة الاهتمام الأوروبي والإسباني كحليف بإمكانه لعب دور "أكبر من حجمه الحقيقي" لتحقيق إستراتيجيات أوروبا في المنطقة فيما يتعلق بكبح ما سماه السيل الأسود المتدفق عبر أفريقيا.
في المقابل، يقول الناشط المدني المختار حمادي إنه لا يمكنه الدفاع عن المهاجرين الموريتانيين في الخارج، ويسكت عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين الأفارقة في بلاده.
ويؤكد أنه على الدولة أن تكون يقظة وتطوّر من أجهزتها الأمنية وتكون صارمة في تطبيق القوانين المتعلقة بمكافحة الهجرة وتتفادى المخاطر، لكن مع ضمان حقوق المهاجر.
اختلالات قيمية
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الباحث في علم الاجتماع جامعة نواكشوط باب سيد أحمد إن هناك اختلالات قيمية في المجتمع لعلها هي من تدفعه ليتجرع خطر الهجرة، ومنها:
أن فئة البيضان -المتغلبة سياسيا واقتصاديا- لا تقدس العمل في طبعها وتنبذه في ثقافتها، وهو ما يُوجِد الفراغ للمهاجرين نظرا للحاجة الماسة لليد العاملة. وتبحث هذه الفئة عن الثراء الفاحش دون مقدمات بشكل يجعل المجتمع مغامرا، وليست الهجرة للولايات المتحدة والبحث عن الذهب إلا من تداعيات واستحكام تلك القيم. كما توجد موريتانيا في محيط مضطرب يعاني من مشاكل الاستقرار السياسي والحروب الداخلية، وضعف الأنشطة الإنتاجية، مما يجعل منها وجهة لشعوب تلك الدول بحثا عما فقدوه في أوطانهم، فيجدوا فيها المجال مفتوحا بفعل عزوف المجتمع عن الإنتاج وترفّعه عن المهن اليدوية.ويعتقد الباحث أن الإشكال المطروح الآن هو كيف تستفيد موريتانيا كبلد عبور أو مضيف -اقتصاديا- من هذا الكم الهائل من النازحين والمهاجرين، مهما كانت مستوياتهم وطبيعة دوافعهم ما دامت هناك حاجة لهم تشجعها نظرة المجتمع للمهن اليدوية والعمل عامة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المهاجرین الأفارقة الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
محادثات أوروبية تبحث أسلوب ترامب بالتعاطي مع ملف الهجرة
يبحث وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في وارسو البولندية كيفية التعامل مع الهجرة غير النظامية، مع إشارة عدد منهم إلى أسلوب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تناول هذا الملف الشائك.
وأكد أحد المشاركين في محادثات وارسو "لسنا وحشيين لهذا الحد، لكن هذا يظهر أن القليل من الضغط يثبت أحيانا فاعليته"، في حين جرى التطرق إلى مواجهة ترامب مع كولومبيا صراحة في محادثات الوزراء، وتناولت المناقشات كيفية تعامل التكتل مع الدول المترددة في استعادة مواطنيها.
والأسبوع الماضي، كادت أن تقع حرب تجارية بين كولومبيا والولايات المتحدة عندما هدد ترامب بفرض عقوبات ورسوم جمركية باهظة بعدما أمر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بإعادة طائرتين عسكريتين أميركيتين تحملان مهاجرين تم ترحيلهم.
مفاوضات مطوّلةحسب بيانات الاتحاد الأوروبي، فإن أقل من 20% من الأشخاص الذين صدرت أوامر لهم بالمغادرة عادوا إلى بلدانهم الأم، وهو الأمر الذي يتعرض الاتحاد لضغوط لتحسينه بسرعة، مع التركيز على المكاسب التي يحققها أقصى اليمين في جميع أنحاء القارة من خطابه حول الهجرة.
وقال أحد الحاضرين في المحادثات "لا يمكن للسياسيين إجراء مناقشة الآن من دون التحدث عما يفعله ترامب". وأشار إلى أن هناك "حلولا مبتكرة" لمعالجة الهجرة تروّج لها دول مثل إيطاليا والدانمارك وهولندا، مطروحة على الطاولة.
إعلانوأضاف المسؤول الأوروبي أن "الأمر سهل بالنسبة لترامب، فهو يجلس هناك ويكتب تغريدة. وهذا فعال للغاية"، موضحا "لن نكون بهذه السرعة"، في إشارة إلى المفاوضات المطولة التي يتعين على أعضاء الاتحاد الأوروبي خوضها قبل الاتفاق على شيء ما.
من بين الأفكار الأوروبية التي يجري بحثها فكرة "مراكز العودة" لبعض طالبي اللجوء (الفرنسية)وفي مواجهة نقص العمالة في إطار سعي أوروبا إلى تجديد قدرتها التنافسية الاقتصادية المتأخرة، اقترح البعض أن لا نموذج واحدا يناسب الجميع في القارة.
وقال مفوض الهجرة في الاتحاد الأوروبي ماغنوس برونر "دعونا لا نركز على كل بيان يصدر عن الولايات المتحدة"، مضيفا أن على أوروبا أن تركز على ما يتعين عليها القيام به؛ "علينا أن نؤدي واجباتنا".
وتذكر وكالة الصحافة الفرنسية أن من بين الأفكار الأكثر "تطرفا" التي يبحثها التكتل فكرة "مراكز العودة" خارج الاتحاد الأوروبي حيث يمكن إرسال بعض طالبي اللجوء في انتظار نقلهم إلى بلدهم الأصلي، غير أن هذا المفهوم محفوف بالمخاوف القانونية والأخلاقية التي بدأ وزراء الداخلية في وارسو الاتفاق عليها.
ترامب يحمل رسما بيانيا حول الهجرة غير النظامية في أثناء خطاب سابق له (رويترز)وبدأ الاجتماع الأوروبي مع كشف ترامب عن خطة مفاجئة لاحتجاز آلاف المهاجرين غير المسجلين في خليج غوانتانامو، رغم أن هذا الاقتراح لم يُذكر علنا في وارسو.
وانخفضت عمليات رصد المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون الاتحاد الأوروبي بنسبة 38% العام الماضي ليكون أدنى مستوى مسجل منذ عام 2021، وفقا لوكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي التي عزت ذلك إلى حملة صارمة على المهربين.
ويأتي هذا في حين يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملته بترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، في إطار سلسلة من الإجراءات "للوفاء بوعوده" بعد أن تعهّد خلال حملته الانتخابية بإطلاق "أكبر برنامج ترحيل في التاريخ الأميركي".
وقد تفاخر البيت الأبيض الأسبوع الماضي بتوقيف مئات "المهاجرين غير النظاميين المجرمين"، مشيرا إلى ترحيلهم بطائرات عسكرية وليست مدنية، خلافا لما كان يحدث سابقا.