اعتداءات جنسية وانتهاكات مروعة.. شهادات ضحايا الدعم السريع بالسودان
تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT
الخرطوم- "ليتني أتمكن من نسيان ذلك اليوم، ليتني كنت في عداد الموتى قبل أن أرى ما حدث"، بهذه الكلمات تبدأ شابة عشرينية حديثها عن اليوم الذي اقتحم فيه منزلها، بالخرطوم بحري شمال العاصمة السودانية، نحو 6 من عناصر الدعم السريع بحجة البحث عن أسلحة، وعندما لم يجدوا شيئا قرروا عدم الخروج دون إنجاز.
تقول عزيزة -اسم مستعار- من منفاها بإحدى العواصم الأفريقية، للجزيرة نت، إن اثنين من العناصر -الذين كان بعضهم بزي مدني- جذباها بقوة إلى إحدى الغرف، فغابت عن الوعي من شدة الخوف، ولا تدري كم لبثت، لكنها استيقظت ووجدت نفسها مضرجة بالدماء.
أضافت عزيزة أنها لم تكن الوحيدة التي تعرضت للاغتصاب، فخلال رحلتها إلى خارج السودان التقت وفتيات أخريات واجهن المأساة ذاتها في مناطق متفرقة من الخرطوم، حيث بدأت حرب شرسة بين الجيش والدعم السريع منتصف أبريل/نيسان الماضي.
هالة الكارب تؤكد توثيق 180 حالة اغتصاب نساء من قبل الدعم السريع (مواقع التواصل) صمت وخوفوتروي عزيزة كيف عاد عناصر الدعم السريع لمنزلها، وهددوها بالقتل إذا تحدثت عن تعرضها لاعتداء، وألمحوا لعودتهم إليها قريبا، فغادرت بعون عدد من الناشطات اللاتي أوصلنها إلى دولة أفريقية لتلقي المساعدة النفسية والطبية.
توثق منظمات نسوية وحقوقية عديدة حالات العنف الجنسي، لا سيما بولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة، الأكثر تأثرا بالقتال المتواصل على مدى أشهر. لكن الجميع واجهوا معضلة الأرقام القطعية عن عدد الحالات، بسبب صمت الضحايا وخوفهن من الوصمة، كما منع سوءُ شبكات الاتصال المتابعة مع الناجيات.
وتؤكد هالة الكارب المدير الإقليمي لشبكة نساء القرن الأفريقي "صيحة" أن المعلومات المتاحة عن جرائم العنف الجنسي شحيحة للغاية مقارنة بما ارتُكب على الأرض. وتوضح أن غالبية الضحايا يصمتن شهورا، وربما سنوات قبل سرد الوقائع، في حين تضطر أخريات لخوض التفاصيل إذا حصل حمل.
وتضيف للجزيرة نت "تم توثيق 180 حالة، لكن توجد أخرى لم نتمكن من متابعتها بسبب التنقل والحرب، وتراجعت بعض الضحايا عن التحدث، ولا يمكن إجبارهن على ذلك".
وتتحدث الكارب عن استمرار جرائم العنف الجنسي، وأنها عادة ما تحدث في بداية "الغزو" وترتبط بالنهب والسرقة، وقالت إنها "تحدث بانتظام نتيجة وجود قوات الدعم السريع في المناطق نفسها التي تضطر الظروفُ بعشرات النسوة للبقاء فيها، فيصبحن دائما عرضة للجرائم".
وتشدد على أن العنف الجنسي يمثل "إستراتيجية حرب" ظلت الدعم السريع تتبعها منذ 20 عاما، وهي ذاتها التي استُخدمت في دارفور "كآلية مسموح بها ومتاحة ضمن بنية المليشيات؛ حيث تستخدم أجساد النساء للترفيه والترهيب والتهجير".
تحريم دولييحظر القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع المسلح تعمّد إيذاء المدنيين. وتحظر المادة (3) المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والقانون الدولي الإنساني العرفي، الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي.
ويمكن أن يمثل الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي المرتكبة في سياق نزاع مسلح، أحد أشكال التعذيب وجريمة حرب، وإذا كان جزءا من هجوم واسع النطاق أو منهجي من قبل حكومة أو جماعة مسلحة، يمكن أن يشكل جرائم ضد الإنسانية.
بعد أشهر من بدء القتال العنيف في غرب دارفور، كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش عن توثيقها 78 ضحية اغتصاب وقع بين 24 أبريل/نيسان و26 يونيو/حزيران الماضيين على يد قوات الدعم السريع.
وأفادت المنظمة -في تقرير لها- بأنها أرسلت في 11 أغسطس/آب الماضي ملخص النتائج بالبريد الإلكتروني إلى قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" للتعليق، لكنها لم تتلق ردا.
وكانت الممثلة الخاصة لأمين عام الأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، براميلا باتين، دعت -في مطلع أغسطس/آب الماضي- إلى منع العنف الجنسي والتصدي له. وبعدها أقر الفريق عبد الرحيم دقلو نائب قائد الدعم السريع بخطورة العنف الجنسي في سياق النزاع المسلح.
وأصدرت القوات بيانا أكدت فيه "تعاونها الكامل مع الأمم المتحدة في التحقيق في أي مزاعم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان".
ودعّم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، إنشاء لجنة تحقيق دولية للتحقيق بشكل مستقل وحفظ الأدلة المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة في دارفور وأماكن أخرى في السودان لضمان محاسبة المسؤولين.
ونسبت مفوضية حقوق الإنسان الأممية 70% من حوادث العنف الجنسي المؤكدة لمقاتلين يرتدون زي قوات الدعم السريع، وحادثة من بينها، يُتهم بارتكابها مقاتل بلباس قوات الجيش.
ضحايا بلا سندوتقول رئيسة الوحدة الحكومية السودانية لمكافحة العنف ضد المرأة سُليمى إسحاق، إن الحالات الموجودة خاصة التي لها علاقة باقتحام المنازل أو الاختفاء القسري أو الاسترقاق الجنسي، هي كلها -بحسب الناجيات- ارتُكبت من أشخاص يرتدون زي الدعم السريع.
وتابعت، في تصريح لها خلال يناير/كانون الثاني الماضي، "جملة الحالات المسجلة عندنا هي 136 حالة عنف جنسي متصلة بالنزاع، ولا تمثل فعليا أكثر من 2%، وتوجد حالات كثيرة غير موثقة، لأن طريقة الإبلاغ تكون صعبة في ظل انقطاع الاتصال أو تردي الوضع الأمني نفسه، ومعظم الحالات قد لا تصل للمرافق الصحية ولا تبلّغ".
وتؤكد هالة الكارب ضعف المعونات المقدمة لضحايا الاغتصاب خاصة أن الجرائم تحدث في مواقع سيطرة الدعم السريع، حيث محدودية الخدمات في المستشفيات والمراكز، وتتم بحذر بالغ. كما أن الأدوية التي ينبغي استعمالها لا تتوافر بانتظام.
وتردف "انعدام الأمن يضعف المساعدات ما لم تتمكن الضحية من المغادرة والوصول لمنطقة رعاية طبية جيدة". وتضيف "نحاول التحدث مع المجتمع الدولي لإنشاء مركز خدمات متكامل يخصص للناجيات من جرائم العنف الجنسي، فالسودان بحاجة لمستشفى آمن للضحايا خاصة أن هناك حالات تحتاج لتدخل جراحي خاص".
وتبدي الكارب قناعة باتساع دائرة العنف الجنسي مع دخول الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما وسّع الجوع المتفشي الاستغلال الجنسي لبنات كثيرات وبينهن طفلات دون أن يُسمع صوتهن، وتقول "لا نستطيع تحديد أرقام مؤكدة بسبب وجود المليشيا في هذه المناطق".
أدى وجود قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة ومدينة ود مدني إلى "تعرض نساء وفتيات كثيرات للعنف الجنسي"، وفق شهادات فارين من المدينة تحدثوا للجزيرة نت، مؤكدين أن القوات "الغازية" استهدفت المنازل للنهب والسرقة بشكل ممنهج وصحب ذلك تعدّ على أسر عديدة حاولت المقاومة.
وأفادت غرفة طوارئ منطقة الحصاحيصا في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأنها استقبلت 6 نساء تعرضن لاعتداءات جنسية من هذه القوات في مدينة رفاعة.
ووثّق تقرير لشبكة "صيحة" بلاغا في التاريخ ذاته من عائلة في ود مدني تمت مداهمة منزلها والاعتداء على شابتين (19) و(24) سنة، وعندما قاوم الأب والأخ (12 عاما)، قُتل كلاهما، واغتُصبت الشابتان، ثم تمكنت الأم وابنتاها من الفرار إلى شمال السودان.
كما وثّق حوالي 25 حالة اعتداء جنسي في مناطق متفرقة من ولاية الجزيرة، ونُقل عن طبيب بود مدني أنه يجد صعوبات في الاستجابة لنداءات النساء والفتيات اللاتي أبلغن عن تعرضهن للاغتصاب بمنطقة مارينجان جنوب شرق المدينة، بسبب الوضع الأمني وعرقلة قوات الدعم السريع للحركة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع العنف الجنسی
إقرأ أيضاً:
معارك عنيفة قرب الخرطوم والنائب العام يتعهد بمحاكمة الدعم السريع
الخرطوم- قال مصدر عسكري للجزيرة إن مدينة بحري شمال الخرطوم شهدت -اليوم الاثنين- اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، في حين تعهد النائب العام مولانا الفاتح محمد عيسى طيفور بمحاكمة مسلحي قوات الدعم أمام المحاكم الوطنية بالبلاد.
وقال المصدر إن الجيش استخدم القصف الجوي والمدفعي على مواقع الدعم السريع ببحري أعقبه هجوم بري تمكن الجيش خلاله من استعادة عدة أحياء بضاحية شمبات وسط مدينة بحري واستعادة عدد من المباني من بينها مستشفى البراحة ومصانع الدقيق، وأشار المصدر إلى أن الجيش عازم على استعادة مدينة بحري بالكامل خلال الفترة القادمة.
ويسعى الجيش السوداني لفك الحصار عن قيادته العامة بوسط الخرطوم من خلال التوغل عبر شمال بحري. وتسيطر قوات الدعم السريع على مركز العاصمة الخرطوم وتحاصر قيادة الجيش وتسيطر على القصر الرئاسي منذ مايو/أيار من العام الماضي.
وفي دارفور غربي السودان قالت مصادر بقيادة الجيش بالفاشر للجزيرة نت إنهم قصفوا بالمدفعية الثقيلة مواقع الدعم السريع في المحور الجنوبي لمدينة الفاشر، وكشفت المصادر عن تنفيذ سلاح الجو سلسلة ضربات جوية على المحور الجنوبي مما أدى لتصاعد الدخان.
وتشهد الفاشر معارك عنيفة ومستمرة بين الجيش والقوة المتحالفة معه من حركات دارفور المسلحة وقوات الدعم السريع، حيث تسعى قوات الدعم السريع للسيطرة على آخر معاقل الجيش في اقليم دارفور.
إعلانفي الأثناء ذكرت مصادر للجزيرة أن الطيران الحربي شن ضربات جوية على مواقع تتبع لقوة الدعم السريع بمدينة نيالا جنوب دارفور غربي البلاد، وبحسب المصادر استهدف الجيش بالضربات مواقع للسلاح وقاعدة دفاع جوي تستخدمها قوات الدعم السريع لإطلاق المسيرات الطويلة المدى فضلا عن ضرب مواقع لتنقيب الذهب بمنطقة سانقو بجنوب دارفور. وأشارت مصادر محلية بنيالا إلى وقوع ضحايا مدنيين جراء القصف الجوي.
محاكمةمن جانب آخر، قال مولانا الفاتح محمد عيسى طيفور النائب العام، رئيس اللجنة الوطنية لجرائم وانتهاكات القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني، إن قوات الدعم السريع "ارتكبت جرائم بشعة يندى لها جبين الإنسانية، أبرزها جريمة الإبادة الجماعية ضد شعب المساليت بمدينة الجنينة بولاية شمال دارفور، فضلا عن استهداف المدنيين في نفس الولاية من خلال قتل الرجال واغتصاب النساء".
وقال مولانا طيفور في تصريحات -اليوم الاثنين- ببورتسودان إن السلطات السودانية ستحاكم مسلحي قوات الدعم أمام المحاكم الوطنية بالبلاد، مشيدا بكفاءة السلطة القضائية الوطنية والمؤسسات العدلية قائلا "لدينا بالبلاد سلطة قضائية راسخة وعادلة ونيابة عامة فاعلة قادرة على إنجاز كل المهام المنوطة بها".
وكشف النائب العام عن تواصل مع بعض الدول بخصوص تسليم المتهمين، مبينا أنه إذا لم يتم تسليمهم فستمضي الإجراءات وستتم محاكمتهم غيابيا.
وتطرق مولانا طيفور لجرائم وانتهاكات القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني في ولاية الجزيرة، مستعرضا تفاصيل جرائم القتل والاغتصاب والتهجير وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم في المنطقة.
وتحدث النائب العام عن ارتكاب قوات الدعم جرائم اغتصاب بشكل واسع يتجاوز 966 حالة اغتصاب موثقة، مشيرا إلى وجود حالات لم يتم الإبلاغ عنها وتوثيقها.
إعلانومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية، ويواجه نحو 26 مليون شخص انعداما حادا في الأمن الغذائي، وفقا للأمم المتحدة التي دقت ناقوس الخطر مجددا -الخميس- بشأن الوضع في البلاد التي قد تواجه أخطر أزمة غذائية في التاريخ المعاصر.