كاتب أميركي: بايدن غاضب على نتنياهو.. الوهم الذي تنشره الصحافة الغربية ويكذبه الواقع
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
نشرت صحيفة "ذا نيشن" الأميركية مقالا "يكشف أن الصحافة الأميركية والبريطانية تنشر، وبشكل منهجي، وهما متمثلا في أن الرئيس الأميركي جو بايدن على وشك الافتراق النهائي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول سياسة الأخير تجاه الفلسطينيين، في حين أن الواقع الحقيقي يُكذّب ذلك بشكل صارخ.
وذكر المقال -الذي كتبه جاك ميركنسون- أن الصحافة الغربية ظلت في الآونة الأخيرة تروّج لقصة تقول إن "بايدن مستاء حقا من إسرائيل وراء الكواليس"، وتدوّر هذه القصة مرارا وتكرارا.
وأورد ميركنسون العديد من الأمثلة من صحف وقنوات، مثل "واشنطن بوست"، و"نيويورك تايمز"، و"غارديان"، و"إن بي سي نيوز"، و"سي إن إن"، و"أكسيوس"، و"ذا هيل"، و"ذا تايمز" وغيرها من التي روّجت لمثل هذه القصة.
نفس القصة بأشكال متنوعةكما أورد عناوين لنفس القصة بأشكال متنوعة مثل: "العلاقة بين بايدن ونتنياهو مروّعة"، "بايدن على خلاف متزايد مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"، "التوترات تتصاعد وراء الكواليس"، "الأمور أصبحت مشحونة بشكل متزايد بين البلدين".
وأضاف أن هذه القصص تضرب دائما وبانتظام، بنفس الإيقاع، وتأتي بمجموعة متنوعة من المسؤولين المجهولين كمصادر لما تدعيه، مثل "مسؤولون إداريون متعددون" و"مسؤولون كبار أميركيون وإسرائيليون" و"4 مسؤولين أميركيين لديهم معرفة مباشرة بالقضية"، و"19 من كبار المسؤولين في الإدارة والمستشارين الخارجيين".
واستمر الكاتب يعرض الكيفية التي تروّج بها الصحافة الغربية القصة، قائلا إن المصادر التي تزعمها هذه الصحافة، تطلب دائما عدم ذكر هوياتها، وتحكي حكايات عن خيبة أمل إدارة بايدن مع نتنياهو، وربما تضيف بعض التعليقات حول قيام إسرائيل بتخفيض عدد القتلى المدنيين: "نحن قلقون من أنهم لا يفعلون كل ما هو ممكن للحد من الخسائر في صفوف المدنيين"، "القادة الأميركيون يحذرون من أن المستويات العالية من الخسائر في صفوف المدنيين تضمن أن السكان المتطرفين سيعيشون بجوار إسرائيل لعقود قادمة".
الصحافة ضُللت؟ أم أنها تتعمد تضليل الجمهور؟
وقال ميركنسون إن جميعها تخبرنا أن الإحباط يتصاعد، وأن التوترات أصبحت أكثر توترا. وعلق بأنه إذا حكمنا، استنادا على هذه الروايات، يجب أن يكون بايدن قد وصل الآن إلى الحدود التي تتجاوز أقصى الإحباط وخيبة الأمل والصبر، لكن الواقع يقول غير ذلك، ويبدو أن الصحافة قد ضُللت أو أنها تتعمد تضليل الناس.
ثم دلف الكاتب إلى إيراد ما يجري في ما سماه العالم الحقيقي، ليقول إن المذبحة الإسرائيلية استمرت بلا هوادة، وواصل بايدن وشركاؤه التشريعيون تسليح إسرائيل، وجلبت القيادة الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأعضاء للتصويت على مشروع قانون من شأنه، إلى جانب إعادة تسليح أوكرانيا، إرسال 14.1 مليار دولار أخرى لإسرائيل مقابل ما يطلق عليه بشكل ملطف "المساعدة الأمنية".
في العالم الحقيقي -كما يقول ميركنسون- منع بايدن التحركات من أجل وقف دائم لإطلاق النار في الأمم المتحدة ورفض ممارسة أي ضغط علني على إسرائيل للمساعدة في تنفيذ ذلك، ورفض مساعدوه -في اجتماع مصمم خصيصا لتخفيف التوترات بين البيت الأبيض والجالية العربية الأميركية في ميشيغان- القول ما إذا كانوا قد نصحوا أو سينصحون الرئيس بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، وهو ما طلبه الحضور.
استثناء إسرائيلفي العالم الحقيقي أيضا، رفض بايدن وضع أي شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل، وفي الأسبوع الماضي، أصدر أمرا رئاسيا "يأذن بقطع سريع للمساعدات العسكرية للدول التي تنتهك الحماية الدولية للمدنيين"، على حد تعبير أسوشيتد برس.
وتسابق الديمقراطيون لوصف ذلك بأنه تاريخي وقوي، وقالوا "هذا تغيير جذري حول كيفية التعامل مع المساعدات العسكرية الأميركية وتأثيرها على المدنيين".
لكن السكرتير الصحفي لبايدن سارع على الفور للقول إن هذا لا يعني تعليق المساعدات لإسرائيل، وإن الولايات المتحدة" لا تفرض معايير جديدة للمساعدات العسكرية"، وإن إسرائيل أكدت للبيت الأبيض أنها ملتزمة بحماية المدنيين.
بايدن لا يفعل شيئا لمنع المذبحةولفت الكاتب إلى أنه لا يوجد مجال آخر غير وسائل الإعلام يتم فيه أخذ الشخص الذي يورّد أسلحة يعرف أنها ستستخدم لارتكاب أعمال عنف جماعية، على محمل الجد إذا أخبر المراسلين أنه غير راض بشكل خاص عن الأمر برمته، لكن السياسة الخارجية الأميركية فقط تحصل على هذا النوع من التمرير.
واضاف أنه حتى تصريح بايدن الذي قال فيه إنه يُحمّل الدول التي تستورد أسلحة، المسؤولية عن العنف الذي تستخدم فيه هذه الأسلحة، لا يكفي، على ما يبدو للحد من ترويج هذه الرواية من عند الصحف الغربية.
وأوضح ميركنسون قائلا: الآن، بينما يخطط نتنياهو لما لا بد أن يكون غزوا بريا كارثيا لرفح، يشير بايدن مرة أخرى إلى استيائه بينما لا يفعل شيئا لمنع آلة الموت الإسرائيلية.
وختم بأنه ستكون هناك العديد من الفرص للصحفيين للتخلي عن فكرة أن بايدن يمارس أي نوع من الرقابة الهادفة على إسرائيل. ودعا الصحفيين إلى أنه، إذا كانوا يريدون حقا محاسبة بايدن، بدلا من مساعدة البيت الأبيض في الترويج لنفس الخيال الأجوف مرارا وتكرارا، فيجب أن يبدؤوا الآن.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني